بقلم وليد عوض
صدر في الولايات المتحدة مؤخراً كتاب بعنوان <حلف الشيطان The Devil Alliance> للمؤرخ الأميركي <روجر مورهاوس> استعاد فيه من زمن الحرب العالمية الثانية التي بدأت في عام 1939 وانتهت عام 1945. وما يستوقف القارئ لهذا الكتاب مشهد مهم: لقد أتى وزير خارجية بريطانيا <أنطوني ايدن> الى موسكو في كانون الأول (ديسمبر) 1941 موفداً من رئيس وزراء بريطانيا <ونستون تشرشل> ليمهد لعلاقة ديبلوماسية مع الماريشال <جوزف ستالين> رئيس الاتحاد السوفييتي.
وكان <أدولف هتلر> الزعيم النازي قد اجتاح يوم 21 حزيران (يونيو) من ذلك العام بلاد حليفه <ستالين> ووصل الجيش النازي الى أبواب موسكو.
في تلك الأثناء استقبل <ستالين> الوزير البريطاني <أنطوني إيدن> وقال له: <مشكلة <هتلر> انه لا يدري أين سيتوقف>... أجابه <إيدن>: <ولكنه ليس الوحيد الذي لا يعرف أين يتوقف>. قال <ستالين>: <أنا سأعرف>.
ولكن الرئيس السوفييتي الديكتاتور هو أيضاً لم يعرف أين سيتوقف.
ترى.. كم من الحكام في العالم، وفي الشرق الأوسط خاصة، لا يعرفون أين سيتوقفون؟! ويمكن أن نضع الرئيس السوري بشار الأسد في خانتهم، بعدما دخل هذه الخانة معمر القذافي، وحسني مبارك، وصدام حسين، والآن زعيم الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي.
في الجغرافيا تبدو اليمن بعيدة عنا. ولكن في القومية العربية هي أقرب إلينا من حبل الوريد، فهي الجارة العزيزة للمملكة العربية السعودية، وكان ولي عهد السعودية الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، قد أحكم هذه العلاقة بعروة وثقى وأتاح لليمن التي زارها غير مرة، أن تتنفس الصعداء وتعيش حياة استقرار.
ومطلوب وزير خارجية بريطاني مثل <أنطوني ايدن> ان يزور طهران ويسألها عن المدى الذي تريد أن تبلغه في اليمن، وفي سوريا، وفي البحرين، وفي العراق، وحتى في لبنان عبر حزب الله. كذلك لا يمكن أن نستثني الرئيس الأميركي <باراك أوباما> مما ذهب إليه <أنطوني ايدن> عن الحاكم الذي لا يعرف أين يتوقف. فتحت التبشير بالسلام يمد <أوباما> يده بكل أصابعها الى العراق، وليبيا، واليمن، والسودان، وأجزاء بالجملة من القارة الافريقية، ولا يعرف أين يتوقف، وكانت كوبا آخر أهدافه من حيث توسيع نفوذ الولايات المتحدة. ومن يدري؟! فقد يمد يده الى إيران بعد التوقيع النهائي للاتفاق النووي مع طهران في نهاية حزيران (يونيو) المقبل، ويفتح الطريق للشركات الأميركية لكي تحصل على المقاولات في أيران، لتكون آبار النفط جزءاً من الصفقة.
ومن نعم الله على العالم أن الدستور الأميركي لا يسمح للرئيس بولاية ثالثة، وإلا لكان <أوباما> <ستالين> آخر ولو بالقفاز الناعم.
لبنان بين مأزقين
في حمأة كل هذه التغيرات والتداخلات هل للبنان موقع في لعبة الأمم التي تحدث عنها الكاتب الأميركي <مايلز كوبلاند> في السبعينات من القرن الماضي؟!
واقع الأمر ان المجتمع الدولي ينشغل عن لبنان بهمومه السياسية والعسكرية، ولبنان هو أيضاً منشغل بهمومه السياسية الداخلية، بدءاً من الطاولة التي قلبها الرئيس نبيه بري في وجوه الذين يعطلون الجلسات التشريعية، ويمنعون حصول النصاب الدستوري المطلوب لانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، وذهب في قلب الطاولة الى حد التهديد بحل مجلس النواب وانتظار انتخاب رئيس للجمهورية حتى يتولى وضع توقيعه على حل البرلمان بعدما فقدت هذه المؤسسة مبرر وجودها الدستوري، وعجزت حتى الآن عن إقرار تشريع الضرورة.
ولا تسلم الحكومة التي يرئسها تمام سلام من قلب الطاولة، لعجزها، وهي حكومة المصلحة الوطنية، عن إقرار الموازنة لتسيير أمور الناس، وتدعيم البنى التحتية التي كشفت عيوبها الأمطار والرياح. وإذا لم يكن إقرار الموازنة من صلب المصلحة الوطنية فأين تكون هذه المصلحة الوطنية إذن؟!
أي عطل دستوري في البرلمان وعطل دستوري في مجلس الوزراء، بين معترض على تضمين مشروع الموازنة سلسلة الرتب والرواتب، وموافق على مشروع الموازنة بشروط.
