تفاصيل الخبر

قـضـيـــة مطـمـــر ”الـكوستــابـــرافـا“ تـتـفـاعـــل مــن جـديـــد

03/02/2017
قـضـيـــة مطـمـــر ”الـكوستــابـــرافـا“ تـتـفـاعـــل مــن جـديـــد

قـضـيـــة مطـمـــر ”الـكوستــابـــرافـا“ تـتـفـاعـــل مــن جـديـــد

بقلم طوني بشارة

1

أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا حسن حمدان في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير المنصرم قراراً يقضي باستمرار العمل في مطمر <الكوستابرافا> مؤقتاً إلى حين البت في القضية وصدور القرار النهائي، فهل ان تأجيل القرار بقضية <الكوستابرافا> وعدم البت فيه يشي بضغوط سياسية تمارس على القضاء في الوقت الراهن كما يرى كثيرون؟ وبالتالي هل ان التمديد للمطمر في ظل السماح بصيد طيور النورس يلغي وجود خطر حالي على الطيران المدني والمسافرين؟ ام سيكون ذلك بمنزلة مأساة على اللبنانيين بانتظار قرار الإقفال الأخير؟

ابي راشد والقبول بقرار تأجيل الاقفال لايام في حال كان هناك حل مقبول

تساؤلات عديدة رافقت صدور قرار القاضي حمدان وحملت في طياتها إجماع القيمين على المسألة حول ضرورة انهاء مجزرة <الكوستابرافا>، فالخبير البيئي بول أبي راشد يرى أنه في حال كان الهدف من وراء تأجيل الإقفال هو إعطاء نفس جديد للحل وتمكين المسؤولين من ايجاد حل بديل، وتفادياً لانتشار النفايات في الشارع، فإن قرار التأجيل مقبول، لأيام قليلة ليس أكثر، علماً أن أبي راشد يؤكد موقفه الرافض للمطمر ودعمه للمحامين في الدعوى المقامة من أجل اقفاله.

وفي السياق ذاته يلفت أبي راشد إلى أن مجموعة من البيئيين وبعض ممثلي المجتمع المدني يتفاوضون مع ممثلين عن السلطة في إجتماعات أولى وسريعة منذ فترة حيث يتمحور النقاش حول حل بيئي بديل لمطمر <الكوستابرافا> مطروح على الطاولة في الوقت الراهن، وهذا الحل سيعتمد لمدة عام في مرحلة انتقالية، يكون فيها حلاً بيئياً غير مكلف وسريع التنفيذ، ومن شأنه أن يقلل من حجم النفايات التي تطمر في برج حمود إلى حين اقفاله كلياً، مؤكداً أنه يشعر بجدية بوجود أذان صاغية للحل البيئي المطروح هذه المرة من قبل رئاستي الجمهورية والحكومة على حد سواء.

وفي ما يتعلق بقتل النورس استنكر بول ابي راشد الموضوع قائلا:

- <ان مشهد جحافل الصيادين الذين غزوا محيط المطار لارتكاب مجازر في حق الطيور ليس فقط النورس الممنوع اصطياده دولياً بل حتى عصفور الدوري وغيره الكثير، هو اهانة للدولة والحكومة التي اعلنت انها تملك خططاً لابعادها، منها اجهزة الصوت و<كشاشو الطيور>، وتساءل < كيف يترك هؤلاء يقومون بهذا الفعل المشين في منطقة امنية حيث يوجد مركز للجيش ان لم يكن هناك غطاء سياسي لهم>؟

وأعرب أبي راشد عن استغرابه من حصر المشكلة في المطار بطائر النورس وكأن القضاء عليه يحل المشكلة، وأوضح قائلاً: <لبنان يشهد حركة مرور للطيور تصل إلى 400 نوع، تنقسم إلى خمس فئات، منها ما يعبر مع الخريف من أوروبا إلى أفريقيا عبر لبنان، ومنها ما يأتي من أوروبا ويمضي الشتاء في لبنان، ومن هذه الأنواع طائر النورس، وهناك أنواع أخرى دائمة البقاء>، وشرح أبي راشد <أن طائر النورس سيغادر لبنان نهاية نيسان/ أبريل المقبل، لكن مطمر الـ<الكوستابرافا> في حال استمر فإنه سيجذب أنواعاً أخرى من الطيور على مدار السنة وليس موسمياً، إلى جانب اجتذاب طيور ليلية يصعب رصدها أو رؤيتها بول-ابي-راشد----2في الظلام>.

