تفاصيل الخبر

"حياد لبنان" مادة مفتوحة للنقاش فقط ولا جهوزية محلية وإقليمية ودولية لتحقيقه!

22/07/2020
"حياد لبنان" مادة مفتوحة للنقاش فقط ولا جهوزية محلية وإقليمية ودولية لتحقيقه!

"حياد لبنان" مادة مفتوحة للنقاش فقط ولا جهوزية محلية وإقليمية ودولية لتحقيقه!

 

[caption id="attachment_79639" align="alignleft" width="444"] الرئيس ميشال عون يستقبل البطريرك الماروني بشارة الراعي في القصر الجمهوري[/caption]

لا أحد يناقش في حق رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الدعوة الى اعتماد خيار الحياد خصوصاً اذا كان البطريرك أورد في دعوته ما يبرر مطالبته بــ "حياد لبنان". ولا احد يمكنه استطراداً ان يمنع صدور ردود الفعل على هذه الدعوة من مرجعيات سياسية وروحية مؤيدة او معارضة... ولا احد يمكنه بالتالي ان يطلق صفات مقبولة او مرفوضة، لا فرق، على راعي الكنيسة المــــارونية، خصوصــــاً اذا ما لجــــأ البعض الـــى "تسييس" هذه الدعوة والباسها لبوساً غير الذي رمى اليه البطريرك من خلال دعوته. الا ان ما هو غير مقبول، في السياسة كما في التعاطي الاخلاقي، ان يصبح موضوع الحياد مادة لاثارة نعرات طائفية ومذهبية، او "نبش" دفاتر قديمة، ومحاسبة الناس على مواقفهم وادائهم....

 قيل الكثير منذ ان طرح البطريرك فكرة الحياد، وسالت كميات كبيرة من التعليقات والشروحات مع ما تضمنته من "لطشات" سلبية وايجابية في آن، الا ان الثابت ان البطريرك الماروني اصرّ على موقفه معتبراً انه اختار الحياد عنواناً لاحدى عظاته من دون ان يتوقع أن ردود الفعل ستكون على النحو الذي حصل. لكن الاكيد ان كلامه ذلك الأحد لم يكن زلة لسان، ولا هو عظة عابرة، بل هو رأي يعكس موقفاً مدروساً له اسبابه وخلفياته، لاسيما وان فكرة الحياد تعالج مشكلة خطيرة يعاني منها لبنان منذ استقلاله وتوسعت المعاناة بعد تزايد المواجهات والحروب حوله وانتقالها الى صراعات دولية تمتد من الجوار اللبناني وصولاً الى الولايات المتحدة وروسيا والصين وايران ودول الخليج. وصارت كرة الثلج تكبر الى حد ضغطت على الداخل اللبناني مع بروز العقوبات الاميركية على فريق لبناني له حضوره ودوره في الحياة السياسية اللبنانية، اي حزب الله، اما في الداخل اللبناني فقد سعت القوى المسيحية والاسلامية المعـــارضة للعهد الرئـــــاسي وللحكومة الحــــــالية، لاسيما كل من "المستقبل" و"القوات" و"الكتائب" وبنسبة أقل "الاشتراكي"، الاستفادة من كلام البطريرك الماروني لأخذه الى تموضعها السياسي العريض، لكن رأس الكنيسة المارونية رفض الانجرار الى أي تموضعات مقفلة، ولأي جبهات سياسية تزيد حال الانقسام، وأصر على انه على مسافة واحدة من الجميع، وأن ما يصرح ويطالب به لا ينطلق من خلفيات سياسية، بل ينطلق من مبادىء عامة كانت الكنيسة رأس حربة في الدفاع عنها منذ القدم، وهي ستستمر في دورها هذا، اليوم وغدا. وحرص البطريرك الراعي على توضيح هذا الموقف للرئيس العماد ميشال عون شخصياً، منعاً لأي استغلال لدعواته الى الحياد، ولتجديد ثقته بقدرة الرئيس على معالجة الموقف بالشكل المناسب. وخلال الزيارة التي قام بها رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل مع وفد من " التيار" استكمل البطريرك شروحاته، كما استمع الى الوفد الضيف يعرض له "مخاوفه" من استغلال هذا الطرح، تماماً كما كان فعل الرئيس عون خلال زيارة البطريرك له في بعبدا.

