بقلم وليد عوض
لم يكن إستيلاء إيران على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الإماراتية عام ١٩٩٢ يعتبر جزءاً من استراتيجية إيرانية بعيدة المدى. كان الإعتقاد يومئذ أن ما حمل إيران على هذا التصرف العدواني هو اعتبارها الجزر جزءاً من اراضيها وأن وجود نفط في جزيرة أبو موسى هو من أهم الدوافع الإيرانية لافتعال مشكلة مع الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. ومع رفض إيران على مدى عقدين كل العروض الإماراتية من أجل التوصل إلى حل سلمي للمشكلة السيادية للبلدين، وآخرها عرض الذهاب إلى التحكيم الدولي، تبين أكثر فأكثر أن الإستراتيجية الإيرانية أبعد من الجزر رغم أهميتها الجغرافية في الإشراف البحري على مضيق هرمز.
مع سيطرة الحوثيين على شمال ووسط اليمن وسقوط مدينة <تعز> ومعظم الموانئ الشمالية، أصبح لإيران مطل على البحر الأحمر يمكن أن يمتد إلى مضيق <باب المندب> الإستراتيجي. وتكون إيران بذلك موجودة في أربع بحار إستراتيجية: بحر قزوين الغني بالمعادن والبحر الأحمر والخليج العربي وهما من أهم معابر النفط في العالم والبحر الأبيض المتوسط الغني بالغاز، وهذا متاح من خلال حزب الله في لبنان ونفوذها في سوريا. هذا الإمتداد البحري يجعل من إيران قوة إقليمية عظمى قادرة على فرض أصعب الشروط على القوى العظمى وقادرة أيضاً على تسويق نفسها أنها الأكثر جدارة بدور شرطي المنطقة.
وجود إيران على هذه البحار أصبح متجذراً من خلال المكونات المحلية التي تمثلها أو من خلال وجودها المباشر. فالحوثيون جزء من التكوين اليمني وحزب الله يمثل شريحة أساسية في النسيج اللبناني، ولذلك فإن أي حل سياسي في اليمن أو لبنان يجب أن يحظى بموافقة إيران. أما في الخليج وبحر قزوين فالغواصات والبوارج الإيرانية في حضور مستمر ولا تحتاج إلى وكيل.
مصر أو درع الجزيرة
من هنا تقلق الأحداث المتسارعة في اليمن وزحف الحوثيين إلى الجنوب بتسهيل من القوى المؤيدة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الزعماء الخليجيين لأنها تضعهم أمام خيار صعب: مفاوضة إيران أو مواجهتها. في المفاوضة يبدو أن إيران غير مستعجلة لأنها لا تزال تكسب الأوراق بفعل التطورات الميدانية. أما المواجهة فيمكن أن تفتح الباب لحرب إقليمية أخرى من المستحيل التحكم بمداها. لذلك يدرس الخليجيون بحذر دعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للتدخل عبر قوات <درع الجزيرة> كما فعلت في البحرين منذ أربع سنوات وتمكنت من فرض الإستقرار هناك. مع العلم أن قوات <درع الجزيرة> أنشئت في ١٩٨٤ لردع أي عدوان على أحد أعضاء دول مجلس التعاون وهذا لا ينطبق اليوم على اليمن.
ورغم تمسك دول مجلس التعاون بالحل السلمي في اليمن عن طريق الدعوة إلى مؤتمر المصالحة في الرياض، فإنها تعمل على خطي مواجهة محتملة وتدخل عسكري يمكن أن يفرضه تدهور الوضع في اليمن إلى حرب أهلية تهدد حدودها. الأول يقضي بالضغط المستمر في مجلس الأمن لفرض القرار ٢٢٠١ الذي يدين إستيلاء الحوثيين على المقدرات الحكومية تحت الفصل السابع. وإذا تعذر ذلك بسبب إحتمال الفيتو الروسي والصيني فالسعي إلى قيام تحالف عسكري إقليمي بدعم غربي لمساندة الشرعية في اليمن. وهنا يأتي دور مصر التي أعلنت باستمرار أن أمن الخليج خط أحمر وهذا يعني أنها يمكن أن تتدخل عسكرياً هناك إذا ارتأت أن أمن الخليج في خطر. والمسار الثاني يتمثل بتعزيز القدرات العسكرية لقوات <درع الجزيرة> لتمكينها من مواجهة أي خطر يهدد الحدود السعودية أو العمانية مع اليمن.
