تفاصيل الخبر

قارب القرارات العشوائية من إقفال عام وموازنة غير مدروسة على الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً

24/02/2021
قارب القرارات العشوائية من إقفال عام وموازنة غير مدروسة على الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً

قارب القرارات العشوائية من إقفال عام وموازنة غير مدروسة على الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً

 

بقلم طوني بشارة 

  

[caption id="attachment_86153" align="alignleft" width="484"] حكومة‌ ‌تصريف‌ ‌الأعمال تطرح‌ ‌‌مشروع‌ ‌موازنة‌ ‌2021‌.‌[/caption]

الوضع الاقتصادي بات مأساوياً للغاية، ومما زاد الأمر تعقيداً قرار الإقفال العام الذي اتخذ لمواجهة جائحة كورونا، وما نتج عنه من تداعيات سلبية وخسائر فظيعة على قطاعات إنتاجية عديدة. واستفحلت المشكلة مع انتشار ظاهرة الاحتكار وفقدان العديد من السلع من السوق، وطرح مشروع موازنة 2021 الذي اعتبر من قبل بعض رجال الاعمال كالضربة القاضية على المودعين.

تساؤلات وتداعيات سلبية عديدة، للإجابة عنها التقت "الأفكار" رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال  اللبنانيين في العالم وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف الدكتور فؤاد زمكحل.

 

زمكحل والصعوبات الاقتصادية

 

بداية أشار الدكتور زمكحل الى وجود انهيار اقتصادي - اجتماعي - مالي ونقدي يواجه البلاد والشعب،

فخسائر شركات القطاع الخاص في كل المجالات والقطاعات، كما ونواجه فقدان آلاف فرص العمل. وكل يوم يكون أصعب من اليوم الذي يليه، وكل قرار يُتخذ يكون أسوأ من سابقه، ونحن في نفق مظلم لا نرى في نهايته بصيص نور أو أمل، علماً أنه ليس من عاداتنا أن نكون متشائمين أو متفائلين، بل أن نكون واقعيين، فكل الوقائع والأرقام تدق نواقيس الخطر، ومن المستحيل لشركاتنا أن تُتابع أعمالها في ظل هذا التدهور اليومي والدائم.

*- في ظل المشاكل والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، اتخذ قرار الإقفال العام لمواجهة جائحة كورونا فهل من الممكن التكلم عن الخسائر المالية الناتجة عن اتخاذ هكذا قرار؟

- من المهم أن الأولوية هي صحة المجتمع والمواطنين وتأمين الوقاية الفردية لأن الوباء غدار يفتك بالانسان ويؤذيه وقد يودي به الى التهلكة . ولكن لا يمكن إلا أن نشير الى الخسائر المباشرة وغير المباشرة للاقتصاد الوطني في ظل الاقفال التام. فإذا تحدثنا عن أن الناتج المحلي الذي كان 55 مليار دولار وتراجع الى 25 ملياراً في العام الحالي فإن الخسارة اليومية هي بحدود الـ 70مليون دولار . أما الخسائر غير المباشرة فإن الإقفال التام يمنع حركة الاستيراد والتصدير خصوصاً أنه لا يوجد بلد في العالم أقفل دون أن يستثني القطاع الصناعي مثلما لبنان، لأن القطاع لا يمكنه أن يعمل دون تأمين المواد الأولية ولا يمكنه التصدير لتأمين (الفريش ماني) الذي يحتاجه لبنان مع الخسارة في الزبائن والاتفاقيات بسبب هذا الإقفال .

وتابع الدكتور زمكحل قائلاً: الاقفال سيوقف الدورة الاقتصادية ومن الصعوبة إعادة تفعيلها في يوم أو يومين، بالاضافة الى ذلك فإن مدخول المهن الحرة الذي يدخل في حسابات الناتج المحلي ويقدر بـ 50 مليون دولار يومياً وهذا يعني ان الخسائر تقدر بـ120 مليون دولار يومياً اضافة الى الخسائر المتأتية من عدم التصدير وخسارة الزبائن . وهنا لا بد من التذكير بسيئات القرارات العشوائية التي تتخذ، تارة إقفال تام وطوراً إقفال مع استثناءات كبيرة او فتح البلد دون وجود اي خطة او استراتيجية واضحة كما تفعل بقية الدول، مع العلم اننا يجب ان نتعايش مع الوباء الذي سيستمر سنة او أكثر حتى ولو جاء اللقاح .

واستطرد الدكتور زمكحل قائلاً:

- أما بالنسبة للقطاع الخاص فإنه المتضرر الأكبر من هذه القرارات العشوائية وهو من يتحمل الخسائر بحيث لم يعد قادراً على الاستمرار، لأنه في النهاية يعاني من الانهيار الاقتصادي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية اضافة الى وباء كورونا ولديه مشاكله ايضاً ولا يجد من يمد له يد العون مع مديونته العالية وتأمين السيولة في ظل إدارة سيئة للأزمة إن على صعيد الاقتصاد او على صعيد صحة الناس. 

