تفاصيل الخبر

"خارطة طريق" للخروج من المحنة المالية والحل الامثل لأزمة الودائع...

16/04/2020
"خارطة طريق" للخروج من المحنة المالية والحل الامثل لأزمة الودائع...

"خارطة طريق" للخروج من المحنة المالية والحل الامثل لأزمة الودائع...

 

بقلم طوني بشارة

   

الخبير الاقتصادي الدكتور سامر سلامة: تأميم البنوك لمدة تتراوح ما بين 6 إلى 12 شهرًا يساهم في تخفيض الدين العام من 110 مليارات الى 40 مليار دولار!

  [caption id="attachment_77042" align="alignleft" width="364"] مصرف لبنان... اين هو من دوره في حماية النظام المصرفي؟[/caption]

يعاني لبنان  للأسف من ازمة مالية خانقة، أزمة تضرب كافة القطاعات الانتاجية وتشل الحركة الاقتصادية، فهل من سبل او طرق معينة يجب اتباعها للخروج من هذه المحنة؟

"الافكار" التقت الخبير في شؤون الشركات المتعثرة رجل الاعمال والناشط في الشأن العام الدكتور سامر سلامة الذي قال بأن الأزمة المالية الحالية هي نتيجة حتمية لتراكم فساد وإهمال قل نظيرهما لمدة سبع وعشرين سنة متتالية من قبل القيمين على الشؤون المالية والإقتصادية للدولة من دون أي حسيب أو رقيب، مما أدى الى إنهيار مالي شامل.

وتابع سلامة قائلا:

- يمكننا القول بأن التراكم امتد منذ عام 1998 حتى تاريخه وتمثل بهدر ونهب فظيع لأموال القطاع العام. وبمراجعة حسابية دقيقة نلاحظ بأن حركة الدين العام بتزايد مستمر منذ عام 2006 حتى تاريخه، إذ ارتفع من 2 مليار دولار سنوياً الى ما يقارب الـ9 مليارات حالياً، وأدى بطبيعة الحال الى مضاعفة أرقام العجز، فالدولة تتبع سياسة إنفاقية دون وضع أي إستراتيجية لزيادة المداخيل، اذ لا توجد أي إجراءات ضريبية أو حتى تحفيزية للإقتصاد الوطني، فالعجز يتضاعف بوتيرة سريعة ويترافق ذلك مع تراجع فظيع للقدرة الإنتاجية المحلية مما اوصلنا الى دين عام فاقت قيمته الـ136 مليار دولار.

" الكابيتول كونترول" و"اليوروبوند" وإعادة الجدولة!

 

*إضافة الى الازمة المالية نرى ان المودعين يعانون من مشاكل مع المصارف، فكيف يمكن تفسير هذه الازمة؟

- للأسف لجأت المصارف التجارية في لبنان منذ فترة الى إعتماد ما يمكن تسميته بالـ"capital control" غير ابهة بعدم قانونية هكذا إجراء. ومصرف لبنان أثبت مدى فشله بمعالجة هذه المشكلة إذ تراجع عن مهمته الأساسية المتمثلة بإيجاد حل للأزمة المالية المحلية ومن ضمنها ما يعانيه المودعون مع المصارف. اضافة الى ذلك نرى أن السلطات الحكومية المسؤولة لم تقم أيضا بأي إجراء او اية مبادرة، ولم تضع اي خطوة رادعة وإيجابية لصالح المودعين، وخير دليل على ذلك بأن قيمة الودائع انخفضت بحوالى 24 مليار دولار منذ 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي وحتى تاريخه، وقسم كبير من هذه المبالغ تم الاستيلاء عليه من قبل كبار المودعين، فيما قسم اخر تم تهريبه الى الخارج، وجزء لا بأس به مكدس في المنازل. وبلغة الأرقام نرى ان هناك 75 مليار دولار مفقودة ومجهولة المصير يقابلها 36 مليار ليرة تعاني المصير نفسه.

*ولكن مصرف لبنان منح صغار المودعين إمكانية سحب وقبض ما يعادل الـ3000$ بالليرة اللبنانية من ودائعهم وذلك حسب سعر الصرف في السوق وليس وفقا لتسعيرة الـ1515، الا يصب ذلك لمصلحة صغار المودعين؟

- إن ما يقوم به رياض سلامة حاليا بدفع أموال المودعين بحساب الدولار بالليرة اللبنانية وفقا لسعر الصرف يصب لمصلحة المصارف وليس الدولة. إنه إجراء يساعد المصارف على إنهاء مشاكلها على حساب المودعين الصغار وعلى حساب الليرة اللبنانية التي ستفقد قيمتها تدريجياً.

