تفاصيل الخبر

كانت آمال الجماهير نحو وحدة عربية شاملة، فكان الانفصال وضياع فلسطين.. وصولاً الى زمن انهيارات الأنظمة والتجزئة والتقسيم!  

19/02/2016
كانت آمال الجماهير نحو وحدة عربية شاملة، فكان الانفصال وضياع فلسطين.. وصولاً الى زمن انهيارات الأنظمة والتجزئة والتقسيم!   

كانت آمال الجماهير نحو وحدة عربية شاملة، فكان الانفصال وضياع فلسطين.. وصولاً الى زمن انهيارات الأنظمة والتجزئة والتقسيم!  

بقلم صبحي منذر ياغي

السراج-3

<...أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة... حين حصلت سوريا على استقلالها الكامل تطلعت إلى مصر، وحين حصلت مصر على استقلالها الكامل تطلعت إلى سوريا. ولقد كان التقارب، بل التوافق والتماثل، كاملاً.. لقد كان في سوريا رد فعل لكل حركة في مصر، كما كانت أصداء الذي يحدث في دمشق تتجاوب في القاهرة، لقد مهدت عوامل كثيرة وكبيرة، نبيلة وعميقة، لهذا الذي ربط بين مصر وسوريا،... ولقد كان البشير بالفجر هو ذلك القرار الذي اتخذه مجلس النواب السوري واتخذه مجلسكم؛ بالعمل فوراً لتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا...>.

هذا ما ورد من مقتطفات من خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في مجلس الامة بمناسبة اعلان اسس الوحدة بين مصر وسوريا في 22 شباط (فبراير) من العام 1958.

ورافقت اعلان الوحدة اجواء حماسية عمت سوريا ومصر وكافة اقطار العالم العربي. فقد عبّرت هذه الوحدة عن تطلعات الجماهير التي كانت تعض على جرح اسمه (نكبة فلسطين)، وعلى الرغم ان اعلان الوحدة احدث جدلاً كبيراً في الاوساط السياسية العربية التي انقسمت بين مؤيد رأى فيها خطوة نحو الوحدة العربية الشاملة، ورافض اعتبر ان هذه الوحدة مجرد خطوة ارتجالية عاطفية لم ترتكز على اسس منطقية وواقعية، الا ان هذا الحدث التاريخي ما زال حاضراً في الذاكرة العربية بصورته البيضاء، خاصة في هذا الزمن الذي يخيم فيه شبح التجزئة والتقسيم والتفكك على اكثر من دولة عربية.

 

 دوافع الوحدة

المحامي-غ6-الب-ياغي-مع-الرئيس-جمال-عبد-الناصر-خلال-اعلان-الوحد 

يشرح الباحث والكاتب محمد عبد المولى الزعبي العوامل التي دفعت سوريا لطلب الوحدة مع مصر، فيرى انه بعد حرب السويس في عام 1956 بدأت الأنظار تتجه الى سوريا لعلها تخضع للغرب بعد أن صمدت مصر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وتركزت منذ ذلك التاريخ عوامل عدة في واقع الحياة الداخلية لسوريا متفاعلة ومنفعلة مع وضد الأحداث الخارجية. وجاءت تلك العوامل من المنطقة العربية أو من تفاعلات السياسة الدولية والحرب الباردة التي كانت على أشدها ما بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي.

 واعتبر الزعبي ان <حلف بغداد> و<مشروع أيزنهاور> هما من الأسباب المباشرة التي دفعت سوريا الى طلب الوحدة الفورية مع مصر. وكان لهذا الارتباط ما بين <الحلف> و<المشروع> من ناحية، وطلب الوحدة من ناحية ثانية، أسباب عديدة، أهمها ما ارتبط بضغط <الحلف> و<المشروع> على السياسة الخارجية والداخلية لسوريا، وخاصة ما يتعلق بـ<حلف بغداد> ومحاولة العراق جر سوريا اليه ولو عن طريق انقلاب دموي يحدث في دمشق. كذلك ارتبط بـ<مشروع ايزنهاور> ما سُمي آنذاك <الأزمة السورية> حيث ادّعت الولايات المتحدة أن سوريا سقطت بيد الشيوعية الدولية، وما على الدول الغربية والمحيطة بسوريا الا الهجوم عليها لتخليصها مما هي واقعة فيه.

