تفاصيل الخبر

قـدّاس ”التوبــة والغفــران“.. هـــل يطــــوي آخـــر صفحـــــات حــــــروب لـبــــــنـان؟

04/04/2019
قـدّاس ”التوبــة والغفــران“.. هـــل يطــــوي آخـــر صفحـــــات حــــــروب لـبــــــنـان؟

قـدّاس ”التوبــة والغفــران“.. هـــل يطــــوي آخـــر صفحـــــات حــــــروب لـبــــــنـان؟

 

بقلم علي الحسيني

 

جاء <قداس الشهداء> الذي أُقيم في ديــر القمـــر ليستكمل الطريــــــق نحــو تثبيت المصالحة التي كانت عُقدت في العام 2001 برعاية البطريرك نصرالله بطرس صفير ولتطوي أبرز صفحات الحرب في مسعىً أراده وزير المهجرين غسان عطا الله عرفاً وتكريساً للعيش المشترك بين دروز الجبل ومسيحييه. لكن اللافت أن القداس الذي شهد على نوايا الحزب التقدمي الاشتراكي بشخص رئيسه وليد جنبلاط والتيّار الوطني الحر بشخص الوزير جبران باسيل، لم يشهد حضور لا القوات اللبنانية التي اعتبرت أن المصالحة سبق أن تمت برعاية صفير، ولا النائب طلال إرسلان الباحث عن <التوبة والمغفرة من الغدر الذي لحق بأهلنا في كفرمتى والشحّار>.

يوم المصالحة الكُبرى

 

بعد مصالحة الجبل التي رعاها البطريرك صفير مع جنبلاط في العام 2001 بهدف إنهاء مفاعيل عملية التهجير في الجبل بعد حرب أهلية استمرت سنوات طويلة، جاء قداس <التوبة والغفران> ليُثبت عاملي الإستقرار والتهدئة في قدّاس أُقيم تخليداً

لذكرى شهداء الجبل بدعوة من وزير المهجرين عطا الله جمع تحت قبته <البيك> والوزير باسيل ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال عون، وذلك في سياق المحافظة على المصالحة وتعزيزها وفتح صفحة جديدة تمهيداً لإنهاء ملف المهجرين بشكل كامل،

كما سبق أن وعد عطا الله والتيّار الوطني الحر. لكن يبدو أن الصفحة الجديدة التي غاب عنها إرسلان و«القوات>، من شأنها أن تفتح سجالاً جديداً لكن هذه المرّة بين أبناء الطائفة الواحدة ليس لاعتبارات طائفية، إنما لأسباب سياسية.

قبل موعد القداس بأيام قليلة، سرت معلومات تحدثت عن احتمال إنعقاد لقاء بين جنبلاط وإرسلان برعاية رئيس الجمهورية، لكن سرعان ما تبددت أجواء اللقاء بعد نفي إرسلان ووصفه التسريب بالمختلق الذي لا يمت الى الحقيقة بصلة، وإصراره على أن المصالحة مع زعيم المختارة لن تتم سوى في بعبدا، لترد عليه أوساط جنبلاط بأن <أي لقاء لن يُعقد إلى بعد تسليم امين السوقي المتهم بقتل علاء ابي فرج، وقبول أهل الضحية وأهالي الشويفات إسقاط حقهم الشخصي>. من هنا جاء القداس المذكور منقوصاً بحسب ما رأت أوساط سياسية لـ<الأفكار>، مشيرة إلى أن أي طرف معني بهذه المصالحة يتغيّب عنها، يعني أن القلوب ما زالت غير صافية، وكيف إذا كان أصحابها من أهل البيت الواحد.

 

عطا الله: القدّاس لراحة نفس الشهداء فقط

 

السؤال هو: هل حقّق القداس أي نتيجة ملموسة؟ يؤكد وزير المهجرين غسان عطا الله لـ<الأفكار> أننا لم نكن ننتظر أن يكون هناك نتيجة من خلال القداس الذي دعينا اليه، إنما الهدف هو البعد الإنساني والإجتماعي لعائلات فقدت أغلى وأعزّ ما لديها خلال الحرب الأهلية. والجميع يُدرك أنه طيلة أربعين عاماً مضت، لم يُقم أي قداس عن أرواح هؤلاء الشهداء ولا الوقوف عند خاطر أهاليهم خصوصاً أنه في تربيتنا المسيحية، لا راحة للشهداء إلا من خلال التذكير بهم والترحّم عليهم كي ترتاح نفوسهم في السماء، وأيضاً لإراحة أهاليهم.

ورأى أن أهمية وميزة القداس، كانت بحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يُمثل طرفاً أساسياً في هذه الحرب وهذه المرة الأولى التي تجتمع فيها الجهتان في مكان واحد هي كنيسة سيدة التلة نظراً لرمزيتها في منطقة دير القمر، موضحاً أن منطق القداس

يؤكد أن زمن الحرب أصبح وراءنا والجميع مقتنع اليوم بأن لا جبل من دون بعديه الدرزي والمسيحي. والمؤكد أن الخطوة هذه قد انعكست إيجاباً في نفوس اهالي الشهداء المسيحيين وقد لمسنا هذا الإرتياح عن قرب،

ولذلك حرصنا على وجودهم أكثر من حرصنا على وجود الفعاليات، لأن القداس لهم وعلى أرواح موتاهم وعموم المسيحيين في الشوف وعاليه حيث ارتكبت هذه المجازر وتحديداً في الشوف.

