تفاصيل الخبر

خيار دياب لرئاسة الحكومة ”صنع في بعبدا“ وتجاوز ”قطوع“ التكليف لا يعني حتمية التأليف!

26/12/2019
خيار دياب لرئاسة الحكومة ”صنع في بعبدا“ وتجاوز ”قطوع“ التكليف لا يعني حتمية التأليف!

خيار دياب لرئاسة الحكومة ”صنع في بعبدا“ وتجاوز ”قطوع“ التكليف لا يعني حتمية التأليف!

لن يكون من السهل الاحاطة سريعاً بالظروف التي أدخلت نائب رئيس الجامعة الأميركية لشؤون التواصل مع الجامعات الأخرى الدكتور حسان دياب، نادي رؤساء الحكومة، فالرجل الذي دخل الحياة العامة في العام 2011 وزيراً للتربية والتعليم العالي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، غاب عن الأضواء منذ استقالة تلك الحكومة، لكنه عاد ودخل المسرح السياسي اللبناني من الباب العريض رئيساً لحكومة يريدها حكومة اختصاصيين ومستقلين، في وقت خرج الرئيس سعد الحريري من السباق الى السرايا بملء ارادته لأنه أراد تشكيل حكومة مماثلة، أي من اختصاصيين ومستقلين، ولم تتم الموافقة على رغبته فآثر الانكفاء مفسحاً في المجال أمام الأكاديمي حسان دياب ليكون رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة بالمعايير نفسها، فلماذا ما هو ممنوع على الرئيس الحريري مسموح للرئيس دياب؟

قصة خروج الحريري من الباب ليدخله الرئيس دياب طويلة ومتشعبة وتكاد تكون غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم. ذلك ان الرئيس الحريري ظل حتى آخر ساعة المرشح الوحيد لتشكيل حكومة ما بعد <ثورة 17 تشرين>، على رغم <احتراق> أربع شخصيات في محرقة السرايا: الوزير والنائب السابق محمد الصفدي، الوزير السابق بهيج طبارة، الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين، وصولاً الى رجل الأعمال سمير الخطيب... وعلى إثر <سقوط> الواحد تلو الآخر من هذه الشخصيات، كان واضحاً ان الاسم الجدي الوحيد هو الرئيس الحريري نفسه الذي تمسك بمطلبه في تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين ولم يقبل أن يزيح قيد أنملة عن موقفه على رغم معرفته بأن <الثنائي الشيعي> و<التيار الوطني الحر> يريدون حكومة تكنوسياسية حتى تتوافر لها التغطية السياسية المطلوبة لأنها مدعوة الى اتخاذ قرارات <موجعة> ــ على حد تعبير الرئيس الحريري ــ والخوض في إقرار اصلاحات جذرية ومكافحة الفساد وغيرها من المهمات الصعبة التي لا يستطيع أي كان أن يتولاها وحيداً ولا بد من <غطاء> سياسي له يقيه شر قتال التقليديين الذين شعروا ان خطة ابعادهم عن الحلبة السياسية ماضية وبنجاح كبير.

 

هذا ما دار بين عون وبري والحريري!

تمسك الرئيس الحريري بموقفه ورفض تقديم أي تنازلات في هذا المجال على رغم معرفته بأن هذا الإصرار يبعده عن ركن <التسوية> وحليف الأمس <التيار الوطني الحر>، ومع حلول موعد الاستشارات النيابية الملزمة يوم الاثنين 16 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بدا وكأن الطبخة لم تنضج بعد على اثر انسحاب سمير الخطيب من الساحة، فاتصل الرئيس الحريري قبل ساعتين من بدء الاستشارات في قصر بعبدا بالرئيس نبيه بري متمنياً عليه الطلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات أسبوعاً خصوصاً بعدما أعلنت <القوات اللبنانية> انها لن ترشح أحداً لتشكيل الحكومة ما يعني ان الرئيس الحريري فقد أصوات نواب <القوات>، وبتعبير آخر، أصوات الفريق المسيحي الذي كان يتكل عليه، لاسيما بعدما أعلن <التيار الوطني الحر> انه لن يرشح أحداً أيضاً بل سيترك خياره في عهدة رئيس الجمهورية.

