بقلم كوزيت كرم الأندري
[caption id="attachment_77697" align="alignleft" width="210"] كوزيت كرم الأندري[/caption]مُذ وُلد طفلاي، وأنا مُصِرّة على معايدتهما بالعربية بأغنية "سنة حلوة يا جميل"، باعتبار أن زميلتَيها "Happy Birthday" و"Joyeux Anniversaire" لا تفِيان بالغرض، إذ لا تنطويان على أمنية مباشرة بسنة جميلة. لكن لا أعرف إن كان صوتي لا يعجب الملائكة. فسنواتهما، في هذه البلاد، من سيّء إلى أسوأ...
أظنّهما اكتشفا بنفسَيهما الأمر باكراً، لذا لطالما عبثا بكلمات النشيد الوطني للتعبير عن استيائهما من الوضع العام، رغم اعتراضي على ذلك ظاهرياً وموافقتي عليه باطنياً. فأنا ضعيفة أمام هذا النشيد الذي يعيدني إلى خفقاني الأول، خفقاني الخام تجاه بلدي، فأشعر "بعقدة زلاعيم" كلّما انطلقت نغماته. لكنني أعترف بأنني بتّ أعيد النظر في جملة "صانَه ربُه لمدى الأزمان". لا أعرف كثيرا ما الذي عناه رشيد نخله في هذا الشطر من النشيد، "لأنْ إذا صانو وهيك... كيف إذا ما صانو"؟!
ولا يتوقف الأمر على كلمات النشيد الوطني الذي أرفض، مبدئياً، المساس به. فأنا في صدد إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، بعدما كانت مواقفي منها واضحة وثابتة، كالإجهاض المُندرج في إطار الخطايا الأكثر هَولاً. أظنه بات حكمة في هذا الزمن، وبات الإنجاب هو الخطيئة الأكيدة!
في أي حال، حين سيقرأ وَلداي ما كُتب هنا، قد يترحّمان على مصائب زمننا. فقد تأتي خليفاتها أكثر منها قسوة. "بس ليِجوا يِكبروا فَرج ورَحمة. بعد بدّن يعيدوا تلات أربع مرات المذكر والمؤنث، وتلات أربع مرات الفعل الماضي والمضارع، وتلات أربع مرات الـ"Present simple and Present continuous"، وتلات أربع مرات الحرب العالمية الأولى والثانية"... فمن كثرة ما يثق بقدراتهما منهجنا التعليمي يتعاطى معهما على أنهما حِماران، مكرِّساً مبدأ "التكرار بِعلّم لحمار". فأنا لم أجد، مرة واحدة، جواباً مقنعاً لسؤالهما الدائم: "بمَ يفيد كل ما يحشون رأسَنا به؟" لأنني، بدوري، عاجزة عن استيعاب السنوات الخمس عشرة التي يدفنها الإنسان في هذا المُعتقل، والتي كان بالإمكان اختصارها بخمس سنوات كحد أقصى، لو فهمنا أن في الإعادة رتابة، لا إفادة!
منذ صغري، وأنا أسمعهم يرددون عبارة "خِلقة كاملة نِعمة زايدة"، وعرفت عمق معانيها يوم أنجبت، إذ كاد قلبي يقفز خارج أضلعي لحظة رؤية طفلَي. لكن، مع مرور الوقت، إكتشفت أنه بمجرد أن يولد المرء بعقلٍ صاغ سليم، وقلبٍ صاغ سليم، فهو لن يتأقلم في هذا البلد بشكل صاغ... ولا سليم. "الخلقة كاملة إي، بس النعمة ناقصة".
فالنعمة، في مدينتنا هذه، وزمننا هذا، تكمن في اختلال العقل... واختلال القلب.
له الحمد في ذا وذاك، ولهما البلاء في كلَيهما!