بقلم علي الحسيني
لا شيء يدعو للطمأنينة والتفاؤل في القرى الحدودية المحاذية لسوريا، مسلمة كانت ام مسيحية، فكل بلدة هناك أصبحت هدفاً للجماعات المسلحة التي تشن حروبها انطلاقاً من الجرود الواسعة والمترابطة بين القلمون وعرسال ورأس بعلبك ومشاريع القاع.
عادت الأنظار مجدداً لتتجه إلى قرى الحدود اللبنانية السورية الواقعة عند السلسلة الشرقية وذلك على اثر قيام تنظيم <داعش> بمحاولة للدخول الى بعض القرى في رأس بعلبك وهو الأمر الذي انعكس خوفاً في نفوس الأهالي خصوصاً وان المسافة التي كانت تفصل <داعش> عن هذه البلدات المستهدفة لا تتجاوز ثلاثة او اربعة كيلومترات على أبعد تقدير ما يزيدهم تحسباً من خطر آتٍ اليهم في اي لحظة، ولهذا هم يتهيأون لمرحلة صعبة باعتقادهم انها ربما قد تكون مفصلية ومصيرية إذ ان المراد تهجيرهم من قراهم واحتلالها من قبل الجماعات المسلحة بغية إيجاد منطقة يستطيعون التحرك ضمنها في ظل خسارتهم لمساحات واسعة في جرود القلمون كانوا يسيطرون عليها، وبعضها كان يعتبر بمنزلة قلاعهم الحصينة وبأن سقوطها غير وارد حتى ولو تدخل الحلف الغربي. وانطلاقاً من الذعر الذي خلفته محاولة هجوم <داعش> بدأ أهالي القرى المسيحية يوقنون اكثر فأكثر ان حماية مناطقهم لا بد ان تتم من خلال التسليح والوقوف خلف الجيش اللبناني الذي بدأ يحصن في الآونة الاخيرة مواقعه في الجرود التي يمكن ان تحدث الجماعات المسلحة اختراقاً على جبهتها.
الحراسة واجب على الجميع
في رأس بعلبك مجموعات من الشبان بأسلحتهم يتناوبون على حراسة بلداتهم وبيوتهم بدءاً من الداخل وصولاً الى الحدود المشرفة على الجرود حيث تتمركز الجماعات المسلحة. وجوه مقنعة حرصاً على كشف وجوههم للإعلام وشوارع ومناطق باتت تعرف بالأرقام لا بأسمائها. صوت ينادي عبر جهاز لاسلكي يا طوني تأكد منيح اذا في تحركات بالمنطقة رقم 3. فيجيب الأخير: <أوكي اوكي ولا يهمك كل شي تمام الشباب هونيك ما في شي ابداً>. نسأل طوني عن الجهة التي تدعمهم بالسلاح فيقول <انه تسليح ذاتي لا توجد اي جهة تدعمنا لا مادياً ولا لوجستياً وكل لبناني في الاصل يمتلك قطعة سلاح في منزله، علماً ان هناك جهات اخرى تنتمي للتيار الوطني الحر تحصل على التدريب والتسليح من جهات معروفة ونحن بدورنا لا نعارض هذا الأمر فالجميع في النهاية أصحاب أرض وعدونا واحد مع العلم اننا في القرى المسيحية نكاد نكون الوحيدين غير المنخرطين في الحرب السورية لا بشكل فردي ولا جماعي على عكس الحال السائد في عرسال المؤيدة بمعظمها للمعارضة السورية والهرمل الداعمة للنظام السوري>.
ولحلفاء حزب الله رأي آخر
يتوزع أهالي القرى المسيحية في قضاء بعلبك سياسياً بالتساوي بين التيار العوني والقوات اللبنانية مع وجود ضئيل للحزب السوري القومي والحزب الشيوعي اللبناني اللذين يتماهيان في نشاطهما ومواقفهما، مع العونيين. المحازبون يتبعون تعليمات أحزابهم في التعامل مع اي حدث أمني او سياسي، ولكن اللافت ان المحايدين غير المنتمين او المؤيدين لأي تنظيم سياسي يرغبون بمعظمهم في سقوط النظام السوري، نظراً لتاريخ العلاقات بين النظام وهذه القرى وتحديداً بما يتعلق بالمجازر التي ارتكبت بحق أهالي قرى القاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة غداة الحرب الاهلية والتي أودت بحياة 27 شاباً. ولكن رغبتهم هذه تصطدم بعلامة استفهام كبيرة: في حال سقط نظام الأسد ما سيكون مصيرهم إذا ما استعمل هذا السقوط كقوة إضافية لجيرانهم السنة او انعكاسية لجيرانهم الشيعة؟
وللقوميين والشيوعيين حضور ايضاً في عدد من القرى المسيحية في البقاع وإن بشكل أقل من بقية القرى البقاعية المحسوبة على حزب الله والمؤيدة له. عناصر بسلاح وعتاد كامل وكأن المعركة حاصلة غداً. يقول أحد المسؤولين عن الحزب الشيوعي إن وجود الشباب بسلاحهم لا يعني اننا أصبحنا بديلاً عن الدولة كما يقول البعض او يحاول ان يروّج له. نحن شبان أبناء قرى قررنا حمل السلاح لمواجهة خطر <داعش> و<جبهة النصرة> بعدما أصبحنا هدفاً لهم وبعد محاولاتهم المتكررة للدخول الى قرانا. اما ريمون الذي ينتمي الى التيار الوطني الحر والذي قرر ايضاً مع مجموعة من رفاقه حمل السلاح للزود عن قراهم المسيحية فيقول: <الجماعات المسلحة تحاول على الدوام الدخول عبر الجرود الى بعض القرى المسيحية وهذا ان حصل سيُحدث بالتأكيد مذابح على غرار ما يقومون به في سوريا والعراق، ولهذا نحن مع كل من يريد الدفاع عن أرضه وكرامته خلف الجيش اللبناني الذي ينشر وجوده مزيداً من الاطمئنان والأمن والأمان في نفوس الأهالي.
