تفاصيل الخبر

خياران بعد مرحلة ”تعليق“ سداد استحقاق 9 آذار:نجاح المفاوضات وإعادة الجدولة... أو فشلها ودخول في المجهول!

12/03/2020
خياران بعد مرحلة ”تعليق“ سداد استحقاق 9 آذار:نجاح المفاوضات وإعادة الجدولة... أو فشلها ودخول في المجهول!

خياران بعد مرحلة ”تعليق“ سداد استحقاق 9 آذار:نجاح المفاوضات وإعادة الجدولة... أو فشلها ودخول في المجهول!

 

<ان احتياطياتنا من العملات الصعبة قد بلغ مستوى حرجاً وخطيراً، مما يدفع الجمهورية اللبنانية لتعليق سداد استحقاق 9 آذار من <اليوروبوندز>، لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني>. بهذه العبارات طوى رئيس الحكومة حسان دياب الجدل الذي نشأ طوال الأسابيع الماضية حول ما إذا كان لبنان سيدفع استحقاق 9 آذار (مارس) الجاري أم سيتخلف عن الدفع مع ما يترتب عن ذلك من مضاعفات. طوى الرئيس دياب الصفحة، ليفتح في الواقع صفحات معروفة بداياتها ومجهولة نهاياتها، ما يعني ان لبنان دخل في نفق مجهول لا دلائل واضحة حوله، بل تكهنات تبدأ من الحظر على ممتلكاته في الخارج وتنتهي بإعلان افلاسه... أما إذا حل التفاؤل فهو سيكون في أقصى حد القبول بجدولة الدين مع فوائد جديدة وشروط قد تكون أكثر تعقيداً.

غير ان استعمال لبنان عبارة <تعليق سداد> بدلاً من الامتناع عن الدفع، فالهدف منه إبقاء الباب مفتوحاً للحوار مع مالكي أسهم <اليوروبوندز> للوصول معهم الى تفاهم لا يموت الذئب فيه ولا يفنى الغنم، أي حلول وسطى تريح لبنان جزئياً ولا تلغي مديونيته الى مالكي السندات الموجودين في الخارج أو في الداخل. ولأن القرار اللبناني لم يأت من عبث، بل كان وليد تشاور استمر أسابيع واستعان خلاله لبنان بمستشارين دوليين، واحد للشؤون القانونية تولاها مكتب <كليري غوتليب> الشهير، وآخر للشؤون المالية تولتها مجموعة <لازار> الفرنسية ذات الشهرة العالمية. والى جانب هؤلاء الاستشاريين، تم التعاقد مع مكتب للتواصل لتحقيق مواكبة تسويقية للخيارات اللبنانية لتأمين اقناع اللبنانيين بها...

كثيرة كانت الاجتماعات التي عقدت قبل يوم السبت 7 آذار (مارس) الذي وصفه البعض بـ<السبت الأسود>، تم فيها التداول في عدة اقتراحات لقي بعضها تجاوباً والبعض الآخر رفضاً، لكن الاجتماع المالي ــ السياسي الذي عقد في قصر بعبدا ذلك النهار وتلته جلسة لمجلس الوزراء اتخذ فيه قرار <التعليق>، حسم كل المقولات والاجتهادات ووضع النقاط على الحروف، وأبرزها ان لبنان غير قادر على دفع الاستحقاق البالغ مليار و200 مليون دولار لأنه لا يرغب في التفريط بما تبقى لدى مصرف لبنان من احتياط مالي لا يتجاوز 22 مليار دولار (من دون احتساب الذهب) يذهب منه تمويل الحاجات الملحة كالمحروقات والمستلزمات الطبية وغيرها، ما يعني تراجعاً في مبالغ الاحتياط الأمر الذي تصبح بعده الدولة عاجزة عن تلبية ما يحتاجه الناس.

