تفاصيل الخبر

كفى كلاماً ضد الفساد! 

11/11/2016
كفى كلاماً ضد الفساد! 

كفى كلاماً ضد الفساد! 

 

بقلم خالد عوض

 

7ترامب من الصعب أن يهضم الشعب الأميركي بل العالم بأسره أخبار الفساد التي رافقت الحملة الانتخابية الشرسة في صفحة ومسيرة كلي المرشحين للرئاسة، الرئيس الفائز <دونالد ترامب> والخاسرة <هيلاري كلينتون>. من التهرب الضريبي الذي سماه <ترامب> حرفية في <البيزنس> إلى استغلال المنصب السياسي في وزارة الخارجية لجمع أموال لجمعية زوجها الرئيس السابق <بيل كلينتون>، اللائحة تطول. ولكن الكلمة الأخيرة من الأميركيين كانت واضحة: <إفعل ما تشاء في حياتك الخاصة وتذاكى على <السيستم> بقدر ما تمكنت>، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحكم فهذا كلام آخر. نريد الشفافية والصراحة وليس الخبرة والحنكة السياسية.

من هذا الباب يمكن تنبيه عهد الرئيس ميشال عون أن الناس لا تريد كلاماً ضد الفساد، ولا وعيداً بقطع رؤوس الفاسدين، ولا تهديداً بمحاسبة المخالفين، الناس تريد أفعالاً، بل حتى أكثر من ذلك، تريد نتائج.

إذا راجعنا كل خطابات رؤساء لبنان في بداية عهودهم، فإننا سنكتشف على الأرجح أن الحرب ضد الفساد كانت من أهم شعاراتهم. ومع كل نهاية عهد، كان الفساد يتقدم خطوات أكبر ويتغلغل في الدولة. يمكن استثناء عهد الرئيس فؤاد شهاب وحده من هذا التعميم، والسبب ليس فقط لأنه كان زاهداً في حياته أو صادقاً في نواياه الإصلاحية، فمعظم الرؤساء كانوا كذلك، على الأقل في البداية، بل لأنه أنشأ وطور الأسس العملية لضبط الفساد، فقد أنشأ <هيئة التفتيش المركزي> و<مجلس الخدمة المدنية> وأعاد تفعيل <ديوان المحاسبة> و<التفتيش المالي> إلى جانب عدة مرافق أساسية من هيكل الدولة السليمة. فؤاد شهاب أحاط الدولة بمؤسسة وأنظمة يصعب معها على الفساد اختراق الإدارة. ما يحصل اليوم هو اختراق الفساد لتلك الهيئات نفسها وبالتالي فإن مهمة العهد الجديد هي أصعب بكثير.

المطلوب من العهد عدم الاعتماد فقط على أشخاص للجم الفساد بل على أنظمة ومعايير ومؤشرات أداء تطبق في مختلف الإدارات والأجهزة العامة. لا نريد صوتاً عالياً في وجه الفساد ولا تغنياً بمحاربته ولا حتى سجن شخص أو أكثر كعبرة لمن لا يمتثل. المطلوب تأسيس مظلة مستدامة تحمي البلد لفترة طويلة وتشجع أصحاب الكف النظيف على الانخراط  في الحقل العام.

AOUN-14انشأت <سنغافورة> سنة ١٩٥٢ مكتب تحقيقات ضد الممارسات الفاسدة (Corrupt Practices Investigation Bureau) وذلك من أجل تطوير أساليب محاربة الفساد، والتواصل مع الناس عن طريق الشكوى المباشرة لأي عرقلة تواجههم في معاملاتهم الإدارية، وخلق رقابة غير مباشرة على كل المناقصات والمشاريع. إذا سألت اقتصاديين اليوم عن أحد أسباب الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلد المدينة، كما تعرف <سنغافورة>، فإنهم يردون ذلك الى هذا المكتب ونجاحه في فرض هيبة الدولة والتصدي لأي محاولة فساد.

المغزى من مثل <سنغافورة> هو العائد الاقتصادي الممكن تحقيقه في حال توافرت الجدية في الإصلاح، ليس فقط عبر توفير مئات ملايين الدولارات سنوياً وتحقيق إنتاجية إدارية مرتفعة بل عن طريق خلق الثقة الاستثمارية في البلد ومؤسساته، وهذا ما نحن أحوج إليه اليوم. الخلاص الاقتصادي لن يتحقق إلا بتوفير أرضية استثمارية خصبة في لبنان تتمكن من جذب عدة مليارات دولار سنوياً، ولا تكون متجهة إلى مجالي العقار والسياحة فقط كما جرت العادة في مراحل النمو السابقة. فقوام هكذا أرضية هو نظام جدي في ردع الفساد، وهيئات رقابية ومؤشرات أداء ترصد بصورة دورية لمراقبة كل ذلك، ومن دون بنية تحتية اصلاحية من الصعب التوصل إلى بنية تحتية جاذبة للاستثمارات.

باختصار، ومع الاحترام لكل ما سمعناه من العهد الجديد حتى اليوم، نريد للحلم أن يتحقق ليس عبر التصاريح بل من خلال النتائج والأرقام.... تماماً كما فعل الأميركيون عندما كذبوا بأصواتهم كل الإحصاءات والتحليلات.