وطالب ابي راشد بضرورة حماية حياة الناس وسلامة الطيران عبر إغلاق المطمر، ووضع آلات خاصة لطرد الطيور، لأن الصيادين ارتكبوا مجزرة بحق النورس الذي اصطادوا معه أيضا عشرات الأنواع الأخرى من الطيور.

وختم ابي راشد حديثه قائلا: ان مطمري الـ<الكوستابرافا> وبرج حمود غير مطابقين للشروط الصحية اساسا، ونحن كمسؤولين وناشطين بيئيين نملك حلاً، ولكن الاهم الآن في هذه الفترة هو عدم احراق النفايات في الطرقات وفي المكبات، وان يعمد المواطنون الى فصل نفاياتهم الى ثلاثة اقسام: نفايات الحمام، نفايات المطبخ ووضع كل ما هو غير عضوي من زجاج وبلاستيك وورق وكرتون والمنيوم ايضا بشكل منفصل عن باقي النفايات العضوية مما يسهل الامر للوصول الى الحل المرجو .

قديح واستغراب لعدم التحرك في قضية <الكوستابرافا>

بدوره الخبير البيئي ناجي قديح عرض عدة تساؤلات قائلاً: ماذا ينتظر المسؤولون في لبنان، وعلى أعلى المستويات، لكي يوقفوا العمل في مكب <الكوستابرافا>؟ ماذا ينتظر مجلس الوزراء كي يتحرك؟ ماذا ينتظر وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فينانوس لكي يضرب يده على الطاولة ويقرر إيقاف العمل نهائيا بهذا المكب، الذي يهدد سلامة الطيران في مطار <رفيق الحريري الدولي> بأكبر المخاطر والكوارث؟ ولربما السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه: لماذا لم يستجب أي مستوى من مستويات المسؤولية الإدارية أو الحكومية أو السياسية في السلطة في لبنان حتى الآن لكل ما أطلقناه من تحذيرات، عبر اتخاذ الإجراء الوقائي الملائم لدرجة المخاطر التي يشكلها مكب <الكوستابرافا>؟

وتابع قديح:

- منذ لحظة طرح موقع <الكوستابرافا> للتداول في السنة الماضية، لإقامة مكب - <باركينغ> - مطمر للنفايات المنزلية، المحتوية على أكثر من 55 بالمئة مكونات عضوية قابلة للتحلل والتعفن، كتبنا ورفعنا الصوت محذرين من أن هذا الموقع، إضافة لتلويث المنظومة البيئية البحرية، وتخريب الشاطىء، يشكل خطراً حقيقياً على سلامة الطيران في مطار بيروت، كون النفايات العضوية المتحللة والمتعفنة تشكل مصدراً جاذباً للطيور، وكلما ازدادت كمياتها، ازدادت أسراب الطيور التي تحوم في المنطقة فوق مطار بيروت وتهدد سلامة الطائرات عند إقلاعها وهبوطها واستدارتها، ومنذ اللحظة الأولى لإقراره وبدء العمل فيه، كتبنا عن مخاطر مكب <الكوستابرافا>، وحذرنا ورفعنا الصوت عالياً، ووضعنا بتصرف الرأي العام صورا لأسراب الطيور، متزايدة الأعداد اضطراداً مع ازدياد أطنان النفايات المكدسة في هذا الموقع، الملاصق لمطار بيروت، خلافاً لكل المعايير والمواصفات الدولية التي تمنع إقامة منشآت للنفايات التي تحتوي على مكونات قابلة للتحلل والتعفن، وتطالب بإبعادها عن المطارات مسافة 6 أميال على الأقل، أي أكثر من 9600 متر.

