تفاصيل الخبر

قانون السير الجديد بين التطبيق والعوائق / غرامات مالية مرتفعة لا تصبّ في صالح السلامة المرورية!

12/02/2016
قانون السير الجديد بين التطبيق والعوائق / غرامات مالية مرتفعة لا تصبّ في صالح السلامة المرورية!

قانون السير الجديد بين التطبيق والعوائق / غرامات مالية مرتفعة لا تصبّ في صالح السلامة المرورية!

بقلم عبير انطون

66

مع إقرار قانون السير الجديد ووضعه موضع التنفيذ في العام 2015 بعد سنوات من الدراسة لقانون سير كان مطبقاً في لبنان منذ حوالى خمسين عاماً، هل تراجعت نسبة حوادث المرور مقارنة بالاعوام السابقة التي شهدت ارتفاعاً مضطرداً عرف ذروته في العام 2014 مع 655 قتيلاً؟ ما مدى فاعلية القانون الجديد على الارض؟ وهل العقبة في القانون ام في العقبات التي تحول فعلاً دون سلامة مرورية تشمل القانون وثقافة المواطن ورخص السير ووضع الطرقات وغيرها؟

لا يمر يوم الا ونسمع بحوادث مرور قاتلة، غالبيتها من الفئة العمرية الشابة التي تتراوح ما بين 15 و29 عاماً. دموع الاهل والاصدقاء لا تكفي لاطفاء لوعة الفراق، وشبح الموت ان لم يُطبق كلياً على من تعرضوا للحادث فإنه يترك أحياناً آثاراً بالغة لا تُشفى، وقد يتسبب بإعاقات لمدى العمر.. تُرفع اليافطات، تُضاء الشموع، تنتحب الامهات ويفقد الآباء اجنحتهم ولا من يعوض الخسارة الكبيرة.

طبعاً لن يحلم اي واحد منا بالطرقات <الفاضلة>، والانارات المطلوبة، والحفريات المشار اليها بوضوح في الليل والنهار، ولن يذهب اي منا بخياله الى طرقات مجهزة، مخططة بعناية، مدروسة الجوانب والتعرجات، ولن نحلم بجسور في امكنتها المناسبة للمركبات أو للمشاة، و لن نأمل بعيون بلديات ساهرة لا تنام، ولا ايضاً بمواطنين واعين جميعهم الى ما يمكن ان يعرضوا حياتهم له وحياة الآخرين بالطبع. لكن المبدأ العام ينص انه، ان لم يكن منع الحادث ممكنا، فبالإمكان التخفيف من وطأته. وسط كل ذلك، ما مسؤولية المواطن واين مسؤوليات الدولة؟ هل جاء الانجاز على قدر اهل العزم؟ والى اي مدى تراجعت نسبة الحوادث بعد تطبيق القانون الجديد؟

كامل ابراهيم: الخطة المدروسة..

الخبير في ادارة السلامة المرورية والناشط في جمعية <اليازا> التي تُعنى بأمور السير كامل ابراهيم تحدث بالتفصيل  لـ<الافكار> عما يجب ان يتمّ فعلاً حتى يكون تطبيق قانون السير الجديد مجدياً وفاعلاً من حيث تراجع عدد الاصابات. ابراهيم الذي خضع لدورات مع وزارة النقل الأميركية، يُعتبر خريج الدورة الاولى من <ماستر> إدارة السلامة المرورية في الجامعة اليسوعية التي أُسست بالتعاون مع مؤسسة <رينو> الفرنسية منذ اربعة اعوام. يضم هذا الاختصاص طلاباً لبنانيين وعرباً ومن دول شمالي افريقيا، ويهدف الى وضع الخطط والسياسات للسلامة المرورية من خلال خبراء مختصين في المجال يفيدون لبنان والعالم العربي الذي هو بامس الحاجة الى اختصاصهم.

يلخص ابراهيم واقع السلامة المرورية في لبنان على الشكل التالي:

- واقع السير في لبنان يزداد سوءاً يوماً بعد يوم نتيجة الحوادث التي تؤدي الى خسائر بشرية ومادية جسيمة، ويستمر تسجيل الأرقام القياسية في عدد حوادث المرور وبالتالي ارتفاع أعداد الضحايا، في ظل غياب الإرادة السياسية لمعالجة أزمة حوادث المرور وجعل موضوع السلامة العامة من الاولويات، التي يدخل من ضمنها وجود هيئة قيادية تُعنى بالسلامة المرورية، ووجود خطط استراتيجية، ووضع سياسات للحد من الحوادث، وفي ظل النقص الكبير أيضا في مجال المعلومات الموثوقة والدقيقة، وغياب مرصد متخصص بنظم معلومات السلامة المرورية.

