تفاصيل الخبر

خمسة جامعيين من لبنان يكتشفون «الحقيبة الذكية» ويحصلون على لقب «أفضل مخترعين لعام 2015»

15/01/2016
خمسة جامعيين من لبنان يكتشفون «الحقيبة الذكية»  ويحصلون على لقب «أفضل مخترعين لعام 2015»

خمسة جامعيين من لبنان يكتشفون «الحقيبة الذكية» ويحصلون على لقب «أفضل مخترعين لعام 2015»

 

بقلم عبير انطون

صورة-الحقيبة-الذكية  

حمل العام 2015 جائزتين عالميتين لانجازين لبنانيين والمصدر واحد: مدرسة <سيدة الجمهور>. الانجازان نتجا عن حاجة ملحّة، عن اختبارات وتجارب شخصية جعلت الطلاب يضعون التكنولوجيا في خدمتهم وليس العكس، فكانت <الحقيبة الذكية> وطائرة الاستطلاع والمراقبة او جهاز الـ<الدرون>.

فما اهمية الانجازين العالميين؟ ما كانت اسباب التفكير بإنجازهما؟  متى يبلغان مرحلة الانتاج للسوق؟ وماذا عن براءات الاختراع للشباب؟

<الافكار> تواصلت مع <افضل مخترعين للعام 2015> في مدرسة <سيدة الجمهور> عبر منسق مختبرات التكنولوجيا فيها والمشرف على المشاريع وتنفيذها خطوة بخطوة الدكتور صادق برق.

الحقيني.. يا ذكية!

 مارك غاريوس، آلان أبو راشد، جوزف زاخر، رالف شلهوب ومكسيم حداد أتعبهم حمل الشنط وجرّها في المطارات، وكانت تجربتهم في مطار دبي الواسع حافزاً لهم للتفكير بما قد يسهل عليهم عناء سفرهم وسفر ملايين الناس سنوياً، فكانت <الحقيبة الذكية> التي فازوا عنها بالمرتبة الأولى والميدالية الذهبية في معرض <نورنبيرغ الصناعي> في ألمانيا وقد حملت اسم <Follow Me Suitcase>، كما فازوا أيضاً بلقب <أفضل مخترعين للعام 2015>.

<Follow Me Suitcase> هي عبارة عن حقيبة سفر تلاحق صاحبها في جميع تحركاته إذ انها تحتوي على جهاز الكتروني موصول بكاميرا أمامية تقرأ رمز <باركود> على يد صاحبها. ولضمانة هذه الحقيبة فإنها ترسل موجات لاسلكية حمراء <infrared>، كما تحتوي على <GPS> و<GSM> لتحدّد المكان الصحيح لصاحبها في حال فُقدت، كما انها تحدّ من عمليات السرقة ويمكن رصدها في حال اضاعتها. وتُعتبر <الحقيبة الذكية> عاملاً مساعداً مهما للمسافرين من المسنين او المرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة.. كذلك يمكن لهذه الحقيبة أن تفيد بوزنها ونسبة بطاريتها لشحنها إذا لزم الأمر، كما تُحدّد المسافة للوقوف صورة-للطلاب-المكرمينبينها وبين صاحبها والتي تقتصر على 20 سنتيمتراً الى جانبه. وان كل هذه المعلومات تظهر عبر تطبيق يمكن تحميله على أي هاتف ذكي.

عمل الطلاب على ثلاثة نماذج قبل ان يصلوا الى النموذج الحالي الذي فازوا به، اما المشروع الذي أُنجز فإنه يعمل برجل آلي <روبوت> قادر على تسيير عدة حقائب وليس حقيبة واحدة.