على أن تلك العوامل الخارجية وفق الزعبي لم تكن وحدها التي دفعت سوريا الى التعجيل بطلب الوحدة الفورية، بل يمكن القول انه كان لتلك العوامل انعكاساتها على الحياة السياسية الداخلية، بالقدر الذي كانت تلك العوامل الداخلية تعكس نفسها على الخارج، وخاصة على دول المنطقة المحيطة بسوريا. فالأحزاب السورية المتعددة والاقطاع والعشائرية والرأسمالية والبورجوازية والفئة العسكرية كانت كلها مجموعات متمايزة ومتناقضة ومتنافرة ومتقاتلة في بعض الأحيان. ولقد كان أي حدث داخلي يعكس نفسه على الدول الخارجية التي منها المؤيد لهذا الحدث ومنها المعارض له. وكذلك الحال بالنسبة لأي حدث خارجي إذ كان يجد انعكاساته وصداه في الداخل إن لدى الأحزاب أو لدى الطبقات العسكرية السورية. ولقد عاشت سوريا قبل الوحدة بعامين واقعاً مؤلماً ومحزناً، ولم يعد أمامها الا الاتجاه نحو القاهرة، فكانت الوحدة خلاصاً من ذلك هدى-جمال-عبد-الناصر-7الواقع، بغض النظر عن كونها مطلباً جماهيرياً أثبت صدق الشعب السوري وإخلاصه وتضحيته في سبيله...

ويؤكد الباحث محمد بكري في حديث مع <الأفكار>، ان البعض اعتبر ان الوحدة المصرية ــ السورية التي أُعلنت في 22 شباط (فبراير) من العام 1958، قد جاءت نتيجة المطالبة الدائمة لمجموعة من الضباط السوريين، في وقت كان فيه قادة <حزب البعث العربي الاشتراكي> قد قاموا بحملة من اجل الاتحاد مع مصر.

 

الزعامة الناصرية

 

ورأى الدكتور جورج جبور: <انه منذ منتصف عام 1954، ومنذ مطلع عام 1955 خصوصا، ابدت الجماهير في سوريا اهتماماً خاصاً بثورة مصر: اتفاقية القناة، مقاومة الاحلاف، بلورة الفكرة العربية لدى قادة ثورة مصر، الضغط الصهيوني على مصر متمثلاً في الحملة على غزة في مطلع عام 1955، <مؤتمر باندونغ>، صفقة الاسلحة، توضح الاتجاه الاجتماعي للثورة ومحاربتها الجدية للاقطاع... كل ذلك اكسب الثورة وقائدها احتراماً عظيماً في الاوساط التقدمية والديموقراطية في القطر العربي السوري، فاذا اضفنا الى كل ذلك الوزن الذي تمثله مصر في الوطن العربي: بشرياً وحضارياً وجغرافياً خصوصاً، اتضح إلينا ان استقطاب الزعامة الناصرية للجماهير العربية في النصف الثاني من الخمسينات كان امراً محتماً>.

وتابع جبور: <بدأت ملامح هذا الاستقطاب في سوريا عام 1955 حين طرحت حكومة الثورة في مصر مواجهة <حلف بغداد> بشعار انتهاج سياسة عربية خارجية مستقلة ضمن نطاق الجامعة العربية، وتقوية ميثاق الضمان الجماعي العربي. لقي هذا الشعار ما يستحقه من تقدير لدى القوى الوطنية في سوريا، فألّفت حكومة جديدة ساهم فيها <حزب البعث> في الحكم، كذلك بدأت منذ تلك الفترة دعوة <حزب البعث> الى الاتحاد بين مصر وسوريا باعتبار انهما البلدان الاكثر تحرراً بين البلدان العربية الاخرى>.

فعقدت الحكومة السورية في شهر تشرين الاول (أكتوبر) 1957 معاهدة للتعاون الاقتصادي مع الاتحاد السوفياتي. واجتمع في 18 تشرين الاول (أكتوبر) 1957 مجلس النواب السوري ومجلس النواب المصري في جلسة مشتركة، وأصدر بياناً بالاجماع فيه دعوة الى حكومتي البلدين للاجتماع وتقرير الاتحاد بين الدولتين. وفي هذا الاتجاه اجتمع رئيسا البلدين واركان حكومتيهما واصدروا بياناً في 22 شباط 1958 اعلنوا فيه توحيد القطرين في دولة واحدة: <الجمهورية العربية المتحدة> التي تقرر ان يكون نظامها رئاسياً ديموقراطياً. وبالفعل جرى استفتاء شعبي على الوحدة، وتم انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً <للـجمهورية العربية عبد-الكريم-النحلاوي-5المتحدة>.

