تفاصيل الخبر

حزمة عقوبات على حزب الله.. مرحلة جديدة من الإستهداف

19/12/2019
حزمة عقوبات على حزب الله.. مرحلة جديدة من الإستهداف

حزمة عقوبات على حزب الله.. مرحلة جديدة من الإستهداف

بقلم علي الحسيني

مرّة جديدة، وربما هي العاشرة أو أكثر تفرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على حزب الله ومقربين منه أو حتى حلفاء، وذلك في إطار ما تدعيه تورّطاً في أعمال إرهابيه. وهذه المرّة جاءت لائحة العقوبات متنوّعة نظراً لضمها أسماء متنوعة طائفياً وشركات تعمل في لبنان والخارج. وفي توصيف العقوبات يبدو أن الولايات المتحدة مُصمّمة على ملاحقة <الحزب> وضرب مقوماته المالية وتجفيف منابع التمويل داخله، أما في المضمون، فمن المؤكد أنها رسالة لأي حكومة مُقبلة بعدم ضم أي شخصية من حزب الله أو أقله عدم منحها حقائب وازنة وفاعلة، وهو الامر الذي كانت سعت إلى تحقيقه عند تأليف الحكومة المستقيلة، وذلك من خلال منعها استلام <الحزب> وزارة الصحة والذي أخفقت في تحقيقه.

دفعة جديدة من العقوبات.. والتأثيرات الجانبية!

فرضت وزارة الخزانة الاميركية يوم الجمعة الفائت، عقوبات شملت أكثر من رجل أعمال وشركة لبنانية على صلة بحزب الله. كما شملت العقوبات تجميد حسابات لبنانيين قالت إنهم مرتبطون بحزب الله، وهم: رجل الأعمال اللبناني المقيم في جمهورية الكونغو الديموقراطية صالح علي عاصي مواليد الباشورة، 1960، ناظم سعيد أحمد مواليد 1965 ووصفته بأنه أكبر ممولي حزب الله، طوني بطرس صعب، تنورين التحتا، 1977 ومؤسسة اليمن العقارية ومؤسسة عرمون العقارية وغيرها الكثير من المؤسسات. وأشارت الخزانة الى أن عاصي وسعيد أحمد متهمان بغسل الأموال وتمويل مخططات إرهابية، وأن ناظم سعيد أحمد قدم أموالاً لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله شخصياً. ويبقى السؤال الأبرز حول ما إذا كان هذا القرار سيؤثر في مكان ما على لبنان كدولة، خصوصاً وأن حزب الله يمثل نسيجاً مهماً بها بالإضافة إلى انه شريك بارز في مؤسساتها الرسمية والحكومية، لاسيما مجلسي النواب والوزراء.

مصادر دبلوماسية تؤكد بأن القرار أميركي صادر عن دولة تلتزم التصنيف الذي أطلقته، وليس قراراً دولياً وإن كان معها تعاطف دولي غربي وعربي أو محلي، الأمر الذي يعني أن القرار يطبّق على أشخاص محددين وشركات محددة ومعه ينتفي وجود اي مشكلة في التنسيق مع حكومة لبنان، إن لم يتم التعامل مع هذه الأسماء والشركات المذكورة. واللافت أن القرار شكّل بحصره تصنيف الارهاب بشخصيات ومؤسسات معينة مخرجاً للدول لتبقي على تعاونها مع الحكومة اللبنانية المقبلة، وإن يكن حزب الله أحد مكوناتها وليس فعلاً مناقضاً للقرار في حال لم يوزّر الحزب أو يتعامل بالعلن مع من وصفتهم بـ<الإرهابيين>. وتؤكد المصادر أن التصنيف <القديم - الجديد> لحزب الله، لن يؤثر على وجوده في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بدليل أن الوفود العربية وجامعة الدول العربية سبق لها أن صنفته إرهابياً، ولم تميّز بين جناحيه السياسي والعسكري، كما أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة اعتبرت في بياناتها الوزارية الحزب ممثلاً لفئة واسعة من اللبنانيين.

 

الاسم الغريب في لائحة العقوبات!