 الصعوبات كانت كثيرة لان العمل دقيق، والاختراع تضمّن تفاصيل صغيرة،  لكن الطلاب تخطوها وهم يفكرون الآن في مرحلة ما بعد حصولهم على براءة الاختراع، وفي طلب ادارة المطار ربط <الحقيبة الذكية> على موقع المطار بهدف رصدها في حال ضياعها بعد اجتيازها المسافة المحدّدة لها آليا عبر آلة التحكم، والهدف من ذلك معرفة ما اذا سُرقت الحقيبة او يجود عائق يحول دون حركتها وتتبع صاحبها، وجلّ ما يتمنونه ان يُصنّع اختراعهم هذا في لبنان كي يحمل ملصق <صُنع في لبنان>!

استطلاع.. وتدخّل!

قبلهم بفترة، تمكن زملاؤهم وليد بحلق، سامي، خوري وكارلو كرم من ابتكار طائرة او جهاز يستطيع الطيران وحده دون أي تحكّم مباشر من قبل الإنسان، ويقوم بتصوير وتحليل المحتوى ومعرفة ما إذا كان هناك أي شخص قد تعرّض لحادث طارىء كما حصل مع ميلاني فريحة ابنة المدرسة عينها واخت زميلتهم في الصف.

فقد فقدت ميلاني حياتها في حادث تزلج في مثل هذه الفترة من العام الماضي في منطقة كفرذبيان، وهي في عمر التاسعة عشرة وفي سنتها الجامعية الاولى في دراسة الهندسة في الجامعة الاميركية بعد مسيرة علمية ورياضية وكشفية لامعة في مدرسة <سيدة الجمهور>. فقد تعرضت بطلة التزلج لحادث نُقلت على اثره الى المستشفى حيث فارقت الحياة. فهل كان يمكن اسعافها لو ان الحادثة اكتُشفت في وقت مبكر اكثر؟ وهل كان رجال الاسعاف ليتمكنوا من الوصول اليها بسرعة اكبر لو انهم امتلكوا معلومات محددة عن مكانها؟

 لقد كان هذا السؤال نقطة الانطلاق التي طرحها الطلاب لاختراع الجهــــــاز وتطويــــــره والذي عـــــادوا عنه بالميداليــــــة الذهبيــــــة مـــــــن معرض <وارسو الدولي التاسع للاختراعات> في بولندا حيث تفوق الاختراع على 600 مشروع من 26 دولة مشاركة، وحمل اختراعهم اسم < Drone de surveillance et d’intervention> أي طائرة المراقبة والإنذار.

فما هو هذا الجهاز؟

جهاز الـ<درون> هو عبارة عن طائرة استطلاع ومراقبة من دون طيار تصور بشكل مستمر من خلال كاميرا <فيديو>، وترسل المعلومات التي يتم تصويرها الى المحطة الرئيسية، وهناك يتم تحليل المحتوى ولقطات <الفيديو> من خلال تكنولوجيا حديثة تُسمى <Image Processing>. وفي حال كان هذا الشخص <معدوم الحركة> تقوم الطائرة بإرسال تنبيه للشخص المسؤول في المحطة الرئيسية وتحديد المكان حيث يمكن للمراقب في مركز التحكم بـ<الدرون> الاقتراب من الشخص المصاب ومخاطبته من خلال اتصال مباشر يتم بين <الدرون> والمحطة الرئيسية للتأكد ما إذا كان الشخص مصاباً، ويتم تحديد موقعه صورة-الدرون واسعافه بأسرع وقت.

 مفاجأة سارة!