سيئات الاقتصاد الأسود

*- لاحظنا انتشار ظاهرة الاحتكار وانقطاع العديد من السلع من السوق اللبنانية ، فما سبب ذلك؟ وعلى من تقع المسؤولية؟

[caption id="attachment_86154" align="alignleft" width="507"] الدكتور فؤاد زمكحل_ القطاع الخاص هو المتضرر الأكبر من قرارات الإقفال العشوائية وهو من يتحمل الخسائر بحيث لم يعد قادراً على الاستمرار.[/caption]

- لسوء الحظ في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة هناك شركات تمارس لا بل تستفيد من ما يمكن تسميته بالاقتصاد الأسود المتمثل بالتهريب وتبييض الأموال والاحتكار، وهذا امر طبيعي على اعتبار انه كلما اشتدت الازمة كلما ازدهر الاقتصاد الأسود المغلق لكونه يتجه نحو الاقتصاد النقدي. وهنا من واجب الدولة ملاحقة من يمارس الاقتصاد الأسود والسعي لحماية المواطن من تداعيات هكذا اقتصاد. لكن بالمقابل هناك شركات ما زالت تمارس الاقتصاد الأبيض وتبذل جهود جبارة في هذا الاطار .

وتابع الدكتور زمكحل قائلاً: لا يخفى على أحد أن هناك هجوماً ممنهجاً ومبرمجاً لهدم قطاعات الاقتصاد الأبيض قطاع تلو الآخر من أجل فرض هيمنة الاقتصاد الأسود.

 

*- ما موقفكم من مشروع موازنة 2021 وما الجديد المطروح من ضمنها؟

 

- عندما ننظر الى مشروع موازنة 2021 بدقة، نفهم سريعاً أنها موازنة ضريبية بامتياز، تتطرّق إلى شقين: الأول يتعلق بكبار المودعين، والثاني يتطرّق إلى موظفي القطاع العام. لكنّ الايجابية الوحيدة التي برزت في الموازنة المقترحة، أنها طُرِحت في الموعد المحدّد بعدما اعتَدنا من قبل المعنيين على تأخيرها وتأجيلها، وهَدر الوقت وعدم احترام المُهل. في اقتصاد نامٍ واستثمارات متزايدة، وحلقة اقتصادية متكاملة، ونمو مُستدام، كان مُمكناً أن نتفهّم الاتجاه حيال كبار المودعين، وزيادة الضرائب على فوائدهم، لمساعدة الطبقات المنخفضة الدخل. لكن عندما نبحث عن قرشٍ واحد من الخارج لاستعادة بعض الحركة الاقتصادية، وجَذب بعض العملات الصعبة، كذلك من المستثمرين ومن المودعين، هل يُمكن طَعنهم مرة أخرى في الظهر، ليدفعوا ثمن نجاحاتهم، وفشل حكامهم؟

 

وتابع الدكتور زمكحل قائلاً: 

- إننا نذكّر بفخر أنّ هؤلاء المودعين هم الرياديون الذين آمنوا ببلدهم، واستثمروا فيه، وخَلقوا الوظائف والنمو لسنوات عديدة. قسمٌ كبير منهم يُشكّل أيضاً الاغتراب اللبناني، والمهاجرين الذين رفعوا علم لبنان في كل أنحاء العالم، وكسبوا أرباحاً من عرق جبينهم وتعبهم وتضحياتهم.

 

زمكحل وسيئات موازنة 2021!

 

*-وكأنك تشير الى كون الموازنة تصب ضد مصلحة المودعين؟ 

- رسالة الموازنة حيالهم هي مسلسل خطايا اقتصادية متواصلة: الجزء الأول كان عندما جُذبَت أموالهم وطلب منهم إعادة الاستثمار في بلدهم الأم. الجزء الثاني كان عندما صُرفت أموالهم وهُدرت وسُرقت مدّخراتهم. والجزء الثالث برز عندما مُنعوا من التحويلات إلى الخارج في ظل الـ Capital Control غير الشرعي وغير القانوني. الجزء الرابع عندما أُجبروا على خسارة نحو 70 % من قيمة ودائعهم، ويتم تقسيط ما تبقّى منها وتحويلها إلى العملة الوطنية بعد إجبارهم على التسوّل الشهري. والجزء الأخير هو الآن موازنة 2021 من أجل حَذف 1 % و1.5 % من جَنى عمرهم لتمويل عجز الدولة وفشل السياسيين.

 

وأضاف: هذه الرسالة ليست موجّهة فقط إلى المستثمرين وكبار المودعين فحسب، بل هي رسالة سيقرأها أيضاً أولادهم وأحفادهم، وكل الأجيال المقبلة، باعتبار أنّ الحقيقة المُرّة أننا نشهد أكبر عملية نَهب في التاريخ، وضرب كل أركان الثقة على المدى القريب والمتوسّط والبعيد.

