تفاصيل الخبر

”كــالـيـمـيـــــــرا“ تــلاقـــــــي الـ”مــرحــبـــــــا“..

07/04/2017
”كــالـيـمـيـــــــرا“ تــلاقـــــــي الـ”مــرحــبـــــــا“..

”كــالـيـمـيـــــــرا“ تــلاقـــــــي الـ”مــرحــبـــــــا“..

بقلم عبير انطون

1

في 34 دقيقة، عصر جورج عيد نائب رئيس تحرير <الاخبار> والمراسل في قناة الـ<ام تي في> كل ما يختزنه من ذكريات عن جدّه لأمه اليوناني وقصة لجوئه الى لبنان، مستعيداً ما لهذه الجالية العريقة الموجودة في بلدنا منذ العام 1922 من قصص وعادات وحكايات فيها وجع كل مهاجر يسعى للقمة العيش بعيدا عن ويلات الحرب متربصا فرصة يقدمها له البلد المضيف. فاية تحية ارسلها جورج عبر فيلمه الذي يتأرجح ما بين لبنان واليونان خاصة وان بينهما العديد من القواسم المشتركة من حيث التاريخ العريق والحضارة والانفتاح وصولا مؤخراً الى اعتماد نموذج اليونان في ازمته الاخيرة <بعبعا> للبنانيين ان هم طالبوا باكثر مما يعطى لهم، حتى لا يقعوا في التجربة اليونانية المرّة من حيث الافلاس والانهيار.

مع <جورج> كان لقاء <الافكار> حول الفيلم اللبناني المترجم الى اللغة اليونانية وبدأناه بالسؤال:

ــ ما الذي عشتم عليه <يونانيا > كعائلة في لبنان؟

- التعايش والانفتاح على الآخر في بيت متنوع ومنفتح على أكثر من ثقافة ولغة، فوالدتي ارثوذكسية ووالدي ماروني، هي من أصول يونانية وهو لبناني، جدي لأمي يوناني وجدتي تركية هربت منها الى لبنان.. وفي بيتنا اجتمعت اكثر من لغة، وربما أكثر ما ترسخ في ذهني التمسك بارادة الحياة على الرغم من كل شيء، فجدي هُجّر من بلاده، ولجأ الى لبنان وعمل بكد، ومن ثم هبت الحرب اللبنانية وأصابت قذائفها جدار بيتنا الخارجي عند منطقة مار مخايل، وتضرر جراء الحرب ايضا معمل الاحذية الذي كان يمتلكه جدي في شارع المعرض، وقد كان من اوائل معامل الاحذية الذائعة الصيت حتى خارج الحدود حتى وصل تصديرها بعد الاردن وغيرها الى بولندا، وعلى الرغم من ذلك بقي هذا الشخص يسهر ويغني ويحيا بارادة ملفتة.. لا تمحى من ذاكرتي السهرات التي كان يحييها لنا وهناك 4 صور له تعود الى حزيران من العام 1975 اي مع اندلاع الحرب اللبنانية، وهو يرقص في بيت الجبل مع عائلته وكأنه انتصار منه على الشر والانكسار.

 ويزيد جورج :

 - كذلك حرص جدي كما الكثيرين من اليونانيين على العائلة ولم الشمل، من دون ان ننسى طبعا المطبخ اليوناني في بيتنا والاطباق الشهية، والاغنيات والموسيقى، فاول اغنية سمعتها كطفل كانت يونانية يرددها لي، وها أنا اليوم استمع الى اغنيات لفنانين يونانيين مشهورين جداً.

 ــ كيف يمكن تلخيص رحلة اللجوء هذه؟

- هي رحلة كل مهاجر من واقع صعب لجأ الى لبنان هربا من الفقر والجوع والرصاص طامحا الى تأسيس حياة جديدة في بلد كان ملجأ وملاذاً للكثير من الاقليات، وذلك للانفتاح والأمان اللذين كان يحظى بهما. لقد استندت الى صور ووثائق تنشر للمرة الاولى اعتمدت فيها على ارشيفي الخاص وبعض البطاقات البريدية القديمة كما حصلت على معلومات ووثائق وصور من الجالية مع شهادات لسفير الجالية اليونانية في لبنان والسفير اليوناني <تيودور باساس> الذي كان لعائلته ايضا قصة مع لبنان.. حصلت على ما هو نادر فعلاً حول يونانيي لبنان وتاريخهم ونضالهم وكفاحهم، مركزاً على همتهم وسعيهم الى العمل بجد اذ انجزوا المشاريع التجارية وكثيرون منهم دخلوا في الوظائف الرسمية.

