بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_85920" align="alignleft" width="386"] جبران باسيل ووزير الخارجية الأميركي السابق "مايك بومبيو".. فتش عن العقوبات الأميركية.[/caption]أبرز الخلافات السياسيّة الحاصلة اليوم، هي تلك القائمة بين حزب الله من جهة و"التيّار الوطني الحر" إذ لم يعد يُعرف أين تبدأ الخلافات هذه وأين تنتهي، أو حتى الحدود التي يجب أن تتوقف عندها خصوصاً بعدما كانت لامست في الفترة الأخيرة حد التهديد بفك التحالفات بين الطرفين بعد أن سبق ووصلت في مرحلة سابقة إلى حد المسّ بسلاح "المقاومة" الذي يضعه حزب الله في أعلى مراتب "القداسة".
"مار مخايل".. نقطة التباعد
بعد مرور خمسة عشر عاماً على ولادة اتفاق "مار مخايل" عام 2006 ، أيقن الطرفان حزب الله و"التيّار الوطني الحر" أن الإتفاق هذا بات بحاجة إلى عملية تطوير، أو إعادة بناء تتماشى مع طبيعة الظروف الحالية. لكن المُلفت بهذا الاعتراف، أنه جاء على طريقة "نَشر الغسيل"، وكأن كل فريق أراد أن يغسل يده من "تسوية" قامت منذ البداية على سياسة المصالح المتبادَلة، إلى أن وصلت اليوم إلى نقطة أصبحت الخسائر فيها تفوق ما حقّقته من أرباح طوال السنوات الماضية.
في السادس من شباط (فبراير) العام 2006، وُضعت العلاقة بين حزب الله و"التيّار الوطني الحر" على سكّة جديدة بنتها مصالح متبادَلة لم تحترم صدقيّة وقداسة المكان التي وُقّعَت فيه "الوثيقة"، وهذا ما تؤكده حقيقة الخلافات القائمة اليوم بين الطرفين، وتحديداً من بوابة الحكومة، حيث تتعارض مواقفهما ومطالبهما مع التعهّدات التي انطلقا منها في ذاك التاريخ، حيث الولاء اليوم للمصالح السياسية ـ الشخصية والحزبية فقط.
[caption id="attachment_85921" align="alignleft" width="422"] التحالف الراسخ سابقاً بين الحزب والتيار.. هل ولى الزمن الجميل؟[/caption]والمُلاحظ، أنه قبل العقوبات الأميركية على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بفترة زمنية غير طويلة نوعاً ما، لم تكن الإشكالية بينه وبين حزب الله، كما أصبحت عليه خلال فترة التلميحات حول ضمّه إلى لائحة وزارة الخزانة الأميركية، والتي تخلّلها "إطلاق نار" مُباشر على سلاح "المقاومة"، خصوصاً بعدما شعر "التيّار" بأن سبب استهدافه هو علاقته مع "الحزب" الذي لم يقف، بحسب أوساط مطّلعة، عند خاطر باسيل وتعويضه لا بموقف حكومي ولا بدعم يُرضي طموحه السياسي.
"الوطني الحر": العلاقة ظلمتنا
مصادر بارزة في "التيار الوطني الحر"، تعتبر أن "البُرتقالي" ظُلم من خلال علاقته مع حزب الله، على الرغم من تأكيدها أن العلاقة هذه ثبّتت في مرحلة محدّدة الاستقرارين السياسي والأمني في لبنان، لكنها في مراحل عدة كانت على حساب الدولة ومؤسّساتها بحيث لم يستطع "الحزب" مُجاراتنا في بناء الدولة ومُحاربة الفساد لأسباب تتعلّق ببنية الطائفة الشيعية، ونظراً لعدم وجود رغبة لديه للوقوف بوجه حليفه الشيعي حركة "أمل"، وأيضاً ينسحب الأمر على المعابر غير الشرعية التي يعتبر "الحزب" أن جزءاً منها يتعلّق بمدّ المقاومة بالسلاح.
وتضيف المصادر: صحيح أنه من المُبكر لأوانه الحديث عن سقوط الحلف بين "الحزب" و"التيار"، أو أن يُقال بأن تصحيح الخلل أصبح من عاشر المُستحيلات، لكن من جهة أخرى، لا يُمكن العبور فوق الندوب التي خلّفتها هذه العلاقة على "الوطني الحر" سواء بالنسبة إلى علاقات لبنان الخارجية، او داخل بيئة "التيار" وأيضاً داخل المجتمع المسيحي. والأبرز أنه لم يعد بمقدور "التيار" تسليف حزب الله مواقف لم تعد عليه سوى بالضرر مثل غض النظر عن موضوع المعابر غير الشرعية أو ملف السلاح في الداخل، أو حتى طبيعة العمل في مؤسسات الدولة.