وتابع قديح:

- كما أشرنا في كتاباتنا السابقة إلى التشريعات الأميركية الصادرة عن مصلحة الطيران المدني في وزارة النقل الأميركية، وغيرها من التشريعات، ومع تفاقم مشكلة الطيور المتزايدة فوق مطار بيروت، كتبنا من جديد وأشرنا إلى المخاطر الجدية، وطالبنا المسؤولين أن يأخذوا هذه المخاطر بالجدية اللازمة، وأن يتعاملوا معها بمسؤولية عالية تُترجم باتخاذ أقصى إجراءات الوقاية المتمثلة بالوقف الفوري لمكب <الكوستابرافا>، ونقل كميات النفايات التي تجمعت هناك إلى مكان آخر، بعيداً عن المطار حفاظاً على سلامة الطيران فيه، ولكن للأسف جاءت تصريحات المسؤولين الإداريين عن المطار لا ترتقي إلى الحد الأدنى من المسؤولية حيال المخاطر الجدية لهذا الأمر، فساعة يحاولون تبرير مسؤولية مكب <الكوستابرافا> عن اجتذاب الطيور إلى المنطقة، وإلصاقها بأسباب أخرى متعلقة بمصب نهر الغدير أو غيره، كما ذهب وزير البيئة طارق الخطيب أيضاً إلى تبني هذه الأقاويل غير الدقيقة، والتي لا ترقى إلى الحقائق العلمية، كل ذلك من أجل حرف الأنظار عن هول مكب <الكوستابرافا> ومسؤوليته في اجتذاب أسباب التهديد والمخاطر التي تجسدها أسراب طيور النورس، والتي تحوم فوق منطقة المطار وسهل الشويفات عموماً.

 

<الكوستابرافا> واجتذابه للطيور

osta-brava--AS

واستطرد قديح:

- كما كتبنا أيضاً وأيضاً، لنشير إلى أن تلوث نهر الغدير ومصبه ليس أمراً طارئاً على هذه المنطقة، وكذلك محطة الغدير لمعالجة المياه المبتذلة الموجودة منذ عام 2001، إذ لم يشكل هذان <المعلمان> عنصر جذبٍ كافياً للطيور، فظاهرة الطيور في أجواء المنطقة لم تكن موجودة خلال كل تلك السنين، بل هي أصبحت ظاهرة تقرع طبول الخطر على سلامة الطيران مع بدء العمل بمكب <الكوستابرافا>، ونقل آلاف الأطنان من النفايات المحتوية على مكونات قابلة للتحلل والتعفن إليه، وهي في تفاقم مستمر مع تراكم أطنان النفايات تباعاً يوماً بعد يوم. ولفت قديح ان تصريحات مسؤولي المطار عن وضع آلات طرد للطيور تحاكي أصوات النسور لتهريبها، تنم عن انحدار مخيف في مستوى المسؤولية عن حياة الناس، وهي لا ترقى إلى الحد الأدنى المعقول والمقبول من الإحتراز والوقاية، على اعتبار إن فلسفة الوقاية تقوم على تقييم حقيقي للمخاطر، وعند تحديد مستوى أي من المخاطر، ولو كان ضعيفاً، نذهب إلى اعتماد أقصى إجراءات الوقاية، فكيف بالأحرى إذا كان مستوى المخاطر يرقى إلى حد إمكانية وقوع كوارث تودي بحياة مئات الضحايا البشرية، وما يرافق ذلك من تبعات على لبنان وأهله؟ في هذه الحالة، إن الإجراء الوقائي الوحيد العقلاني والمقبول، هو استئصال سبب التهديد من جذوره، وإقفال موقع <الكوستابرافا> فوراً، اليوم قبل الغد، ونقل كل كميات النفايات التي جيء بها إليه إلى مكان بعيد عن حرم المطار، بحيث يتم حفظ الحد الأقصى من الأمان والسلامة للطيران فيه، منه وإليه. وشدد قديح على ان مبدأ الإحتراز هو مبدأ يكمن في أساس فلسفة الوقاية، لذا لا بد من إقفال مكب <الكوستابرافا> الآن وقبل وقوع الكارثة، وهي إن وقعت، لا سمح الله، فلن ينفع معها ندم النادمين أو تنصل المتنصلين، وسأل: هل في لبنان مسؤولون يقرأون ويسمعون ويقاربون بالعقل ما يدق حولهم من طبول التحذير؟ هذا التساؤل برسمكم جميعاً، من أدنى مستوى في الإدارة إلى أعلى مستوى في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

 

قديح والحل غير الذكي في قتل الطيور

وعن ظاهرة الصيادين بالقرب من المطار أوضح قديح:

- خطوة رئيس الحكومة سعد الحريري ليست ذكية في إرسال الصيادين لإبادة طيور النورس بطريقة همجية، هذه الطيور التي استدعيت إلى وليمة دسمة أقامتها لها حكومة لبنان، من النفايات العضوية المتحلِّلة والمتعفِّنة في مكب <الكوستابرافا>، والتي فاقت كمياتها عشرات ألوف الأطنان حتى الآن، وهي في تزايد مستمر.