 من المسؤول؟

اول ما يثيره ابراهيم في حديثه، هو غياب الجهة الواضحة المسؤولة عن السلامة المرورية. هل هي وزارة الاشغال؟ وزارة الداخلية وقوى الامن؟ متعهدو الطرقات والجسور؟ البلديات؟ كل يرمي بالمسؤولية على الطرف الآخر، فيما الجميع مسؤولون، لكن التنسيق غائب والأمر الاساسي يبقى في قيام هيئة تستلم الملف وتشخص المشاكل، فتعمل على التنسيق ما بين الادارات المختلفة للسلامة المرورية، حتى تعرف مكامن الخلل DSCN4883_resizeفي كل ادارة او مفرزة سير وتتم معالجتها.

 وبحسب ابراهيم ليست العبرة في اي قانون للسير، ومن الجيد اقرار قانون حديث ومتطور الا ان العبرة تكمن في ادراة السلامة المرورية، وتهيئة الارضية المناسبة والعناصر اللازمة. فالمشكلة في كل دول العالم ليست بالقانون الذي يجب ان يكون مطابقاً لمواصفات البلد الذي يُنفذ فيه ويتلاءم معه، ويعطي مثلاً على ذلك: لنفترض ان السبب الرئيسي لحوادث السير في بلد ما هو شرب الكحول بكميات كبيرة، فإن اول ما يجب ان يلحظه القانون ما يتعلق بهذا الامر، اما اذا كانت المشكلة في الطرقات والإنارة مثلاً، فيجب معالجة هذه اولا، وذلك بإقرار قوانين تحسنها. بماذا يفيدني التشدد في تطبيق بند الكحول في منطقة النبطية مثلاً علماً ان اهالي هذه المنطقة لا يشربونها بالإجمال، وان معظم الحوادث في المنطقة ناتجة عن السرعة؟ خلاصة ما أودّ الوصول اليه، يقول ابراهيم، هو تشخيص المشكلة على الارض ومعالجة سببها المباشر، ولا يمكن ان يتم ذلك الا من خلال متخصصي السلامة المرورية. فإذا كانت نسبة الحوادث مثلاً ترتفع في منطقة المتن ما بين السادسة ليلاً والسادسة صباحاً، فيجب تكثيف الدوريات في هذه الفترة، بدلاً من استثمار كل الجهد في خلال ساعات النهار وهي لا تشهد حوادث مرتفعة كون زحمة السيرالخانقة تحول دون وقوع الحوادث الكبيرة، فيما تشهد طريق الجنوب مثلاً ارتفاعاً في نسبة الحوادث القاتلة ما بين ساعات الظهر والسادسة مساء ما يجعل زيادة الرادارات في هذه المنطقة ضرورية اكثر من غيرها. هذا كله، لا يمكن ان يتم الا من خلال تحليل قواعد بيانات حوادث المرور من قبل متخصصين في إدارة السلامة المرورية، لا خبراء سير او حوادث عاديين كما يجري بالعادة، او من خلال متطوعين في هذا المجال، بل المطلوب التفرغ لهذا الامر من خلال خبراء مختصين يقومون بالدراسات ويحاسَبون على عملهم في حال فشله.

 

أين أموال الغرامات؟

لا ينفي ابراهيم اهمية اقرار قانون جديد للسير وهو جيد برأيه، الا ان العبرة تكمن في الخطة التطبيقية له. هناك تعديلات طبعاً يجب ان تدخل على القانون الجديد، أبرزها إعادة النظر في الغرامات المالية المرتفعة، لا بل المرتفعة جداً في بعض المخالفات. وفي إجابة ابراهيم حول سؤال المواطن الى أين تذهب أموال هذه الغرامات؟ نسمعه يجيب:

 - المشكلة الكبرى، ان ملايين الدولارات التي تُجنى من خلال الغرامات لا تُنفق على السير والسلامة المرورية للأسف، ولا من يضمن انها ستُصرف للبلديات في تحسين البنى التحتية، او لشراء رادارات جديدة وتجهيزات للسير ولتطوير <الداتا>، بل هي تذهب الى صناديق خاصة في القضاء وقوى الامن، ما يجعل المستفيدين يزيدون في نسبة < الضبوطات> لانها تعود بالفائدة على صناديقهم، ويتحول الهم الى زيادة ايرادات الصناديق بدلاً من ان تكون السلامة المرورية الهدف الاول.