*البعض انتقد الدولة لعدم تسديد "اليوروبوند" والبعض الاخر أيدها وطالب بإعادة الجدولة. وفقا لخبرتك ما الحل الأفضل لديون "اليوروبوند"؟

- بالتأكيد لا يجب دفع استحقاقات "اليوروبوند"، وبالتالي يجب إلغاء هذه الاستحقاقات البالغة قيمتها 33 مليار دولار، 20 ملياراً منها دين للبنان و13 ملياراً دين للخارج، لذا يجب إلغاء المستحقات اللبنانية والسعي قدر المستطاع الى إعادة جدولة الـ13 ملياراً وتقسيمها على 20 سنة مع فائدة 1 بالمئة.

 *في سياق حديثك اشرت الى ضرورة اتباع "haircut" صحيح، منطقي ومدروس، فكيف يتم ذلك؟

- إن الـ"haircut" الصحيح يكون بإعادة جدولة لكل دين الدولة أي الـ130 مليار دولار، ويترافق ذلك مع الغاء كلي للعجز العام لتصبح هناك ميزانية دولة قادرة، ومن ثم ننتقل الى وضع اليد على المصارف أي السيطرة على الـ"equity" التابعة للمصارف والبالغة قيمتها 20 ملياراً والـ7 مليارات التي اخرجوها مؤخرا من لبنان، ومن ثم اذا دعت الحاجة يتم فرض "haircut" على المودعين الكبار ولا نمس اطلاقا بأموال المودعين الصغار، فاعتماد إجراء كهذا يصب لمصلحة الدولة ويساعدها على الانتهاء من مشاكلها.

الخطة الاصلاحية!

 

[caption id="attachment_77041" align="alignleft" width="166"] الدكتور سامر سلامة: الثورة ستعود من جديد وهي ستكون نتيجة حتمية لعدم مبالاة القادة وتصرفاتهم اللامسؤولة.[/caption]

*وما الحل الأفضل؟

- يجب بداية إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومحاكمته بتهمة إساءة الأمانة العامة، على اعتبار ان هناك 75 مليار دولار مفقودة من السوق اللبناني ولم يتم حتى تاريخه الإعلان عن مكان وجودها، وهذا سبب كفيل لإقالته وإدانته وإحالته للقضاء المختص، فهو متهم بالتواطؤ مع السياسيين والمصارف لكونه أيضا استدان من المصارف لتغطية دين عام صرفه السياسيون بطريقة غير مجدية.

وتابع سلامة قائلا:

- يفترض كخطوة ثانية ومن بعد اقالة سلامة تعيين حاكم جديد قادر على ممارسة مهامه، وبالتالي وضع يده على المصارف المتعثرة على اعتبار ان عدد المصارف المتعثرة يوازي ثلاثة ارباع المصارف العاملة في لبنان، ومن ثم يجب السعي وبشتى الطرق الى الغاء الديون القائمة ما بين المصرف المركزي والمصارف التجارية والبالغة قيمتها حوالى 100 مليار دولار مما يعزز ميزانية الدولة. وفي حال لم يسع القادة والجهات المعنية الى إيجاد حل للأزمة المالية الحالية فانني أجزم بأن الثورة ستعود من جديد وهي ستكون كنتيجة حتمية للامبالاة القادة وتصرفاتهم اللامسؤولة.

*علمنا بأنك قد تقدمت بخطة إصلاحية لرئيس الجمهورية من اجل الخروج من الازمة المالية الحالية، فهل بإمكانك إطلاعنا على بنود هذه الخطة؟

- الخطة تتضمن بعض المحددات التي يجب تسليط الضوء عليها لإصلاح بعض جوانب الأزمة المالية / الاقتصادية في لبنان، وهذه المحددات هي الاتي: 1- لا بد من إعادة هيكلة العلاقة بين مصرف لبنان المركزي والمصارف الأخرى، وإصلاح كافة العيوب في النظام المصرفي بوجه عام. 2- العمل على سداد الدين العام والذي يقدر بـ 110 مليارات دولار (91 ملياراً للديون السيادية و20 مليار دولار ديون مصرف لبنان). 3- الالتزام بالمصداقية في كافة الإجراءات البنكية والعمل على استعادة الأرصدة المفقودة من ودائع المواطنين والتي تتراوح ما بين 40 إلى 50 مليار دولار. 4- العمل على زيادة حجم الناتج الإجمالي المحلي وتطوير البنية التحتية.

