تفاصيل الخبر

”هيل“ في بيروت: لا نتدخل في تشكيل الحكومة  وننصح بإقرار الاصلاحات ومكافحة الفساد وتفهّم ”الحراك“!

27/12/2019
”هيل“ في بيروت: لا نتدخل في تشكيل الحكومة  وننصح بإقرار الاصلاحات ومكافحة الفساد وتفهّم ”الحراك“!

”هيل“ في بيروت: لا نتدخل في تشكيل الحكومة  وننصح بإقرار الاصلاحات ومكافحة الفساد وتفهّم ”الحراك“!

عندما أوردت وكالات الأنباء والمواقع الاخبارية نبأ عن زيارة متوقعة لوكيل وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير <ديفيد هيل> لبيروت، كثرت التعليقات والتحليلات الصحفية عن <رسائل قاسية> سوف ينقلها السفير <هيل> الخبير في الشؤون اللبنانية منذ عمل في السفارة الأميركية في بيروت - مرة كقائم بالأعمال ومرة ثانية كسفير لبلاده في وطن الأرز - وراحت <حدة الرسائل> تتزايد في مخيلة الاعلاميين والمحللين من خلال تزامن زيارة <هيل> مع الاستعدادات لتأليف حكومة جديدة بعد اجراء الاستشارات النيابية الملزمة، ثم مع تصاعد أعمال الشغب في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية، وروايات عن وجود قرار بقمع المتظاهرين في كل المناطق... وغيرها من الروايات التي انتشرت كالنار في الهشيم. وذهب البعض الى حد القول إن السفير <هيل> يحمل <انذارات> الى المسؤولين اللبنانيين مع مهل محددة لتشكيل الحكومة ونوعها وهوية رئيسها وصولاً الى أسماء الوزراء... وثمة من تبرع في الحديث عن <اجراءات> عملية يحملها السفير <هيل> معه ليبلغها الى المسؤولين والتي تطاول عدداً من السياسيين اللبنانيين انسجاماً مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على عدد من رجال الأعمال اللبنانيين الموجودين في الخارج...

وسط هذه الأجواء <الضاغطة> حطت طائرة السفير <هيل> في مطار رفيق الحريري الدولي بعدما سبقتها <ادانات> من مختلف الجهات لـ<التدخل الأميركي السافر> في الشؤون اللبنانية وغيرها من المواقف السلبية. من المطار انتقل <الضيف الأميركي الثقيل> الى قصر بعبدا حيث <تأهب> رئيس الجمهورية العماد ميشال عون محاطاً بكبار مستشاريه لاستقباله والرد على <تهديداته> على قاعدة <العين بالعين والسن بالسن>... إلا ان المفاجأة التي وقعت في قصر بعبدا وفي غيره من المقرات الرسمية ومكاتب السياسيين الذين زارهم على مدى ثلاثة أيام كانت واحدة: لم يحمل معه السفير <هيل> أي تهديدات ولا <التحذير> من عقوبات ولا <انذارات> مبكرة أو <فيتوات> على هذا الفريق أو ذاك...

هذا ما قاله <هيل>!

 