طوني صعب هو الاسم الذي أثار جدلاً واسعاً في لبنان كونه لا ينتمي إلى الطائفة الشيعية التي يتكوّن منها حزب الله ويحظى على تأييد واسع فيها. وهذا الأمر كان المح إليه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى <ديفيد شينكر> بقوله إن <كل من يتورط في تمويل منظمة حزب الله الإرهابية معرّض للعقوبات، وإن هناك أشخاصاً من كافة المذاهب والأديان متورطون بتمويل حزب الله>. وبحسب معلومات صحافية متداولة، فإن طوني صعب هو رئيس قسم المحاسبة في شركة <إنتر أليمنت> التابعة لصالح عاصي. ولدى هذه الشركة تعاملات عديدة في إفريقيا، وهو في العقد الرابع ينتمي إلى عائلة مسيحية مارونية من بلدة تنورين

التحتا ومتزوّج من رنا انطوان كرم ولديهما ثلاثة أولاد ويسكن في منطقة كفرحباب في جبل لبنان.

ووفق المعلومات فإن صعب موجود في لبنان منذ مدة، بعدما تم إبلاغه بالاستغناء عن خدماته في شركة <انتر اليمنت> المُدرجة على لائحة الإرهاب. وأشارت المعلومات إلى أن طوني بطرس صعب مقرّب جداً من رئيس <التيار الوطني الحر> الوزير جبران باسيل الحليف الأساسي لحزب الله، وهو ما وضعته المصادر في خانة الرسالة الموجّهة إلى باسيل بأنه قد يكون في دائرة العقوبات في المرحلة المقبلة بسبب دعمه لحزب الله. ولفتت وزارة الخزانة الأميركية في بيانٍ، إلى أن عاصي، قام بمساعدة أو رعاية أو توفير الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لأدهم حسين طباجة، وهو شخص قد تم حظر ممتلكاته ومصالحه بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدلة.

وفي أوّل تعليق على قرار وزارة الخزانة الأميركية، قال عاصي في حديث صحافي: إن هذا تجنّ عليَّ. لا علاقة لي بحزب الله. أعرف أدهم طباجة وناظم أحمد، لكن لا وجود لأي علاقة مالية أو عملية معهما. وأضاف عاصي: كل عملي شرعي. لا أتعامل بالكاش أصلاً، وكل دولار أُحركه عبر المصارف حصراً، مؤكداً أن وضع عقوبات عليه من قبل الخزانة الأميركية يأتي في سياق حملة يحركها لبنانيون ضدي.

رد حزب الله!

اليوم يدرس حزب الله كيفية الردّ على هذا النوع من العقوبات. وهو بلا شك طلب من الدولة اللبنانية إيجاد آلية للتصرف، والتواصل مع الأميركيين لحثهم على وقف هذا المسار، لأن استمراره سيؤدي إلى نفاذ صبر الحزب، وقد يقوم برد فعل محدد، إما في لبنان أو في الخارج. بل وهناك أيضاً هامش لمقربين من الحزب ومن خارج جسمه التنظيمي يتوقون إلى الرد على العقوبات بطريقة ما. وقد يبدأ الرد بواسطة تحركات وأعمال تجاه مصالح أميركية أو غربية في لبنان والخارج. وما هو مؤكد بحسب مصادر سياسية أن الرد على هذه العقوبات أصبح على جدول أعمال الحزب.

وفي الإطار نفسه، يُشير مصدر مقرب من <الحزب> إلى أن المعطيات المتوافرة تؤكد بأن العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضت على حزب الله تحمل بعداً سياسياً أكثر من أي شيء آخر، خصوصاً أنّها المرة الأولى التي تدرج فيها الإدارة الأميركية شخصيات لا تنتمي إلى بيئة المقاومة وتحديداً بيئة حزب الله على قائمة عقوباتها. والأبرز أن توقيت صدور هذه العقوبات يعزّز فرضية <الأجندة السياسية> من خلفها، خصوصاً أنّها جاءت تزامناً مع المواجهة الأميركية ــ الإيرانية الآخذة في التصاعد في هذه المرحلة، والتي لم يعد خافياً على أحد أنّ الولايات المتحدة تستخدم فيها العقوبات باعتبارها سلاحاً فعّالاً في الحرب الباردة. وبالتالي فإنه كان متوقعاً أنّ تتوسع العقوبات على حزب الله تلقائياً، انسجاماً مع الحملة الحالية، خصوصاً أنّ واشنطن تعتبر أن <الحزب> يشكّل الذراع العسكريّ لإيران، وأحد أقوى أسلحتها في المنطقة، علماً أن الأخير لا يخفي أصلاً متانة علاقاته مع القيادة الإيرانية.

