تفاصيل الخبر

خــــــارطـة طــــــريـق لـمـنــــــع الاضـطــــــرابـات الـنـفـسـيـــــــة مــــن إصـابــــــة الأطـفــــــال

03/07/2015
خــــــارطـة طــــــريـق لـمـنــــــع الاضـطــــــرابـات  الـنـفـسـيـــــــة مــــن إصـابــــــة الأطـفــــــال

خــــــارطـة طــــــريـق لـمـنــــــع الاضـطــــــرابـات الـنـفـسـيـــــــة مــــن إصـابــــــة الأطـفــــــال

بقلم وردية بطرس

لمى-بلطجيان التفكير في واقع الطفولة والعناية بها يدل على الاهتمام بمستقبل الجيل وعلى الرغبة في تهيئة طاقات بشرية صالحة ومنتجة، وقادرة على تحمل المسؤوليات في قيادة المجتمع والرقي بأحواله. ومرحلة الطفولة من أهم المراحل لأن خصائص الشخصية وسماتها، وطبيعة الذكاء، والاتجاهات والقيم التي يتمسك بها الفرد تتحدد كلها في هذه المرحلة. لذلك أجمع علماء النفس والاجتماع على أهمية دراسة هذه المرحلة ومتطلباتها وكشف الستارة عن دور الأهل ومسؤولياتهم في اطار اعداد الطفل وتأهيله سلوكياً واجتماعياً.

    يمر الطفل منذ الولادة حتى سن الرشد بسلسلة من الأزمات يعتبرها علم النفس طبيعية وضرورية لاستكمال النضج وتحقيق نمو سليم، وأكثر ما يسيء الى الطفل هو تعرضه للاضطرابات النفسية التي تدل على توقف النمو، او على انهيار الوسائل الدفاعية وفشلها في مواجهة الضغوط الطارئة. من هنا، تظهر الحاجة الى اجراء دراسة لتقييم اسباب الاضطرابات النفسية، مع الآخذ بعين الاعتبار ملابسات الطفولة. ولا بد من نشر الوعي التربوي بين الأهل وتسليط الضوء على الآثار النفسية لكثير من الأنماط السلوكية التي تؤذي انطلاقة الطفل وتدفعه الى السلبية.

القلق، العناد، السلبية، التردد، الخجل والاحساس بالنقص مظاهر تجعل الفرد محاطاً بهالة من الفراغ والانطوائية.

ان العامل الأكثر أهمية الذي أكد عليه علم النفس وهو شرط اساسي في بناء الشخصية الناضجة هو <الثقة بالنفس>. ويقول <فرويد>: <ان الثقة بالنفس تشكل دعماً للشخصية في وجه التحديات، وانعدام الثقة بالنفس تجعل الفرد يعيش حياة هامشية لا معنى لها ولا هدف يُرجى منها>. وينتقل <فرويد> الى نظرية يؤكد فيها ان الانسان حين يفقد الثقة بنفسه يعيش بذات غريبة عنه، وتتشكل لديه حالة قصوى من اليأس والاحباط، ما يؤثر في طباعه ويجعله يعيش في صراع يهدد أمانه السلوكي. ان السيطرة على النفس تشكل النضج في الشخصية، والثقة بالنفس أشبه بسلاح معنوي يمثل قوة خفية تحمي الانسان من شر نفسه أولاً، وتقيه تالياً من متاهات الانحراف وتجارب الفشل، هذا ما أشار اليه العلامة <فرويد> في كتابه <قلق الحضارة> وأضاف قائلاً: <ان نحب أولادنا، هذا يعني ان نساعدهم في الوصول الى اعلى مستوى من الرشد والنضوج، وان نحترم احتياجاتهم وميولهم النفسية والذهنية، فهذا يخلق فيهم شعوراً بالثقة بالنفس والآخر، وهو شرط أساسي للنمو المتكافىء، فحين يجد الطفل ان حاجاته المعنوية والنفسية تجد طريقها الى الاشباع والتلبية، يمضي في طريقه بثبات. كما ينبغي ان لا نعرض الطفل الى تقييم الظاهر والسطحي من الأمور، لكي لا يصبح مفرط الحساسية لملاحظات الآخرين وانتقاداتهم، فذلك يجعله يشك بنفسه ويقع فريسة الارتباك. وهنا تتمثل الحاجة الى رفد المنابع النفسية التي تتبنى تحصين الشخصية بالمحفزات التي تضمن لها الصمود في وجه التحديات خصوصاً في بدايات عمر التلقي وسن المراهقة (من سن العاشرة الى الثامنة عشرة)، وحين نتكلم عن الثقة، فهذا يعني وجود العلاقة مع الآخر والعالم الخارجي، وهنا مسؤولية الأهل، وان لتجارب الطفل تأثيراً واضحاً على نمو الثقة او عدم نموها.

