تفاصيل الخبر

خارطة ”ترامب“ تلفح حدود لبنان.. والتوطين على الأبواب!

06/02/2020
خارطة ”ترامب“ تلفح حدود لبنان.. والتوطين على الأبواب!

خارطة ”ترامب“ تلفح حدود لبنان.. والتوطين على الأبواب!

بقلم علي الحسيني

 

بعد انتهاء الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> من اعلان طريق <صفقة القرن>، حطت التحليلات السياسية في لبنان رحالها عند نقطتين لا تلتقي إحداهما مع الاخرى. النقطة الأولى عبر عنها حزب الله وحلفاؤه من بوابة ان مواجهة الصفقة هذه تتطلب جهداً داخلياً غير مسبوقاً بالإضافة إلى برنامج عمل حكومي جدي يواكب المرحلة سياسياً واقتصادياً. ويعتبر <الحزب> أن التساهل أو التراخي من قبل البعض، هو امر لم يعد مقبولاً، لذلك يميل إلى طرح قيام حكومة <مقاومة> لكي تتمكن من مواجهة <صفقة القرن> وخصوصاً في الشق المتعلق بمشروع توطين الفلسطينيين. أما الثانية فقد طرحتها أوساط أخرى، رأت أن المواجهة بالسلاح وبالتهديدات وبتحويل لبنان إلى محور تابع لهذه الدولة أو تلك، أمر لم يعد يُجدي نفعاً، خصوصاً في المواجهات التي تحمل طابعاً اقتصادياً ومالياً.

 

مواجهة <صفقة> التوطين تكون بوحدة الصف!

بقيت تداعيات <صفقة القرن> التي أعلن عنها <ترامب> الاسبوع الماضي في واجهة الاهتمامات الرسمية والسياسية، خصوصاً وأنها تطال في جانب منها وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وسبل مواجهتها سواء من قبل الفلسطينيين أنفسهم أو من محور المقاومة الذي ازداد نفوذه قوة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. وأيضاً وضع اللاجئين السوريين الذين تفاقم عددهم في لبنان بشكل ملحوظ لدرجة أن الحلول قد ابتعدت كليّاً عن متناول يد اللبنانيين بعد تدويل أزمة النزوح ليس في لبنان فقط، بل في كل دول العالم. ولأن المؤتمرات واللقاءات والمساعي الخارجية والداخلية لحل أزمة النازحين السوريين، لم تُجد نفعاً ولم توصل إلى أي مكان يمكن الانطلاق منه أو اعتباره نقطة ارتكاز لمتابعة هذا الملف الشائك، أصبح من الضروري بل لزاماً على اللبنانيين، مواجهة أي قرار دولي أو أي خارطة طريق تتضمّن تثبيت اللاجئين أو النازحين، في البلدان التي نزحوا اليها، ولو تحت الضغط المالي أو الاقتصادي، أو حتى السياسي.

من القاهرة انتقل وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي بعد مشاركته في اجتماع جامعة الدول العربية منذ أيّام الى المملكة العربية السعودية، للمشاركة في مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الخاص بـ<صفقة القرن> حيث اعتبر ان المقترحات والأفكار التي تطرح حلولاً تحت عناوين تحقيق السلام هي حلول تقوم على ما يشبه دويلة فلسطينية منقوصة السيادة وعلى بعض الاراضي الفلسطينية وتريد ان تضفي الشرعية على الاحتلال وتتجاهل ما هو مبادىء قانونية وتسقط قرارات دولية، وهذه الافكار لا يمكن ان تؤدي إلا الى مزيد من التوترات والمخاطر والدمار. واكد ان المطلوب منا اليوم هو التنسيق الفعلي والتحرك العاجل على كافة الاصعدة للعمل على تحقيق السلام حسب المرجعيات الدولية المعروفة، ومبادىء مبادرة السلام العربية وقرار مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد منذ يومين في دورة غير عادية.

لكن الإبرز في موضوع <صفقة القرن>، تلك الرسائل التي أرسلتها واشنطن للبنان بأن عليه لبنان ان يواجه الاستحقاق المتوقع، <الصفقة>، بكثير من الابتعاد عن لعبة المحاور الكبرى التي لا دخل له بما يستخدم خلالها من قدرات واسلحة اقتصادية ومالية ودبلوماسية، والا سيصبح واحداً من ضحاياها. وحملت الرسائل وجهة نظر تقول: إن الأزمة الإقتصادية والمالية والنقدية تحديداً التي يعيش لبنان فصولاً غامضة منها قد تكون مقدمة لما هو أسوأ، في حال سار لبنان عكس الصفقة.

حركة دولية مريبة تجاه لبنان!