وعن غياب النائب طلال إرسلان عن القداس، أوضح عطاالله أن الغياب يعود لأسباب درزية داخلية، وكان لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون مساع كبيرة من أجل إعادة توحيد هذا الصف إنطلاقاً من بعده الوطني وحرصه على وحدة كل الأطراف في الوطن بغض النظر عن الإنتماءات الطائفية أو السياسية، وهذه المساعي لا تزال بعهدة الرئيس عون. كما أن موقف ارسلان كان أكثر من واضح بأن لا مشكلة لديه مع القداس ولا اعتراض على الأشخاص المنظمين، وهو قد عبّر عن موقف جماعته من الطرف الدرزي الآخر. وماذا عن استبعاد القوات اللبنانية؟ يؤكد عطاالله أن القوّات هم اختاروا الإبتعاد مع العلم أننا حاولنا وسعينا أن يجمع القداس كل الأطراف لأننا لم نقصد منه أي توجه سياسي ولا تحالف مع أي طرف، فهدفنا انساني وإجتماعي وإنمائي. وربما القوات فهموا أننا بصدد بناء تحالفات سياسية مع طرف آخر أو ربما رأوا فيه تخطي للمصالحة التي حصلت في العام 2001، هذا مع العلم أن المصالحة لا تعنينا لأننا في الأصل لم نكن فيها طرفاً في القتال.

وحول أصراره على إغلاق وزارة المهجرين كما سبق وأعلن، يشير عطاالله إلى أن عملنا غير منوط فقط بدفع التعويضات فنحن لسنا <دفتر شيكات>، وهدفنا خلق الأجواء الاقتصادية والإجتماعية والتنموية والنفسية المناسبة لعودة الجبل الى سابق عهده. لذلك نؤكد على موقفنا من ضرورة اغلاق ملف المهجرين كمقدمة لاغلاق الوزارة المعنية، مؤكداً انه سيكون هناك متابعات لاحقة في هذا الملف وسنشرح للناس أين وصلنا وما هي الأعمال التي نُفذت على الأرض من تعويضات ومشاريع ونشاطات من شأنها التحفيز على العودة إلى الجبل.

 

ابو الحسن: أمامنا أيام صعبة فلنواجهها سوياً

 زار الوزيران أكرم شهيب ووائل أبو فاعور قصر بعبدا بتكليف من جنبلاط وحملا منه رسالة تتسم بالرغبة الصادقة في إرساء أفضل علاقة وتفاهم مع رئيس الجمهورية، وتمنيا عن جنبلاط حضوره لما لوجوده من عامل استقرار وداعم لمسار المصالحة واستكمالها نحو أفضل العلاقات. من هنا يُشدد عضو اللقاء الديمقراطي النائب هادي ابو الحسن لـ<الأفكار> على أن القدّاس هو استكمال لحلقة من حلقات المصالحة التي بنيت برعاية البطريرك صفير ورئيس الحزب وليد جنبلاط. ونحن نعتبر أن المصالحة تمت في ذلك الوقت والعودة تمت والأمور عادت إلى طبيعتها في الجبل، ولكن قد يكون هناك فريق شعر أنه خارج السياق التاريخي للمصالحة لأسباب وظروف متعددة منها أن العماد عون كان مُبعداً ومُحارباً من نظام الوصاية وملاحقاً، واليوم عملياً انضموا إلى مسار المصالحة ورحبنا بهذه الخطوة على قاعدة أنها تُبلسم جراح الحرب وتُطمئن كل اهل الجبل.

وأكد أنه بعد أكثر من ربع قرن على إنتهاء الحرب الأهلية ما زلنا نستذكر المصالحة من باب أخذ العبر، ولكن لننظر جميعنا إلى المستقبل ولننتظر أياماً مليئة بالصعاب علينا أن نواجهها بتضامن وطني ووحدة وطنية وموقف واحد وتطلّع إلى المستقبل وأن ننسى الماضي، مشدداً على أن هناك شريكاً أساسياً في الجبل هو القوات اللبنانية وسابقاً كانت الكتائب اللبنانية أيضاً وتمت المصالحة برعاية البطريرك صفير الذي مثل وجوده كل تلك القوى التي كانت غائبة في حينه، ولاحقاً انضمت

هذه القوى إلى المصالحة.

