بقلم حسين حمية
الأزمة الحكومية وصلت الى المأزق ورئيس الحكومة تمام سلام لوّح بالاعتكاف أو الاستقالة بعدما بلغ سيل الخلاف الزبى حول آلية عمل الحكومة وملف النفايات في الأسبوع الجاري الذي كاد يطيح بحكومة <المصلحة الوطنية> كآخر معقل دستوري بعد تعطيل رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي وسط دعوات داخلية وخارجية له بالتريّث وتدوير الزوايا وعدم التفريط بالحكومة تجنباً للفراغ الشامل.
<الأفكار> التقت وزير العمل سجعان قزي داخل مكتبه الوزاري في وسط بيروت وحاورته في هذا الملف ووقفت على موقف حزب الكتائب من الملفات المطروحة بكل أشكالها.
سألناه بداية:
ــ نبدأ من الأزمة الوزارية التي حكمت بتأجيل جلسة الثلاثاء الى الخميس (أمس) لمزيد من التشاورات وكنتم كحزب ضد التأجيل. فهل حصل التوافق في هذا الوقت المستقطع أم ان الأمر أبعد من ذلك ويتعلق بأزمة نظام كامل؟
- نحن كنا ضد تأجيل جلسات مجلس الوزراء انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على المواعيد الرسمية والاستحقاقات الدستورية. وأكثر من ذلك: إذا لم تكن هناك جلسات لمجلس الوزراء في زمن الأزمات يجب أن تعقد، فكيف الحال إذا كانت الجلسة مقررة؟! نحن في الحقيقة صدمنا لتأجيل الجلسة من يوم الثلاثاء الى يوم الخميس، لأن رئيس الحكومة تمام سلام قادر على إدارة الجلسة ولأن المشاركين على اختلاف نزاعاتهم وخلافاتهم ليسوا بوارد القيام بانقلاب أثناء انعقاد الجلسة. من هنا، نحن اعتبرنا ان التأجيل كان خطوة في غير محلها، وليس لأن هذا الفريق طلب التأجيل يجب أن نخضع له، فغداً قد نتقدم نحن أيضاً بطلب مماثل وسنقاطع الحكومة إذا لم يتم التجاوب معنا.
ــ يقال إن وزيري الحزب التقدمي أكرم شهيب ووائل أبو فاعور طلبا التأجيل تفادياً لأي موقف تصعيدي قد يؤدي بالرئيس سلام الى الاعتكاف أو حتى الاستقالة. فهل هذا وارد؟
- أكرر القول اننا كنا ضد تأجيل الجلسة لأن البلد في حالة أزمة والنفايات تغطي كل العاصمة والمدن والبلدات والمناطق، وبالتالي ان لم يكن هناك اجتماع مقرر لكان وجب تقريره، فكيف الحال والاجتماع مقرر؟! أضف الى ذلك انه لا يجوز لرئيس الحكومة أن يؤجل اجتماعاً لأسباب غير منطقية أو غير مبررة. وقد يطلب غداً فريق آخر تأجيل جلسة أخرى، وبالتالي لا يجوز أن ندخل في هذا المنطق التأجيلي.
آلية العمل وجدول الأعمال
ــ كيف تقاربون آلية عمل المجلس، وهل تكون بالعودة الى الدستور أم ان التوافق لا بد منه في غياب الرئيس كما يطرح البعض؟
- لا يجوز العودة الى موضوع الآلية لأن الآلية سبق أن تقررت، وهي كما نفهمها في الكتائب تقوم أولاً على عدم تعطيل عمل الحكومة بأي شكل من الأشكال وأي بند لا يتفق عليه يوضع جانباً ونستكمل المناقشة في سائر البنود، وثانياً نحن لا نقبل الدخول في منطق نصاب الثلث والثلثين، فهناك مكونات داخل الحكومة يجب ان تحترم، وهذه المكونات هي التي تشكل مجلس الوزراء. وبالتالي حين يطرح موضوع ويعارضه مكوّن من مكونات الحكومة لأسباب وجيهة مع تقديم الأسباب الموجبة والحجج والدلائل، لا يجوز أن نسقط هذه المعارضة من الاعتبار، أما إذا كان هناك مكون أو أكثر من مكوّن يرفض مناقشة جدول الأعمال أو بند محدد، فلا نستطيع أن نقف عند رأيه لأن الآلية تبدأ حين تبدأ المناقشة وليس قبلها أي بمعنى آخر رفض مناقشة بند هو تعطيل لعمل مجلس الوزراء، لكن إذا نوقش البند وكانت هناك معارضة من مكون أساسي فيجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار.
