تفاصيل الخبر

خطة الإنقاذ واستعادة الأموال المنهوبة تحت مجهر خبراء الاقتصاد والمال والمصارف

10/02/2021
خطة الإنقاذ واستعادة الأموال المنهوبة تحت مجهر خبراء الاقتصاد والمال والمصارف

خطة الإنقاذ واستعادة الأموال المنهوبة تحت مجهر خبراء الاقتصاد والمال والمصارف

 

بقلم طوني بشارة

 

الخبير المصرفي الاقتصادي نقولا شيخاني: يمكن استرداد الأموال المنهوبة عبر اللجوء الى القانون الخاص بتبييض الأموال وبالاستناد إلى عملية "لافا جاتو" التي جرت في البرازيل

 

[caption id="attachment_85742" align="alignleft" width="348"] مصرف لبنان ... يجب إيقاف حقه بإصدار النقد بموجب قانون.[/caption]

 دخل لبنان مرحلة الانهيار التام  بعد تفاقم  الدين  الذي ناهز الـ 92 مليار دولار، وخسارة البنك المركزي بين 45 و50 مليار دولار، ناهيك عن  افلاس الدولة وتعسرها بدفع مستحقات "اليوروبوند"، وخسائر  طاولت المصارف اللبنانية ولامست الـ 35 مليار دولار، إضافة الى تخفيض احتياطي المركزي من 38 مليار دولار الى 17.5 مليار دولار. فهل من خطة معينة يمكن اتباعها والاتكال عليها للتخفيف من عبء هذه الخسائر ؟

 

شيخاني والوضع المأساوي

 

الخبير المصرفي والاقتصادي والمدير المؤهل لمكافحة الفساد نقولا شيخاني قال بهذا الخصوص إننا نمر حالياً بوضع اقتصادي مأساوي للغاية، اذ هناك تراجع بقيمة الليرة ناهز الـ 600 في المئة، ناهيك عن بطالة تجاوزت الـ 40 في المئة وتضخم فاق الـ 70 في المئة، وسبب ذلك عائد بالدرجة الأولى الى الازمة الاقتصادية التي بدأت معالمها تظهر منذ عام  2001، حيث اقترض لبنان ( باريس1 وباريس2 ) لوقف الانهيار المالي، وبعد ذلك لم يتم وضع أي خطة اقتصادية، علماً ان اقتصادنا منذ عام 2001 حتى عام 2006 كان مرتكزاً بالدرجة الأولى على قطاعي السياحة والعقارات، ومع حرب 2006 تراجعت السياحة واندثر قطاع العقارات ، مما دفع المصرف المركزي الى اتباع سياسة تقضي بزيادة الفوائد على الودائع وذلك لجذب أموال المودعين من اجل تغطية النقص الناتج عن تراجع قطاعي السياحة والعقارات وذلك من عام 2006 حتى عام 2008.

وتابع شيخاني قائلاً:

- استمر الامر على ما هو عليه حتى 2011 مع بداية الحرب السورية التي نتج عنها تراجع بنسبة 50 في المئة  لقطاع الخدمات الذي كان يرتكز بالدرجة الأولى على السعودية والعراق وسوريا مما أدى الى خسارة ناهزت الـ 3 مليار دولار، وترافق ذلك مع دخول مليون ونصف مليون نازح سوري الى لبنان مما أدى الى خروج 3 مليار دولار سنوياً من لبنان الى أهالي النازحين في سوريا ، للأسف عندها عمدت أيضاً الجهات المعنية وكحل للازمة الى زيادة الفوائد بدلاً من تفعيل الاقتصاد، كما ارتكزت على الاستدانة ودخلنا عندها بمرحلة الهندسات المالية.

*- وماذا نتج عن الهندسات المالية واستدانة الدولة وتعثرها عن "اليوروبوند"؟

- أدى هكذا اجراء الى نتائج عديدة تتلخص بالآتي:

- دين متفاقم (92 مليار دولار).

- خسارة بالبنك المركزي بين 45 و50 مليار دولار.

- افلاس الدولة وتعسرها بدفع مستحقات "اليوروبوند"، مما أدى الى تضاعف الخسارة بالمصارف اللبنانية (اجمالي الخسارة 35 مليار دولار).

- تخفيض احتياطي المركزي من 38 مليار دولار الى 17.5 مليار دولار.

