الذكرى السنوية لإعلان "تفاهم معراب" بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، مرت هذه السنة وكأن شيئا لم يكن، لا "القوات" أحيت ذكرى هذا التفاهم، ولا "التيار" أضاء على الإنجاز الذي تحقق في جمع قوتين مسيحيتين كانتا على خلاف دامٍ واتفقتا على أمور كثيرة قلبت ميزان القوى السياسية في البلاد وأثمر اتفاقهما انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وعليه فقد تجاهل الطرفان إحياء هذه الذكرى لأنها أصبحت على ما يبدو... من الماضي. والملفت انه بعد خمس سنوات على إعـــــلان هذا الاتفاق ينتهي الأمــــر بمطالبة رئيس "القوات" رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالاستقالة ما جعل "الجرة" تنكسر نهائياً بين الحزبين، وبات للخصومة بينهما أبعاداً اكبر طغت على نقاط الاتفاق التي جمعت بينهما ذات يوم... واللافت في هذا السياق أن كل طرف يحمل الآخر مسؤولية تدهور العلاقة وسقوط الاتفاق من دون أي إشارة الى إمكان إعادة وصل ما انقطع. فالخلاف تجاوز "سوء تفاهم" بين فريقين سياسيين الى حد لم تعد تنفع أي محاولة لاعادة إحياء هذا الاتفاق، بل بالعكس بات العمل يتم على الغاء كل ما يتصل بهذا التفاهم الذي انهى خلافاً طويلاً بين اكبر قوتين مسيحيتين، ما اضعف الدور المسيحي في الحياة السياسية اللبنانية الى حد السقوط العظيم.
رواية "القوات"....
مصادر "القوات" تقول إن فريق "التيار" هو الذي نكث بالاتفاق وتصرف على نحو جعله من الماضي، وتورد سلسلة معطيات لتأكيد وجهات نظرها حيال هذه المسألة سواء لجهة نقض ما ورد في التفاهم من تعاون وتنسيق وتقاسم حصص في التعيينات وفي المواقف السياسية. وتوجه اصبع الاتهام مباشرة الى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي تحمله وزر كل ما جرى وأدى الى تباعد تطور الى قطيعة. وتعزز حججها بالاستشهاد بأحداث كثيرة وقعت تتمحور كلها على ان باسيل "لا يشبع" وانه يريد السيطرة على الواقع السياسي المسيحي وشنّ "حرب الغاء" سياسية مماثلة لما حصل عسكرياً خلال تولي العماد عون رئاسة الحكومة العسكرية. وعليه كانت الحرب على معراب "حرباً قاسية" لإنهاء دور "القوات" وفي أحسن الحالات اضعاف هذا الدور وجعله هامشياً لا تأثير له ولا حضور.
وتضيف المصادر نفسها ان الاتفاق كان له بعدان، بُعد تكتيكي وبعد استراتيجي. ووفق حسابات موازين القوى أخطأت قيادة "التيار" بالبعد التكتيكي وتعاطت مع الاتفاق على أساس ان موازين القوى باتت لصالحهما بعد وصول "الجنرال" الى الرئاسة، بينما لو تعاطت معه بمنطق جعجع وبالمنطق الاستراتيجي لكانت حفظت "الثنائية المسيحية" التي أمنت التوازن الوطني بعد 30 عاماً على اندحاره. وهذه "الثنائية" - في نظر "القوات"- هي التي أعادت لموقع الرئاسة رونقه... وكانت لتساهم في نهضة لبنان وبأن يكون عهد الرئيس عون العهد القوي والاستثنائي بكل معنى الكلمة. وتسجل المصادر نفسها على "التيار" دخوله في مشاريع محاصصة مع تيار "المستقبل" خلال السنوات الثلاث من عمر العهد من خـــلال حكومتين شاركت فيهمـــا "القوات" لكنها كانت تشعر بأنها "مضطهدة " من الثنائي "التيار – المستقبل" سواء من خلال التعامل مع وزرائها في الحكومتين، او من خلال توزيع الحصص في التعيينات وغيرها متجاهلين حصة "القوات" التي نص عليها "اتفاق معراب"، الامر الذي اوجد ثنائيتين، الأولى "الثنائية الشيعية" التي حققت مكتسبات عدة بفعل تضامنها، والثانية ثنائية "التيار- المستقبل" التي "صـــادرت" كل المواقع الإداريـــة وتقـــاسمت الحصص وهمشت "القـــوات" وجعلتهم "منبوذين" داخل مجلس الوزراء، ومعزولين عن القرار...
