تفاصيل الخبر

خفض سعر ربطة الخبز بزيادة وزنها 50 غراماً  

05/02/2016
خفض سعر ربطة الخبز بزيادة وزنها 50 غراماً   

خفض سعر ربطة الخبز بزيادة وزنها 50 غراماً  

بقلم طوني بشارة

SAM_2854

المتتبع للأوضاع الاقتصادية يعلم ان ربطة الخبز كانت ولا تزال المؤشر الاساسي لأسعار السلع في العالم، على اعتبار أن الخبز بمنزلة رمز للحياة، لكن في لبنان نرى الوضع مختلفاً، إذ أن توفر الخبز وتحديد سعره بات للأسف يدخل في لعبة السياسة والاقتصاد، وتحديداً في لعبة المصالح بين أصحاب الأفران والدولة ومستوردي النفط، فهؤلاء هم الذين يحددون الاسعار والأوزان، لكن المشكلة انهم لا يحددون ذلك بحسب كلفة الانتاج، وانما بحسب نسبة الأرباح التي يريدون تحصيلها، فمع انخفاض أسعار النفط عالمياً بقي سعر ربطة الخبز في لبنان 1500 ليرة، وبقي وزنها منخفضا الى 950 غراماً، بعد أن ارتفع الوزن 50 غراماً عن التخفيض الذي طال الربطة في العام 2012، حيث خُفّض وزنها الى 900 غرام بعد أن كان السجال قائماً بين رفع السعر أو خفض الوزن، ففي ظل هذه المعمعة نرى أن قضية الخبز العربي تعود الى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة بقوة وبشكل معاكس، لاسيما مع تصاعد احتجاج المواطنين الذين رفضوا قرار الوزير حكيم بزيادة وزن الربطة 50 غراماً، وهم ينظرون بريبة الى هكذا قرار رغم الانخفاض الكبير التي شهدته العناصر الاساسية المكونة لانتاج الرغيف من طحين ومازوت ونايلون ويد عاملة.

 اليوم انظار المواطنين تتجه الى الافران التي باتت تحقق ارباحاً خيالية على حساب لقمة عيش المواطنين للضغط عليها بهدف اعادة زيادة وزنها تماشياً مع انخفاض تكلفة انتاج الرغيف جراء تراجع تكلفة مجموعة من مكونات انتاج الخبز، مشددين على التراجعات التي سجلتها اسعار صفيحة المازوت من نحو 33 ألف ليرة الى نحو 10 آلاف، وانخفاض سعر طن السكر من 800 دولار الى اقل من 500 دولار، وكذلك سعر النايلون الذي يتأثر مباشرة باسعار النفط، تراجعات قد تؤدي وفقا للاهالي الى انخفاض كبير في تكلفة انتاج ربطة الخبز او زيادة وزنها بنحو 200 غرام، معتبرين ان اصحاب الافران يتحججون بزيادة تكلفة اليد العاملة، في حين ان هذا الامر ينــــاقض الواقــــع، إذ تبين للاهــــالي ان كل المراجعـــــات لدى وزارة العمـــــل وآخرهــــا الاسبوع الفائت، تؤكد وجود شكاوى كبيرة مـــن عمــــال الافران بسبب مزاحمة اليد العاملة السورية لهـــــم بفعل اجرها الزهيد.

ولكن هل كل العناصر المكونة لتكلفة انتاج الرغيف انخفضت؟ وهل فعلاً طن الطحين يُسلم اليوم بحدود 560 ألف ليرة، فيما السقف الاعلى لسعر الطن هو 590 ألفاً؟، وهل ان الافران تستلم الطحين على هذا السعر المنخفض من نحو 6 أشهر تقريباً؟ وما اثر انخفاض سعر صفيحة المازوت من 32 ألف ليرة، (وهو السعر الذي تم على اساسه خفض وزن ربطة الخبز من 1000 غرام الى 900 غرام)، الى نحو 10 آلاف ليرة، على تكلفة انتاج الخبز؟ وهل فعلا عندما خُفض وزن الربطة كان سعر طن السكر 800 دولار واليوم أصبح اقل من 500 دولار؟ وكذلك الامر بالنسبة للنايلون الذي يتأثر سعره مباشرة بأسعار النفط؟

 وفي حال ثبتت صحة هذه الارقام، اليس من المفترض ان تنعكس التراجعات في تكلفة انتاج الخبز ايجاباً على وضع الربطة، وذلك اما بزيادة وزنها بحدود 200 غرام، او بخفض سعرها حوالى 300 ليرة، اي من 1500 ليرة الى 1200 ليرة؟

تساؤلات عديدة للإجابة عليها قابلت <الافكار> كلاً من نقيب مال القبان ارسلان سنو والخبير المالي عبد الله بدر.