ان الثقة بالنفس هي التي ترقى بالروح المعنوية وتعزز وتيرتها، وان كل انسان يتمتع بروح معنوية عالية هو انسان متفوق سلوكياً واجتماعياً، وان الواثق من نفسه هو انسان مؤهل لأن يقطف ثمار التكامل المطلوبة في الشخصية الاجتماعية، ودور الأهل هنا يكمن في توفير المناخات النفسية والبيئية التي تضمن للأبناء استقراراً نفسياً مشحوناً بالثقة والنضج الذاتي. ويقول <فرويد>: يجب ان نساعد الطفل لكي يصبح راشداً، ناضجاً، ومسؤولاً عن ذاته ومجتمعه، فالطفل بحاجة الى الرعاية والمعاملة القائمة على الفهم النفسي، وهذا يتوقف على مدى وعي الأهل وسعة حكمتهم في تربية الأبناء.

ان نحب الطفل لا يعني ان نحتضنه بإفراط، لأننا بذلك نحول دون تحقيق النمو المطلوب، فالحماية المفرطة تنتقص من قيمة الطفل وتقلل من ثقته بنفسه، وتنشئ لديه مشاعر الدونية والنقص. فالثقة بالنفس لا تنمو لدى الابن الا اذا شعر بثقة اهله به، عبر افساحهم له مجال المبادرة وامتناعهم عن القيام عنه بواجباته اياً كانت الذريعة، اذ من الأفضل ان يفعل الولد شيئاً ولو تقريباً بمبادرته الذاتية من ان ينجز أهله اموره بدلاً عنه. ويحذر من ان يوضع الولد قبل الأوان امام مهمات تتجاوز حدود طاقاته. فهذا أمر مرفوض، والمطلوب ان نساعده على تنمية روح المبادرة لديه وليس ان نرهق طاقاته، فحين نترك للولد المجال لمبادرة ذاتية فهذا الأمر يشجعه ويدعوه الى الافتراض بأنه موثوق به.

ان الاستجابة الأشد خطراً التي يمكن ان نثيرها لدى الطفل بحمايتنا له انما هي العجز ليس الا. طبعاً ليس المطلوب ترك الطفل وشأنه او تعريضه فجأة لصعاب الحياة، بل يجب ان نعرف كيف نتصرف ونواجه المواقف بتروّ، فبدلاً من ان نكون له ترساً يحتمي الولد وراءه، ينبغي ان نكون ذلك الغربال الذي يقطر خبرة الحياة وفق مقادير يستطيع الطفل ان يتحملها، فلنكن دوماً متنبهين للفرص التي تسمح لنا بالتواري لتمكين الطفل من اختبار قدرته والشاب من اختبار طاقته ولكي نكون مستعدين للتدخل حين تصبح المشكلة تفوق امكانياتهم.

الدكتورة بلطجي والثقة بالنفس

فكيف ينعكس الوضع النفسي على الولد خلال مرحلة بناء الشخصية؟ وما هو الدور الذي تلعبه الثقة بالنفس في حياة الأفراد؟ وما هي الفرص المتاحة للطفل لإنماء قدراته النفسية وطاقاته؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتورة لمى بنداق بلطجي (حائزة على شهادة الدكتوراة في التربية في الجامعة اللبنانية، وماجستير في التربية المختصة من جامعة القديس يوسف في بيروت، وهي باحثة في علوم التربية والتعليم والتربية المختصة ولها العديد من الأبحاث والمقالات حول موضوع التربية والتربية المختصة). ونسأل الدكتورة لمى بنداق بلطجي:

ــ ما هي الثقة بالنفس؟

- الثقة بالنفس هي احساس الشخص بقيمة نفسه بين المحيطين به، فتترجم هذه الثقة كل حركة من حركاته ويتصرف الانسان بشكل طبيعي دون قلق او رهبة، فتصرفاته هو يتحكم بها وليس غيره، وهي نابعة من ذاته لا شأن لها بالأشخاص المحيطين به. وبعكس ذلك، فانعدام الثقة التي تجعل الشخص يتصرف وكأنه مراقب من المحيطين به، فتصبح تحركاته وتصرفاته وآراؤه في بعض الأحيان مخالفة لطبيعته، ويصبح القلق حليفه الأول في كل اجتماع او اتخاذ قرار وباختصار، الثقة بالنفس هي ايمان الانسان بقدراته وامكاناته وأهدافه وقراراته، اي الايمان بذاته.