اسباب ابداع الشباب في مدرسة <سيدة الجمهور> توجهنا بها الى الدكتور صادق برق الاختصاصي بالفيزياء والتكنولوجيا ومنسّق مادة التكنولوجيا في مختبرات <كارلوس غصن للتكنولوجيا> في مدرسة <سيدة الجمهور>، والمواكب للطلاب ومشاريعهم والمستمر بخدمتهم منذ 26 عاماً، فيقول باعتزاز كبير:

- منذ عشر سنوات لاحظ الآباء اليسوعيون ان طلابهم الذين يتفوقون في السنوات الدراسية الاخيرة في المدرسة يتوجهون الى الجامعات ويكون خيارهم في الكثير من الاحيان خاطئاً، ما يضطرهم الى تغيير اختصاصهم وتبديد سنوات من دون استفادة فعلية منها. من هنا نشأت فكرة تأسيس مختبرات التكنولوجيا في مدرسة <سيدة الجمهور>، فكانت <مختبرات كارلوس غصن للتكنولوجيا> فيها، وذلك بهدف منح فكرة عن اختصاصات المستقبل، وكانت اندية للتكنولوجيا بإدارة مكتب تنسيق المختبرات، حيث يتم استقبال اختصاصيين من خارج المدرسة بعد الانتهاء من الدوام المدرسي وايام السبت حتى يتم اطلاع التلامذة على مختلف الاختصاصات. المفاجأة السارة كانت اننا عندما اعطينا مجالاً للخروج من الكادر الاكاديمي، وجدنا الطلاب يعملون حتى الثالثة والرابعة فجراً على مشاريعهم من دون تعب او تأفّف وضمن أفكار رائدة فعلاً.

ثم أضاف:

 - نحن كمشرفين على المختبرات لنا دور في اختيار المشاريع الواقعية والقابلة للتنفيذ وغير المستهلكة او المحققة سابقاً، وحتى تتأهل هذه المشاريع للمشاركة في مباريات محلية وعالمية كالتي نشترك فيها، اذ في هذه الاعمار تجدون من يحلم بالوصول الى المريخ... نشترك منذ ست سنوات في المباريات المحلية وعدنا بالجوائز من المسابقات العالمية حيث احتللنا المراكز الاولى، ولهذا العام سافر من مدرستنا فريقان: الاول الى بولونيا فانتزع الميدالية الذهبية بين 600 اختراع تقدم للمسابقة عن طائرة المراقبة والانذار <الدرون>، وتوجه الفريق الثاني الى المانيا حيث انتزع الميدالية الاولى ايضاً عن اختراع <الحقيبة الذكية> حيث تضمن المعرض ٧٥٠ اختراعاً من ٣٦ دولة، وبمعدل اعمار تراوح بين ٢٥ و٦٠ عاماً، فيما فريقنا الطلابي كان من اصغر المشاركين وقد اذهل المشاركين ولجنة التحكيم. والى هاتين الجائزتين العالميتين تُضاف ثلاث اخرى الى سجل طلابنا، حصلوا عليها في <معرض الكويت للاختراعات الدولية>، وفي <الملتقى العالمي الآسيوي في الاردن>، وفي <معرض المخترعين العالميين> في سيول عاصمة كوريا الجنوبية.

وزاد برق قائلاً:

 - <الحقيبة الذكية> غير موجودة في اي مكان في العالم على الاطلاق حتى انه لا شبيه لها، لذلك استحصلنا للشباب على براءة اختراع، وهناك شركات تتواصل معهم وتعمل على الجدوى الاقتصادية منها اذ تبيًن انه اذا صُنّعت بعدد عشرة آلاف قطعة سنويا فان جعلها <ذكية> بمثل ما قام به الطلاب قد يضيف الى كلفتها مبلغا يتراوح ما بين 20 او ثلاثين دولاراً، واعتقد ان اي شخص سيسعى للحصول عليها اذ انها تؤمن القدرة على مواجهة خطر فقدانها او سرقتها، وتساعد على متابعة اي غرض ثمين فيها، حتى انه يمكنها ان تكون مفيدة امنياً.