 

سنو وسياسة دعم الصين

  

أعلمنا النقيب أرسلان سنو أن الحكومة اللبنانية عمدت منذ فترة طويلة الى تحديد أسعار بعض السلع الاستهلاكية ومنها: الغاز، البنزين، الفروج الكامل، وربطة الخبز، وجرت العادة على تحديد سعر الربطة بـ1500 ليرة لبنانية، وبمقابل هذا الاجراء نلاحظ ان استيراد القمح لا يخضع للإجازة المسبقة، كما ان السعر هو حر ولا يخضع اطلاقاً للضريبة على القيمة المضافة، وما ينطبق على القمح ينطبق ايضاً على الطحين، ومن المعلوم اقتصاديا انه كلما ارتفع سعر القمح عالميا، يرتفع سعر الطحين، وبالتالي يرتفع صراخ اصحاب الافران، مما يلزم الدولة بالتدخل عن طريق اعتماد اسلوب الدعم لسعر الطحين بغية المحافظة على سعر ربطة الخبز.

ــ كيف يتم اعتماد سياسة الدعم للطحين من قبل الدولة؟

- لقد بات شائعاً بأن الدولة اللبنانية تتولى عملية استيراد كمية كبيرة من القمح وتبيعها بسعر متدنٍ نوعاً ما للمطاحن بغية بيعها بسعر مدعوم للأفران، وعندما ترتفع اسعار العناصر الداخلة بعملية انتاج الخبز عالميا تتولى الجهات المعنية لدى الحكومة مهمة مراجعة الافران لمعرفة تكلفة الانتاج، وذلك بغية تحديد سعر طن الطحين المدعوم، وعلى اساس ذلك يتم اجراء دراسة مع المطاحن لتحديد سعر القمح المدعوم.

ــ  منذ فترة تم رفع وزن ربطة الخبز 50 غراماً من 900 غرام الى 950 غراماً، وحالياً قرر الوزير حكيم رفع وزن الربطة ايضا 50 غراماً ليصبح الوزن 1000 غرام بسعر 1500 ليرة، فكم كان سعر طن الخبزالقمح وطن الطحين عند اول زيادة بالوزن؟ وحاليا بأي سعر يتم تسليم طن الطحين للأفران؟

- عند اتخاذ القرار الاول بزيادة وزن الربطة من 900 غرام الى 950 غراماً، كان سعر طن الطحين المسلم بأرض المطحنة نقداً950 ألف ليرة وسعر طن القمح 920 دولاراً، اما حالياً وفي ظل الانخفاض التدريجي للاسعار عالمياً صرحت كنقيب للمطاحن بإمكانية تسليم طن الطحين بـ550 ألف ليرة نقدا بأرض المطحنة، وهذا الامر حصل منذ حوالى سبعة اشهر.

ــ  اسعار القمح انخفضت بشكل كبير وفي فترة زمنية قصيرة، فكيف واجهت المطاحن الانخفاض الكبير في الاسعار، علماً ان الدولة تلزم المطاحن باعتماد مخزون امان يكفي لمدة ثلاثة اشهر؟

- عندما ابتدأت الاسعار العالمية بالانخفاض اعتمدنا اسلوب السعر الوسطي المرجع لاحتساب سعر بيع الطحين، وعمدنا الى اجراء تخفيض تدريجي للاسعار حتى وصل السعر الى 550 ألفاً بأرض المطحنة، فالاسعار العالمية انخفضت بسبب المنافسة واعتماد بعض الدول سياسة دعم التصريف لمواجهة فكرة الكساد.

ــ ولكن طالما ان سعر الطحين حر، وطالما ان بعض الدول المصدرة عمدت الى اتباع سياسة دعم التصريف، الم يؤدي ذلك الى استلام الافران للطحين بأسعار اقل من 550 ألف ليرة لبنانية؟

- بالتأكيد، فمبدأ المنافسة عزز هذه الفرضية، كما ان سياسة دعم تصريف الانتاج المعتمدة من قبل بعض الدول ومنها تركيا أدت الى وجود اسعار متفاوتة للطحين في ما بين المطاحن في لبنان، ولكن هذا التفاوت يأخذ بعين الاعتبار النوعية وشروط الدفع وشروط التعامل.