ويروي المطلعون وقائع ما حصل بعد اتصال الرئيس الحريري إذ بادر الرئيس بري الى الاتصال برئيس الجمهورية الذي كان يستعد لبدء الاستشارات ناقلاً تمني الرئيس الحريري بالتأجيل أسبوعاً واحداً. لم يقتنع الرئيس عون بالمهلة التي طلبها الحريري وأبلغ بري انه لا يرى مبرراً لتأجيل الاستشارات مقترحاً أن يأتي الرئيس الحريري الى قصر بعبدا ويطلب ذلك منه ويعلن بنفسه أمام وسائل الاعلام طلب التأجيل وتجاوب الرئيس عون مع هذا التمني الحريري. استمهل الرئيس بري رئيس حكومة تصريف الأعمال ثم طلب منه أن يتصل بنفسه بالرئيس عون وينقل إليه رغبته. بعد دقائق كان هاتف الرئيس عون يرن وعلى الخط الثاني الرئيس الحريري الذي كرر طلبه من الرئيس عون الذي بادره بالقول: <لماذا التأجيل لمدة أسبوع؟... هناك فريقان تريد التشاور معهما، <القوات اللبنانية> و<التيار الوطني الحر> ويمكنك فعل ذلك خلال يومين أو ثلاثة وبالتالي تؤجل الاستشارات الى يوم الخميس. حاول الرئيس الحريري تبديل موقف الرئيس عون إلا انه لم يوفق، فرئيس الجمهورية كان قد قال إن التأجيل الى يوم الخميس هو آخر تأجيل ولن يحصل بعد ذلك أي تأجيل. وبدا من خلال الاتصال ان الجو <ناشف> بين الرئيسين عون والحريري على رغم ان الأخير زار بعبدا بعيداً عن الاعلام يوم السبت الذي سبق موعد

الاستشارات سعياً وراء اقناع رئيس <التيار الوطني الحر> جبران باسيل بمشاركة <التيار> في الاستشارات لتسهيل تشكيل الحكومة، لكن الطلب لم يلق تجاوباً رئاسياً.

انتهت المكالمة الهاتفية بين بعبدا و<بيت الوسط> بالسير بالتأجيل الى يوم الخميس حتى يتمكن الرئيس الحريري من اقناع <القوات اللبنانية> بتغيير موقفها الذي أعلنته يوم الاثنين بعد اجتماع استمر 7 ساعات على ما قالت مصادر <القوات>. إلا ان ما من أحد اقتنع بأن مهلة التأجيل ستحدث تبديلاً، وهذا ما صح يوم الأربعاء حين أعلن الرئيس الحريري عزوفه عن الترشيح معللاً ذلك بمعرفته ان نواب <تكتل لبنان القوي> سوف يضعون خيارهم في الاستشارات في عهدة رئيس الجمهورية ما عدّه مخالفة دستورية، إضافة الى ان <القوات> أصرت على موقفها، وهو ــ أي الحريري ــ لا يريد أن يكون رئيساً مكلفاً بأصوات المسلمين، سنة كانوا أم شيعة. حيال هذا الواقع بدا ان تأجيل الاستشارات بات وارداً، لكن رئيس الجمهورية أصرّ على اجرائها في موعدها وأخذ زمام المبادرة طارحاً اسم الدكتور حسان دياب ليتولى رئاسة الحكومة، فهو رجل اختصاص وتكنوقراط، سني من بيروت وزوجته من طرابلس، وله في صفوف الأكاديميين والجامعيين الموقع المميز، وهذا ما ظهر جلياً في السيرة الذاتية التي قرأها الرئيس عون بإعجاب.

عون اختار دياب!

ومع هذه التطورات المتسارعة حصل خلط الأوراق، وبدا وكأن الاتجاه بات يميل صوب دياب ليكون رئيساً مكلفاً <صنع في بعبدا> وليس أي مكان آخر. تم الاتصال من القصر بالدكتور دياب فصعد الى بعبدا للمرة الثانية منذ نشوء أزمة <الحراك الشعبي> وكان حديث بينه وبين الرئيس عون انتهى الى التوافق على توفير الدعم اللازم لدياب ليكون رئيساً مكلفاً، وقد تولى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم نقل الاسم المختار الى <الثنائي الشيعي> الذي وافق على الخيار الرئاسي، وبدأت الاتصالات كي يُسمى دياب خلال الاستشارات من الأكثرية النيابية وهو ما تم فعلياً ونال دياب 69 صوتاً نتيجة تفاهم حزب الله وحركة <أمل> و<التيار الوطني الحر> و<المردة> وعدد من المستقلين. وهنا صار تكليف دياب أمراً واقعاً وأعلن من قصر بعبدا في نهاية الاستشارات توجهاته في الحكومة العتيدة بحيث أكد ضم ممثلين عن <الحراك> إليها، مبرزاً انفتاحاً واضحاً على رواد الساحات الذين قال دياب انه واحد منهم. وبالتوازي كانت المسيرات الليلية والمواجهات في بيروت بين المحتجين على تسمية دياب والقوى الأمنية ما حوّل الوسط التجاري الى ساحة حرب حقيقية!