ــ وهل الثقة بالنفس وراثية؟

- الثقة بالنفس تكتسب وتتطور فهي لا تولد مع الانسان، فهؤلاء الأشخاص الذين نعرف أنهم يتمتعون بالثقة ويسيطرون على قلقهم، ولا يجدون صعوبات في التعامل والتأقلم في اي زمان او مكان هم أناس اكتسبوا ثقتهم من البيئة التي تحيط بهم، وفي مراحل لاحقة من التفكير السلبي.

ــ ما هي أسباب انعدام او ضعف الثقة بالنفس؟

- هناك أسباب كثيرة منها التالي: تهويل الأمور والمواقف بحيث تشعر بأن من حولك يركزون على ضعفك ويراقبون كل حركة تقوم بها. الخوف والقلق من ان يصدر منك تصرف مخالف للعادة حتى لا يواجهك الآخرون باللوم او الاحتقار. احساسك بأنك انسان ضعيف ولا يمكن ان تقدم شيئاً امام الآخرين، بل تشعر بأن ذاتك لا شيء يميزها وغالباً من يعاني من هذا التفكير الهدام يرى نفسه انساناً لا قيمة له، ويسرف في هذا التفكير حتى تترسخ هذه الفكرة في مخيلته وتصبح حقيقة. الفشل في الدراسة او العمل وتلقي بعض الانتقادات الحادة من الوالدين او المعلمين بشكل مؤذٍ او جارح. التعرض لحادث قديم كالإحراج او التوبيخ الحاد امام الآخرين او المقارنة بين الفرد وبين أقرانه. نظرة الأصدقاء او الأهل السلبية، وعدم الاعتماد على الفرد في الأمور المهمة، او عدم اعطائه الفرصة لإثبات ذاته.

ــ كيف تصفين الأشخاص الذين يعانون من ضعف في الثقة بالنفس؟

- الأشخاص قليلو الثقة بأنفسهم هم أناس لا يكفون عن التقليل من أهميتهم، بل انهم لا يتصورون ان الآخرين يمكن ان يروا فيهم اي شيء متميز. ولهذا فانعدام ثقتهم بأنفسهم وضعف ايمانهم بقدراتهم يمنعانهم دائماً من اتخاذ المبادرة والتقدم الى الامام، فهم يستبعدون دائماً احتمال نجاحهم في ما يقومون به. وهكذا فإنك، انت نفسك، ان كنت غير واثق بكفاءتك في ما ستقوم به، فإنك غالباً ستتراجع عن القيام بما تتمنى القيام به. هكذا تفكر الشخصية غير الواثقة، وهكذا تتكاسل عن المبادرة وتفوت عليها الكثير من فرص النجاح. وعدا عن ذلك، فإن الأشخاص الذين لا يتمتعون بما يكفي من الثقة بالنفس يسببون لأنفسهم شعوراً بالضيق وعدم الاطمئنان. هؤلاء الأشخاص غالباً ما يواجهون مشكلة في الامساك بزمام أمور حياتهم اليومية، في حين ان الثقة بالنفس تعلم الفرد كيف يفكر ويتصرف بكل استقلالية وحرية، وتعطي لعلاقاته مع الآخرين طابعاً مختلفاً ومتميزاً عن غيره. عادة يكون مصدر هذه المشاعر التربية الخاطئة من الأهل، والتعرض للإحراج والاستهزاء من الأهل او حتى المعلمين في المدرسة، وفي كثير من الأحيان يكون عدم الثقة بالنفس بسبب الأفكار الخاطئة التي يحملها الشخص عن نفسه ويرددها.

 

وسائل العلاج

ــ وما هي أهم الخطوات لتحسين الثقة بالنفس؟

- يجب ان يكون الانسان صريحاً مع نفسه، ويجب الا يحاول تحميل الآخرين أخطاءه، وان يستخدم ورقة وقلماً ويسجل جميع الأسباب التي ساهمت في خلق المشكلة، وان يتعرّف الى الأسباب الرئيسية والفرعية التي أدت الى تطورها. وبعد ان يصل الشخص الى مصدر المشكلة عليه ان يبحث عن الحل وان يفكر، وستبدأ الحلول في الظهور، وان يحاول ترتيب افكاره، ما يجعله يسيطر على مخاوفه ويستعيد ثقته بنفسه، وان يقنع نفسه ويردد كلمات وعبارات تشحنه بقوة للتغيير وان يتجنب الأفكار السلبية، وان يغفر للجميع اخطاءهم ويبدأ من جديد، والا يقارن نفسه بالآخرين، وان يتذكر ان هناك فرقاً بين الناس، وانه مميز بأشياء معينة ولهذا يركّز عليها، وان يخالط الأشخاص الايجابيين والمميزين لأن الأشخاص اليائسين سيعملون على تدمير ايجابياته، وان يضع امامه مثلاً أعلى وقائمة بالايجابيات والسلبيات لكل قرار سيتم اتخاذه وان يعمل على دراسة الموضوع بجوانبه كافة وعندما يحدد القرار الأمثل والأفضل يتخذ القرار وهو واثق من نفسه.