 اما في المقلب الشيعي فظلت ردود الفعل المعلنة محدودة جداً ولم تصدر عن الرئيس نبيه بري مواقف واضحة حول الطرح البطريركي، وكذلك فعلت قيادة حزب الله، وشذّ عن قاعدة الصمت المقصود، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان الذي رد بصورة غير مباشرة على الموقف البطريركي للتأكيد على ان لا حياد في معرض مواجهة العدو وما يتصل بالسيادة والكرامة.... غير ان ردود الفعل الشعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خالفت قاعدة القيادات الشيعية الاساسية، فكانت حملات قاسية استهدفت البطريرك، مع ردود فعل مماثلة من الاطراف الاخرى، ولولا الوعي والحكمة لدى القيادات لكانت المواجهات انتقلت من ميدان نظري الى ميادين اخرى....

 باختصار بدا المشهد اللبناني كما هي العادة، منقسماً الى فريقين: الاول أيد البطريرك وزايد عليه احياناً، وفريق عارض رأس الكنيسة المارونية من دون ان يتجاوز حدود عدم تقبل هذا الطرح في الشكل وفي المضمون. لكن ذلك لن يثني البطريرك الراعي عن حمل اقتراحه الى الفاتيكان في زيارة متوقعة للاعتاب المقدسة في روما بحثاً عن تأييد ديبلوماسي كنسي لمطلب حياد لبنان يتزامن مع دعوات اميركية شديدة اللهجة لــ "تحرير لبنان" من "الهيمنة الايرانية عبر حزب الله"، واعادته الى احضان العالمين العربي والدولي، ومثل هذه الدعوات تجد صداها في الداخل اللبناني والخارج خصوصاً اذا ما ترافقت مع حملات منظمة تتوافر لها التغطية الاعلامية المناسبة لاسيما بعد تزايد الاصوات التي ارتفعت مؤيدة البطريرك لاسباب تختلف عن تلك التي حددها رأس الكنيسة المارونية والتي شرحها في مناسبات عدة منعاً لاستثمار طرحه وتصويره بأنه موجه ضد فئات معينة في المكونات اللبنانية.

 

الحاجـــة الى تغيير مثلث الاضلاع

 الا ان مصادر متابعة ترى في المقابل، ان طرح مبدأ الحياد والترويج له محلياً وخارجياً لا يعني ان الحياد قد تحقق او ان الحكومة تجاوبت معه لاسيما وان تغيير الواقع الذي يعيشه لبنان لا يمكن ان يتم بقرار حكومي او حتى بتحرك كنسي، لأن اي تغيير يحتاج الى تجاوب مثلث الاضلاع: داخلي واقليمي ودولي. داخلياً يحتاج خيار الحياد الى اجماع مختلف القوى الرئيسية والفاعلة في لبنان وهو امر غير متوافر بعد، وقد لا يكون من السهل توافره، خصوصاً انه يكفي ان يقوم طرف بالاخلال بمبدأ الحياد حتى يستجلب العداوات من اكثر من دولة اجنبية. كذلك فإن التوافق على المبدأ- ولو في الشكل- من دون الالتزام بتطبيقــــه كمـــا حصل مثلا مع "اعلان بعبدا"، او الاعلان كلامياً عن الالتزام بالحياد ثم الالتزام بالمعسكرات الاقليمية والدولية، - كما حصل مثلاً في الحرب السورية- سيؤدي الى مزيد من الدوران في حلقة مفرغة ولا يعود للحياد اي مفعول او معنى، ما سيسفر عن اضرار وخسائر وانهيارات سياسية وغير سياسية، ولأن الداخل اللبناني غير موحد حيال مسألة الحياد، فان امكانية اعتماده تبدو صعبة الحال في الوقت الراهن وهو ما اشار اليه الرئيس عون خلال استقباله البطريرك لجهة ضرورة اجماع المكونات الوطنية حول مسألة حساسة مثل الحياد، ناهيك عن موجب الوفاق الوطني الذي يفترض ان يتأمن حول هذه النقطة، الامر الذي لم يتحقق بعد، وليس من السهل تحقيقه، بالخلاصة لا امكانية داخلية لالتزام الجميع خيار الحياد مهما قيل فيه وحاول البعض تسويقه وتسييسه....