من المؤكد أن هناك جهات خارجية تسعى او تدفع باتجاه حصول توطين في لبنان فيما هذا الاخير غير قادر في ظل وضعه الحالي على مواجهة هذه المؤامرة الجديدة والتي يمكن ان تُعيده عشرات السنين الى الوراء وربما الى الحرب الاهلية. وفي هذا السياق تؤكد اوساط وزارية ان زيارات المسؤولين الدوليين للبنان خلال الاشهر الماضية والتي كانت تكاثرت بشكل كبير وعطفها على <صفقة القرن> التي أعلن عنها <ترامب>، إنما تثير الريبة، لأن الجميع يركز اهتمامه في المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين على ضرورة تأمين متطلبات النازحين الحياتية مع إغداق الوعود على لبنان بتقديم مساعدات مالية وعينية يحتاجها. وتبدي الاوساط قلقها ايضاً من توجه دولي لإرغام لبنان على إبقاء ما يزيد عن مليون ونصف مليون نازح سوري وفلسطيني على اراضيه، حتى ولو توقفت الحرب في سوريا، وهو ما لا يمكن ان يقبل به لبنان الذي عليه أن يُعد العدّة للمواجهة وبشراسة لأي محاولة تهدف إلى لتوطين النازحين على اراضيه.

وفي سياق الخوف من عملية فرض التوطين ومن كلام أممي متكرر، تؤكد مصادر سياسية بارزة لـ<الافكار> أن أي كلام مهما كان نوعه أو مصدره عن توطين النازحين السوريين في لبنان هو امر غير معقول وفي غير محله ولا هو مقبول، وعلى سبيل المثال ذاك الكلام الذي يقول بأنه يجب ان تكون للسوريين حقوق كسب الجنسيات في البلاد التي يقطنونها او يلجأون اليها، معتبرة أن هذا الأمر فيه فضيحة للامم المتحدة وللدول التي تسعى معها الى تحقيق هذا الامر. وشددت المصادر على انه يجب الفصل بين الجانب المالي لأزمة النازحين واللاجئين وقضية التوطين، وربما سيكون هناك حل للازمة السورية في ضوء ما يجري سواء في المؤتمرات المتعلقة بالأزمة السورية او من خلال كف يد النظام السوري من السلطة عاجلاَ ام آجلاً.

مواقف نيابية من التوطين!

الوزير السابق النائب مروان حمادة يؤكد عبر <الأفكار> ان التوطين أمر مرفوض وهو أصبح وراءنا ولا يُمكن أن يتحقق إلا في حالة واحدة، وهي تكيّف بعض الداخل مع هذا الطرح. هل تخشى التقاتل بين اللبنانيين؟ يُجيب حمادة: زمن الحرب والاقتتال بين اللبنانيين لن يعود بأي شكل من الاشكال، فنحن خبرنا مدى الصعوبات التي مررنا بها، ومن هذا المنطلق نشعر مع الشعب السوري ونقف الى جانبه. وعلينا كلبنانيين ان نصبر على هذا الشعب ريثما تنتهي ازمته التي عاجلاً ام آجلاً سوف تنتهي. وهذا الامر يحتم على حزب الله ان يخرج من سوريا لكي يضمن أمن وأمان الشعب السوري وعدم جره الى التوطين. ولا بد من تسجيل الموقف اللبناني الجامع حكومة وشعباً برفض التوطين مهما كانت المغريات السياسية والمالية ومهما كبرت او صغرت التهويلات، فنحن عانينا الامرين من حروب سابقة وقعت تحت عناوين متعددة. وهذا زمن ولّى ولن يعود طالما اننا يد واحدة ويجمعنا مصير واحد.

في تغريدات للنائبين جميل السيد ورولا الطبش، فقد أعلن الأول التالي: <1917، وعد بلفور قسم فلسطين، اليوم وعد <ترامب> سيلغي فلسطين، والعرب عربان بين التقاتل والتشتت، ولبنان في الصفقة سيدفع الثمن بتوطين الفلسطينيين، التوطين في مقابل الديون وإلا. وتابع: منذ الحريري الأب إلى اليوم، الجميع تقريباً انخرطوا في مؤامرة الديون وإفلاس البلد لتسهيل التوطين. أما الطبش فقد قالت إنه أمام ما يجري في المنطقة والاعلان عن <صفقة القرن>، لا بد من التذكير بأن الموقف اللبناني واضح، وهناك اجماع وطني على رفض التوطين انطلاقاً من الدستور اللبناني، وإيماناً بشكل راسخ بأن فلسطين دولة عربية، وحق العودة مقدس.

 

التوطين وراء الأبواب

أجراس الخطر كلها تقرع ابواب الدولة اللبنانية، فلبنان لم يعد قادراً على تحمل اعباء اللاجئين السوريين وهو الذي ما زال يعيش ازمة اللاجئين الفلسطينيين خصوصاً في ظل توقف المديرية التنفيذية لبرنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن تقديم بطاقات الغذاء للاجئين، ولذلك قامت الدولة اللبنانية أكثر من مرة بدرس الترحيل بدلاً من استقبال اعداد إضافية إلا ان ذلك كان اصطدم بعقبات عدة أبرزها الحاجة إلى موقف موحد داخل مجلس الوزراء مجتمعاً، وعلى الرغم من استبعاد الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية حصول التوطين واعتباره من سابع المستحيلات، يؤكد البعض ان التوطين اصبح شبه واقع في ظل وجود 1.172.753 لاجئ من سوريا في لبنان.