ويمضي جورج شارحاً:

- لقد انطلقت للفيلم من ثابتتين:الأولى هي النوستالجيا الى بيروت وما كانت عليه قبل الحرب، فيما الثابتة الثانية تتركز على ضرورة الحفاظ على ذاكرة اللجوء اليوناني الى لبنان. لقد قصدت اليونان في حزيران من العام الماضي مستندا الى بطاقة بريدية تعود لسنة 1957 لخالة جدي وجلت على المخاتير وكبار السن في المنطقة حيث كانت تعيش عائلة جدي ولما وفقت بشخص يعرفهم، علمت ان اكثر من ستة اشخاص يحملون الاسم عينه، وبعد جهد جهيد وصلنا الى البيت الذي اصبح مهجورا، وقد سافر آخر من فيهم الى النروج فارسلت له صورة جدته وهي خالة جدي وربطنا العائلة..

ويستعيد جورج رحلة جده:

 - لجأ والد امي الى لبنان مطلع القرن الماضي، ولم يكن هناك من مدرسة يونانية حينذاك فالتحق بمدرسة <عينطورة> واتقن الفرنسية الى جانب اليونانية مع عربية ركيكة اوقعته في اكثر من <مطب> كلامي كان يخبرنا عنه ويضحك مطولا. لقد اثر بي جداً، وكان له دور اساسي في تربيتي، ولما توفي منذ 16 عاماً عاهدته بانني لن انسى كل ما اخبرني اياه وما رواه لي عن عائلته. اردت من خلاله ان اوثق لكل تلك المرحلة مضيئا بالتزامن على حقبة من تاريخ لبنان، فقد قصده اليونانيون واصبحوا جزءا من نسيجه وكأنهم قطعة من <الموزاييك اللبناني> في بلد هو ملتقى الحضارات المختلفـــــة. ومــن خـــــلال قصــــــة اليونانيين اقول بشكل خاص للشباب الذين يــــريدون الهجـــــرة مــن لبـــــنان: لقــــد كان بلدكـــــم الشاطــــئ المرتجى وقبلة كل من ينشد الأمان والاستقرار، فلا يمكن ان تسقطوه من عيونكم أو حساباتكم!.

3المدرسة ودلالتها..

 

ــ ماذا عن والدتك بعدما شاهدت الفيلم؟

- تأثرت جداً خاصة وهي تشاهد القصة مصورة، وقد شكل الفيلم صدمة ايجابية لدى الكثيرين من الناس وشهدنا زحفا لمشاهدته من طرابلس وزحلة وبرمانا وكل منطقة يسكنها يونانيون.

ــ هل تبقى طرابلس المنطقة التي تضم العدد الاكبر من اليونانيين؟

- نعم لانها تقع على البحر وكانت حينئذٍ مستقلة عن لبنان، وقد اتخذها القنصل اليوناني مركزا له، والمعروف انه كان لليونان في لبنان قنصليتان واحدة في طرابلس وأخرى في بيروت، وبعد ذلك تأسس النادي اليوناني في العام 1940.

 ــ نلاحظ ان اليونانيين لم يبقوا على تمسكهم باللغة كالأرمن مثلاً..

- الأمر صحيح من حيث التمسك باللغة لكن ليس للجيل الاول من اللاجئين وهناك من لا يزال يصر على تعلّمها اليوم. شخصيا درستها لمدة ثلاث سنوات على مدى يومين في الاسبوع حتى اتقنتها قراءة وكتابة، وعديدون من ابناء الجالية اليوم يقصدون النادي اليوناني وانا منهم فنطبخ ونسهر ونحيي التقاليد ونكسر الصحون بحسب عادة يونانية اصبحت ممنوعة الآن. وهنا لا بد لي ان اشير الى ان اليونانيين كانوا حريصين على تأسيس مدرسة يونانية في لبنان عند منطقة تل الزعتر الا انه لدقة موقعها تم اجتياحها. وقد وردتني صورة بعد أن انجزت الفيلم لم استطع ان اضمنه اياها وازودكم بها للمجلة، وهي توثق حفلة افتتاح المدرسة اليونانية وتظهر الرئيس كميل شمعون والملك اليوناني بول الذي وصل لبنان في اسطول بحري رست فيه السفن لساعات في البحر حيث تم الافتتاح وعاد الملك بعد ذلك ادراجه، ما يؤكد الاهمية والدلالة الكبرى لهذه المدرسة.