*الم تفسر للرئيس العلاقة المخفية بين المصرف المركزي والمصارف واثرها على الاقتصاد؟

 - بالتأكيد اذ اشرت بإيجاز الى العلاقة بين كل من مصرف لبنان والمصارف الأخرى والاقتصاد بوجه عام، وقلت ان مصرف لبنان أخذ على عاتقه مهمة سد عجز الموازنة العامة للدولة المقدر بـ 91 مليار دولار. وفي ظل تراجع الثقة في الاقتصاد اللبناني وإحجام المستثمرين عن ضخ أموالهم إلى المصارف الوطنية، فقد عمد المصرف المركزي وسارت على دربه المصارف الأخرى إلى شراء معظم سندات الخزينة العامة وسندات اليورو التي تعرضها وزارة المالية، كما قام مصرف لبنان باقتراض مبلغ 20 مليار دولار من البنوك الاخرى لسداد الفوائد المستحقة على الدين وتغطية العجز في كل من الميزان التجاري الدولي والعملة الأجنبية (الدولار).

*هل من تفسير بلغة الارقام للدين العام؟ - في ضوء المعلومات القليلة المتاحة، فإنه يمكن تقدير إجمالي الدين الحالي على النحو الاتي (في نهاية عام 2019): – البنوك / ليرة لبنانية: 17.0 مليار دولار – البنوك / دولار اميركي: 13.6 مليار دولار – مصرف لبنان / ليرة لبنانية: 33.7 مليار دولار – مصرف لبنان / دولار اميركي: 5.7 مليار دولار (سندات اليورو) – مصرف لبنان / دولار اميركي: 19.1 مليار دولار (شهادات الإيداع) – محلي/ ليرة لبنانية: 7.2 مليار دولار – سندات اليورو الأجنبية: 14.4 مليار دولار إجمالي الدين 110.7 مليار دولار، منها 13 ٪ فقط خارج نطاق الاختصاص القضائي الوطني.

واستطرد سلامة قائلا: - في مضمون الخطة ابلغت فخامة الرئيس بأن الجانب المحزن من القصة يتلخص في أن ديون الدولة اللبنانية كان يتم سدادها على مدى العقود القليلة الماضية من أموال المودعين ودون الحصول على تصريح منهم بذلك مما يعد انتهاكا تاما لكافة الأعراف الدولية وقواعد الحوكمة السليمة، ولقد تمكن مدراء البنوك والمساهمون من جني أرباح تصل إلى 80 مليار دولار على حساب المواطن العادي مع تجاهل كافة الالتزامات الائتمانية وتعمد تضليل المودعين، الامر الذي يمكننا من القول بأن رؤوس النظام المصرفي في لبنان قد تمتعوا بالثراء فيما تركوا للمواطن اللبناني مهمة تحمل الأعباء.

* الم تشر الى تجاوزات المصارف ما بعد الثورة؟

- من ضمن رسالتي الى الرئيس عون شددت على انه ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، عمدت البنوك إلى تطبيق مجموعة من الإجراءات غير القانونية بهدف حماية النظام المصرفي على حساب العملاء والمواطنين، ومن هذه الاجراءات: – أغلقت المصارف أبوابها لمدة أسبوعين متواصلين بينما كانت الضغوط الدولية تمارس من أجل محاولة مساهمة النظام المصرفي اللبناني في تهدئة الأوضاع المشتعلة في الداخل. – فرضت البنوك قيودا على السحوبات الشخصية لصغار المودعين، فيما سمحت بسحب أكثر من 16 مليار دولار لجهات وكيانات غير معروفة والتي على الأرجح قامت بتحويل أموالها إلى الخارج. – قام مصرف لبنان بتخفيض الفوائد المستحقة على الودائع بحوالى 8 بالمئة مع السماح بتخفيض الفائدة على سداد الديون بنحو 3.6 بالمئة مع الاستمرار في دفع سعر الفائدة نفسه على ديونه للبنوك الأخرى، مما يمكن ترجمته في صورة تقديم هدية مجانية للبنوك بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار أمريكي سنويًا دون أي فائدة ملحوظة تعود على الوطن اللبناني.