 وحول جنسية الشركات التي تتواصل مع الطلاب وما اذا كانت لبنانية يجيب برق:

- لدينا انطباع اكيد بان مختلف الوزارات المختصة وعلى رأسها وزارة التربية مهتمة فعلاً وكذلك وزارة الصناعة، وقد أثنى الوزير الياس بو صعب على هذه الإنجازات وعلى ضرورة تنفيذها في لبنان، كذلك فإن رئيس جمعية الصناعيين الشيخ فادي الجميل مؤمن ايضاً بأن هذه المشاريع حرام ان تُستثمر خارج لبنان، لأنها تؤمن انتاجاً مهما للبلد على صعد مختلفة بينها العائدات المالية. وقد قال خلال تكريم طلابنا المبدعين من قبل وزارة الصناعة و<جمعية الصناعيين اللبنانيين>: <سوف نسعى في <جمعية الصناعيين اللبنانيين> بالتعاون مع وزارة الصناعة وأصحاب الاختصاص من اجل الاستفادة من هذه الانجازات وتحويل الأفكار إلى مشاريع حقيقية قابلة للانتاج والتسويق، ووضعها في خدمة الاقتصاد الوطني>. في الواقع، انها المرة الاولى التي نشعر فيها بان هناك اهتماماً فعلياً!

بادرة قائد الجيش

صورة-ميلاني-فريحةوكارلوس غصن

ويزيد برق:

- الاهتمام بمثل هذه المشاريع الرائدة يلقى دعما على اعلى المستويات، فلتنفيذ <البروتوتيب> او النموذج الاول لـ<الدرون> مثلاً، كان لا بد من اجهزة مستوردة اذ ان مثلها غير موجود في لبنان ما اضطررنا لاستيرادها من الصين وماليزيا،  وبانتظار استلامها من المطار كنا على ابواب مسابقة محلية وليس امامنا متسع من الوقت، فكان ان امر قائد الجيش العماد قهوجي بتسليمها لنا بأسرع وقت عندما علم انها لغرض علمي ولانجاز مشروع طالبي.

وعن <الدرون> واذا ما بدأت مراكز التزلج بطلبها او استخدامها يجيب برق:

- تنفيذ النموذج الاول كان برعاية مدرج الزعرور، والطائرة الصغيرة هذه لم تُصنع فقط للتزلج انما ايضاً لمراقبة الطرقات والاماكن، ويمكنها مساعدة الجيش والقوى الامنية كما يمكنها توسيع نطاق عملها على اكثر من صعيد.

وحول الفترة الزمنية بين <البروتوتيب> والانتاج بكميات كبيرة، اكد برق ان الامر يتطلب وقتا ومستلزمات و<ان اهالي الشباب واعون لاهمية هذه المشاريع واستحقاق متابعتها بجدّية>.

وعن متابعة كارلوس غصن للمشاريع التي تنتجها المختبرات التي تحمل اسمه في مدرسة <سيدة الجمهور>، وهو من تلاميذها القدامى وله صلات وعلاقات واسعة في العالم اجمـــــع، اكـــــد بـــــــرق ان غصن فخــــــر لبنان في الخارج ربما لا يمنحه وقتــــه القدرة على المتابعة العملية،  والفضل الكبير يعــــــود للآبـــــــاء اليسوعيين الذين يتميزون بشكل لافت بمتابعتهم لخريجي المدرسة حتى ولو وصلوا الى اعلــــى المـــــراتب، فكان التواصل مع غصن الذي قام بتمويل المختبرات والوقــــــوف عنـــــد حاجاتهـــــــا، ومــــن الجيـــــــد ان يواكب هذا التأسيس بالاستمرارية والتنفيذ للمشاريع.

الشكر الكبير، يؤكد برق، يعود الى الاب شربل بتور رئيس المدرسة الذي يعمل بدون كلل، وهو يتطلع بمساعدة جميع الآباء الى التدرّج من مبدأ مختبرات التكنولوجيا الى <أكاديمية للتكنولوجيا> في <مدرسة الجمهور> تشمل مجالات التصنيع كما هي الحال في ارقى جامعات العالم من <هافرد> الى <ام اي تي> وغيرها.. ففي مثل هذه تكون التربية للمستقبل!