بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_86131" align="alignleft" width="516"] السراي الحكومي بانتظار الرئيس الجديد.[/caption]حتّى الساعة، لا يزال بعض أصحاب العقول الثابتة في لبنان مُمسكاً إلى حد كبير بجزء أساسي من اللعبة السياسية الحاصلة على الساحة الداخلية، ويشكّلون عامل تهدئة بين الداخل والخارج، وتحديداً مع الطرف الأوروبي. لكن، وعلى الرغم من هذا الدور المستمر، ولو من خلف الستارة في العديد من الأحيان، إلا أن الخوف يبقى حاضراً من العودة إلى زمن الانقسامات السياسية العلنية، والتي مثّل الشارع في أبرز محطّاتها، والمكان الأوحد للمنازلة في بُعديها السياسي والأمني.
المشهد العام.. حذر وخوف
المرحلة اليوم، تُشبه إلى حدّ كبير تلك الحقبة المُمتدّة بين عامي 2005 التي افتُتحت باستشهاد الرئيس رفيق الحريري و2013 حيث الفترة التي اغتيل فيها الوزير محمد شطح، فما يجمع بين الأمس واليوم، دخول عامل الاغتيالات والتصفيات الجسدية على خط المناوشات والإتهامات السياسية المتبادَلة ورفع سقف التخاطب بين الجناحين المُمسكَين بمفاصل الدولة، سواء من الداخل من وراء حلف بدأ يميل نحو الإهتزاز، أو من الخارج عبر مجموعات مُنقسِمة على حالها، لم تجد حتى اليوم أرضية صلبة تقف عليها لتُعيد معها أمجادها الشعبية السابقة.
من نافل القول، إن اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم، غيّر بعض المشاهد على المسرح اللبناني، حيث أعاد في بعض الأمكنة الزخم لجزء، ولو صغير، من خصوم "حزب الله" السياسيين والرافضين لسلاحه، لاستعادة دور كانوا فقدوه في مراحل سابقة لأسباب كثيرة، منها الخوف والقمع، أو حتى غياب الدعم المعنوي الداخل والخارجي على غرار المرحلة المذكورة أعلاه، خصوصاً بعد انكفاء الأحزاب الرئيسية في مشروع المواجهة، عن الدور الذي كانت تؤدّيه، وتحديداً في الشارع.
واللافت في المرحلة الحالية التي تمر فيها البلاد، وجود رؤية موحّدة تجمع بين "حزب الله" وأخصامه، وهي أن المرحلة تُشبه بشكل كبير الفترة الصعبة التي رافقت لبنان منذ العام 2005، لكن هذه الرؤية لها تفسير مُختلف ووجهة نظر مُختلفة لدى كل فريق، إن من ناحية المقارنة أو لناحية القراءة، كما أن كل فريق يرى في تلك الحقبة، بداية مشروع للفريق الآخر للاستيلاء على البلد وعزل الآخرين، وبالتالي تحويل لبنان دولةً مُلحقة بالخارج.
خصوم "حزب الله": عودة التصفيات
[caption id="attachment_86133" align="alignleft" width="375"] فريق 14 اذار (سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع).. هاجس الاغتيالات الدائم.[/caption]خصوم "الحزب" يقرأون المرحلة الحالية، وتحديداً من نقطة اغتيال سليم، بأنها بداية جديدة لكمّ الأفواه الحرّة وإسكات أصحابها من خلال التصفيات الجسدية، وأيضاً ضربة استباقية لضرب أي محاولة تحرّك تهدف إلى انتشال البلد من الواقع المأزوم الذي يغرق فيه بسبب هيمنة السلاح ودوره في التسلّط السياسي الذي يُمارَس. كذلك يرى الخصوم أنفسهم، أن المشروع الإيراني بدأ ينفلش بشكل أكبر وأوسع، وبات من الضروري إزاحة كل معارض لهذا المشروع عن الطريق، وسليم كان أبرز المعارضين له في العلن.
بحسب خصوم "الحزب"، فإن الأخير يُجيد ممارسة "التقيّة" في ممارسته للسياسة، فهو يُمكن أن يقف معك في الخندق نفسه لرفع شعار الحق، وفي الوقت نفسه يُمكن أن يكون هو الجهة التي تعمل بخلاف هذا الحق. وقد لمسنا هذا الأمر من خلال حالة التعبئة التي سبق أن قام بها على الإعلام في ملف محاربة الفساد، بينما لا نزال نلمس أفعاله في عمليات التهريب وحماية المعابر غير الشرعية وتوظيف سلاحه خدمة للمشروع الإيراني ومشاركته في حرب اليمن ووقوفه إلى جانب النظام السوري في قتل شعبه.