ما هو عدد اليونانيين في لبنان اليوم؟

ــ لا يمكن الحديث عن احصاءات رسمية ويقدر عدد الجالية بعشرة آلاف ممن يحملون الجنسية، وقد اصبحت العائلات مختلطة ما بين يونانية ولبنانية. وزير الاقتصاد والتجارة السابق آلان حكيم مثلا يحمل الجنسية اليونانية من والدته وهناك 3700 متحدر يوناني من الذين اتوا اساسا كلاجئين غير مجنسين او فقدوا اوراقهم.

ــ ماذا تقدم الجنسية اللبنانية لحاملها؟

 - الانتماء اولاً، وهذا مهم جداً.

 

رسالة بدون مقابل...

ــ ما كانت ابرز الصعوبات، وكم استغرق انجاز الفيلم من الوقت؟

- كمنت الصعوبات في التكاليف اذ ان الفيلم من انتاجي مع مساهمة من النادي اليوناني في طبع النسخة اليونانية وتأمين ما يتعلق بالرقص والطعام بطابعه اليوناني الاصلي، وقد استعنت بالـ<ام تي في> في وضع الترجمة باللغة اليونانية، وهناك شكر أخص به المترجمة ايلينا سعادة لحود لانها ساعدت بالترجمة الدقيقة له، وقد تولى دفة الاخراج رواد جرمانوس. صورنا في اليونان واستخدمنا طائرة <الدرون> وتقنية <HD> 4-4-2017لإظهار الصورة بأفضل طريقة ممكنة، من دون ان اغفل طبعا صعوبة جمع الارشيف والمستندات.

ويضيف جورج الذي درس علوم الصحافة والتواصل والتسويق في جامعة <السوربون> الفرنسية وعمل في قناة <سكاي نيوز> الاخبارية قبل انتقاله الى الـ<ام تي في>:

 - أحيي الزملاء الصحافيين الذين ابدوا كل تعاون، وعلي ان اوضح ان لا اهداف تجارية لي من خلال انتاج الفيلم وانني لا ابحث عن اي شكل من أشكال البيع، وان كل ما انشده منه هو اعادة احياء زمن الماضي الجميل الذي كان مسيطراً على لبنان والاضاءة على قصة اليونانيين فيه. فرسالة الفيلم ثقافية بحت وهو يتوجه الى اليونانيين بقدر ما هو موجه ايضا الى اللبنانيين، ولهذا الغرض جمعت في عنوانه الكلمة اليونانية <كاليميرا> مع الكلمتين العربيتين <من بيروت>، ولقد اودعت نسخة منه في مكتبة <جامعة اللويزة> باعتبار الفيلم وثيقة تاريخية هي الاولى من نوعها.

ــ هل ستبقى مستمرا في الخط الوثائقي وما جديدك في هذا المجال؟

- اريد ان اثبت بأن للثقافة جمهورها وانا مستمر في خطها خاصة في مجال الافلام الوثائقية التي تحمل الطابع الانساني عبر اعتماد نمط جديد لا يجعل المتفرج يتثاءب وهو يتلقى المعلومة، فنقدمها اليه بعيدا عن السرد البارد. وها انني اعمل اليوم على وثائقي بعنوان <المنسيون> يتناول قصصا لاربع شخصيات غريبة لا تخطر ببال وتتحدى المنطق، منها الحزين ومنها المفرح.

ــ هل سيعرض التلفزيون اليوناني فيلم <كاليميرا من بيروت>؟

- نعم. لقد اهتموا به كثيرا ووصلتني اصداء طيبة عنه وها انا استعد لتلبية دعوة الى اليونان بشأنه قريباً.. لقد كتبت عنه صحف تصدر باليونانية في دول وعواصم عدة من حول العالم بينها استراليا ومونتي كارلو وباريس ولندن واثينا وقبرص وابدوا اهتمامهم لفرادة القصة.

ــ هل من حكايات تصلح لمشاهد فيلم روائي في رحلة بحثك عن الجذور؟

- ما رأيتموه على الشاشة لا يتجاوز ربع ما عاينته ورأيته وسجلته وهناك ما يصلح لدراما مؤلمة بدءا من قصة جدي الشخصية وصولا الى غيرها، والكثير منها وصلني بعد عرض الفيلم بينها اتصال من سيدة اخبرتني خلاله بان والدها اليوناني كان يخجل من اجهار جنسيته اليونانية لانه <رمي> على الشاطئ في مطلع القرن الماضي بعد ذبح اهله، وقد وجده لبنانيون فاحتضنوه، واسمه الاصلي <الكو> فاطلقوا عليه اسم <اسكندر> وسجلوه على اسمهم ولم يعلن عن هويته اليونانية الا في أواخر حياته.