  

*-من خلال حديثكم عن مشروع الموازنة أشرتم الى وجود شقين الأول يتعلق بالمودعين والثاني بموظفي القطاع العام، فهل من تفسير مفصل للشق الثاني؟

  

- الشق الثاني يتعلق بموظفي القطاع العام: نُدرك تماماً أنّ حجم الدولة هو في أساس المشكلات. والعجز المالي، وميزان المدفوعات وعجز مالية الدولة كلها مشاكل تسبّب بها التوظيف السياسي، والمذهبي، والطائفي والخدماتي والحزبي. فمن المستحيل أنّ بلداً صغيراً مثل لبنان يُكرّس ثلث موازنته لدفع معاشات موظفين، قسم كبير منهم غير مُنتج. ليس سراً أنّ ثمة موظفين في القطاع العام يتقاضون رواتبهم مرة واثنتين وثلاث مرات، وفي الحقيقة لا يعلمون أين يعملون وأين هم مسجلون؟ لكن نُدرك أيضاً أنّ هناك قسماً ضئيلاً منهم يعملون ليلاً ونهاراً بشفافية واحتراف، وهم الذين نتّكل عليهم من أجل إعادة بناء اقتصاد حقيقي. لكن بعد بضعة أيام من اقتراح مشروع الموازنة، واقتراح بعض الاصلاحات الخجولة، ثمّة ضغط سياسي أدّى الى سحب سريع لهذه الاقتراحات، وبقي التصويب على الناجحين والرياديين والمستثمرين.

 

وتابع الدكتور زمكحل قائلاً:  

- أخيراً، فوجئنا بعدم تضمين هذا المشروع المقترح أي نقطة في موضوع الالتزام في خدمة الدين، أو الدين العام وغيره من الالتزامات المالية، وكأنّ الصفحة طُويت، وأُزيلَت من طاولة الحوار لدى البلدان المانحة، أي التفاوض مع الدائنين وحاملي سندات الخزينة، بُغية تكريس عجز الدولة وإفلاسها. كلّنا يعلم أنّ هذا المشروع لن يرى النور من قبل حكومة تصريف الأعمال، ومن جهة أخرى فإنّ الحكومة العتيدة المقبلة ستقترح مشروع موازنة جديداً ومُتوقعاً، فلماذا اقتراح مشروع واهِم كي يضرب ما تبقّى من الثقة والأمل؟ وفي المحصّلة، كلّنا يعلم أنّ العجز لا يُضبط بالضرائب العشوائية، لكن من خلال الثقة والنمو والاستثمار. بدلاً من استنباط مشاريع واهمة ومُدمّرة، وكُرات نار سياسية ومُخرّبة، ألم يَحِن الوقت بعد من أجل بناء خطة جماعية، إنقاذية، اقتصادية، اجتماعية، إنمائية، ورؤية واضحة وشفّافة على المدى القصير والمتوسط والبعيد في بلادنا؟

 

*- هل من بصيص أمل لتخطي هذه المشاكل الاقتصادية؟

 - من المستحيل التحدث عن بصيص أمل، قبل تنفيذ هذه النقاط الثلاث الأساسية:

- يجب أن تُشكل اليوم قبل الغد، حكومة جديدة مع أولوية واحدة وهدف واحد فريد لا غير، هو أن تُدير الأزمة وترسم خطة إنقاذية، اقتصادية واجتماعية جامعة.

 - أن تُفاوض هذه الحكومة الجديدة، وتقدم خطة الإنقاذ على المدى القصير، المتوسط والبعيد فوراً مع صندوق النقد الدولي، لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وضخ بعض السيولة في المشاريع والإقتصاد.

- التفاوض مع حاملي سندات الخزينة لاعادة هيكلية وتجزئة الديون المتعثرة، من أجل سحب البلاد من قائمة البلدان المتعثرة، وإعادة الثقة بها كعامل أساسي.

وأضاف: الكل يعرف، ما هي مشكلاتنا، وما هو ابتداء الحل، فإذا لم يستطع السياسيون الاتفاق على هذه النقاط الثلاث الجوهرية، فسيكون التدهور كبيراً يوماً بعد يوم، وسيكون من الصعوبة أن نعود الى الطريق الآمنة. فإذا لم يتفق السياسيون، فإننا ندعوهم إلى قرار جريء وهو الاستقالة، وإجراء الانتخابات المبكرة من أجل العودة الى هذه النقاط الثلاث، التي لا مهرب من تحقيقها، كحجر أساسي لأي إعادة للهيكلة.

وختم قائلاً: في المحصلة، لا تستطيع الشركات، البقاء والاستثمار والتوظيف، في ظل هذه الأجواء السوداوية، إذ على السياسيين أن يكونوا على قدر المسؤولية، أي أن يتفقوا أو يعتذروا عن مسؤولياتهم قبل فوات الأوان.