مهما قتلتم من هذه الطيور، طالما أن الوليمة لا تزال قائمة فسوف تستمر أعداد إضافية منها بالحضور إلى أجواء المنطقة، وستستمر بالتالي في تهديد سلامة الطيران المدني في <مطار رفيق الحريري الدولي> في بيروت بأكبر المخاطر.

وتابع قديح:

- آلات أصوات الطرد، وآلات بث إشعاعات اللايزر تبقى قاصرة عن إزالة تهديد سلامة الطيران، لأنها ذات فعالية محدودة في الزمن، وفي إثارة الإستجابة المنتظرة بإبعاد الطيور عن فضاء مطارنا الوطني، والمطلوب أن ترتقي حكومتنا بإجراءاتها لتأمين سلامة الطيران بما يتناسب والمستوى الحقيقي للخطر الداهم، الذي يصل إلى حده الأقصى مهددا بوقوع كارثة تودي بضحايا بشرية، فكل ما يجري الآن من إجراءات يدل عن قصور فاضح، وإصرار على تقديم مصلحة المستفيدين من صفقة <الكوستابرافا>، في بعديها الطمر وردم البحر، على مصلحة البلد العامة المتمثلة باجتثاث سبب التهديد بالمخاطر الجسيمة.

والمطلوب من حكومة جديرة بالمسؤولية إدارة البلد وفق قرارات عقلانية وفعَّالة، لا <ببهلوانات> مترافقة بسلوكيات إجرامية، تبقى عاجزة عن تلبية الحد المقبول من الأمان والسلامة للطائرات المقبلة والمغادرة من <مطار بيروت الدولي>.

قديح وحل قضية النفايات

واستطرد قديح:

- القرار القضائي بوقف نقل النفايات إلى مكب <الكوستابرافا> يشكل خطوة مهمة في الإتجاه الصحيح، والمطلوب متابعتها بإقفال هذا الموقع نهائيا، ونقل آلاف الأطنان من النفايات المتراكمة فيه إلى موقع بعيد عن المطار.

والخروج من الحلقة الجديدة لأزمة النفايات المتولِّدة عن السياسات الخاطئة للحكومة والمستمرة منذ سنوات، يكون بالقيام بخطوتين متلازمتين فورا: الأولى تقضي باختيار موقع للتخزين المؤقت، يكون متوافقا مع حدٍ أدنى من المعايير البيئية، تُنقل إليه كميات النفايات المتراكمة في مكب <الكوستابرافا> - والثانية بخروج الحكومة من دائرة المطامر إلى إقرار سياسة الإدارة المتكاملة للنفايات، في مراكز للفرز والمعالجة في كل المناطق اللبنانية، تديرها وتشغِّلها شركات متخصصة، وليس كما يحصل حتى الآن حيث تسلَّم هذه المهمة لشركات غير مهنية تفشل في إدارتها، وتؤدي إلى مزيد من التعقيد في أزمة النفايات بدل حلها، كما حصل في <الكفور> مثلا وأماكن أخرى.

ختاماً، الخروج من أزمة النفايات في لبنان يشترط خروج الحكومة اللبنانية من التعامل معها على أنها ضرع مدرار لنهب المال العام ومصادرة الأملاك العامة البحرية، والإنتقال إلى سياسة الإدارة المتكاملة، والعمل على تخفيف كميات النفايات المتولِّدة عبر ترشيد منهجي للإنتاج والإستهلاك، واعتماد مبدأ استرداد القيمة عبر التدوير والمعالجة، والخروج نهائيا من الدائرة المقفلة للطمر الكلي أو الحرق الكلي تحت أي من التسميات التمويهية، التي من شأنها أن تنقل البلد من أزمة إلى أزمة، ومن كارثة إلى كارثة أكبر.