*- وماذا عن تجاوزات مصرف لبنان، وألم تتطرق لها؟

الرئيس عون بات على علم بأن مصرف لبنان قد ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال اقتراح قانون يضفي الشرعية على التدابير غير القانونية التي تتخذها البنوك مع التظاهر بأن ليس له اختصاص على أنشطة الصرافة حيث لم يتخذ مصرف لبنان موقفاً واضحاً تجاه قيام البنوك ببيع سندات اليورو إلى صناديق أجنبية. وفي ضوء الطرح السابق، فإنه لا يمكن التسليم بأن مؤسسة كمصرف لبنان والمكلفة بحماية النظام المصرفي سوف تتمكن من المساهمة في حل الأزمة المالية العصبية التي تعصف بالوطن، فمن الواضح أن ثمة صفقة خفية بين مصرف لبنان المركزي والبنوك الأخرى تقوم على أساس قيام الأول بالاقتراض من تلك البنوك لتغطية عجز الموازنة العامة، مع اليقين التام بأن هناك فرصة ضعيفة لإعادة الأموال إلى أصحابها (المودعين)، وهذا هو جوهر الإهمال والتقصير في حق الشعب اللبناني.

التوصيات وخارطة الطريق!

 

*علمنا بأنك اوصيت باتخاذ تدابير معينة من خلال خارطة الطريق الاصلاحية، فما هي هذه التدابير؟ - لقد اوصيت باتخاذ التدابير الاتية بهدف إنقاذ المواطن اللبناني من الأزمة الراهنة: – لا بد من إصدار قرارات عاجلة تمنع البنوك من بيع سندات اليورو لجهات أجنبية. – إلغاء جميع القيود على سحوبات رأس المال على الـ 50.000 دولار الأولى من الودائع، وهذا من شأنه التخلص من جميع القيود المفروضة على نحو 93 ٪ من اللبنانيين والحد من التوترات. وفي أسوأ الظروف، حتى لو تم سحب جميع الأموال، فإذا كان المبلغ الإجمالي المتبقي أقل من 25 مليار دولار فإنه يمكن تغطيته من احتياطيات مصرف لبنان المركزي. – إنشاء هيئة قضائية مستقلة تختص بمراقبة أداء مصرف لبنان، وحاكمه رياض سلامة، وإدارة البنوك الأخرى. – التحقيق في الصفقات المشبوهة التي أجراها حاكم مصرف لبنان والإجراءات غير القانونية التي قام باتخاذها والتي تؤشر على نوع من التواطؤ بينه وبين مؤسسات أخرى. – تعيين حاكم مؤقت وتعيين فوري للنواب الأربعة الشاغرين. – إلغاء قانون السرية المصرفية والذي يوفر حماية وحصانة تامة فقط للسياسيين والمسؤولين الفاسدين في الحكومة. – التأميم المؤقت للبنوك على غرار ما قامت به المملكة المتحدة في عام 2008، في حين أن بعض الناس يطالبون فقط بإعادة رسملة البنوك الا ان ذلك لن يكون كافياً لأنه لن ينجح في التصدي للتصرفات غير المسؤولة من البنوك والنتائج المترتبة عن سوء إدارتها.

 ما الفائدة من تأميم البنوك؟

- إن تأميم البنوك لمدة تتراوح ما بين 6 إلى 12 شهرًا سيتيح لمصرف لبنان التخلص من جميع الديون السامة والتي لديها فرصة ضئيلة لتعويض سعر الفائدة وتعويض الميزانية العمومية لكل من مصرف لبنان والبنوك الأخرى وإعادة هيكلة البنوك قبل بيعها للمستثمرين الدوليين وعرض الأسهم على المودعين المتضررين من الإجراءات التي اتخذتها البنوك. فهذا التأميم المؤقت يعد ضرورة حتمية لأنه يحمي أموال المودعين ويسمح بخفض الدين الوطني من 110 مليارات دولار إلى أقل من 40 مليار دولار كما أنه يعمل على استعادة الثقة في النظام المصرفي. وبعد شطب جميع الديون المحلية وهي ما يقرب من 60 مليار دولار و20 مليار دولار في شهادات الإيداع، ينبغي للحكومة، بمساعدة من شركات الاستشارة "لازارد وكليري غوتليب"، التركيز على إعادة هيكلة سندات اليورو على مدار 20 عامًا مع كوبون بنسبة واحد بالمئة، الامر الذي سيؤدي إلى خفض مدفوعات خدمة الدين السنوية إلى أقل من 2 مليار دولار، ويمكن استبدال ذلك في ما بعد بالسندات البترولية.