وبقي السؤال: ماذا جاء يفعل <ديفيد هيل> في بيروت؟

مصادر الذين التقاهم الديبلوماسي الأميركي في بيروت أجمعت على القول إن <هيل> أتى بتكليف من وزير الخارجية <مايك بومبيو> لإبلاغ مضيفيه اللبنانيين اهتمام رأس الديبلوماسية الأميركية وإدارة الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> بالوضع القلق في لبنان ورغبتهم في الاطلاع عن قرب على الأوضاع فيه، السياسية منها والأمنية، وحصيلة <الحراك الشعبي> الذي دخل شهره الثالث من دون توقف، وفي تقديم المساعدة إذا رغب الجانب اللبناني. قال <هيل> لمن استقبله من المسؤولين والسياسيين على حد سواء ان واشنطن تتابع عن كثب الأحداث في لبنان ولكن من دون أن تتدخل لأنها تعرف الحساسية الموجودة لدى اللبنانيين حيال أي تدخل خارجي في الشؤون اللبنانية الداخلية، لكن هذه المتابعة عن بعد لا تعني عدم اكتراث واشنطن لاستقرار لبنان وسلامته وازدهاره. وأضاف: <الرسالة التي احملها تقول بوضوح ان ليس من شأننا أن ندخل في تفاصيل من سيكون الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، أو ممن ستتألف هذه الحكومة... أنا أعرف الرئيس حسان دياب يوم كان وزيراً للتربية والتعليم العالي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وعملت معه يوم كنت سفيراً في لبنان وأتمنى له النجاح في مهمته. لكن ما يهمنا جداً أن تركز الحكومة العتيدة على هموم الناس ومشاكلهم الأساسية وخصوصاً تلبية دعواتهم الى تحقيق الاصلاحات الضرورية والتغييرات الكفيلة بإخراج البلاد من الوضع الحالي الذي تمر به لأنه وضع مأساوي ومؤسف، وتهتم خصوصاً بمكافحة الفساد لأنه حان الوقت لمواجهة هذه الآفة التي ضربت النظام اللبناني ودخلت حتى العظم في كل مفاصله وهدمت اسس الدولة ومؤسساتها على انواعها... <لا شأن لنا بالمحتجين والمتظاهرين لكننا نتعاطف معهم لأن مطالبهم تشبه مطالب كل الناس في أي دولة من دول العالم>.

 

<لن نتخلى عن لبنان>!

 

ويضيف المطلعون على ما قاله <هيل> ان الموفد الأميركي جدد التأكيد بأن بلاده لن تتخلى عن لبنان أبداً ولن تألو جهداً لمساعدته ودعمه، على أمل أن تكون الحكومة تجسد الرغبة في المضي قدماً في الاصلاحات المطلوبة، وتتطلع الى أن يكون هذا الالتزام لسان حال جميع السياسيين والقادة الروحيين الذين لم يعبّروا يوماً عن التزامهم الاصلاحات الكفيلة وحدها بمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وبالتالي التزامهم التغيير الذي يجب أن يحصل من دون أي تردد. وقال إن هذا ما تطلبه الولايات المتحدة من اللبنانيين في هذا الظرف الصعب وعندذاك ستكون واشنطن جاهزة للنظر في طلبات لبنان لدعمه وستكون الى جانب الأوروبيين في تقديم هذه المساعدات. وعندما قيل للسفير <هيل> ان رئيس الجمهورية باشر منذ أسابيع حملة لمكافحة الفساد وأحال أكثر من 18 ملف فساد وهدر ورشاوى الى القضاء وان التوقيفات بدأت والملاحقات القضائية تتوالى، اعتبر <هيل> ان هذه الاجراءات مشجعة وتدعو الى التفاؤل وتستقطب الدعم، وستبقى الولايات المتحدة شريكة للبنان خصوصاً إذا ما تحقق الاصلاح وكان فعل ممارسة دائمة للحكومة العتيدة لأننا نثق بقدرة لبنان على تجاوز الظروف الصعبة التي سبق أن واجه مثلها ونجح في تجاوزها، فصحيح ان الوضع الاقتصادي ضاغط ويترك تداعيات على الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد، إلا ان امكانية تجاوز كل هذه السلبيات ممكنة إذا ما كانت المعالجة صحيحة وفاعلة.

وينقل أحد الوزراء الذين التقوا <هيل> خلال وجوده في بيروت ان الموفد الأميركي بدا مصمماً على أن يفهم اللبنانيون دقة المرحلة ويتكاتفوا في سبيل الخروج منها، علماً ان <هيل> لم يقدم  تفاصيل لكيفية الخروج معتبراً ان ذلك من مسؤولية اللبنانيين الذين يعرفهم جيداً ويقول إنهم على مقدرة كافية لانقاذ بلدهم. ويضيف ان الموفد الأميركي لم يكن سلبياً كما في المرات السابقة ولم يحمل تهديدات أو عبارات قاسية، وكل همه كان أن يدرك اللبنانيون ان ساعة الاصلاح قد دقت وانه لا بد من تلقف الفرص المتاحة والاستفادة منها لاسيما وان الوقت يمر بسرعة ولا مجال لهدره والتصرف وكأن البلاد في ظروف طبيعية تسمح بمزيد من الترف في مقاربة الملفات المفتوحة والتي لا بد من اغلاقها.