وفي ظل الحديث عن الغرامات يشدد خبير السلامة المرورية على ضرورة تبليغ الغرامات الى اصحابها بأقصى سرعة وليس بعد مرور فترات زمنية طويلة، فيصل واحدنا الى المطار ليسافر مثلاً، ويُبلغ انه ممنوع من السفر لوجود غرامة سير قديمة على نشرته ليس هو على علم بها اصلاً.

 وعن وضع الطرقات، الشكوى الأولى للمواطن يقول ابراهيم:

 - الجميع يعرف ان طرقاتنا لا تخضع للصيانة الدورية واللازمة، والانارة في اسوأ احوالها، إلا أنه يمكن اعتماد مبادئ أسلوب <النظام الآمن> الذي يهدف إلـى إعـداد نظـام للنقـل علـى الطـرق يمكنـه أن يسـتوعب أخطـاء البشـر علـى نحـو أفضـل، وأن يأخذ بعين الاعتبار سرعة تأثر جسم الإنسـان، إذ لا يمكن إلغاء الحوادث او تفاديها تماماً، إنما يمكن العمل على ضمان ألا تسفر الحوادث عن إصابات بشرية وخيمة والتخفيف من الأذى الناتج عنها. لا يمكن لسيارة مسرعة بشكل جنوني الا تنحرف او تنقلب او تصل الى عتبة واد سحيق، الا انه بالإمكان تفادي انقلابها فيه لو ان الطرقات مجهزة جيدا في جوانبها حيث الحواجز الرادعة. اما الحفر التي يشكو منها المواطنون فإنها ليست وحدها المسببة لحوادث قاتلة إن لم تتداخل عوامل أخرى كالسرعة، فالطرق غير الصالحة بغالبيتها تجبر السائق على التروي خوفاً على مركبته، والامر عينه بالنسبة للطرقات السريعة التي تشهد اكتظاظاً، اما أخطرها فهي تلك السريعة التي لا تشهد زحمة وتشعر السائق بأمان فيزيد من سرعة المركبة، كاوتوستراد شكا مثلاً او اوتوستراد اميل لحود السريع اللذين يشهدان نسبة عالية جداً من الحوادث المميتة.

غياب وتضارب معلومات..

 ويثير الخبير ابراهيم مسألة جوهرية في تحقيق السلامة المرورية، وهي عدم وجود <داتا> تتضمن المعلومات الصحيحة او احصاءات جدية ودقيقة تستند الى المحاضر التي يمكن الركون اليها بثقة، لتحليلها واستنتاج الخلاصة منها وبناء خطط على اساسها لوضعها موضع التنفيذ. ففي غياب الاحصاءات والارقام لا يمكن الوصول الى اسباب الحوادث احصائياً، ومنظمة الصحة العالمية تفيد بأن الارقام المعلنة غير صحيحة. ففي نظرة سريعة الى الارقام ما بين قوى الامن وتقديرات منظمة الصحة العالمية في العام 2013 نجد الفارق متسعاً اذ بلغ 549 عند الاولى ليرتفع الى 1088 لدى الثانية، والامر عينه للتفاوت الكبير في اعداد الجرحى بين قوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر اللبناني.

Kamel-Ibrahimويزيد ابراهيم:

- كذلك فإن التحقيقات في حوادث السير وفي نسب كبيرة منها لا تأخذ بعين الإعتبار دراسة الأسباب الرئيسية لتفادي حصولها في المستقبل، وذلك وسط عدم إدراك أهمية نظم المعلومات من قبل الجهات الرسمية المعنية، وللاسف فإن رتباء قوى الامن الذين يقومون بها ليسوا مدربين بشكل علمي عليها، ولا يخضعون لدورات حول تحقيقات حوادث السير، بل يخضعون لدورات تحقيق عامة، ويأتي فيها الكثير من المغالطات، كأن يسجل على إستمارة حادث مرور لراكب دراجة انه لم يضع حزام الامان في حين ان ليس من اي حزام في الدراجة وقس على ذلك..تصوروا انه في حادثة وفاة صبيتين منذ ثلاث سنوات ضجت بهما الدنيا اثر حادث سير وقع في الرابعة فجراً، تم اقفال التحقيق في الثانية بعد الظهر من اليوم نفسه بناء على اشارة القاضي المسؤول، بعد ان حضر الاهل واعتبروا الحادث قضاءً وقدراً، من دون تحميل اية مسؤوليات لاي كان ومن دون تحليل اساسي للحادث، وهو مطلوب لتفادي آخر مماثل، اذ لا يُعمل على التحقيق بمبدأ تفادي غيره حتى لا يتكرر، بل للمسؤولية العدلية فقط، ويتمّ الأمر بغياب اية رقابة. من هنا فإنني اقترح، يقــــول ابراهيــــم، استمـــارة جديـــــدة لتحقيقات حوادث المـــــرور مـع تدريب جـــــدّي وعلمــــــي على التحقيقـــــات لتفادي النقص الكبير في مجال المعلومات الموثوقة والدقيقة، مع إيجاد مرصد متخصص بنظم معلومات السلامة المرورية للتنسيق بين مختلف الجهات وتجميع بياناتها، وتفادي تعدد الجهات التي تصدر المعلومات، ما يؤدي الى تضارب الأرقام بين الجهات الرسمية المحلية والمؤسسات الأهلية والدولية، فضلا عن عدم اهتمام القطاع الصحي بإعطاء إحصاءات خاصة بحوادث المرور وحصرها بقوى الأمن الداخلي، وعدم الاستفادة من قواعد البيانات في لبنان الموجودة لرسم السياسات وتحسين السلامة المرورية وعدم تحديد مؤشرات أداء السلامة المرورية.