والقوات اللبنانية ترفض التهويل
من جهته يرفض مسؤول حزب القوات اللبنانية في بلدة القاع بشير مطر التهويل الذي يمارس بحق أهالي القرى المسيحية ويقول لـ<الافكار>: <هناك حالات مبالغ فيها كالقول ان <داعش> و<النصرة> حاولتا الدخول الى القاع او الى رأس بعلبك خلال المعركة الاخيرة، وان حزب الله هو من منعهم، فهذا كلام لا صحة له على الاطلاق أولاً لأن دخول هذه الجماعات عبر الجرود يتطلب أولاً مواجهة مع الجيش اللبناني الذي ينتشر بكثرة في جرودنا وهذا أمر لم يحصل بالطبع ولم نسمع عن معركة حصلت مع الجيش أثناء تقدم هذين التنظيمين. حتى أمر التسليح في قرانا بشكل عشوائي هو أمر مبالغ فيه، خصوصاً وان أولاد القاع مدربون ويمتلكون السلاح الفردي نظراً لأن قسماً كبيراً منهم منخرط في الجيش اللبناني ومنهم من هم متقاعدون من الخدمة العسكرية وبعضهم كان ينتمي لحزب القوات. نقول ان هناك موجة اعلامية تقول ان أهالي القرى المسيحية موافقون على سياسة حزب الله وعلى ان سلاح الحزب هو الذي يحمينا، نحن نقول ان من يحمينا هو الجيش اللبناني فقط ونحن معه في مواجهته للجماعات المسلحة وعندما يحتاج إلينا سنكون حاضرين للدفاع عن قرانا ولسنا بحاجة الى أطراف اخرى فنحن نحمي ولا نحتمي.
النظام السوري سبق <داعش> بالجرائم
ويتابع مطر: عندما نحمي قرانا وندافع عنها نكون في الوقت نفسه نحمي اللبوة والهرمل وعرسال لأن الجغرافيا هنا مترابطة ببعضها البعض. لكن هناك أمر بالغ الدقة وهو ان الصمود بحاجة الى مقومات اجتماعية واقتصادية، فالزراعة هنا مشلولة ولا يوجد تصريف للإنتاج والجرود تحولت الى مسرح عمليات لا يستطيع الرعيان الوصول إليها كذلك يسجل غياب للسياحة البيئية والدينية. وأخيراً هناك من يأتيك لاحقاً ليقول لك إن سلاحه هو الذي يحميك، هؤلاء لا يعلمون ان القاع ورأس بعلبك ليستا الموصل ولن نسمح بسبيهما. وهنا أريد ان أستغل فرصة ذكرى مجزرة القاع التي ارتكبها النظام السوري بحق 27 شاباً ذبحهم بدم بارد، وهذا يعني ان جرائم الذبح وصلت إلينا قبل <داعش> بثلاثين عاماً، وبالتالي لن ننخرط في عملية دفاع عن نظام قاتل ومجرم.
النائب فارس: لحزب الله الفضل
في إبعاد الخطر
بدوره يشير النائب مروان فارس في حديث مع <الافكار> الى انه <بعد سقوط مناطق يبرود في القلمون السورية هرب مقاتلو <جبهة النصرة> و<داعش> الى جرود عرسال والقاع والفاكهة ورأس بعلبك واللبوة ونحلة وغيرها. لقد استفادوا من وجود مغاور طبيعية عميقة في المنطقة وكدسوا فيها أسلحتهم وسجلت عمليات خطف عدة قبل ان يعزز الجيش اللبناني وجوده وقواعده بناء على طلب السكان، كذلك اتخذ السكان تدابير للدفاع عن قراهم خصوصاً القرى المسيحية والشيعية المهددة، مما اعتبر ان المعارك تضع <جبهة النصرة> و<داعش> في مواجهة الجيش السوري الذي يضرب على الحدود مع عرسال وجرودها التي تحولت الى مسرح للقصف، فالوضع ليس سهلاً فقد أمّ المنطقة الكثير من اللاجئين السوريين وأقاموا فيها مخيمات ونحن نحاول مراقبة الوضع، لكن مع الأسف فإن هؤلاء يتلقون الكثير من المساعدات ولا نستبعد ان يقوموا بمساعدة الجماعات التكفيرية في حال تقدمت لا سمح الله الى الجرود اكثر فاكثر. ويلفت فارس الى ان لحزب الله مواقعه في المنطقة، ولولا مشاركته في المعارك لكانت جميع القرى المسيحية والشيعية مهددة، فالأخطار ما زالت قائمة، ولكن طالما ان الجيش اللبناني عزز وجوده وان السكان مدركون لحجم الاخطار لكن الوضع تحت السيطرة>.