استرداد الفاخوري!

 

وفي معلومات <الأفكار> ان شقاً آخر من مهمة <هيل> كان الاطلاع على مسار الموقوف عامر الفاخوي الذي يحمل الجنسية الأميركية والذي أوقف بعد دخوله الأراضي اللبنانية على خلفية تعامله خلال الاحتلال الاسرائيلي مع العدو من خلال مسؤوليته في معتقل الخيام. لفت <هيل> نظر المسؤولين اللبنانيين الى ان بلاده التي تطالب باسترداد الفاخوري تريد من الدولة اللبنانية أن تتجاوب مع المطلب الأميركي تفادياً لأي أزمة يمكن أن تقع بين البلدين إذا لم يتجاوب لبنان مع الرغبة الأميركية باستعادة <مواطنها> الذي يعاني من مرض السرطان ويحتاج الى علاج دائم لأن حياته مهددة، وهو حالياً يتلقى العلاج في مستشفى <أوتيل ديو> وهو موقوف والحراسة مفروضة عليه. وقد سمع <هيل> من المسؤولين اللبنانيين ان ملف الفاخوري موجود أمام القضاء اللبناني الذي ينظر بأمره كما تقدم له العناية الطبية اللازمة الى حين يصدر القضاء حكمه <العادل> به. لكن <هيل> عاد وذكّر المسؤولين اللبنانيين ان الرئيس <ترامب> مهتم <شخصياً> بوضع الفاخوي وتربطه معرفة به ويريد إعادته الى أميركا ومن المناسب أن يتجاوب لبنان مع هذا الطلب كي لا تتعرض العلاقات اللبنانية ــ الأميركية لأي خلل، وأن تدهور حالته الصحية يمكن أن يكون سبباً لاخراجه من لبنان وإعادته الى الولايات المتحدة لمتابعة علاجه ضد مرض السرطان، مكرراً أنه لا يريد أن يكون الفاخوري سبباً في خلق أي مشكلة مع لبنان.

في أي حال، بدت زيارة السفير <هيل> مناسبة لفهم الموقف الأميركي الجديد الرافض للتدخل في الشؤون اللبنانية من جهة، وللتأكيد على عدم علاقة واشنطن بالحراك الشعبي الذي يتنامى، وان التعاطف الأميركي مع المحتجين والمعترضين لم يصل الى حد الدعم المباشر بل فقط يندرج في إطار الدعم المعنوي مع المطالب التي يرفعها الحراك، وفي مقدمتها الاصلاحات التي تريد واشنطن أن تتحقق من أجل مستقبل أفضل للبنان واللبنانيين...

وبدا من الواضح على الصعيد الحكومي ان واشنطن لا تضع أي <فيتو> على الرئيس المكلف كما انها لا تفرض شروطاً بل تترك للبنانيين مقاربة الملف الحكومي وفق الأسس التي أشار إليها الموفد الأميركي، وبالتالي لا يجوز تحميل الموقف الأميركي أكثر مما يحتمل واستطراداً لا شروط أميركية تكبّل مسيرة أهل الحكم في ترتيب الملف الحكومي وتوليد الحكومة الجديدة، وهي على ثقة بامكانية اللبنانيين تجاوز هذه الأزمة وتتطلع الى قيام حكومة جديدة مسؤولة وقادرة على مواجهة الأزمة بمختلف وجوهها، لاسيما الاقتصادية منها والمالية التي لم يعرف لبنان مثيلاً لها قبل أن تتحول الى أزمات صعبة الحل!