يروي وزير شارك في اجتماع السبت في قصر بعبدا ان كلاماً قيل للمرة الأولى بين الحاضرين برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب ووزراء المال والدفاع والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف وعدد من الخبراء. من بين هذا الكلام ما يؤشر الى ان الأرقام هي وجهة نظر يتسلح بها البعض لفرض أفكاره وخياراته، ويستعملها البعض الآخر للتدليل على ان لا بديل مما يقترحه هو من اجراءات. وعليه بدا من خلال النقاش ان أزمات عدة على لبنان مواجهتها، أزمة المالية العامة والخطوة الأولى هي إعادة هيكلة الدين والخبراء الأجانب على استعداد للمساعدة، والأزمة المصرفية التي يعاني منها لبنان ومعالجتها تتطلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي وهذا الأمر لا يتم من طرف واحد بل يجب أن يتم بالتنسيق مع السلطات النقدية وإلا فإن هذا القطاع ذاهب الى خيارات غير مقبولة. أما الأزمة الثالثة فتتناول الوضع النقدي وكيفية إعادة النظر فيها...

ومن هذا التصور تشعب النقاش ليطاول وضع مصرف لبنان وامكاناته التي باتت محدودة، ما أدى الى طرح امكانية تمويل حاجات لبنان الملحة من خلال صندوق يمول استيراد المواد الأولية للصناعة والزراعة، على أن تكون أموال هذا الصندوق خارجية ويعمل مع القطاع المصرفي في لبنان أو مع الصناعيين مباشرة، وهذه الأموال تكون <طازجة> وآتية من الخارج بهدف تحريك الأسواق اللبنانية، على أن تكون مساهمة المغتربين اللبنانيين في هذا الصندوق أساسية. إلا ان هذا الاقتراح لم يترك صدى في المناقشات واكتفى الحاضرون بأخذ العلم به وليس أكثر.

ولدى طرح الحلول المقترحة ساد رأي بأن اعتماد لبنان خيار التعثر عن الدفع من دون مفاوضة له مفاعيل سلبية وسبق لصندوق النقد الدولي أن حذّر من اعتماده، علماً ان أي خيار سوف يعتمد قد يترجم إقامة دعاوى في نيويورك على لبنان. وبرزت فكرة تقوم على التواصل مع اللبنانيين من حملة السندات لضخ مبلغ 600 مليون دولار وتنتظر الدولة فترة تراوح بين 6 و7 أشهر تستطيع الحكومة من خلالها التفاوض مع الدائنين للوصول الى حل، علماً انه خلال فترة التفاوض يتوقف تسجيل الفوائد ويتوقع معها دفع بقية الاستحقاقات الى حين الوصول الى نتيجة شاملة. فإذا أتى جواب حملة السندات سلبياً يمكن التفكير بخيار آخر، أما إذا أتى الجواب ايجابياً تبدأ المفاوضات على الدين بكامله، لأن عدم الدفع سيرتب مطالبة بالدين بكامله.

 

لا دفع من أموال المودعين!

لم يحظ هذا الطرح بتأييد جميع الحاضرين على رغم ايضاحات حوله قدمها وزير الاقتصاد، لأن الفكرة الأساسية التي عبر عنها حاضرون، ومن بينهم الرئيس بري، كانت عدم جواز دفع أي استحقاق من أموال المودعين الذين خسروا الكثير من القدرة الشرائية لمالهم فهل من العدل زيادة هذه الخسارة. والبديل كان الاعلان صراحة عن عدم الدفع والتفاوض، خصوصاً ان امكانية الاستعانة بأموال المغتربين لم تعد واردة لأن هؤلاء <فقدوا> الثقة بالمصارف اللبنانية بعد الذي حصل منذ ثلاثة أشهر وحتى الآن. المغتربون يخافون ارسال مالهم الى لبنان كما كانوا يفعلون في السابق. وعليه لم يكن أمام المجتمعين في قصر بعبدا سوى البحث في مرحلة خيار <تعليق> الدفع مع ما يعني ذلك من نتائج. وبدا الرئيس بري متحمساً لخيار عدم الدفع من أموال المودعين ودافع عنه بقوة. لكن ثمة من لفت الى الانعكاسات التي ستترتب على المصارف التي يبلغ مجموع ما تملكه 14 مليار دولار يمكن أن تتهاوى قيمتها الى مليار ونصف المليار إذا توقف لبنان عن الدفع من دون خطة واضحة ومقبولة.