 

أصحاب الأفران وتهمة الاستغلال

ــ  هناك اتهام لاصحاب الافران بأنهم وبالرغم من تخفيض اسعار السلع الداخلة بعملية الانتاج استمروا ببيع الخبز طوال 7 اشهر بالسعر القديم نفسه، ولم يعمدوا اطلاقاً الى اجراء اي تخفيض بالسعر او زيادة بالوزن، وحتى بعد ان قرر الوزير رفع الوزن الى 1000 غرام رفض الاهالي هذا القرار (زيادة الوزن فقط 50 غراماً) معتبرين ان هناك استغلالاً لهم، فما رأيك بهكذا اتهام؟

- ان المعمعة الحاصلة هي بمنزلة اسلوب متبع لجعل الناس تلتهي بسعر ربطة الخبز وتتناسى الهموم والمشاكل الحياتية الاخرى، فمصروف الخبز وبعملية حسابية بسيطة يشكل 1/100 من مصروف العائلة، ففرق السعر حتى في ظل ارتفاع عناصر الانتاج الى اقصى حدودها لا يتعدى الـ250 ليرة كحد اقصى للزيادة، وفي حال أرادوا تخفيض السعر فلن يخفض اكثر من 200 ليرة، وسبب هذه المعمعة وسائل الاعلام ومصلحة حماية المستهلك.

ويتابع سنو قائلاً:

- اما بالنسبة لاتهام اصحاب الافران باستغلال لقمة عيش المواطن لتحقيق مكاسب مالية، فأنا ارى ان هذا الاتهام لا يمت للحقيقة بصلة، فبمقابل انخفاض اسعار الانتاج، وبما ان اصحاب الافران هم ايضا اصحاب مؤسسات نراهم عمدوا كنتيجة فعلية لحملة ابو فاعور الى تجديد افرانهم وشراء آلات ومعدات جديدة، كما ان معظم الافران بدأت عملية التصنيع وفقاً لمعايير <الايزو>، وكنتيجة لذلك بات الخبز اللبناني مشهودا له بنوعيته اقليميا وعالميا، وكل ما قام به اصحاب الافران من اجل اعطاء صورة جيدة عن الرغيف اللبناني يتطلب صرف مبالغ مالية كبيرة تدخل ايضا في تكلفة الانتاج(شراء آلات ومعدات جديدة - مواكبة التطور التقني - اجراء فحوصات وكشف دوري ...)، الامر الذي فرض عليهم الابقاء على السعر المعتمد، وبمجرد التشاور مع الوزير وافقوا على زيادة الوزن 50 غراماً.

 

تحرير سعر ووزن الخبز

 

ــ في حال عادت وارتفعت اسعار السلع الداخلة بعملية انتاج الخبز من طحين ومازوت ونايلون إلخ... الن يؤدي ذلك الى مواجهة جديدة بين اصحاب الافران والجهات المعنية؟

- بالتأكيد المواجهة واقعة لا محالة، لذا كنقيب للمطاحن طالبت واطالب وارى كما يرى ايضاً بعض اصحاب الافران ان الوقت مناسب فعلاً لتحرير سعر ووزن الخبز، وترك الحرية للمواطن بشراء الكمية التي يريدها من الخبز بالرغيف بدلاً من الربطة كما هو معمول في كافة بلدان العالم، علماً انه في ظل تحرير السعر ستزداد المنافسة مما سيؤدي حكماً الى تخفيض السعر وحصول المستهلك على الخبز بسعر اقل وجودة ونوعية افضل.

ــ الوزير ابو فاعور لديه توجه بعدم اخراج اي مواد من مرفأ بيروت الا بعد صدور نتائج عينات التحليل، وهذا اجراء يصب لمصلحة حماية المستهلك، ولكن في حال تم تطبيق هذا الاجراء، كيف ستؤخذ عينات القمح؟ وهل من نتائج معينة او تكاليف سيتكبدها مستوردو القمح؟