ويتابع المصدر: ويأتي توقيت العقوبات على خلفية رفض لبنان لما اصطلح على تسميته بـ<صفقة القرن>، بل وتصدّيه لأيّ مخطط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين أو السوريين على أرضه. من هنا تُعتبر العقوبات الأميركية الجديدة على حزب الله، بمنزلة رد على هذا الموقف اللبنانيّ، خصوصاً أن واشنطن تقرأ بصمات واضحة للحزب في موقف لبنان، نظراً لتوسّع نفوذه داخل الحكومة اللبنانية، بما لا ينسجم مع تطلعاتها بصورة عامة. ويستبعد المصدر وجود أي إنعكاسات مباشرة على حزب الله جرّاء العقوبات الأخيرة خصوصاً أنه بات معروفاً أن الحزب يتّخذ احتياطاته في هذا الشأن، ولا حسابات مصرفيّة لقياديّيه في الخارج، وتحديداً في الولايات المتحدة. لذلك يُمكن وصف العقوبات على انها قرار بدون مفاعيل قانونية جدية على أرض الواقع.

ويرى المصدر أن واشنطن تعرف أن رهانها على قوى لبنانية في مواجهة الحزب سيبوء بالفشل. وتعلم أن حزب الله غير قابل للعزل أو التطويق، وهو يمتلك أوراقاً متراكمة من القوة، فلم يعد أي طرف سياسي في لبنان يتبوأ أي موقع في الدولة من دون موافقة الحزب. ولا يمكن للدولة اللبنانية اتخاذ أي قرار لا يتوافق مع مصلحة الحزب وتوجهاته. وبالتالي، فإن كل هذه العقوبات والضغوط تهدف إلى ترتيب <شراكة> أميركية مع حزب الله، لا إلغاء الحزب. وهذا يمكن استلهامه مما ركّز عليه

<شنكر> في مباحثاته.

وفي السياق يرى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أن الإدارة الأميركية تستخدم كل أشكال الضغط المالي والاقتصادي والعقوبات على لبنان لتأليب اللبنانيين ضد بعضهم البعض، والإستثمار في السياسة لإضعاف المقاومة سياسياً وشعبياً وعزلها داخلياً وإقليمياً، لكن عليهم ان يعرفوا انهم لن يأخذوا بالإقتصاد ما لم يأخذوه بالحرب، واذا كان هناك من اللبنانيين من ارتضى ان يكون أداة بيد الأميركي للتحريض على المقاومة والتطبيع مع إسرائيل فإن معظم الشعب اللبناني هو ضد التطبيع وضد سياسات الولايات المتحدة في لبنان، ويدرك تماماً ان أميركا لا تعمل لمصلحة الشعب اللبناني وإنما تعمل لمصلحة إسرائيل ولتحقيق مصالحها في لبنان والمنطقة.

ماذا يقول خصوم حزب الله؟

 

في المقابل تعتبر مصادر مقربة من خط <14 أذار> أن أميركا ومن خلال العقوبات المتلاحقة بحق حزب الله وحلفائه، إنما تصرّ على الفصل بين لبنان كدولة وحزب الله. والقاعدة التي يعمل الأميركيون على تكريسها، هي عدم السماح للحزب بالاستفراد بالدولة، أو بالسيطرة عليها منفرداً. ولذلك لا تهدأ التحذيرات الأميركية للسياسيين اللبنانيين بوجوب التصدي لحزب الله وكبحه، رغم علم واشنطن أن مواجهة الحزب لبنانياً لن تكون متكافئة. ولا بد من الإشارة أيضاً، أن هذه العقوبات تأتي بالتزامن مع قرب قدوم مساعد وزير الخارجية الأميركي السفير السابق في لبنان <ديفيد هيل> إلى بيروت إلى جانب زيارته إلى بغداد الأسبوع المقبل. ومن المتوقع أن يحمل معه رسالة جلية وقوية للمسؤولين اللبنانيين، وهي أن الإدارة الأميركية لن تقدم دعماً مالياً لإنقاذ لبنان من انهيار اقتصادي وشيك إلا بعد تشكيل حكومة تستجيب لمطالب الشعب اللبناني الذي خرج للشوارع مطالباً بمحاربـة الفساد وبتشكيل حكومة تكنوقراط، ومطالباً بتشكيل حكومة لا يكون فيها <سطوة> لحزب الله.