 اما في البعد الاقليمي، فلا مؤشرات توحي بامكانية استفادة لبنان من اعلانه الحياد، ذلك ان الجوار اللبناني يشتعل من حين الى آخر، وتمتد تداعياته الى الساحة اللبنانية، خصوصاً الحرب السورية التي وان كانت انحصرت في الداخل السوري، الا انها رتبت مضاعفات كبيرة على لبنان مع وجود اكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري احدثوا "خربطة " كبيرة في مختلف المجالات، الامنية والاجتماعية والتربوية والصحية الخ.... مع ما يمكن ان يحصل في المستقبل  ايضا من تداعيات.

 والى الجوار السوري، هناك الجوار الاسرائيلي الذي لا يكفي ان يعلن لبنان الحياد حتى ينسحب الاسرائيليون من الاراضي اللبنانية التي يحتلونها وتصبح السيادة اللبنانية كاملة على الارض وتتوقف الاعتداءات والخروقات اليومية للقرار الدولي الرقم 1701 والذي يقف المجتمع عاجزاً عن تطبيقه بكل مندرجاته وحماية لبنان من الاعتداءات، فكيف يمكن حماية لبنان "المحايد" اذا كان المجتمع الدولي لم يضغط بما فيه الكفاية من اجل تطبيق قرار دولي صدر عن مجلس الامن باجماع الدول الاعضاء؟ ويبقى الوجه الاخر للصراع العربي- الاسرائيلي وهو الوجود الفلسطيني على الارض اللبنانية، مع ما يستتبع ذلك من تجاوزات وممارسات قد يكون من الصعب ان يعلن لبنان حياده وهو غير قادر على وضع حد لهذه التجاوزات ام على الاقل تأمين عدم توطين الفلسطينيين على الارض اللبنانية، خصوصاً ان مصير هؤلاء لم يعد في يد الدول العربية التي تخلت عنه، بل في يد المجتمع الدولي الذي يسعى الى مرضاة اسرائيل لألف سبب وسبب. باختصار فإن البعد  الاقليمي ليس مهيئاً لتسهيل اعلان حياد لبنان لأنه في الواقع ابقى هذا البعد لبنان طرفاً مباشراً منغمساً في حالة اللاحياد رغماً عنه!.

 وما قيل عن البعدين الداخلي والاقليمي، يقال ايضاً عن البعد الدولي اذ ليس في الافق ما يشير الى ان المجتمع الدولي "متحمس" لمساعدة لبنان في اعلان حياده، او هو مستعد على الاقل لازالة العقبات الداخلية والاقليمية التي تحول دون تحقيق الحياد. فالهموم الدولية تتجاوز راهنا لبنان والاولوية ليست لموضوع الحياد فيه، بل لدور حزب الله في الحروب الاقليمية، وحفظ سلامة اسرائيل وغيرها من المواضيع الاساسية التي تسيطر على اهتمامات المجتمع الدولي الذي وان كان "بارك" كلامياً اعلان هذا الحياد، الا انه غير قادر على ترجمته عملياً لاسباب عدة سبق ذكرها.

هل يعني ذلك ان الملف طوي قبل ان يفتح؟

 مصادر متابعة تؤكد ان ملف الحياد سيبقى مادة للتداول بين الاطراف اللبنانيين سلباً او ايجاباً لا فرق، وسيبقى ايضاً محور تعليقات واستثمار سياسي الى ان تبرز مسألة اخرى تطغى عليه وتعيده الى حيز النسيان، فلبنان غير جاهز لاعلان حياده، والدول الاقليمية غير مهتمة والمجتمع الدولي في واد آخر غير الوادي اللبناني. وفي الانتظار سوف يستمر النقاش حول الحياد حتى يتعب المتناقشون!.