ماذا عن غياب طلال ارسلان هل يمكن أن يؤثر على المصالحة؟ يجزم ابو الحسن أننا غير معنيين بهذا الغياب وبالتأكيد لن يؤثر على العيش المشترك وعلى قرار أهل الجبل بطي صفحة الألم والحزن. الدعوة وجهت إلى الجميع، حضر من حضر وغاب من غاب. من جهة أخرى، تشير مصادر ارسلان لـ<الأفكار> ان غيابنا عن القداس لم يكن موجهاً ضد فخامة الرئيس ولا التيار الوطني الحر اللذين تجمعنا بهما أفضل العلاقات، وبالنسبة لنا كان يكفي حضور رئيس البلاد لكي يتأكد الجميع أن المصالحة بألف خير. المشكلة أن ثمة فريقاً يُحاول أن يختصر الجبل وهذا ولّى ولن يعود، مؤكدة أن الدولة وحدها الضامنة لجميع أبنائها وهي المرجعية الوحيدة في تثبيت عامل الاستقرار.

بدورها اكتفت أوساط النائب إرسلان في الحزب <الديموقراطي اللبناني> بوضع مسألة اشتراط جنبلاط لقاء ارسلان بتسليم المتهم أمين السوقي الى القضاء، في اطار احتواء نقمة الجمهور الاشتراكي على خسارة وزير من ثلاثة وزراء في الحكومة الحالية، مشيرة الى ان على القضاء ان يحسم قراره في قضية مقتل ابي فرج، التي تم تحريف التحقيق فيها. أما المصالحة التي حُكي عنها بين جنبلاط وارسلان، لا تنفيها المصادر، وتؤكد ان من طلبها هو جنبلاط، وهي ليست مرتبطة بقداس دير القمر.

وقبل القداس بيوم، سأل إرسلان: أين هي التوبة والمغفرة من الغدر الذي لحق بأهلنا في كفرمتى والشحّار؟ أين التوبة والمغفرة من بيصور أم الشهداء وسوق الغرب وكيفون وعاليه؟ أين التوبة والمغفرة من عيتات والقماطية وعين عنوب وبسابا والشويفات وكفرشيما؟ أين التوبة والمغفرة من مجدليا والغابون وكفرعميه وشرتون ورشميا؟ أين التوبة والمغفرة من معصريتي ومزرعة النهر وبحمدون وقراها؟ ومن قبيع وكفرسلوان وصاليما وبمريم وغيرها وغيرها من قرى ومدن دمرت وسقط منها آلاف وآلاف الشهداء؟ وأضاف اللوم طبعاً لا يتحمله الحليف الصديق جبران باسيل ولا التيار الوطني الحر ولا وزير المهجرين، لكن كنت أتمنى عليك يا بيك أن تلزم خصوم الأمس بل أعداء الأمس وحلفاء اليوم بقداديس عنوانها التوبة والمغفرة بحق الدروز والمسيحيين والمسلمين الأبرياء الذين سقطوا بمؤامرة كبيرة كانوا أدواتها المميزين.

 

<القوّات>: <التيّار> يُحاول تجيير المصالحة لحسابه

مصادر <القوّات> اعتبرت لـ<الأفكار> أن المصالحة أبرمت في العام 2001، برعاية البطريرك صفير وبحضور القوى الفاعلة على الساحتين المسيحية والدرزيّة، بل أنّها تثبّتت وتعزّزت بشكلٍ نهائيّ وحاسم من خلال <ثورة الأرز> في العام 2005، بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك من خلال التحالف الذي جمع الحزب التقدمي الاشتراكي مع قوى مسيحيّة فاعلة، على غرار <القوات> وكذلك حزب الكتائب اللبنانية وغيرهما من الأحزاب والشخصيات المسيحية، مشددة على أن صفحة الحرب طويت نهائياً إلى غير رجعة، وبالتالي ليس جائزاً الحديث اليوم عن مصالحة حقيقيّة أو غير حقيقيّة، إلا إذا كان المقصود هو المصالحة بين حزبين معيّنَيْن هما الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر.

ولفتت المصادر الى أن محاولة التيار المزايدة على استرجاع حقوق مسيحيي الجبل ونسب المصالحة الى انجازات العهد لن تمرّ اطلاقاً، كون ملف المهجّرين فتح بجدية منذ عام 2001 واستعاد أغلبية المسيحيين ممتلكاتهم وقبضوا تعويضاتهم، فيما تبقى الملفات التي ما زالت عالقة حتى اليوم في طور المعالجة لاغلاق الملف نهائياً، مشيرةً الى أن تصويب عطا الله المتتالي في كلمته في القداس على نواب المنطقة المسيحيين الذين قصّروا في واجباتهم من ناحية تثبيت المصالحة، أعطى انطباعاً سلبياً عن النيّة العونيّة باقامة القداس وأوحى بمحاولة استهدافه للقوات ودورها الرئيسي في منطقة الجبل.

ولا تغفل <القوات> في مقاربتها للقداس، أن ما تمّ اخراجه والتسويق له، لم يهدف في الأساس الى مصالحة وجدانية تطال الفئة الأولى المتضررة من الحرب، بل ان تضخيم المناسبة ذهب باتجاه اعلان تحالف بين الحزبين السياسيين، لا أكثر ولا أقل، مشيرةً الى أن القداس لا يعدو كونه استذكاراً لذكرى أليمة، ناتجة عن ردة الفعل التي حصلت يوم اغتيل الشهيد كمال جنبلاط والشهداء المسيحيين الذين سقطوا، والقداس يأتي بمناسبة محددة محصورة بالتيار والحزب فقط.