بقلم عبير انطون

 كان نجم الساحة في تظاهرة الحراك المدني ليوم الاربعاء 16 ايلول/ سبتمبر الجاري المتلازم مع انعقاد طاولة الحوار الثانية من جولات حوار تجر احداها الأخرى في بند واحد: إطلاق الموعد الجديد لطاولة حوار جديدة فاشلة وخائبة كالتي سبقتها من حيث النتائج والاوهام وعدد القهقهات التي تعلو وجوه اللبنانيين عندما تتلى الخلاصات التي وصلت اليها.

 من قلب مجروح صرخ ميشال أبو سليمان الذي اصيب في الحرب الاهلية اللبنانية أكثر من مرة: <اوقفوا الاعتداء.. ما تضربوا على الراس>، هو الذي كان شاهداً بأم العين ما تعرض له شباب الحراك المدني. النجم الموهوب في رسم ابتسامتنا عبر الشاشات ودبلجة المسلسلات وعبر المسارح أو البرامج التي يقدمها، انتزع هذه المرة غضبنا ليضمه الى غضبه مطالباً بالمحاسبة لطبقة سياسية تجمد الدم في عروقها، وجاء اليوم من يحرّكه خوفاً.

<الافكار> التقت بالشاب ميشال أبو سليمان وحاورته حول التظاهرات والحراك، سجلت نصيحته الملحة لشباب التظاهرات، وأخذته بعيداً عن القمامة لعالم الفن الذي يأتي منه، فكان السؤال الاول:

 ــ لماذا نزلت الى التظاهرة؟

- قررت النزول لأنه استفزني في أكثر من مشهد لا يمكن للبنانيين احتماله. لم تكن هذه المرة الاولى التي اشارك فيها، وقد سبق وشاركت في تظاهرة 29 آب/ أغسطس التي جمعت اكثر من مئة ألف شخص تحت راية العلم اللبناني وحده. ولما دعا المنظمون الى التظاهرة الجديدة، قررت ان اقوم بواجبي كمواطن، ونحن المعروفين إعلامياً وتحت الاضواء اعتقد ان لوجودنا تأثيراً معيناً. لا استطيع ان أنقل لكم حالة <القرف> الذي عرفته وأنا انزل عن طريق الرابية الى بيروت، حيث ان جبال النفايات على هذه الطريق باتت أعلى من سقف السيارة.

ــ ماذا حدث تحديداً وأنت شاهد عيان على ما حصل؟ ولماذا اعتصمت أمام مخفر الجميزة؟

- بعد بدء الحراك بعشر دقائق، بدأت القوى الأمنية تهجم على الشباب بعنف لا مثيل له. والمشهد الذي رأيته فاق الطبيعة، وقسوة المشاهد لا يتصورها العقل. توجهت الى النقيب الموجود سائلاً إياه: <لماذا كل هذا العنف>؟ ما سبب هذه القلوب المليئة بالحقد؟ كان هناك ضباط يلتزمون بعدم ضرب المتظاهرين وهناك آخرون يحمسون العساكر على ضرب الحشود الحاضرة في الساحة ويقومون باعتقال الفتيات ونشطاء من حملة <طلعت ريحتكم> و<بدنا نحاسب>، ولأجلهم اعتصمنا مع المشاركين امام مخفر الجميزة حيث احتُجزت الفتيات لمدة 5 ساعات تضامناً مع المتظاهرين من اجل إطلاق الفتيات الاربع اللواتي تم توقيفهن خلال تظاهرة ساحة الشهداء صباحاً. ان كل لبناني نزل الى ساحة الشهداء أو ساحة رياض الصلح أو اعتصم امام مخفر الجميزة هو بطل والفتيات اللواتي اعتقلن هنّ حقاً  بطلات أيضاً، بل في غاية البطولة، هذا الجيل هو جيل الثورة الذي يعوّل عليه.

ــ قيل ان البعض من المشاركين هو من بادر الى التطاول والاعتداء على القوى الأمنية!

- لنفترض جدلاً ان بعض الشباب هم من بدأوا بالتطاول، هل يعقل ان يجري للحال الضرب على الرأس؟ هذا غير مسموح، حتى قانوناً هذا الأمر لا يجوز، وان حصل اعتداء من الشباب فكان بالماء أو ببعض الحركات والشتائم. انا ايضاً ضد لغة الشتائم، الا ان هذا يمكن ان يحدث ولا يستوجب هذا الرد العنيف. ممنوع على فرقة مكافحة الشغب ان تضرب اي متظاهر على رأسه، فهذا قد يكون مميتاً الا اذا كانت الأوامر بالقتل موجودة، واذا كان لا بد من ذلك، فالاعتقال هو الطريق الاسلم. هل كان المقصود تخويف باقي المتظاهرين أو حتى القابعين في بيوتهم حتى لا ينزلوا للمشاركة؟