وفي السياق نفسه، ثمة تأكيدات تدل على أن عدداً غير قليل من الدول العربية ستقبل بهذا المشروع (صفقة القرن) صراحة أو ضمناً، مع احتمال استجابتها للمطالب الأميركية الإسرائيلية المتضمنة في الصفقة، لاسيما ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين. لكن هناك معارضات مختلفة، بما فيها من أوساط سياسية وشعبية في المنطقة وأوروبا والعالم سوف تعلو صرختها لمواجهة هذه الصفقة. وفي المقلب الأخر ثمة رأي سياسي يُشير إلى انه ليس الهدف تحقيق مشروع <صفقة القرن>، بل إطلاق مساره السياسي. وهو سوف يؤجج الفوضى والنزاعات في دول المنطقة، ويغذي أوهام المواقف الشعبوية والخطابات الفارغة والدعوات إلى أشكال عمل ومواجهة فاشلة، بل سيضاعف الفشل والفوضى والتفكك في دول ومجتمعات المنطقة.

 

اغراءات البيت الأبيض.. مليارات مقابل التوطين!

في أواخر حزيران (يونيو) من العام الماضي أعلن البيت الأبيض عن الجزء الاقتصادي من صفقة القرن التي تضمّ استثمارات بقيمة 50 مليار دولار، معظمها ستذهب الى الأراضي الفلسطينية على أن تنفذ خلال 10 سنوات، فيما سيتم منح باقي الأموال لمصر ولبنان والأردن، وقيل إن <جارد كوشنير>، مستشار <ترامب> وأعضاء آخرين في الإدارة الأميركية يحضرون هذه الخطّة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017. وعُلم أن لبنان قد يحصل من ستة الى سبعة مليارات دولار، الجزء الأكبر منها على شكل قروض مدعومة والبعض الآخر على شكل هبات واستثمارات.

 وكانت أشارت ورقة سرية طرحها <كوشنير> أن هذه الاموال ستصب في دعم التكامل التجاري الإقليمي لتحفيز المصدّرين على الانخراط بشكل قيّم إقليمياً، بهدف الحد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في المنطقة. وتوسيع <برنامج المؤسسة الأميركية للاستثمار الخاص في الخارج> (OPIC)، الذي يدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة (SME) في المنطقة. يمكن لـ<OPIC> إنشاء تسهيل موسع للحصول على قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة في لبنان، بالإضافة إلى إصلاح وتحسين ممرات الطرق اللبنانية، بما في ذلك وصلات الطرق السريعة المفقودة في المقام الأول على الممرين الرئيسيين (الشمال والجنوب، والشرق والغرب)، التي هي جزء من شبكة الطرق الإقليمية السريعة.

وأيضاً دعم إنشاء شبكة سكة حديدية داخل لبنان، مع إمكانية الاتصال بشبكة سكة حديدية إقليمية. ودعم البناء، والخدمات اللوجستية، المرتبطة بتوسيع مطار بيروت والمطارات الأخرى، وتوسيع المرافئ اللبنانية بما في ذلك في بيروت وطرابلس، وتحديث المعابر الحدودية.

نصيب لبنان من خارطة <ترامب>!

في الخلاصة يمكن القول إن لبنان نال نصيبه من <صفقة القرن> على مستوى قضيتين حيويتين هما التوطين والحدود. في التوطين وضع <ترامب> اللاجئين الفلسطينيين أمام خيارين من ثلاثة، الاستيعاب داخل دولة فلسطين ضمن قيود محددة مثل قبول خمسة الاف لاجئ كل عام تصل الى عشر سنوات في البلدان الأعضاء ضمن منظمة التعاون الإسلامي التي توافق في اعادة توطين اللاجئين ما مجموعه خمسين الف لاجيء من أصل نحو سبعة ملايين منتشرين في العالم أو الاندماج في البلدان المضيفة الحالية مع مراعاة مخاوف تلك البلدان. والمؤكد أن لبنان معني بشكل مباشر بالخيار الثالث. وفي خطته حدد <ترامب> سقوفاً مالية لمساعدة الدول التي تستضيف اللاجئين بلغت حصة لبنان فيها ستة مليارات و325 مليون دولار وهي الحصة الأدنى بين الدول المضيفة الأخرى، ولكن لبنان الذي يتحمل أعباء نصف مليون لاجئ يرفض بمختلف أركان الدولة دفع هذا الثمن على الرغم من إغراق البلد بالديون والضغوط التي يُعاني منها.

أما في ملف الحدود فقد قضت الخارطة التي رسمتها صفقة <ترامب> الحدود الدولية بين لبنان والأراضي الفلسطينية من خلال رسم خط متقطع لتلك الحدود وهو خط مؤقت غير متفق فيه على نهائيته، كما شطبت الخريطة مزارع شبعا من الجانب اللبناني واعتبرتها جزءاً من اسرائيل. وعدم نهائية تلك الحدود بحسب خارطة <ترامب> يُبقي ملف الحدود البرية والبحرية خاضعاً للتعديل، أو يزيد أطماع اسرائيل في التمدد أكــــــــــثر في العمق اللبناني وضم المزيد من الأراضي، كما ضمت خارطة <صفقة القرن> مزارع شبعا إلى دولة اسرائيل.