الحلم العربي

 

المحامي غالب ياغي (الذي تولى في تلك الحقبة امانة سر القيادة القطرية لـ<حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان>)، اعتبر في حديث مع (الافكار):> ان الوحدة العربية كانت وما زالت حلماً بالنسبة الى العرب، وجاءت الوحدة المصرية ــ السورية تلبية لرغبات الشعبين المصري والسوري، في اطار الجو الدولي الضاغط، والاحداث التي شهدها الوطن العربي من تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والحشودات التركية على الحدود السورية وصولاً الى قيام <حلف بغداد> بالمؤامرات والدسائس...ومنذ انشاء حكومة صبري العسلي في سوريا اصر ميشال عفلق ان يتضمن البيان الوزاري للحكومة الدعوة الى الوحدة السورية ــ المصرية، وقد لاقت هذه الدعوة تأييد مجلس الشعب السوري، وقد قام عدد من قادة الألوية في الجيش السوري بمفاوضة الحكومة المصرية حول الوحدة، وكان من بين هؤلاء عبد الغني قنوت، وأمين الحافظ، وصلاح جديد، ومصطفى حمدون... وأُعلنت الوحدة، ومُنح الرئيس السوري شكري القوتلي لقب <المواطن العربي الاول>.

وفي لقاء مع النائب سامي الخطيب الذي عايش تلك الفترة من موقعه كضابط امني في الشعبة الثانية (الاستخبارات اللبنانية)، اعتبر ان <الوحدة المصرية ــ السورية كانت نتيجة تطلعات الشعوب العربية وامانيها في التوحد، وكانت جزءاً من احلامنا وتطلعاتنا>.

وفي رأي غالب ياغي ان الوحدة بين مصر وسوريا <اعطت الامل للمواطن العربي بامكان السعي الى الوحدة الشاملة، وكانت في تلك الفترة الرد الحاسم على المؤامرات التي كانت تستهدف سوريا ومصر ولبنان وبقية الدول العربية...>.

ممارسات ديكتاتورية

خلال-توقيع-الوحدة-1  

في المقابل، فإن المعارضين لمشروع الوحدة والمتابعين لهذه الفترة التاريخية، اكدوا انه منذ قيام <الجمهورية العربية المتحدة>، بدأت الممارسات <الديكتاتورية> من جانب الرئيس عبد الناصر الذي عمد الى اقتلاع احشاء السياسة السورية، وكان قد وضع شرطين لقيام هذه الوحدة، اولهما ان يمتنع الضباط عن ممارسة العمل السياسي، وأن تحلّ الاحزاب في سوريا ومن بينها <حزب البعث>، وهذا ما اثار نقمة عدد كبير من البعثيين الذين لم يتوقعوا استبعادهم من الوحدة وهم من صانعيها.

السياسة المتبعة تجاه سوريا افقدتها سيطرتها على شؤونها الداخلية والخارجية، وانعدمت الحياة السياسية فيها لتنحصر في ايدي المسؤولين المصريين، ولم تعد دمشق سوى مركز محافظة، وأنشأ عبد الناصر حكومة مركزية ضمت:اكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار، وكانت الشؤون المصرية والسورية من اختصاص مجلسين تنفيذيين محليين. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1959 ارسل الرئيس جمال عبد الناصر ابرز مساعديه المشير عبد الحكيم عامر ليتولى حكم سوريا التي أُطلق عليها اسم <الاقليم الشمالي>، اما مصر فكانت <الاقليم الجنوبي>.

ولأن الوحدة لم تأت وفق ما تمناه السوريون، بدأ عدد منهم التعبير عن رفضه ومشاعره، وخصوصاً بسبب التدخلات المصرية في الشاردة والواردة، وبسبب تهميش دور الزعماء والقادة السوريين، حتى اولئك الذين كانوا في المناصب الحكومية، ومنهم اكرم الحوراني.

واشار المحامي غالب ياغي الى ان اكرم الحوراني ابلغه في بيروت ان الاختلاف بينه وبين عبد الناصر كان سببه الرئيسي موضوع تحويل الاسرائيليين لنهر الاردن، وهذا ما دفعه الى تقديم استقالته من منصب نيابة الرئاسة ومن وزارة العدل في الحكومة المركزية، وأصدر الحوراني بياناً في 13 حزيران (يونيو) 1963 بعد انفصال سوريا عن مصر تحدث فيه عما جرى في جلسة الوزارة المركزية في القاهرة بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1959 (وقد ذكر الحوراني ذلك في مذكراته الصادرة عن مكتبة مدبولي في القاهرة عام 2000).