ويزيد سليمان قائلاً:

- وزير الداخلية نهاد المشنوق شرح الأمر بأن المتظاهرين بصقوا على عناصر قوى الأمن <أفّ! ما هذه الرصاصة القاتلة في البصقة>.. للأسف تُتخذ القوى الامنية درعاً لحماية هذه الطبقة السياسية الفاسدة. جعلوهم الحائط الذي يقف سدا منيعا وعنيفا بينهم وبين الشعب ومطالبه المحقة. لقد أحرقوا سمعة الضباط والعناصر بهذا الأمر ووضعوهم في الواجهة. وأنا اتساءل: ما الذي قد يمنع بعض السياسيين من اصدار اوامر بالقتل؟ اليس في رقبة كل زعيم منهم عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومشوّهي الحرب التي أداروها جميعهم؟ اخشى ان يصلوا الى مرحلة خطيرة من إصدار الاوامر العنيفة اذا ما بدأ الشعب يهز كراسيهم.

ــ يبدو انهم أخافوا الناس فعلاً، ولم تكن التظاهرة حاشدة كما كانت في 29 آب/ أغسطس؟

- صودف أن الناس كانت في اشغالها و حُدد الاعتصام في اولى ساعات النهار وكان الجو مشحوناً فخافت الناس. لا مبرر للعنف من اي طرف كان.

إنه القرار السياسي

 ــ وهل تم الاعتداء عليك شخصياً؟

 - حاولت ان اهدّئ الامور وطلبت ذلك من القوى الامنية، وفي محاولة للوصول اليّ قلت <اوعا تجربوا>. أوامر بهذه الشدة لا يمكنها ان تصدر عن أمنيين بل عن قرار سياسي لا يعرف أي رحمة. بدأت الطبقة السياسية تشعر بالخوف على نفسها ويظهر ذلك جلياً من ردة الفعل التي عشناها في الشارع، ومن بعض الشباب الذين اتوا دفاعاً عن رئيس المجلس.

ــ الا ان حركة <أمل> نفت اي علاقة لها بالحوادث..

- وهل يمكن ألا ينفوا ذلك؟! أنا أكن كل الاحترام لشخص الرئيس نبيه بري إلا ان طبقة السياسيين هي المقصودة، طبقة لا تترك كرسيها للأبد، ممددة لنفسها المرة بعد الاخرى حتى باتت تشكل جانباً من الإرث العائلي لهم ولأولادهم من بعدهم. لما رأيتموني عبر شاشات التلفزة كنت أفصل بين شخصين اثنين من حركة <أمل> من منطقة برج البراجنة: الاول وضع انتماءه السياسي جانباً وجاء ليتظاهر بمطالب وطنية عامة، والثاني أتى ليدافع عن رئيس المجلس تحديداً طالباً ألا يؤتى على سيرته، دار نقاش حام بينهما، وتشاجر أحد الموجودين مع الصحافية نانسي السبع من قناة <الجديد> قائلاً <هيدا الممثل، قاصداً إياي، مدري شو عم يعمل>..

ويكمل سليمان قائلاً:

- هذه كلها تفاصيل بسيطة، المهم الخطوط العامة للتظاهر والمطالب المحقة والعنف الذي وقع. يقبعون في الحكم منذ أكثر من اربعين عاماً، يستغلونه ويسرقوننا. بات رحيلهم لازماً ومن المفروض ان يحاسبوا.

أنا الكتائبي القديم

 ــ موقفك السياسي واضح وأنت محسوب علناً على فريق الرابع عشر من آذار..

- لست محسوباً على أحد. سموني على العونيين ومن ثم على قوى 14 آذار إلخ..  انا كتائبي قديم إلا انني لست ملتزماً. احترم حزب الكتائب ومبادئه الوطنية، هو الذي لا يعرف اي امتداد للخارج، وأنا ادعو الشيخ سامي الجميل ان يتخلى عن اية حسابات شخصية وسياسية وينزل الى ساحة المتظاهرين ويكون معهم، ما زال شاباً نظيفاً ولم ينجح أحد حتى الآن في جعله يهترئ بفساد السياسة.

ــ المطالبة بإسقاط النظام ليست من مطالب حزب الكتائب في هذا الوقت العصيب وبعض المتظاهرين يهتف بها..