 

*- مما لا شك فيه اننا نمر بأزمة مالية نقدية خانقة، فما هي تداعياتها المستقبلية في حال لم يتم إيجاد حل جذري وفعال ؟

-المصرف المركزي يتكلف شهرياً 500 مليون دولار من اجل دعم البنزين ،الخبز والادوية وبعض السلع الغذائية، ولكن للأسف 200 مليون دولار تصل فقط  للناس المحتاجين ، وبعملية حسابية بسيطة نتكلف سنوياً 6 مليارات دولار بسبب عدم ترشيد الدعم، مما يعني حكماً انه يجب إيقاف هذا النزيف، علماً انه ومع إيقاف الدعم سيصل سعر ربطة الخبز الى 15 الف ليرة وسعر البنزين قد يصل الى عتبة الـ 100 الف،  اما سعر الادوية فحدث بلا حرج، اي بمعنى آخر سندخل مرحلة التضخم المفرط " hyperinflation " وعندها لن يعود بإمكاننا تطبيق أي خطة اقتصادية فتتكرر تجربة فنزويلا ونصبح امام فنزويلا 2 ،

واللافت ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعلن انه سيغير النظام النقدي الحالي وسيخلق نظاماً  نقدياً جديداً وهو المعوم الموجه، وهذا النظام لن يحل الازمة بشكل كلي .

 

نظام مجلس النقد والإجراءات المفترضة

[caption id="attachment_85743" align="alignleft" width="215"] نقولا شيخاني: نظام مجلس النقد هو الأفضل لأنه يثبت سعر الليرة ويعيد الثقة اليها ويوحد سعر المنصة وسعر السوق السوداء ما بين الـ 5000 والـ 6000 ليرة.[/caption]

* تعتبر ان نظاماً كهذا غير كاف، فهل من نظام معين تقترحونه؟

-افضل نظام هو نظام مجلس النقد الذي يثبت سعر الليرة ويعيد الثقة اليها، ويوحد سعر المنصة وسعر السوق السوداء ما بين الـ 5000 والـ 6000 ليرة، ومن ثم يثبت السعر، مما يخفف من قدرة السوق السوداء على الضغط على الليرة، كما ويوقف التضخم ، ويساعد بتسكير عجز ميزان المدفوعات، ونحن ملزمون بأن يترافق هذا النظام مع خطة اجتماعية متكاملة ومتناسقة.

 

*- هل من إجراءات معينة يفترض اتباعها من قبل مجلس النقد؟

 

- كخطوة أولى يجب على مجلس النقد إيقاف حق المصرف المركزي بإصدار النقد واخذ السلطة النقدية من يد المصرف المركزي بموجب قانون، مما يمكنه من تنظيم عملية  طبع الليرة . وهنا يجب الإشارة الى ان مجلس النقد لا يحل الازمة الاقتصادية بل يحل الازمة النقدية ويسهل الطريق لوضع خطط لحل ازمة الدين والمصارف وأزمة خسارة الدولة وأزمة خسارة مصرف لبنان وكما انه يلزم الدولة بإجراء الإصلاحات .

*- ولكن في ظل الازمة الحالية وتراجع نسبة الاحتياطي هل من الممكن تطبيق فكرة مجلس النقد؟

 

- لدينا حالياً 17.5 مليار دولار وهذا المبلغ كفيل بتركيب مجلس نقد فعال وقادر على تثبيت سعر الدولار على الـ 6000 ليرة، ويجب الإسراع بتشكيل مجلس النقد قبل ان يرتفع الدولار ويتخطى عتبة الـ 15000 ليرة . حالياً من الممكن تثبيت سعر الدولار على 6000 ليرة اما فيما بعد في حال ارتفع الدولار وتجاوز مثلا عتبة الـ 15000 يصبح الامر معقداً للغاية .

الخطط الممكن تطبيقها

 

*-تكلمت عن خطط معينة تترافق مع تركيب او تشكيل مجلس النقد وتثبيت سعر الصرف، فما هي هذه الخطط؟

- يجب حالياً تثبيت سعر الصرف وتركيب مجلس النقد ومن ثم وضع خطة اجتماعية عندها يتوقف التضخم وتعاد الثقة ويتم الزام الدولة بإجراء إصلاحات مما يوقف الهدر والعجز. ومقابل ذلك يجب وضع خطة مالية تقضي بإعادة جدولة الديون وتخفيف فوائد الدولة على ديونها ومن ثم وضع خطة للكهرباء لايقاف خسارة مليار دولار ونصف المليار سنوياً، ومن ثم تشكيل صندوق سيادي لتسديد ديون الدولة وديون مصرف لبنان ويتضمن هذا الصندوق جزءاً من أملاك الدولة. وعندها يتم فتح المفاوضات مع الدائنين الخارجيين لجلب 11 مليار دولار ومن ثم نلجأ الى (وضع خطة اقتصادية لتسكير عجز ميزان المدفوعات).