وتضيف مصادر "القوات" ان الانتخابات النيابية العام 2018 كرست الخطوات الأولى لسقوط اتفاق "معراب" واظهرت نتائجها ان القاعدة المسيحية "تضامنت" مع "القوات" واعطتها 15 نائباً "صافياً" في مختلف المناطق التي كان لــ "القوات" الحضور الذي أمن وصول هؤلاء النواب الذين كانوا في مواجهة مع نواب "التيار"، ما يعني ان المزاج المسيحي مال صوب "القوات" واعطاهم 15 نائباً لم تكن القوات قادرة على الحصول عليهم لو تحالفت مع "التيار" خلال الانتخابات. وفي مقابل "وحدة " موقف القوات، قاعدة وقيادة، تقول المصادر، هناك تفكك هائل في جسم التيار العوني التنظيمي وحالات تمرد حتى ضمن اهل البيت. وتسجل "القوات" ان اتفاق معراب انجز مشروع "أوعا خيّك" الذي حقق في رأي مصادرها الكثير على الأرض بدليل ان الاشتباكات التي تحصل بين مناصري "القوات" و"التيار" تتم على مستوى الجيوش الالكترونية وليس على الأرض، ما يعني ان السنوات العجاف التي مرت بها العلاقة بين الحزبين تركت دروساً للفريقين لا تنسى وان أي خلاف سيبقى خلافاً سياسياً لا مجال لأن يتحول الى صدامات امنية في المناطق اللبنانية حيث يوجد الفريقان بكثرة.
.. رواية "التيار"
في المقابل فإن مصادر "التيار" تحمل قيادة "القوات" مسؤولية انهيار اتفاق معراب لافتة الى ان فريق الحكم حرص في اول حكومة في عهد الرئيس عون على منح "القوات" 4 وزراء بمن فيهم نائب رئيس مجلس الوزراء "وإقصاء" حزب الكتائب عن حكومة العهد الأولى كرمى لعيون "القوات"، الا ان الفريق الوزاري القواتي لم يلتزم مضمون اتفاق معراب لجهة دعم العهد وشد ازره اذ راح يتمايز في مواقفه داخل مجلس الوزراء عن مواقف وزراء "التيار" والعهد ما احدث شرخاً في الموقف المسيحي داخل مجلس الوزراء وجعل "الفريق الآخر"، أي "الثنائي الشيعي" حيناً وتحالف "المستقبل - الحزب التقدمي الاشتراكي" أحياناً، "يكسر" على وزراء "التيار" والعهد في الكثير من المواضيع التي كان يدرسها المجلس والتي كانت تتطلب قرارات حاسمة. وتضيف المصادر نفسها ان اتفاق معراب كان متكاملاً وأساسه سياسي وطني قام على اعلان النيات والعمل معاً لدعم العهد وتقويته وليس الطعن بالظهر. وشمل الاتفاق توزيع الحصص والحقائب في الحكومات والتعيينات والانتخابات النيابية والتنسيق بيننا بما يخدم المصلحة المسيحية، لكن جعجع انقلب على عـــون وسعــى لضرب مقومـــات عهده و"تآمر" عليه وصولاً الى عدم مساندته حين وقف رئيس الجمهورية بوجه من فرض على الرئيس سعد الحريري الاستقالة من الرياض، وطالب جعجع بما هو اكبر من حجمه وتعدى علينا بفتح ملفات فساد مفبركة لتشويه صورة عون والتيار....وتقول أيضاً: "الأنكى من كل ذلك كان تفرد جعجع في اعلان أسماء مرشحي "القوات" في الدوائر الانتخابية المسيحية من دون التنسيق مع "التيار" وهو بدأ ذلك في دائرة البترون بالذات، أي دائرة النائب باسيل حيث كان من المفترض ان يقوم تحالف بين الطرفين لمواجهة قوى بطرس حرب الانتخابية. لقد تعمد جعجع- تضيف المصادر- في خوض الانتخابات ليس بهدف ان تربح "القوات" فحسب، بل لــ "كسر" التيار واسقاط مرشحيه، الامر الذي أدى الى نجاح من لم يكن على لائحـــة القوات او "التيار" مستفيداً من الحرب التي أعلنتها "القوات" على مرشحي "التيار" والامثلة كثيرة على ذلك.