ــ وبالنسبة للإطلاع على جدول الأعمال في ظل غياب الرئيس؟
- جدول الأعمال هو مشكل مصطنع، بمعنى أن جدول الأعمال يضعه رئيس الحكومة ويطلع عليه رئيس الجمهورية، وإطلاع الرئيس عليه يعني أن يكون للرئيس رأي في هذا الجدول فيضيف ما يريد ويحذف ما يتمنى. وفي غياب الرئيس احترم الرئيس سلام هذه الآلية وهذا المسار، بدليل أنه يرسل مسودة جدول الأعمال الى كل الوزراء قبل 90 ساعة من موعد أي جلسة حكومية، وعلى الوزراء بالتالي إذا اعترضوا على بند أن يبلغوا الأمانة العامة لمجلس الوزراء به وإذا أرادوا إضافة بند أن يبلغوها أيضاً بذلك. فالأمر محترم ولذلك قلت ان هناك غرابة في إثارة هذا الموضوع.
ــ يعني اتهام الرئيس سلام بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية لا أساس له؟
- يا ليت الرئيس سلام هو الذي تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، ويا ليت مجلس الوزراء مجتمعاً أو غير مجتمع تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، فالذين صادروا صلاحيات الرئيس هم الذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية ولا يؤمنون النصاب لجلسة انتخاب الرئيس، والشعب واعٍ ليعرف من هو الذي يعطل الرئاسة ويصادر صلاحياتها.
الملف الرئاسي
ــ على ذكر الرئاسة، البعض كان يربطها بالاتفاق النووي الإيراني وهذا الاتفاق وقع ومع ذلك لم يتحرك الملف الرئاسي. فهل هذا الاستحقاق هو شأن لبناني أولاً وأخيراً أم لا؟
- لا أعتقد ان انتخاب رئيس الجمهورية يرتبط بالاتفاق النووي الإيراني، لا بل ما برز منذ توقيع هذا الاتفاق بين ايران والدول الست الكبرى هو التصلب في المواقف وليست الليونة إن على الصعيد اللبناني أم على صعيد الصراع الخليجي - الإيراني، وبالتالي فانتظار انتخاب رئيس للجمهورية من مفاعل <اراك> أو محطة <بوشهر> أمر غريب وما على النواب إلا ان يتحملوا المسؤولية ويذهبوا الى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس وإلا فلا رئيس.
ــ يقال إن الكرة في الملعب المسيحي، فإذا اتفق الأقطاب الموارنة يمكن ان يمر انتخاب الرئيس، وإلا فالأمر سيطول. فماذا تقول هنا؟
- المسيحيون قدموا أكثر من مرشح وما على النواب إلا ان يختاروا أحدهم، والمسؤولية المسيحية تقتصر على تقديم مرشحين من أبناء الطائفة المارونية، لكن مسؤولية الانتخاب تقع على عاتق كل النواب، أما اليوم فالاطراف الأخرى تستغل طموحات بعض المرشحين المسيحيين لتعطيل الانتخابات الرئاسية. وأنا واثق بأن حزب الله إذا قال للعماد ميشال عون انه لا يؤيده للرئاسة، فالعماد عون ينسحب في أربع وعشرين ساعة لأنه رجل منطقي وسيعرف آنذاك ان لا حظوظ له.