 

*-هذه الخطط تمت تسميتها بخطة التعافي التي وضعها بنك المشرق للاستثمار (LIBANK) وانتم  تطرحون حلاً وسطياً يجمع بين مختلف الأطراف اللبنانية لتصبح بمثابة خريطة طريق تسهل التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية. فهل من الممكن التطرق بشكل موسع لها؟

- تعتمد هذه الخطة على ارقام خسائر البلاد التي قدرتها الحكومة بأواخر نيسان (ابريل) عام 2020 ، والتي يعتبرها صندوق النقد الدولي أقرب إلى الواقع من تلك التي قدرتها المصارف. كما تعتمد سعر الصرف الذي تعتمده الحكومة لاحتساب الخسائر التراكمية للبلاد أي 3500 ليرة للدولار الواحد.

وتابع شيخاني قائلاً:

- بناء على ذلك، تهدف الخطة إلى تجنب "الهيركات"على اموال المودعين، وتوزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، واعادة الثقة والسيولة للقطاع المصرفي تمهيداً لاعداد خطة انقاذية لتحقيق النمو الاقتصادي. تهدف الخطة الى تقليص الخسائر المرتبطة بالتخلف عن سداد الدين العام من خلال إعادة هيكلة وجدولة  سندات الخزينة، ومقايضة السندات التي يحتفظ بها مصرف لبنان بأصول الدولة واسترداد الاموال العامة المنهوبة. كما تهدف الى تقليص خسائر مصرف لبنان من خلال المقايضة المذكورة أعلاه مع الدولة، وعائدات الإصدار النقدي (الفارق بين تكاليف إنتاج وتوزيع العملة، والقيمة الاسمية للعملة). وتتوخى الخطة خفضاً بقيمة 9 مليارات دولار من خلال إعادة الأموال المنهوبة وإعادة هيكلة سندات الخزينة بالليرة، وإعادة تقييم القروض المشكوك في تحصيلها وإعادة رسملتها، ويقدر استرداد مردود الفائدة المرتفعة بنحو 7 مليارات دولار، بما يؤدي إلى انخفاض الخسائر بنحو 43 مليار دولار، اذا اخذنا في الاعتبار ان إجمالي الخسائر يقدر بنحو 44 مليار دولار. وهذا يعني استبعاد "الهيركات". وهنا يجب تطبيق الخطة بأسرع وقت ممكن لأن كل شهر تأخير عن تطبيقها يؤدي الى خسارة 500 مليون دولار شهرياً للدولة وتتراكم الخسارة تباعاً..    

*-هل من الممكن شرح أهمية ذلك على الاقتصاد بالأرقام؟

- ان اهمية الخطة لا تكمن بأرقامها انما باجتراح الحلول التي تتضمنها، فهي تلحظ إعادة جدولة الديون بالليرة اللبنانية أولاً، بمتوسط ​​استحقاق مدته 15 عاماً مع تخفيض أسعار الفائدة إلى 1 أو 2 في المئة ، إذ خلال السنوات الخمس الأولى، تمنح فترة سماح يجري خلالها دفع الفائدة المخفضة فقط. وسيوفر ذلك سيولة كافية لتمويل الإصلاحات الاقتصادية. وعليه، من خلال إعادة هيكلة الدين بالليرة اللبنانية، ينخفض العجز بنحو 30 في المئة ، ذلك أن خدمة الدين هي بمثابة تكلفة تتكبدها الدولة، وتالياً، فإنّ المصارف المتيقنة من عدم إفلاسها في غياب الهيركات للديون بالعملة الوطنية، أي بوجود مخاطر منخفضة لإفلاس المصارف - وفي إطار امتلاكها لما نسبته 28 في المئة من الدين بالليرة اللبنانية - ستكون أكثر عزماً على الالتزام بالتعميم الرقم 532 لمصرف لبنان الصادر في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)2019 والذي يدعو المؤسسات المصرفية إلى زيادة رأس مالها بنسبة 20 في المئة ، وهنا يفترض تأمين ضمانة للبنوك تشمل  عدم تعثر الدولة على تسديد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية .

واستطرد شيخاني قائلاً :

- من المتوقع أن يتجاوز المبلغ التراكمي للمساهمات الجديدة الى 4 مليارات دولار للقطاع بأكمله. وهذه الاموال موجودة لدى المصارف نتيجة توزيعهم للمساهمين ارباحاً قدرت بنحو 6 مليارات دولار بين 2016 و2019. وبذلك يكون القطاع المصرفي هو القطاع الذي يتعيّن عليه دعم الاقتصاد في غضون السنوات المقبلة، لذا من الضروري المحافظة عليه. كما وتقترح الخطة البديلة اعادة هيكلة القطاع المصرفي واللجوء الى خطة " good bank – bad bank " هدفها اعادة تنظيم وتنظيف الاصول المتعثرة في القطاع المصرفي.

 التسوية والمقايضة بسندات الخزينة

*- في سياق حديثك اشرت الى فكرة المقايضة بسندات الخزينة ، فعلى ماذا تعتمد هذه الخطة؟

-بالتأكيد هناك نقطة مهمة في هذه الخطة البديلة وهي المقايضة (التبادل) بين سندات الخزينة التي يحتفظ بها مصرف لبنان وأصول الدولة - تستثنى منها سندات "اليوروبوند" لأنها بالعملات الأجنبية. وهي تشمل أصولاً تعادل ما قيمته 20 مليار دولار (14 مليار دولار منها لسندات الخزينة بالليرة، و6 مليارات دولار لدخل الديون في المستقبل). توازياً تشدد الخطة على ضرورة ان يلحظ الاتفاق ما يسمح للدولة بإعادة شراء الأصول عند إجراء الإصلاحات الاقتصادية، بالسعر الحقيقي للأصول، وذلك لاسترداد اصول الدولة  التي  هي  في النهاية ملك للبنانيين بما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها إذا تمّ استخدامها من أجل إنعاش البلاد اقتصادياً. ولدينا إصرار على استقلالية وشفافية مجلس الإدارة الذي سيدير ​​أصول الدولة ، حيث يجب أن يتكون من مستقلين ومهنيين غير منتمين سياسياً الى أي جهة سياسية ، بالتعاون مع إدارة صندوق النقد الدولي. فهذه المقايضة تسمح بانخفاض ملحوظ في نسبة الدين بقيمة 50 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وتابع شيخاني قائلاً:

- كما توصي الخطة باستعادة مردود الفائدة التي حصل عليها المودعون، والتي كانت أعلى من معدلات سندات "اليوروبوند"، والمقدرة بمبلغ 7 مليارات دولار منذ العام 2016، من دون التأثير على رأس المال والفائدة، وأن تكون الفائدة المكتسبة أقل من هذا المعدل. اضافة الى استرداد الأموال المنهوبة عبر اللجوء الى القانون الرقم 44 لعام 2015 بشأن تبييض الأموال وبالاستناد إلى عملية "لافا جاتو" التي جرت في البرازيل ومكنت الدولة البرازيلية من استرداد مليارات الدولارات، من خلال تسوية المعاملات ودياً.

*-تتكلم عن قوانين فهل سيتم اللجوء الى القضاء لتنفيذ ذلك؟ وبمعنى آخر هل ان القضاء قادر في ظل الظروف الراهنة على تحقيق ذلك؟

- بما ان اللجوء إلى القضاء يستغرق وقتاً ولا يسمح باسترداد مبلغ كبير لذا لا بد من تسوية المعاملات، حيث تقترح الخطة متابعة الإجراءات القضائية والاتهامات اللازمة وفقاً للقانون 44 ومن ثم نصل الى تسوية تتضمن إعادة  بعض الأموال المسروقة  أي 20  في المئة من اصل قيمة  تتراوح بين 30 و40 مليار دولار  من أجل الحفاظ على سمعتهم، مما يعني استرداد ما قيمته حوالي 10 مليار دولار. كما وتختلف الخطة المطروحة عن خطة الحكومة وخطة المصرف لأنها توزع الخسائر بإنصاف بين الدولة  (50 في المئة) ومصرف لبنان (25 في المئة) والبنوك ( 2  في المئة).