هذه الصورة القاتمة للوضع اللبناني رافقت زيارة الرئيس سعد الحريري للولايات المتحدة والاجتماعات التي عقدها مع وزير الخارجية الأميركي ونائب الرئيس الأميركي <جون بايدن> ومسؤولة الأمن القومي <سوزانا رايس> في البيت الأبيض ووزير الدفاع <أشتون كارتر>، وكان هاجسه الأول هو الاستقرار في لبنان، واستنباط الحلول لمشكلة مليون ونصف المليون نازح سوري في بلاده، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال رحيل نظام الرئيس بشار الأسد وانتقال السلطة الى جيل سوري جديد يستوعب كل التيارات، وإلا فإن الأزمة السورية إذا تفاقمت أكثر مما هي عليه الآن فستنعكس ارتداداتها على لبنان، وتحاول إدخال البلاد في حرب أهلية.
الحريري وإيران
وكان الرئيس الحريري في أحاديثه مع المسؤولين الأميركيين يركز على دور الجيش اللبناني في حماية الاستقرار، ووجوب دعمه من كافة أطراف المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة.
وفي نطاق تعاطيه مع المجتمع المدني الأميركي كانت للرئيس الحريري جلسة حوار في مركز <ويلسون> بحضور رئيسة المركز <جاين هارين>. ومما قاله في هذه الجلسة لتوضيح صورة منطقة الشرق الأوسط التي تواجه تحديات كبرى ان إيران تمارس سياستها التوسعية من خلال تدخلها في البحرين والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين على سبيل المثال، ومن جهة أخرى يقوم متطرفون وجهاديون يزعمون أنهم يقاتلون باسم الاسلام بتهديد نسيج هذه المجتمعات.
وعلى المقلب الآخر من المحيط الأطلسي كان البطريرك بشارة الراعي ينقل هموم اللبنانيين وهواجسهم وعدم حصولهم على رئيس الى لقاءاته مع رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي <جيرار لارشيه> الذي استضافه مع البطريرك الراعي وفد المؤسسة اللبنانية للانتشار (رئيسها الوزير السابق ميشال إده) في فندق <رافاييل>. ومما قاله في هذا الاحتفال التكريمي انه لم يعد جائزاً السكوت عن ضرورة تشريع قانون لاستعادة الجنسية في لبنان. واستغرب كيف ان هذا القانون لم يتم اقراره حتى الآن..
وفي تحرك الرئيس سعد الحريري والبطريرك الراعي تطبيق للمثل القائل <رب ساعٍ لقاعد>. والقاعد هنا هو النائب الممتنع عن التشريع وانتخاب رئيس جمهورية، والوزير الذي لم يتوصل حتى الآن مع زملائه في مجلس الوزراء الى إقرار مشروع الموازنة، سواء باحتواء سلسلة الرتب والرواتب أو بدون احتوائها، وعذر بعض الوزراء في عدم الاندفاع بإقرار هذه الموازنة تركيز هذه الموازنة على عائدات ضريبية تثقل كاهل صاحب الدخل المحدود، ومن ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة من 10 بالمئة الى 12 بالمئة الى ما غير ذلك من موجبات ضريبية.
الرئيس الآتي والأسماء الخمسة!
جمود على كل الجبهات ومكانك راوح، وموسم الاصطياف، البترول البشري للبنان، أصبح على الأبواب، مما لا يسمح بمعركة انتخاب رئيس الجمهورية، ولا بتغيير الحكومة أو استقالتها، مع ما يقول الرئيس نبيه بري بأن تقاعس الحكومة عن تقديم المشاريع الى مجلس النواب يجعل منها حكومة تصريف أعمال، وهذا غير مقبول.
وواضح من كلام صحفي للرئيس فؤاد السنيورة، رئيس كتلة <المستقبل> النيابية، ان فرص وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا قد تبعثرت وذهبت ريحها، انه كان ينقل أيضاً رأي الرئيس سعد الحريري، وما كان لينفرد بهذا التصريح لولا غطاء من الرئيس الحريري وإيمانه بأن العماد ميشال عون لم يعد حصان السباق الرئاسي الذي يرسل صهيل التوافق والتفاهم والاستقرار. وهذا يعني ان خروج العماد عون من حلبة السباق سيقابلها خروج من الحلبة نفسها للمرشح الرئاسي الدكتور سمير جعجع، وانتقال الفرصة الرئاسية الى مرشح ثالث لا يغضب العماد ميشال عون، ولا يثير تحفظ الدكتور سمير جعجع. وفي هذا الباب قيل إن اسم هذا المرشح الثالث موجود في كم الثوب الرهباني للبطريرك الراعي، وإن لم يصرّح به، أو يشير إليه.
واسم هذا المرشح الثالث لن يبصر النور هذا الصيف، بل سيكون تحت التداول في أول أيلول (سبتمبر) المقبل، بعدما ينتهي موسم الاصطياف، وتعود طيور الخليج الى ربوعها.
والأسماء هي: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قائد الجيش العماد جان قهوجي، وزير الخارجية الأسبق جان عبيد، الوزير بطرس حرب الذي قال في حديث إذاعي مع <وردة> انه جاهز لتسلم هذه المسؤولية إذا وجد أكثرية نيابية، وروبير غانم رئيس لجنة العدل والإدارة البرلمانية، والكلمة في هذا الموضوع لسبعة: الرئيس نبيه بري، الرئيس سعد الحريري، الدكتور سمير جعجع، العماد ميشال عون، الزعيم الشمالي سليمان فرنجية، الزعيم وليد جنبلاط، البطريرك بشارة الراعي.
ويخشى كل مرشح رئاسي، بعد موسم الاصطياف، أن ينطبق عليه المثل: <في الصيف ضيعت اللبن>!