اضطهاد المعارضين

اللواء-سامي-الخطيب-4

ويذكر الذين عايشوا تلك الفترة كيف بدأت عملية ضرب المعارضين من الشيوعيين بالدرجة الاولى لتطول بعدها البعثيين، ولعب المقدم عبد الحميد السراج دور الجلاد، فزجّ عدداً من المعارضين في غياهب السجون وفي الاقبية السوداء، وتعرض الكثير من هؤلاء لابشع انواع التعذيب الجسدي والنفسي بأساليب وحشية. وكان من ابرز ضحاياه المناضل الشيوعي فرج الله الحلو.

ورأى غسان زكريا (عديل عبد الحميد السراج): <... ان السراج حوّل سوريا في زمانه الى سجن كبير، اختفت فيه كل مظاهر الديموقراطية وشكلياتها، وقد ضرب وعذب وزراء ونواباً واطباء ومحامين وصحافيين ورجال اعمال ومهندسين ونساء ورجال دين، وهو ما لم يجرؤ الاستعمار الفرنسي على مدى ربع قرن على فعله وهو يحتل الشام ولبنان بمئة الف جندي...>.

مكتب امني خاص للشؤون اللبنانية

 

عندما تولى عبد الحميد السراج وزارة الداخلية والمسؤولية الامنية في عهد الوحدة السورية ــ المصرية، عمد الى انشاء مكتب امني خاص للشؤون اللبنانية، مركزه في منطقة الحواكير في دمشق، وتولى مسؤولية هذا المكتب الضابط السوري برهان ادهم (ابو ابراهيم).

تصرفات السراج، والممارسات السياسية الخاطئة التي انتهجها الضباط والمسؤولون المصريون والسوريون، فضلاً عن التدخلات الخارجية والدسائس، كلها شكلت عوامل لانهيار الوحدة، واعتبر البعض ان عبد الحميد السراج كان من ابرز الضباط الذين اساؤوا فعلاً للوحدة، وأنه ساهم من خلال ممارساته القمعية بنفور الناس ومطالبتهم بحل هذا الترابط ما بين مصر وسوريا.

هدى جمال عبد الناصر

 

وفي اتصال لـ<الأفكار> مع السيدة هدى جمال عبد الناصر (كريمة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر)، حول تصرفات السراج ومدى مسؤوليته عن انهيار الوحدة، اعترفت بدوره في حدوث الانفصال من جراء ممارساته وتصرفاته، وأكدت انه تمت دعوة السراج الى الندوة التي عقدتها <الاهرام> عام 2004 في مصر عن الوحدة المصرية ــ السورية للمساهمة والمشاركة، الا ان السراج لم يحضر ولم يشارك، وتمنّع حتى عن الاجابة او الرد على الكثير من الاستفسارات والاسئلة.

جمال-عبد-الناصر-في-دمشق-لحظة-اعلان-الوحدة-2 

النحلاوي قائد الانفصال

 

وتحقق ما كان متوقعاً، ففي 28 ايلول (سبتمبر) 1961، قامت مجموعة من الضباط السوريين بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي (مدير مكتب عبد الحكيم عامر)، وبدعم عربي وبمؤازرة من رجال الاعمال السوريين الساخطين بسبب قرارات التأميم، بانقلاب عسكري في اجواء متأزمة من كافة النواحي. وفوجىء الرئيس عبد الناصر بانباء التمرد السوري لكنه رفض سحق هذا الانفصال بالقوة تجنباً لاراقة الدماء العربية، فتصرف بعقلية الحاكم الوطني والمسؤول. وغادر عبد الحكيم عامر دمشق الى القاهرة، فيما ايد صلاح البيطار وأكرم الحوراني الانفصال، وكانا من بين السياسيين السوريين الموقعين على الوثيقة الانفصالية في 2 تشرين الاول (أكتوبر) 1961.

 ولا ينفي النائب سامي الخطيب في اتصال مع>الافكار> <ان تكون الاسباب الداخلية قد لعبت دورها في حصول الانفصال، اضافة الى الدور الذي لعبته السفارات الغربية التي كانت منذ الاساس ضد هذه الوحدة...>.

انهارت الوحدة المصرية ــ السورية، وانهارت معها آمال الجماهير بوحدة عربية تمتد من المحيط الى الخليج، كما انهار من بعدها الميثاق القومي المشترك ما بين سوريا والعراق عام 1979، وكأنه مكتوب على العرب الا يتحدوا والا يلتقوا الا في قاعة الجامعة العربية ومؤتمرات القمم العربية، التي صارت بدورها شاهد زور على الوطن العربي الذي يسبح فوق بركة من الدماء والقهر.