ــ يقول العماد عون انه الأكثر تمثيلاً في الساحة المسيحية ومن حقه أن يكون رئيساً على غرار الساحتين السنية والشيعية اللتين تختاران الأكثر تمثيلاً وتفرضهما على الآخرين. بِمَ ترد هنا؟
- لا نستطيع أن نحكم على الصفة التمثيلية سنة 2015 انطلاقاً من انتخابات جرت سنة 2009، ففي خلال ست سنوات، يتغير هوى الشعب والاتجاهات والخيارات، وبالتالي ليس صحيحاً ان من كان قوياً بالأمس لا يزال قوياً اليوم، ومن كان ضعيفاً بالأمس لا يزال ضعيفاً اليوم. هذا أولاً، وثانياً، فالصفة التمثيلية لا تحددها فقط أعداد نواب الكتل النيابية، فهذا جزء من الصفة التمثيلية فقط. فالبطريرك الماروني عادة ليس عنده نواب ولا وزراء وهو يمثل الموارنة. وهناك شخصيات تمثل ضمير المسيحيين وليست في الساحة السياسية اليومية.. وثالثاً، نقول: من يمثل أكثر الذي لديه 27 نائباً، أم الذي لديه 10 آلاف شهيد في سبيل المسيحيين ولبنان؟
ــ صحيح، لكن العماد عون يحسم الجدل بدعوته الى استطلاع الشارع المسيحي حول المرشح الرئاسي. ألا يحرج الآخرين بذلك؟
- استطلاع الرأي ليس استحقاقاً دستورياً يمكن الاستناد إليه، والاسم يدل على عدم الصفة الديموقراطية له. ونحن على كل حال لسنا ضد الاستطلاع فيما تجري كل يوم استطلاعات رأي وغيرنا يفعل ذلك، لكن الاستطلاعات تعني من يجريها ولا تعني الآخرين وإلا فإذا كانت الاستطلاعات تغني عن الانتخابات، فعلى كل الأنظمة الديموقراطية ان تلغي العمليات الانتخابية لأنها تكلف الملايين من الدولارات وتستبدلها باستطلاعات رأي، علماً ان لعبة الاستطلاع خطيرة للغاية، إذ ان المواعيد الدستورية الانتخابية محددة في الدستور، في حين اننا نستطيع إجراء استطلاع كل يوم والشخص نفسه الذي يجيب اليوم بأنه يؤيد فلاناً فيمكن ان يبدل رأيه في اليوم التالي ويؤيد شخصاً آخر.
الحلول لأزمة النفايات
ــ استحضرت في أزمة النفايات اليوم انتفاضة الدواليب عام 1992 ضد حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، فهل كان قطع الطرق نوعاً من الضغط لاستقالة حكومة الرئيس تمام سلام؟
- المنطق ذاته الذي تحدثني به قاله البعض حين بدأ إشعال أول دولاب سنة 1992، وقيل: هل يعقل أن يكون هذا الدولاب مشروع إسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي؟ وكان ذلك... اليوم يمكن.. لا بل لدينا معلومات بأن هناك مشروعاً ليس لإسقاط الحكومة فقط بل لنقل البلد في حالة الشغور الرئاسي الى حالة الفراغ الحكومي، لا بل الفراغ على صعيد النظام ككل لإعادة النظر بكل الوضع اللبناني، ولذلك فنحن منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الرئيس سلام رغبته في تقديم الاستقالة قلنا له إن هذا أمر خطير ونحن لا نؤيده، وطالبناه بالصبر والصمود والاستمرار في الحكم.
ــ وكيف ترى الحلول المقترحة لأزمة النفايات في ظل الحديث عن صفقات وسمسرات حتى ان حزب الكتائب شن هجمة غير مسبوقة على شركة <سوكلين> بلسان رئيس الحزب النائب سامي الجميل؟
- بكل تواضع أقول ان كل ما اقترحته اللجنة الوزارية لمعالجة النفايات هو أنها أضافت الى خطة معالجة النفايات التي أقرها مجلس الوزراء في جلسة 12 كانون الثاني/ يناير من العام الجاري البنود التي كان حزب الكتائب قد طرحها على مجلس الوزراء آنذاك ورفض البعض الأخذ بها الى أن حصلت الأزمة وفاضت النفايات، فتبين ان ما كان حزب الكتائب قد طرحه هو الصحيح، بمعنى آخر على كل منطقة ان تتحمل معالجة نفاياتها، وأن توزع نفايات بيروت على كل المناطق بانتظار بناء محرقة للعاصمة، وفي المقابل ان تحدد الدولة بالذات مكان المطامر والمعالجة لا أن تترك الأمر للشركات، لأن مثل هذا الأمر سيدفع الشركات الى فم تنين الفساد في المناطق ولدى القوى السياسية.
وأضاف:
- وهنا اقول إن الفاسد الحقيقي هو الطبقة السياسية وحين تكون الطبقة السياسية فاسدة، فلماذا نلوم التجار؟
ــ بالأمس، طرح المتظاهرون من المجتمع المدني شعار: <بدنا حقنا... بدنا الفيدرالية>. فما هو الجامع بين الفيدرالية والنفايات؟
- هذا تصغير لمشروع الفيدرالية ومشروع اللامركزية الإدارية الموسعة. وطبعاً أزمة النفايات ما كانت لتحصل على صعيد كل لبنان لو كانت هناك فيدرالية أو لامركزية إدارية. وعلى كل حال، نحن لا نطرح موضوع اللامركزية والفيدرالية من زاوية النفايات إنما من زاوية التعددية الحضارية الموجودة في المجتمع اللبناني.