رحمة: هدفنا حماية القرى وتبليغ الجيش
أما النائب اميل رحمة فقد أكد عبر <الافكار> <ان هناك خطراً جدياً على لبنان كله وليس على منطقة دون أخرى، وان حال القرى المسيحية يشبه حال القرى الشيعية او السنية او اي قرية لبنانية. يجب ان يكون الجميع على أهبة الاستعداد تحسباً لهذا الخطر الآتي، وهم الأهالي هو فقط حماية قراهم وعائلاتهم وجميعنا تحولنا الى حراس لمناطقنا وحدودنا وفي حال حدوث طارئ فإن كل هدف الشبان المسلحين تبليغ الجيش ثم مساندته في حال دعت الحاجة. وبحسب معلوماتي فإن أهالي البلدات تسلحوا بكل فئاتهم من الضابط المتقاعد في الجيش وصاحب الدكان والموظف والعامل وحتى الطالب الجامعي، لكن ضمن إطار التسليح الفردي وليس الجماعي. وأريد ان أذكر ان جرود رأس بعلبك متلاصقة ومتداخلة مع الجرود السورية ولذلك نحن بحاجة الى ان تتفاهم الحكومتين اللبنانية والسورية على هذا الموضوع لاستئصال هذا الخطر الجاثم على أرضنا التي نعتاش منها في القاع ورأس بعلبك>.
كيف صد حزب الله هجوم <داعش>؟
تؤكد مصادر مسلحة في جرود القلمون مؤيدة لحزب الله حصول محاولة دخول من قبل <داعش> للقرى المسيحية في رأس بعلبك وتروي لـ<الافكار> كيفية حصول الهجوم وكيفية تصدي الحزب له. <لقد باغت تنظيم <داعش> حزب الله عند الساعة الخامسة من فجر ذاك اليوم وشن هجوماً واسعاً على نقاطه في جرود القاع وجرود رأس بعلبك، لكن نقاط الحراسة في حزب الله تنبهت للأمر واشتبكت فوراً مع المسلحين بعد استهداف مراكز الحزب في لحظة واحدة بعدد من الصواريخ المتوسطة وبواسطة الرشاشات الثقيلة. الهجوم انطلق بداية نحو تلة المذبحة الواقعة بين جرود <جوسية> التي يسيطر عليها الحزب وجرود بلدة القاع من الجهة السورية من السلسلة الشرقية، وكما هو معروف فإن حزب الله ينتشر من القصير مروراً بـ<جوسية> ومنها إلى شمال السلسلة الشرقية من جرود القاع وصولاً إلى اول جرود رأس بعلبك>.
حزب الله يصعّد الهجوم
بعد ذلك تقول المصادر ان <داعش> وسع هجومه على تلال عدة وخصوصاً <الزويتينة> وجب الجراد في اول جرود رأس بعلبك، الا ان الحزب نجح في صد الهجوم المباغت بقوة نارية كبيرة أدت الى تراجع <داعش> الذي وصل إلى بعد 10 أمتار من مراكزه التي أصيبت بأضرار كبيرة حيث سقط عناصر من الحزب كما تكبد <داعش> عدداً كبيراً من القتلى والجرحى بقيت جثثهم في أرض المعركة. وتقول المصادر ان حزب الله صد الهجوم بشراسة وأطلق هجوماً معاكساً وخرج من مراكزه لإبعاد <داعش> واستهدف آليات تحمل رشاشات ثقيلة وجرافات استعملت لفتح الطرقات التي جرى إقفالها في وقت سابق. وهنا تشير المصادر الى ان الحزب تفاجأ بهجوم <داعش> الذي استغل انشغال عناصر الحزب بالحرب مع <النصرة>، خصوصاً وان الجبهات التي تربط بين الحزب و<داعش> كانت هادئة ولا مؤشرات مسبقة كانت تدل على حصول أمر ما، خصوصاً وان حزب الله كان يؤجل فتح معركة مع <داعش> الى حين الانتهاء من <النصرة>.
الجيش والشباب والعدرا والكنيسة
تنتهي الجولة في قرى رأس بعلبك والقاع ولا تنهي معها هواجس الأهالي التي تحولت الى قلق مزمن من تحول بلداتهم الى قرى مهجرة في ظل غياب الدعم اللازم لصمودهم. تسأل عن مصيرهم وعن ليال يمضونها مستيقظين لا يغمض لهم فيها جفن ولا يشغل بالهم سوى مصير الاطفال والنساء، فيجيبون بكلمة واحدة <الجيش والشباب والعدرا والكنيسة، هني يلي بيحمونا>.