وتتابع:

- وان يتعلم من تجارب الماضي، وان يراجع القرارات السابقة ويعرف السلبيات التي وقع فيها وان يستفيد من تجارب الماضي، وان يراجع يومياً افعاله ويحدد ما يجب ان يعمل بشكل مختلف، وان يخصص وقتاً للتفكير: ان يخصص يومياً نصف ساعة للتفكير والتخطيط وان يذهب الى مكان هادىء، ويفكر في أهدافه، ويحدد الأفعال لتحقيق هدفه، وان يضع تقديره لمدى تقدمه، وان يجبر نفسه على التركيز على الايجابيات، وألا ينسى الصلاة فهي تمد الانسان بالطمأنينة، وان يهتم بمظهره ولا يهمله.

ــ وهل يمكن زرع الثقة بالنفس لدى الأولاد؟

- ان موضوع زرع الثقة بالنفس لدى الطفل او تنمية مفهوم ذات ايجابي هو مفتاح الشخصية السوية والطريق الأكيد نحو النجاح في الحياة الأكاديمية والعملية. ان الفرق بين الفرد الذي يتمتع بثقة عالية في قدراته ويمتلك مفهوم ذات ايجابي وذلك الذي يفتقد الثقة بالنفس ويمتلك مفهوم ذات سلبي، مثل الفرق بين شخصين وُجدا في غرفة واحدة وعندما سئل كل منهما: ماذا ترى حولك؟ أجاب الأول: <انني ارى نوافذ مفتوحة>. أما الثاني فقد قال: <انني لا ارى سوى جدران مغلقة>. وعند هذا الجواب يجب التوقف ومساعدة الولد على اعادة النظر وقول ما يراه، ونحاول بقدر الامكان ارشاده للوصول الى ان هناك اكثر من زاوية يمكن فيها النظر للأشياء وان النظر للأشياء الايجابية محفز للنجاح والتفاؤل والتقدم والتحدي وكل ما يعطي صورة أفضل للذات وينمي الثقة بالنفس.

مفهوم الذات

ــ وما هو مفهوم الذات؟

- المقصود بمفهوم الذات هو الصورة التي نكونها عن أنفسنا منذ الصغر، وما يرتبط بهذه الصورة من احساس بالرضا او عدم الرضا او ما يسمى بتقدير الذات. اما تقدير الذات فيتعلق بالجانب العاطفي منها وهناك ارتباط وثيق بين مفهوم الذات وتقدير الذات، اي اذا كانت صورتنا عن أنفسنا ايجابية من الطبيعي ان نشعر بالاعتزاز والرضا بهذه الذات. وعلى العكس من ذلك، اذا كانت صورتنا عن ذاتنا سلبية، فسنكره ذاتنا ونذمها ونحتقرها وليس هناك أخطر من ان يكره الطفل نفسه لأن ذلك سيعرضه الى العديد من المشكلات السلوكية والنفسية، وسيسعى لمحاولات يائسة لإثبات ذاته بطرق سلبية بعد ان فشل في اثباتها بطرق ايجابية.

ــ وكيف ننمي مفهوم ذات ايجابي والثقة بالنفس لدى الأبناء؟

- هناك وسائل عديدة يمكن ان نتبعها كأهل ومعلمين لكي نزرع الثقة في نفوس الأبناء. ويمكن تلخيص الأساليب الصحيحة في التعامل مع الأطفال لتحقيق هذا الغرض كالآتي: الثقة (وليس فقط بالكلام بل بالفعل)، الاستقلالية (اعطاء قدر من الاستقلالية وزيادتها مع العمر)، لغة التواصل الصحيح (الحوار البناء والاستماع)، الثبات في المعاملة، قبول الطفل كما هو، وتشجيع الطفل.

وتابعت تقول:

- ويجب ان نتقبل الخطأ ونقول للولد ذلك، فليس هناك انسان لا يخطىء، ولكن العبرة في تعلم الدروس من الأخطاء. والقول التالي هو خير معبّر: <لا تأتي الثقة بالنفس من كونك دائماً على حق بل من خلال كونك غير خائف من ان تكون على خطأ>.