"حزب الله": هناك مؤشر خطير
أما من جهة "الحزب"، فهو يعتبر، وبحسب حلفائه، أن المرحلة الحالية تُشبه مرحلة العام 2005 من حيث استهداف "المقاومة" بالمباشر، تمهيداً لاعتداء يُشبه عدوان تموز (يوليو) 2006. فكما بدأت الحملة في تلك المرحلة بتحميل "حزب الله" مسؤولية دماء الرئيس الشهيد الحريري وباقي الشخصيات التي سقطت بفعل الاغتيالات، كذلك يعمل هذا البعض نفسه على تحميله اليوم مسؤولية اغتيال سليم، وهذا بحدّ ذاته مؤشّر خطير للعبة خارجية قد ينتج عنها اعتداء إسرائيلي شبيه بالعام 2006.
وكان "حزب الله" قد أدان عملية اغتيال سليم، وطالب في بيان الأجهزة القضائية والأمنية المختصة، بكشف مرتكبي الجريمة ومعاقبتهم، ومكافحة الجرائم المتنقلة في أكثر من منطقة بلبنان، وما يرافقها من
[caption id="attachment_86130" align="alignleft" width="436"] السيد حسن نصرالله.. مرحلة استهداف المقاومة من جديد.[/caption]استغلال سياسي وإعلامي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي.
وفي ملف التأليف الحكومي واتهام "حزب الله" بعرقلة المهمة من خلال تنسيق من وراء الستار بينه وبين "التيار الوطني الحر"، يرى حلفاء "الحزب" أن الأخير قام منذ فترة قصيرة بمحاولة لتبديد أزمة الثقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري من خلال العمل على لقاء مُشترك بين الطرفين، علّه ينتج عنه أفكاراً أو رؤية موحّدة يتم من خلالها الانطلاق نحو تأليف الحكومة، إنما حتى فكرة اللقاء أُسقطت، ما يدعو فعلاً إلى الاستنتاج أن الناس ومآسيهم ومشاكلهم الإجتماعية والمعيشية والصحية والأمنية في واد والمسؤولين في واد آخر.
ويعود حلفاء "حزب الله" بالذاكرة إلى بداية طرح المبادرة الفرنسية ليؤكدوا أن هناك ثلاث جهات كانت أوّل من اطلق النار على هذه المبادرة بعد أيّام قليلة على طرحها: أولاً الأميركي عندما راح يُمارس سياسة العقوبات والقول جهاراً أنه لا يُريد "حزب الله" بأي حكومة. ثانياً: عندما وافق الفرنسي على منح "الثنائي الشيعي" وزارة المالية، ووافق على انخراط الطائفة الشيعية في الحكومة، وإذ بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يخرج بكلام يتهم فيه "الحزب" بالإرهاب، ووجه يومها رسالة تحذيرية ضمنية للرئيس المكلف آنذاك مصطفى أديب من ضمّ "الحزب" إلى حكومته.
ويُضيف هؤلاء: أمّا الجهة الثالثة، فهي نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين وضعوا كميّات من الشروط والعراقيل
[caption id="attachment_86132" align="alignleft" width="436"] ثوار 17 تشرين الأول.. الجوع وحّدهم.[/caption]والاقتراحات، وذلك في محاولة منهم للتغلّب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
الشعب فرق عملة
في المحصلة، تتعدد الأزمات في لبنان ويظل الخلاف بين "حزب الله" من جهة و"14 أذار" من جهة أخرى مستمر حتى يومنا هذا في ظل غياب المساحات المُشتركة التي يُمكن أن تُقرّب بينهما المسافات التي يأمل كل لبناني حصولها لما لها من منفعة على الجميع من دون إستثناء.
أمّا النتيجة اليوم، فهي واحدة: الشعب اللبناني ليس بخير. فمن رحم الوجع والألم، ومن القهر الذي أصبح من يوميّات اللبنانيين، تستمد السلطة السياسية طاقتها للاستمرار في التعطيل وزيادة نسب الأزمات في بلد بات مفتوحاً على جميع الاحتمالات، الأمنيّة منها والاجتماعية بأنواعها كافة. والأنكى من هذا كلّه، أن المبادرات جميعها، تحوّلت بدورها إلى أداة بيد أصحاب الرأي والنفوذ السياسي، فيستمدون من خلالها مُهلاً إضافية لتضييع الوقت، بانتظار الحلول التي يرتجونها أو الاستحقاقات التي يُعوّلون عليها للاستمرار في نهجهم الحالي.