- قلتها، بعض المتظاهرين. هذا ليس مطلب الحراك. نزلنا تحت ضغط أكياس النفايات وانا أفضّل حصر التحركات بمطالب تنفذ الواحدة تلو الأخرى. فليكن رئيس للجمهورية اولاً وانتخاب مجلس نيابي جديد وتفعيل نظام المحاسبة ضمن قضاء نزيه وشفاف..  ان رفع لافتات أو مطالبات من هنا وهناك لا تمثل مطالب الحراك كله.

أيها الشباب رصّوا صفوفكم

ــ ما كلمتك الى شباب الحراك؟

 - التنظيم ثم التنظيم، عليهم ان يرصوا صفوفهم جيداً، ويكون القرار واحداً، وان ينظموا مجلس شورى حتى يحافظوا على صدقية الحراك. إسقاط النظام ليس أولوية وليس الوقت مناسباً لهذه الخطوة، فليسيروا بالملفات خطوة خطوة، يفتحون واحداً وينتقلون للآخر بعد حل الاول. سأبقى مسانداً لهم، لست ناشطاً معهم، الا انني داعم كفنان لهذه الحركة.

 ــ شهدنا مشاركات فنية عديدة. هل كان ذلك بشكل مدروس منهم؟

 - أعتقد ان كل انسان نزل من تلقاء نفسه من دون اي اتصال به من اي جانب.

ــ بعد الحديث المطول عن الشارع، نعود الى عملك والحديث عنه. كيف كانت تجربة برنامج <مود من الضحك> على شاشة <المستقبل> في الموسم الماضي؟ وهل من جزء جديد له؟

 - الاصداء طيبة جداً. لن يكون للبرنامج جزء ثانٍ لأنني تقدمت بفكرة جديدة وها نحن بانتظار <الفلوس> لإنتاجها. التلفزيونات كلها في إعادة لبرامجها السابقة واذا لم يأتِ المال لتحضير برامج الشتاء <الله يستر> التلفزيونات كلها.

ــ هل لك عتب على قناة <ام تي في> بعد ان كنت جزءاً أساسياً من نجاح برنامج <حديث البلد> مع الاعلامية منى ابو حمزة؟

- لا عتب على قناة <ام تي في> على الإطلاق، بالعكس <كتّر خيرهم> هم الذين فتحوا لي الباب حتى أقطف. عرفت النجومية عبرهم وكان من المفترض ان أقطفها على شاشتهم .

ــ ومن تخلى عن الآخر انت ام القناة؟

- <أنا. لقد لحقت رزقتي في برنامج <حديث البلد>، هالقد مقدورهم وانا لا اعتب عليهم>

 ــ هل ما زلت منكفئاً عن المسرح مع نجاح الاعمال التي شاركت بها مثل <قصة كبيرة> وغيرها؟

- أحضر مسرحية وستعُرض على مسرح <بلاي روم>.

 ــ الى اي مدى شكل الـ<بلاي روم> متنفساً للموهوبين اللبنانيين من مختلف الالوان الفنية؟

- جداً، وانا اكثر ما أرتاح له هو العمل مع ماريو باسيل مع احترامي للجميع. ننجح سوياً.

ــ خضت مؤخراً دوراً درامياً في مسلسل <شريعة الغاب> الذي انهيتموه تصويراً ولم يُعرض بعد، الى اي مدى يؤخذ الفنان الكوميدي الذي اعتادت عليه الناس على محمل الجد في الادوار الدرامية؟

- المهم ان يقنع المشاهد بأدائه . أنا في الأساس ممثّل، بدأت مع المخرج رشيد علامة في مجال الدراما ثمَّ عملت في المسرح، وأرى أنّ الممثل هو مَن يتقن تقديم التراجيديا والكوميديا على حدّ سواء..  بالنسبة للكوميديا، فإن النجم دريد لحام هو من اكبر الفنانين الكوميديين الذين اضحكوا الملايين، ولما رأيته في دوره الدرامي في مسلسل <العراب> جعلني أبكي. وبالنسبة لمسلسل <شريعة الغاب> والذي لعبت فيه دور والد الين لحود فإنني لست على علم على اية شاشة سيعرض.

ــ هل تطمح الى ركوب موجة المسلسلات المشتركة وهي الرائجة اليوم؟

- اذا كانت <مصرياتو مناح>.. ودفعوا لي جيداً.

ــ نراك تشدد على هذه الناحية المادية..

- ألم يحن برأيكم موعد القطاف بعد 35 سنة من العمل الفني والمسرحي؟

ــ لو لم تكن في مجال التمثيل، ماذا كان يحلم ميشال أبو سليمان بأن يكون؟

- قائد طائرة.. ولربما انقذني العمل حينئذٍ من شم روائح النفايات على مختلف أنواعها، هل يمكن لبيروت الحضارات والتاريخ ان تُطمر تحت نفاياتها بهذا الشكل؟