- كنقيب أكنّ لمعالي الوزير ابو فاعور كافة الاحترام وأقدر الجهود المبذولة من قبله لحماية المستهلك وللحرص على صحة وسلامة الغذاء، ولكن في حال ارادوا تطبيق هذا الاجراء على عملية استيراد القمح، فإن أخذ العينات سيتم من كافة مستويات الحمولة اي بمعنى آخر سيتم اخذ عينات من وجه الحمولة وصولا الى اسفل الحمولة، مما يعني تفريغ الحمولة بالكامل لدى المستوعبات او الاهراءات او ابقاءها على متن السفينة، علما ان اجراء كهذا يتم مقابل تعهد من قبل صاحب البضاعة بعدم التصرف بها الا بعد صدور نتائج التحليل التي يجب ان تكون مطابقة للمواصفات والشروط، وفي حال لم تكن مطابقة يتم اعادة تصديرها او اتلافها، مع العلم ان نتائج عملية تحليل القمح لاسيما التحليل الجرثومي تتطلب عشرة ايام، والتفريغ يتطلب اربعة ايام، وخلال هذه الفترة اي فترة 14 يوماً سيبقى القمح على متن البواخر مما سيؤدي حكماً الى تكبدنا مبالغ اضافية تُدعى مصاريف التأخر بالتفريغ.

عبدالله-بدر 

عبد الله بدر: الوزير ... حكيم 

وللاطلاع على موقف خبراء المال من قرار الوزير حكيم بزيادة وزن ربطة الخبز 50 غراماً التقت <الافكار> الخبير المالي عبد الله بدر الذي نوه بقرار الوزير واعتبره كخطوة اولية قراراً ايجابيـــاً، ولكنه غير كافٍ في حال تمت مقارنته بالانخفاض الكبير الحاصل بأسعار المواد الداخلة بعملية الانتاج، ابتداءً من سعر الطحين الذي انخفض من 590 ألف ليرة الى 560 ألف ليرة منذ سبعــــة اشهــــر تقريباً، مروراً بانخفاض سعر صفيحة المازوت من 32 ألف ليرة، (وهو السعر الذي تم على اساسه خفض وزن ربطة الخبز من 1000 غرام الى 900 غرام)، الى نحو 10 الاف لـــيرة حاليـــــاً بسبب الانخفــــاض العــــالمي لاسعار النفط، ناهيــــك عــــن انخفـــاض سعر طن السكر من 800 دولار الى اقــــل من 500 دولار، وكذلك الامر بالنسبة للنايلون الذي يتأثر سعره مباشرة باسعار النفط.

 وتابع عبد الله قائلاً:

- وبعد ان راجع المستهلكون الوزير، وبعد ورود عدة شكاوى من قبلهم، عمد الى اتخاذ قرار الزيادة بالوزن، وذلك بعد التشاور مع اصحاب الافران من جهة واصحاب المطاحن من جهة اخرى، وهو اجراء يُشكر عليه، ولكنه غير كاف، والمطلوب حالياً متابعة الامر من قبل الوزير والجهات المعنية بشكل جدي، واجراء دراسات موسعة حول الموضوع تمهيدا لتصحيح الخلل الحاصل بالسعر منذ 7 اشهر على الاقل، وذلك تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب والذي سيصب فعلا لمصلحة المستهلك.

ــ  اصحاب الافران يتحججون للإبقاء على السعر ذاته لربطة الخبز بمسألة تطوير افرانهم عن طريق شراء آلات ومعدات حديثة من اجل الحصول على موافقة الوزير ابو فاعور للبقاء في السوق من جهة، ولامكانية الدخول بـ<الايزو> اي الحصول على المواصفات العالمية للانتاج من جهة اخرى، فما صحة ذلك؟

- ان حملة الوزير ابو فاعور بالتأكيد دفعت العديد من اصحاب المؤسسات ومن بينهم اصحاب الافران الى شراء آلات ومعدات جديدة، او حتى الى فرض ما يمكن تسميته بالصيانة الدورية على الآلات الموجودة لديهم، ولكن بلغة المال ان فكرة شراء الآلات والمعدات تدخل اساساً برأسمال الشركة وجرت العادة لدى بعض المؤسسات على ادخالها بتكلفة الانتاج وهذا مبرر من الناحية المالية، ولكنه غير مقنع نوعاً ما للإبقاء على السعر الحالي لربطة الخبز في ظل تراجع اسعار العناصر الاخرى والاساسية الداخلة بعملية الانتاج.

ختاماً مهما تضاربت الآراء والمواقف حول قضية ربطة الخبز، يبقى السؤال قائماً: هل هناك فعلاً استغلال للمستهلك؟