تفاصيل الخبر

قانون " قيصر" الأميركي يدق أبواب لبنان بقوة فهل تتساهل واشنطن مع بيروت كما فعلت مع بغداد؟

10/06/2020
قانون " قيصر" الأميركي يدق أبواب لبنان بقوة  فهل تتساهل واشنطن مع بيروت كما فعلت مع بغداد؟

قانون " قيصر" الأميركي يدق أبواب لبنان بقوة فهل تتساهل واشنطن مع بيروت كما فعلت مع بغداد؟

[caption id="attachment_78675" align="alignleft" width="382"] رئيس الحكومة حسان دياب .. مضطر أن يقارب قانون قيصر بواقعية[/caption]

مع حلول السابع عشر من حزيران ( يونيو) الجاري، يصبح قانون " قيصر" الذي يستهدف النظام في سوريا نافذاً وهو سينفذ على أربع مراحل عبر فرض عقوبات قاسية على مكونات النظام السوري وعلى داعميه. ومنذ الاعلان عن هذا القانون بدأ الهم في صفوف المسؤولين اللبنانيين نظراً للتداعيات التي يحدثها على لبنان بفعل الموقع الجيوسياسي الذي يجعل من لبنان الأكثر تأثراً من هذا القانون التي تضغط الادارة الاميركية لتنفيذه. لقد اخطأت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر عندما وزعت نص القانون على الوزراء في احدى جلسات مجلس الوزراء على نحو ملتبس. فالرئيس حسان دياب قال إنه لم يكن على علم بخطوة الوزيرة عكر، ولا ادراج لهذا القانون على جدول اعمال مجلس الوزراء لدرسه.... لكن ما حصل قد حصل وقيل إن السفيرة الاميركية في بيروت "دوروثي شيا" هي التي ارسلت نسخة من القانون الى الوزيرة عكر التي "اجتهدت" ووزعته على زملائها الوزراء!.

 في اي حال، الرئيس دياب تنبه الى الخطأ الذي ارتكبته نائبته و"علم" ما حصل من خلال تشكيل خلية ازمة من عدد من الوزراء سوف تدرس القانون المذكور، ومعه مواضيع اخرى ذات طابع اقليمي مثل صفقة القرن وغيرها توصلاً الى تصور يرفعه الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب. اما في قصر بعبدا، فالموقف اختلف إذ تقول مصادر مطلعة إن الرئيس ميشال عون لن يعلق على هذا القانون قبل ان تتبين مفاعليه على لبنان لأن ثمة من قال إنه يمكن الا تكون لهذا القانون تداعيات مباشرة على لبنان، او بالاحرى يمكن للبنان ان يتجنب حصول مثل هذه التداعيات.

 وفي معزل عما سيتركه هذا القانون من انعكاسات على لبنان، فإن الحكومة اللبنانية مضطرة الى مقاربة قانون " قيصر" لأن المسؤولين الاميركيين ابلغوا المسؤولين اللبنانيين أنهم جادون في تطبيق هذا القانون، وكل من يتعامل مع سوريا سيكون عرضة للعقوبات. وفي المعلومات ان السفيرة "شيا" قالت للوزيرة عكر إن معلوماتها تشير الى ان ثمة وزارات لبنانية تتعامل مع نظيراتها السورية، وقد يشكل استمرار هذا التعاون خطراً على لبنان في وقت يتفاوض فيه الجانب اللبناني مع صندوق النقد الدولي لمساعدته على ايجاد حلول للازمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها. ويصبح هذا التفصيل مهما عندما يعرف اللبنانيون ان 17% من موازنة الصندوق، تؤمنها الولايات المتحدة الاميركية، اي بمعنى آخر، فإن " سلطة" اميركا على الصندوق محسومة، وبالتالي فإن قراراته لها " نكهة" اميركية ذات تأثير فاعل.

 

نحو مقاربة واقعية

[caption id="attachment_78674" align="alignleft" width="375"] الوزيرة زينة عكر والسفيرة الأميركية دوروثي شيا[/caption]

