عاهل السعودية الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز لا يؤجل عمل اليوم الى غد، ويؤمن بأن <الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك>، وهو لذلك ما ان انتهى من تشييع أخيه الملك الحكيم المفدى عبد الله بن عبد العزيز، ونثر فوق قبره التراب في مقبرة <العود> مثوى الملوك السعوديين الستة الملك الوالد عبد العزيز آل سعود، والملك سعود بن عبد العزيز، والملك فيصل بن عبد العزيز، والملك خالد بن عبد العزيز والملك فهد بن عبد العزيز، ثم الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمهم الله، حتى كان الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز يصدر ثلاثة قرارات تاريخية: الأول تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز أحد أبناء الملك المؤسس (69 سنة)، ولياً للعهد، والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد ووزيراً للداخلية، والأمير محمد بن سلمان رئيساً للديوان الملكي بدلاً من خالد عبد العزيز التويجري. والأميران محمد بن نايف ومحمد بن سلمان خارجان في تعيينهما عن النمط المتبع وهو أن تكون هذه المناصب لأبناء عبد العزيز، فإذا هي تصبح في أحضان الأحفاد، وتسطع بذلك شمس الجيل السعودي الملكي الثالث.

وفي كواليس القصر الملكي أن هذا الاختيار لمناصب أصحاب السمو الملكي جاء بوصية عن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز الى ولي عهد الأمير سلمان، وكان هو المؤتمن على كلمة السر وأمين سر العائلة الحاكمة. ولكن الملك سلمان انتظر ان يتم تصديق هذا التعيين من جانب هيئة البيعة التي يرئسها الأمير مشعل. وهكذا كان.

 على هدي كتاب الله وسنة رسوله

وبذلك عرف الملك سلمان كيف يختار فريقه الملكي ويعهد إليه بمشاركته في بناء مستقبل البلاد. وقد شدد الملك الجديد في خطاب العرش على <مواصلة سياسة المملكة منذ أن أسسها الملك الراحل عبد العزيز آل سعود بتأكيد وحدة الصف في السعودية، وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية>. وقال: <في هذه البلاد التي شرفها الله بأن اختارها منطلقاً لرسالته وقبلة للمسلمين، سنواصل مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ارتضاه المولى لنا وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال>.

وأضاف الملك سلمان:

<إنني، وقد شاء الله أن أحمل الأمانة العظمى، أتوجه إليه سبحانه مبتهلاً أن يمدني بعونه وتوفيقه، وأسأله أن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وسنظل بحول الله وقدرته متمسكين بالنهــــج القــــويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله، وعلى أيدي أبنائه من بعده رحمهم الله، ولن نحيد عنه أبداً. فدستورنا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم>.

الأمير مقرن وعلم الفلك

ويلي الملك سلمان في سدة المسؤولية الأمير مقرن بن عبد العزيز كولي للعهد بعدما كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز قد اختاره ولياً لولي العهد، وهو منصب مستحدث لأول مرة، وقد انتقل الآن الى وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف. والأمير مقرن هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز سناً، ويتحلى بالعلم والشجاعة والفروسية، وحبه للطيران جعله عام 1964 يلتحق بالقوات الجوية السعودية، وكان في سن الواحدة والعشرين، ثم تابع دراسته في بريطانيا وتخرج منها عام 1968 برتبة ملازم طيار، وفي العام 1969 حصل على دورات متقدمة في التدريب على الطائرات المقاتلة في قاعدة <الظهران الجوية> ثم عاد الى بريطانيا عام 1973 لينتظم في دورة مدربين، ثم سافر الى الولايات المتحدة عام 1974 ليلتحق بدورة أركان حرب وحصل على <ديبلوم> معادلة للماجستير.

ولولي العهد الأمير مقرن هوايات متعددة واهتمامات متنوعة في العديد من المجالات، منها اهتمامه الخاص بشؤون الزراعة وأبحاثها والممارسة العملية لها، إضافة الى اهتمامه بعلم الفلك والرصد الفلكي، وله اهتمام خاص بالقراءة في شتى أنواع المعرفة. ويملك سموه مكتبة كبيرة تزيد محتوياتها على عشرة آلاف كتاب، كما لسموه اهتمام خاص بالشعر العربي الأصيل، وآثار ثقافته تبدو في مظاهر كثيرة أبرزها مشاركاته ومناقشاته ومداخلاته في الندوات والكفاءات العامة والخاصة التي يجريها.