أسباب وحلول..

بالنهاية، ولتطبيق جيد وفاعل، ينبغي الوقوف عند أبرز اسباب الحوادث التي يلخصها ابراهيم كالتالي:

- غياب ثقافة السلامة المرورية لدى العديد من المواطنين والسائقين في لبنان، عدم تطبيق القانون بالشكل المناسب والفعال على المخالفين، النقص في العديد والعتاد، عدم الاهتمام بصيانة المركبات وعدم ملاحقة وضعها، النقص الكبير في عدد جسور المشاة والممرات الخاصة بهم في المدن، عدم صيانة الطرق وغياب الإنارة، عدم مراقبة الشاحنات المخالفة بما يتعلق بالحمولة الزائدة والمردات الخلفية، هذا فضلاً عن عدم تطوير رخص القيادة بشطريها النظري والتطبيقي، وإعطاء الرخص بطريقة عشوائية في السنوات السابقة، وينضم الى الاسباب ايضا عدم تنظيم قطاع الدراجات النارية بالشكل المطلوب.

اما الحلول فيوجز الخبير مقوماتها الرئيسية بثلاثة: القرار السياسي، التمويل والخبراء المتخصصون.

برأيه، الفرصة موجودة، اذ ينص قانون السير الجديد على هيكلية تنظيمية لتنسيق قضايا السلامة المرورية (مجلس وطني، أمانة سر فنية، لجنة وطنية للسلامة المرورية، وحدة المرور في قوى الأمن الداخلي) وقد تم تعيين أمين سر المجلس الوطني للسلامة المرورية الدكتور رمزي سلامة، بانتظار تأمين ميزانية لأمانة السر للقيام بالمهام المطلوبة وتشكيل فريق عمل من المتخصصين (لم يتشكّل بعد في ظل الظروف السياسية القائمة). كذلك فإن الاهتمام الرسمي على مستوى رئيس الحكومة موجود وهو يبدي اهتماماً جدياً لمسألة السلامة المرورية من خلال ترأسه المجلس الوطني ومتابعة عمله (عُقد أول اجتماع في أول شهر كانون الأول/ ديسمبر 2015 )، مع اللجنة الوطنية للسلامة المرورية برئاسة وزير الداخلية. والمطلوب أيضاً، تطويع عناصر جديدة في قوى الأمن الداخلي وتدريبهم، وهناك جهود جدية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي باشرت بتأسيس مدرسة المرور في معهد قوى الأمن في عرمون. وقد تمّت الموافقة على منهاج اختصاص المرور (شهادة الإمتياز الفني) وذلك للتخصص في مجالي مدربي قيادة المركبات وخبراء السير. ولا يمكن إغفال أهمية حملات التوعية الشاملة والهادفة، وأهمية إدخال موضوع السلامة المرورية ضمن المناهج التربوية مع تطوير آلية منح رخص القيادة في لبنان من خلال تنظيم قطاع مدارس تعليم القيادة وتغيير المناهج والتشدد في الإمتحانات. ويشدد ابراهيم على عدم تطبيق قانون السير في شكل موسمي او استنسابي في جميع المناطق ما يجعل المواطن يشعر بالعدل حيال المبدأ العام بالمساواة بين جميع المواطنين.

وعن سؤالنا حول نسبة تراجع الحوادث بعد اقرار قانون السير الجديد، اكد ابراهيم انها تراجعت فعلاً مقارنة بالعام 2014 من دون ان يحسم السبب: فهل القانون كان الرادع الفعلي ام انه التجييش الامني والاعلامي الذي جعل الناس تخاف وترتدع لثلاثة او اربعة اشهر بعد إقراره والتي يمكن ان تعود الى النسب السابقة بعد التراخي او تراجع التجييش؟