 من هنا دعت اوساط مطلعة الى ضرورة مقاربة هذا القانون بواقعيته لأن في متنه تأكيد لــ " استهداف اي شخصيات رسمية وسياسية وحزبية ورجال اعمال تربطهم علاقات تجارية بالنظام السوري". ومع ان النص لم يأت على ذكر لبنان حرفياً، الا ان اللبناني نزار زكا ( الذي كان موقوفاً في ايران) وهو عضو في فريق " قيصر" قال منذ ايام لــ " العربية نت" إن " 4 دفعات من العقوبات من ضمن القانون تبدأ اعتباراً من منتصف تموز وتستمر حتى نهاية آب المقبل، وتتضمن اسماء مسؤولين وشركات خاصة في سوريا ولبنان والعراق وايران وروسيا". فيما القانون ينص بشكل واضح على تعرض " كل شركة او كيان او حتى افراد من الداخل السوري او من اي دولة خارجية للعقوبات اذا ما دخلوا في علاقات تجارية مع النظام او قدموا الدعم العسكري والمالي والتقني". وعليه فإن لبنان سيجد نفسه مضطراً لاتخاذ موقف واضح من القانون الذي يلقى ردود فعل سلبية في صفوف فريق " 8 آذار"، الامر الذي يعني ان مادة خلافية جديدة ستوضع على الطاولة الرسمية اللبنانية بين الاطراف اللبنايين لأن ثمة من سيؤيد القانون وضرورة التعاطي معه بايجابية، وثمة من سوف يعارض مضمونه لاسيما وانه ليس القانون الاول من نوعه ولم تذهب حكومة لبنانية سابقاً الى الالتزام بمثل هكذا قوانين. وفي هذا السياق، تقول مصادر تدعو عادة الى عدم الوقوف في وجه اميركا القادرة على " تركيع" لبنان اقتصادياً، بأن الدولة اللبنانية ملزمة بتنفيذ هذا القرار الدولي ولا يمكن لها تجاهله او التكابر سياسياً في مسألة التعاطي معه. ذلك ان الحكومة اللبنانية مغلوب على امرها وهي لا تستطيع على الاطلاق الوقوف في وجه هذا المشروع ومضطرة ان تتعاطى معه كأي دولة عربية او غربية، لأن لا طاقة لها على مواجهة المجتمع الدولي او الاعتراض. لأن ذلك سيضعها في موقع لا تحسد عليه حيث ستلجأ الولايات المتحدة الاميركية الى فرض عقوبات على لبنان، وقد سبق ان تعامل لبنان مع قرار فرض عقوبات على " حزب الله" من موقع الخائف على توسيع بيكار هذه العقوبات، فالمصرف المركزي نفذ العقوبات على الحزب اكثر من الاميركيين انفسهم. وفي رأي المصادر ان الحكمة تقتضي ان تعرف الحكومة اللبنانية كيفية التعاطي مع قانون " قيصر" وأن تطوعه بما لا يتعارض مع مصلحتها، وبما لا يذهب الى اية اشكالية مع سوريا، خصوصاً وأن هناك الكثير من القضايا التي تربط البلدين وتجعل كل بلد بحاجة الى الآخر.

 وتقول المصادر إنه يفترض بالولايات المتحدة الاميركية ان تتفهم موقف وموقع لبنان حيال اي قرار مهما كان حجمه ونوعه ضد دمشق، كما سمح للعراقيين إبقاء قنوات التواصل قائمة مع ايران مفتوحاً وإن بشكل محدود، وتبقي على الحدود مفتوحة وابقاء حالة الاستيراد والتصدير قائمة بين الدولتين.

 وحول امكانية ان يترك اي قرار تتخذه الحكومة الاميركية تداعياته السلبية على الواقع اللبناني، لاسيما وأن هناك انشطاراً سياسياً تجاه الموقف في سوريا، تقول المصادر إن ما من شك ان طريقة التعاطي اللبناني مع القرار الاميركي ستحدث ارباكاً واضحاً، واحراجاً على الواقع اللبناني غير السليم، فعلى سبيل المثال فإن "حزب الله" وحركة "امل" ومن يدور في فلكهما سيرفضون التجاوب مع هذا القرار. وفي المقابل فإن هناك جهات سياسية ستدعو الى التجاوب معه من منطلق ضرورة عدم مواجهة المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة ثانية من كون ان لا قدرة للبنان في ظل وضعه الاقتصادي والمالي المنهار، وفي ظل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي ان يتحمل اي عقوبات اميركية، وهذا التباين في المواقف، سيدخل الساحة السياسية في آتون التجاذب والاحتقان، وسيخفف من الحراك اللبناني تجاه الخارج طلباً للمساعدة للنهوض من الازمة الاقتصادية والمالية الراهنة.

 غير ان الاوساط الرسمية اللبنانية انشغلت في اليومين الماضيين في التدقيق في ما نسب الى مصادر ديبلوماسية مطلعة قالت إن اميركا "لن تقبل باستثناء بيروت من تنفيذ بنود القانون مثلما استثنت سابقاً العراق بحكم الجوار مع ايران التي فرضت عليها عقوبات، وبالتالي بالنسبة الى لبنان يبدو ان هناك اتجاهاً اميركياً للتشدد خصوصاً في ظل الخوف من ان تصبح الشركات اللبنانية وكيلة للشركات الصينية والروسية في اعادة اعمار سوريا قبل الانتهاء من الحل السياسي. وفي هذا الاطار تخوف مصدر رسمي لبناني من ان تطبيق القانون سيرتد سلباً على مؤسسات لبنانية تعيش من تجارتها مع سوريا. وتوقع المصدر ان تعقد اجتماعات في الآتي من الايام لدرس ارتداد " قيصر" على واقع عدد كبير من الشركات اللبنانية التي تعمل مع سوريا.

 مرة اخرى، يدفع لبنان ثمن الصراع الاقليمي الذي تحول الى صراع دولي ويجد نفسه امام ازمة قد يصعب الخروج منها تضاف الى سلسلة الازمات التي يعاني منها...ذلك ان " قيصر" قد يكون وجهاً آخر للحصار الذي يستهدف لبنان واقتصاده وتجارته، في وقت يفتش فيه اللبنانيون "بالفتيلة والسراج" عن باب رزق يروي ظمأ الاقتصاد اللبناني المتهالك.