الأمير محمد بن نايف مكافح الإرهاب

واختيار وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، جاء لأمرين: الأول تكريم ولي العهد الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بتنصيب نجله الأمير محمد ولياً لولي العهد، وفتح باب التوريث أمام  الجيل الثالث جيل الأحفاد الذين يأتي منهم حفيد الى هذا المنصب لأول مرة. والأمر الثاني أن اختيار الأمير محمد بن نايف لهذا المنصب هو جائزة سياسية للرجل الذي استطاع أن يرهب الإرهاب، ويبعد شره عن البلاد بتقنية رائعة، وشجاعة نادرة.

والأمير محمد الآتي من القطاع الخاص، عيّن عام 1999 بأمر من الملك فهد بن عبد العزيز مساعداً لوزير الداخلية (الأمير نايف) للشؤون الأمنية بالمرتبة الممتارة، وفي العام نفسه وافق ولي العهد آنذاك الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز على ضمه الى عضوية المجلس الأعلى للإعلام، ومددت خدمته في هذا المنصب لأربعة أعوام أخرى، أي حتى عام 2002، وبعد ذلك بعام واحد صدر أمر ملكي بتعيينه مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بمرتبة وزير. وفي آب/ أغسطس تعرض الأمير محمد لمحاولة اغتيال من قبل مطلوب للعدالة زعم أنه يرغب في تسليم نفسه، كما تعرض قبل ذلك لعدة محاولات اغتيال من بينها محاولة داخل مكتبه في وزارة الداخلية، ومحاولة أخرى من خلال إحدى الجماعات الإرهابية أثناء زيارته لليمن.

وقد تسلم مقاليد وزارة الداخلية بعد وفاة والده ولي العهد الأمير نايف يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012. ومن أبرز نشاطاته السياسية مشاركته والده الأمير نايف رحمه الله في زيارة تاريخية لإيران، تم فيها توقيع الاتفاقية الأمنية بين السعودية وإيران وتقضي بمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي وتهريب الأسلحة وغسيل الأموال، وكان ذلك بتاريخ 17 نيسان/ أبريل 2006.

وفي السابع من أيلول/ سبتمبر 2009 قلده الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى تقديراً لإنجازاته الأمنية.

الأمير محمد رئيس الديوان الملكي

ومن رئاسة ديوان ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، انتقل الأمير محمد بن سلمان الى رئاسة الديوان الملكي، بعدما اصبح والده الأمير سلمان ملكاً لبلاده، وقد حل في هذا المنصب مكان خالد عبد العزيز تويجري الذي أعفي من المهمة. ومن الجوائز التي حصل عليها جائزة شخصية العام القيادية لدعم رواد الأعمال لعام 2012، وقد منحته إياها مجلة <فوربس> للشرق الأوسط بصفته رئيساً لمركز الأمير سلمان للشباب تقديراً لجهوده في دعم رواد الأعمال الشباب وإبراز نجاحات الشباب السعودي للعالم.

ويحمل الأمير محمد شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود، وهو واسع النشاط في الأعمال الخيرية، وهو ابن الملك سلمان من الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان بن حثلين وجده من أمه راكان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان، وهو متزوج من الأميرة سارة بنت مشهور بن عبد العزيز ولديهما من الأولاد الأمير سلمان والأميرتان فهدة ونورا.

ومما قاله الأمير محمد بعد تسلمه منصب وزير الدفاع ورئاسة الديوان الملكي: <أسأل الله أن يعينني على القيام بهذه المسؤولية>.

قادة العالم مروا من هنا

وكل قادة العالم كانوا في الرياض مثل ملك الأردن عبد الله الثاني وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ونائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي جاء من منتدى <دافوس> في سويسرا، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والأمير مولاي رشيد، شقيق ملك المغرب، والأمير تشارلز ولي عهد إنكلترا وهو صديق الملك سلمان بن عبد العزيز، ورئيس وزراء بريطانيا <دايفيد كاميرون>، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ثم حضر يوم الثلاثاء الرئيس الأميركي <باراك أوباما>.

ومــــن لبـــنان كان هنــــاك وفـــــد رسمي برئاســــة الرئيس نبيه بــــري والــــرئيس تمـــــام ســــلام ووفد يمثل قــــوى 14 آذار ويضم الرئيس سعد الحريري، الرئيس أمين الجميــــل الدكتــــور ســــمير جعجع وعقيلتـــــه نائبة بشري ستريدا،والرئيس ميشال سليمان.

رحل كبير... وجاء كبير... رحل الملك عبد الله حكيم العرب، وجاء الملك سلمان فارس العرب تظلله الآية الكريمة <إن ينصركم الله فلا غالب لكم>.