وعلى وتيرة عالية كانت صرخات المعترضين تركز على <عدم ميثاقية> هذا التعيين على أساس ان دياب لم ينل سوى 5 أصوات للنواب السنة،  فيما حجبت عنه أصوات 22 نائباً سنياً سواء من خلال المقاطعة أو من خلال عدم ترشيح أحد، كما فعلت كتلتا <المستقبل> و<القوات اللبنانية> وعدد من المستقلين... الا ان الرئيس المكلف باشر زياراته التقليدية الى رؤساء الحكومة السابقين باستثناء الرئيس ميقاتي الذي غادر بعد ادلائه بصوته في بعبدا الى الخارج لارتباطه بموعد سابق، ثم انتقل دياب الى الاستشارات النيابية وحاول استكمال مشاوراته مع ممثلين عن <الحراك الشعبي> فلم يفلح، وعوّض عن ذلك بتشاوره مع شخصيات سياسية وفاعليات تاركاً زيارة دار الفتوى الى ما بعد التشكيل لأنه شعر ان موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان <لا يشجع> لأنه ــ أي المفتي ــ سبق أن أعلن ان مرشح المسلمين السنة هو الرئيس سعد الحريري...

 

متى التأليف؟

 

في أي حال، تم التكليف فهل تكتمل الفرحة بالتأليف؟

مصادر سياسية مواكبة ردت عن هذا السؤال بالقول ان السقف الذي وضعه الرئيس المكلف لشكل حكومته كان سقفاً عالياً، ذلك ان حكومة الاختصاصيين المستقلين تعني ان لا مكان لأي أثر سياسي فيها وهو أمر لن يمر بسهولة، وإن كان <التيار الوطني الحر> قد أعلن تسهيل مهمة الرئيس المكلف و<التضحية> بعدم المطالبة بتمثيل له في الحكومة. لكن مواقف <الثنائي الشيعي> الداعية الى حكومة <تكنوسياسية> لن تتبدل بسهولة، ما يعني ان الرئيس المكلف سيجد ممانعة في خلو حكومته من وزراء سياسيين أو حزبيين ولو كانوا تكنوقراط. كذلك فإن ردود الفعل الشعبية الغاضبة التي عبّرت بحرفية وتنسيق ظاهرين عن رفضها <الرئيس غير الميثاقي>، استمرت في الشوارع والساحات والإعلام، متهمة الرئيس المكلف بتشكيل حكومة أطلقوا عليها <حكومة حزب الله>. علماً ان الرئيس دياب نفى أن يكون يعمل على هكذا حكومة، واصفاً هذا الاتهام بـ<السخيف>، كما رفض <حكومة اللون الواحد> قائلاً ان حكومته ستكون ممثلة للكل... أما كيف يتم ذلك ومواقف الكتل التي لم تسمه معروفة وهي ترفض الاشتراك في الحكومة، ما يعني عملياً في حال الاصرار، ان الحكومة ستضم وزراء مقربين من فريق <8 آذار> الذي تشكل من حزب الله وحركة <أمل> و<التيار الوطني الحر> و<المردة> وعدد من المستقلين الدائرين في فلك <جبهة الممانعة>.

وسط هذه التجاذبات، فإن ثمة من يرى ان اصرار دياب على حكومة اختصاصيين مستقلين سوف يصطدم بمطالبة الفريق الذي سمّاه بأن يتمثل في الحكومة، لاسيما وأنه يتمتع بأكثرية نيابية يمكن أن تصل الى 69 صوتاً أو ربما 70 صوتاً، لكن الحكم النهائي سيكون من خلال نوعية التركيبة الحكومية التي سيقترحها دياب والتي لا يمكن أن تكون مستقلة مئة بالمئة، بل ستضم على الأرجح، اختصاصيين على علاقة ما بالأطراف السياسيين الذين منحوا دياب ثقتهم.

وهكذا يبدو ان ولادة حكومة دياب قد تتعثر الى حين التوافق على تركيبتها، علماً ان ثمة من يقول ان التركيبة <جاهزة> وان كل ما جرى في الاستشارات النيابية والمواقف التي صدرت عنها هو مجرد بروتوكول لا بد منه، في حين ان خيارات التوزير محددة ومعروفة سلفاً. لكن ثمة من يقول أيضاً ان دياب ليس من النوع الذي يساوم على المواقف وهو كان حدد موقفه من شكل حكومته ولن يغيره... وهو قال أيضاً انه <لن يعتذر عن التأليف>.

باختصار، تبدو البلاد في مرحلة مواجهة سياسية جديدة احيت فريقي قوى <8 آذار> و<14 آذار> مع ما يعني ذلك من ردود فعل سياسية... وغير سياسية أيضاً!