حلفاء حزب الله: المشكلة عند التيار
[caption id="attachment_85922" align="alignleft" width="425"] الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله.. من زمن "مار مخايل".[/caption]من وجهة نظر أخرى، ترى مصادر مقربة من "حزب الله"، أن وصول "التيّار الوطني الحر" بعد خمسة عشر عاماً إلى قناعة بأن التفاهم مع "الحزب" لم ينجح في "مشروع بناء الدولة"، فهذا يدل على أن ثمّة مشكلة لدى "التيّار" خصوصاً وأن "حزب الله" سلّف "العهد" وباسيل الكثير من المواقف وكان رأس حربة في وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وتابعت المصادر نفسها أن السؤال الذي يجب طرحه على باسيل في هذا الوقت، ما الذي تغيّر اليوم عن الأعوام الماضية لكي يُصار إلى استهداف هذه العلاقة ومحاولة غسل اليدين منها، فهل هي الوعود الأميركية، أم أن هناك لعبة ضغط سياسية يُمارسها باسيل ضد "الحزب" لسحب موافقة منه بالوقوف إلى جانبه في معركته الرئاسية التي يُحضّر لها على أكثر من جبهة؟.
وتؤكد المصادر أن باسيل وعلى مدى أعوام تلت، حاول امتحان "الحزب" أكثر من مرة وجرّه إلى معارك "بطولية" بهدف الحصول منه على "صكّ براءة" يُتيح له الاستفراد بمعركة رئاسة الجمهورية ضمن مجموعة التحالف التي يرأسها "حزب الله"، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، ولذلك يُصرّ على استكمال هذه المسرحيات "الدونكيشوتية" على الصهوات الإعلامية، مرة من البوابات الإنمائية والشعبية، ومرّات من النوافذ السياسية.
ماذا عن الحياد؟
كل المؤشرات والمعطيات تدل اليوم على أن العلاقة بين "الأصفر" و"البرتقالي" تمر في أسوأ مراحلها حيث يغيب التفاهم والتناغم السياسي الذي كان سائداً خلال مراحل سابقة يُمكن وصفها بالنسبة الى الطرفين بـ"الزمن الجميل". والأبرز أن كلاهما يعتبر بأن دوافع الخصومة مع الآخر، هي من باب الدفاع عن الحق والحقوق أولاً، وعن المصالح الإستراتيجية ثانياً. وفي السياق، ترى مصادر مُحايدة أن الخلافات التي ظهرت في الفترة الأخيرة بين الطرفين لم تكن مُستجدة، فقد سبقها منذ أعوام مجموعة نزاعات تتعلّق بمراكز داخل مؤسسات الدولة، حتى إن بعضها أمنّي مثل الخلاف القديم حول منصب المدير العام لأمن الدولة بالإضافة إلى الخلاف الذي نشب منذ فترة وجيزة بين النائب حسن فضل الله ووزيرة العدل ماري كلود نجم على خلفيّة عدد من الملفات المتعلقة بالفساد.
وبالنسبة إلى سياسي بارز، فهو يُشبّه اتفاق "مار مخايل" بـ"زواج المتعة" الذي ينتهي عندما تنتهي المُهلة المُحدّدة بين الطرفين، علماً أن الجهتين استفادتا من هذا "الزواج"، إذ أصبح لعون يومها حليف شيعي تماشى معه في "شَيطَنة" الطائفة السنيّة وأوصله إلى رئاسة الجمهورية، ومن جهة حزب الله فقد تمكّن من ضرب الصفّ المسيحي وضرب حالة "14 أذار"، بالإضافة إلى حصوله على جواز عابر للطوائف تمكّن من استخدامه في الخارج والداخل. في المحصلة، فمن خلال جردة حسابية سريعة، يتبيّن أن العلاقة بين "الأصفر" و"البرتقالي" قد وصلت اليوم إلى طريق مسدود، أو ربما وُضعت في الثلاّجة مؤقتاً بانتظار الوقت الملائم لإعلان موتها. لكن، بما أن الاتفاق حمل اسم "مار مخايل" نظراً للمكان الذي وُقّع فيه، وبما أن أحد أطرافه هو حزب ديني وعقائدي، فإن الشرع الإسلامي والمسيحي يؤكد أن "إكرام الميّت دفنه".