وبرز في النقاش خوف من أن يؤدي التوقف عن الدفع الى حجز ممتلكات للدولة اللبنانية، مثل حسابات مصرف لبنان في الخارج أو طيران الشرق الأوسط أو السفارات اللبنانية، لكن سرعان ما تبين ان مثل هذا الاجراء غير ممكن لأن للسفارات حصانات ديبلوماسية، والقوانين الدولية تمنع حجز ما يملكه المصرف المركزي مباشرة أو بالواسطة مثلما هو حال طيران الشرق الأوسط حالياً، فلم يتوقف الحاضرون عند هذه المخاوف وإن كانت امكانية حصولها واردة. وفي كل النقاش كانت الملامة ملقاة على المصارف اللبنانية التي باعت أسهم <اليوروبوندز> التي اشترتها، الى مؤسسات مالية دولية مثل <أشمور> و<فيدلتي> وغيرها، ما جعل الحصة الخارجية أكبر بكثير من الحصة اللبنانية من مالكي الأسهم وقد تجاوزت حصة المالكين الأجانب ما نسبته 75 بالمئة ما أفقد الحكومة القدرة على أن تكون في موقع أقوى في التفاوض يمكنها من إملاء الشروط عوضاً عن تلقيها! وقد برز أيضاً خطر اضافي قد يقع إذا ما توقف لبنان عن الدفع، وهو يتصل بأوضاع فروع المصارف اللبنانية في الخارج والتي تتجاوز قيمة الودائع فيها 5 مليارات دولار...

 

نسبة نجاح التفاوض مثل الفشل!

وهكذا انتهى النقاش الى اعتماد صيغة <التعليق> التي أعلنها الرئيس دياب في كلمته الى اللبنانيين لتكثر بعد ذلك الافتراضات والسيناريوات حول الخطوة التالية. وفي هذا السياق، تقول مصادر خبراء ماليين ان أمام لبنان خيار من اثنين. الخيار الأول يتعلق بامكان أن تنجح الدولة في التفاوض مع 57 بالمئة أو أكثر من حاملي السندات على إعادة هيكلة لاحقة لهذه السندات تكون ملزمة لسائر الدائنين، والخيار الثاني أن تفشل في التفاوض وعندها قد تضطر الى مواجهة الاجراءات القانونية التي قد يقيمها دائنوها بوجهها وفقاً لقوانين ولاية نيويورك لأن النصوص التي رعت هذه السندات أخضعت الاصدار لقوانين هذه الولاية، كما نصت على الاختصاص غير الحصري لمحاكم ولاية نيويورك أو أي محكمة اتحادية أخرى يكون مركزها ضاحية مانهاتن في نيويورك للنظر في أي نزاع ينشأ بين الدولة وحاملي السندات.

ثمة من يقول ان من مصلحة حاملي السندات التفاوض في شأن سدادها لأن لا مصلحة لهم في الدخول في دعاوى يمكن أن تستمر وقتاً طويلاً ونتائجها غير مضمونة وعليه فإن التفاوض حاصل حتماً وقد يأخذ وقتاً لكن يتم الوصول في النهاية الى اتفاق. في المقابل، يقول آخرون ان <تسييس> هذا الملف يمكن أن يؤدي الى <عناد> حملة السندات لأهداف سياسية ترتبط بالموقف الأميركي من الدولة اللبنانية وخياراتها السياسية، وفي هذه الحال تتعقد الأمور وتصبح المعالجة سياسية وليست نقدية أو قانونية فحسب ما يعني ان النقاش سوف ينتقل من مكان <تقني> الى موقع سياسي وهنا تدخل البلاد في المجهول لاسيما وان العلاج السياسي له طرقه وهي تختلف عن العلاج التقني.

في أي حال، المسألة لن تتعدى الأسبوعين ليتوضح مسارها.. وإن غداً لناظره قريب!