القيصر واليمن
ولا شك أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيحمل معه إلى موسكو المشكلة اليمنية عندما يتوجه لحضور الإحتفال <القيصري> الذي ينوي الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> اقامته في ٩ ايار (مايو) المقبل لمناسبة مرور ٧٠ سنة على الإنتصار في الحرب العالمية الثانية. ومع مقاطعة معظم الدول الغربية الإحتفال بسبب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وتأكيد الحضور القوي للصين وإيران وحتى كوريا الشمالية التي سيمثلها رئيسها <كيم جونغ أون> في أول خروج له من بلده، سيعبر هذا الحدث عن الإنقسام العالمي المتزايد بين الشرق والغرب والمنحى التصاعدي للتشنج الحاصل في العلاقات الدولية والذي يشبه إلى حد كبير شكل العالم قبل الحروب العالمية عامي ١٩١٤ و١٩٣٩.
ورغم التعقيد الكبير في الحروب الدائرة في سوريا والعراق وليبيا واختلاط الحابل بالنابل فيها فإنها لا تحمل بذور حرب أممية لأنها أصبحت في جانب كبير منها توصف بحرب ضد الإرهاب. فالحرب على <داعش> وأخواتها تجمع الخليج بإيران تماماً كما تجمع الولايات المتحدة بروسيا رغم الفرق في الأسلوب الذي تعتمده كل دولة. أما في اليمن فالحال مختلفة لأن المواجهة الخليجية الإيرانية مرشحة لأن تكون نواة حرب أكبر وأوسع إن هي استمرت في التصاعد. ولا يزال الموقف الروسي من الوضع في اليمن مرتبكاً. فمن جهة تدعم روسيا الحكومة الشرعية الممثلة بالرئيس هادي ومن جهة أخرى تعارض بشدة أي تدخل عسكري دولي أو إقليمي. ولذلك يمكن للورقة اليمنية أن تصبح إما أداة تسوية إقليمية شاملة أو سبب حرب أوسع.
طلائع السلاح الفرنسي خلال أسبوعين
كل ما يحصل يؤكد الحاجة إلى تحصين كبير للوضع في لبنان يضمن <تحييده> عن صراع المنطقة. فالإستقرار الأمني أولوية تعلو على كل شيء آخر. هذا الإنطباع خرج به الوزير وليد جنبلاط من قصر <الإليزيه> بعد لقائه على مدى ٤٥ دقيقة الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> الذي حرص على الإطلاع على رأي جنبلاط حول الوضع في لبنان وسبل دعم الإستقرار فيه في ظل الفراغ الرئاسي . ولم تكن الخلفية الإشتراكية وحدها التي جمعت مواقف الرجلين بل أيضاً تطابق نظرتهما إلى الأزمة السورية وضرورة المحافظة على أكبر قدر من الهدوء الأمني خاصة أن فرنسا تتأهب لتسليم الجيش اللبناني خلال اسابيع أول دفعة من صفقة السلاح التي مولتها المملكة العربية السعودية. وسيستغرق وصول كل السلاح المتفق عليه في إتفاقية الثلاثة مليارات دولار ثلاث سنوات بدءاً من منتصف نيسان (ابريل).
التحصين يعني التمديد لقائد الجيش
وضرورات الإستقرار تبيح محظورات التمديد. فرغم الإطار القانوني السليم لإصرار العماد ميشال عون على ضرورة إجراء التعيينات الأمنية والعسكرية وتناسق هذا الموقف مع رفض التيار الوطني الحر المبدئي للتمديد بكل اشكاله، يبدو التمديد لقائد الجيش العماد <جان قهوجي> ضرورة وطنية وأمنية في ظل الحرب المفتوحة في الجرود الشرقية وفي ظل حماوة المعارك في العراق وسوريا والوضع المستجد في اليمن الذي له امتداداته المباشرة إلى لبنان. وليس التمديد إنتقاصاً من قدرة المرشحين الآخرين لمنصب قيادة الجيش مثل الجنرال شامل روكز على الإمساك بالدفة العسكرية في البلد. إلا أن التغيير في القيادات الأمنية في هذه المرحلة يمكن أن يستثمر سلبياً من قبل المتربصين بالسلم الأهلي وما أكثرهم. فالبلد في حرب ولا يصح تغيير القائد العسكري خلال المعركة. ولذلك لا تصح المقاربة بين التعيينات في لجنة الرقابة على المصارف والتعيينات الأمنية والعسكرية. وإذا كان في التمديد خطأ فهذا لا يعني المغامرة بتغيير قائد الجيش.
ما أقرب أحداث اليمن اليوم إلى ما كان يمكن أن يحصل في لبنان في ٧ ايار (مايو) ٢٠٠٨ لو لم ينعقد مؤتمر الدوحة، أو في 12 ــ 20 لو لم يتم تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ظروف شبيهة يمر فيها البلد حالياً وتستدعي التمسك بالحكومة الحالية وتمكينها من العبور بالبلد إلى بر الأمان. فانفراطها أو حتى شللها يفتح الباب على جميع الإحتمالات. وربما من واجب العماد عون العمل أقل على الطلب من الفرقاء السياسيين رفض التمديد والعمل أكثر على أن يصبح بإستطاعته هو تسمية قائد الجيش.