على رغم هذا الموقف الخانق، تضيف المصادر البرتقالية، شكلت حكومة ما بعد الانتخابات النيابية واعطيت "القوات" أربعة وزراء، كما حصل في الحكومة الأولى للعهد، وعوض ان يتعاون وزراء "القوات" مع وزراء "التيار" والعهد لتكوين جبهة مسيحية قوية داخل مجلس الوزراء، كان هم وزراء معراب "الخربطة" ووضع العصي في الدواليب والاعتراض على المشاريع المدعومة من العهد، ولعل ابلـــــغ دليل ما حصل في ملف الكهرباء الــــذي لا يزال "يجرجر" حتى الساعة، ناهيك عن اتهام وزراء "التيار" والعهد بالفساد حيناً، وبالاستئثار أحياناً وغيرها من المواقف التي تتناقض كلياً مع جوهر اتفاق معراب، الا ان الطامة الكبرى - في رأي مصادر "التيار"- كانت في تفشيل الاجتماعات التي كانت تعقد لرأب الصدع وصولاً الى حد اعلان "القوات" الحرب على العهد مباشرة من خلال تأليب الرأي العام المسيحي على رئيس الجمهورية "والتيار" في آن وتنظيم "ثورة 17 تشرين" وقطع الطرق في جبيل وجل الديب وزوق مكايل وصولاً الى الوسط التجاري، والمشاركة بكثافة في كل التظاهرات التي انطلقت تحت عنوان "كلن يعني كلن"، واضعين وزراء العهد و"التيار" في قفص الاتهام بالفساد، في الوقت الذي كان "التيار" يعلن ان مشروع الرئيس عون المدعوم "تيارياً" يقوم على مكافحة الفساد وبناء الدولة، فضلاً عن "حرتقات" صغيرة داخل الاقضيـــة المسيحية لاسيما في المدن والقرى التــــي يوجد فيها انصـــار لــ "القوات" و"التيار"، كما حاولت "القوات" لعب الدور المؤذي في منطقة الجبل من خلال تركيب تحالفات مع الحزب التقدمي الاشتراكي على حساب "التيار" ومناصريه. وتقول المصادر ان ما ذكر هو غيض من فيض، إضافة الى مواقف سلبية من اقتراحات القوانين التي تقدم بها نواب "التيار" في مجلس النواب....
وهكذا بين اتهام من هنا واتهام من هناك يتضح ان اتفاق معراب بات في خبر كان وسيبقى محطة في الحياة السياسية اللبنانية لا اكثر ولا اقل من دون مفاعيل او تأثير على دور المسيحيين في السلطة الذي ضعف بشكل كبير بفعل الخلافات التي وقعت والتي لم يعد في الإمكان إصلاحها او حتى البحث فيها. الفريقان المسيحيان اختارا طرقاً مختلفة مثل خطوط سكة الحديد التي لا تلتقي ابداً!