تفاصيل الخبر

حـتــى مــع الـسـتـيــــن يـمـكــن بـنــــاء الـدولــــــة

12/01/2017
حـتــى مــع الـسـتـيــــن يـمـكــن بـنــــاء الـدولــــــة

حـتــى مــع الـسـتـيــــن يـمـكــن بـنــــاء الـدولــــــة

 

بقلم سعيد غريب

SAM_5208 

غريبة قصة قانون الانتخاب في لبنان، فلا <الأكثرية> مرغوب فيها في بلد مؤلف من مجموعة أقليات مزعزعة وأكثرها يائس، ولا النسبية معروفة في الأساس ماذا تعني. يطلبون من المواطن أن يتوجه الى صندوقة الاقتراع للإدلاء بصوته على أساس النسبية وهو بالكاد يتقن أساس الأكثرية.

يعطونه بضعة أشهر للتعرف الى النسبية وثقافتها فيما هم والقيمون على تنفيذها من لجان قيد وموظفين يلزمهم بضعة شهور للتعرف الى علاقتها بالمنطق وعلم الحساب وكيف يكون حسن الاختيار!

وعدوا الناس بأنهم سينكبّون على إقرار قانون جديد للانتخابات يكون عصرياً وعادلاً بعيد انتخابات العامين 2005 و2009، ووُضعت بين أيديهم وفي الأدراج عشرات الاقتراحات ومشاريع القوانين ومددوا لأنفسهم مرتين إفساحاً في المجال أمام ولادة طبيعية للقانون العتيد، والنتيجة واحدة: تمرير للوقت، رفض تام لقانون الستين علانية، وغرام تام بالستين سراً.

لعل العهد الجديد سيعمل على أساس ان لبنان والعالم والحكم كانوا قبله وسيستمرون بعده، وأن الواقعية هي رأس الحكمة وأن لا مجال للأحلام وأن النجاح في تحقيق الأمور الممكنة افضل من الفشل في تحقيق الامور المستحيلة.

ولعل من الأمور المستحيلة اليوم، إقرار قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية وبهذه السرعة.

وليست مراعاة النائب وليد جنبلاط من قبل قيادات فاعلة، وكان آخرها موقف لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبّر فيه عن رفضه أي قانون جديد لا يرضى به الحزب التقدمي الاشتراكي، سوى مؤشر جدي غير قابل للجدل الى السير بقانون لم يرَ الرئيس فؤاد شهاب في غيره بُدّاً، هو قانون العام 1960 بماكياج جديد.

ونحن الشعب اللبناني المنهك نتصوّر الرئيس الجديد، كربّان باخرة أوصلها سلفه الى مرفأ وسينطلق بها هو في رحلة جديدة الى مرفأ آخر مع فريق آخر يكون على صورته ومثاله. ونقول إن الحكم عملية اختيار وهذا شهر الاختيار قبل انطلاق السفينة في رحلة جديدة...

والواقعية تقول إن الحكم لا يستطيع أن يقول إنه سيأتي بالمعجزات، فالسنوات الست تكاد لا تكفي ليصبح فيها طالب الطب طبيباً، ولكنه يستطيع أن يقول انه اختار الأنسب ليعاونه والأكفأ ليقدم له الاستشارة والأنجح ليبني أساسات أحلامه.

لقد أحسن الرئيس شهاب ورغم شوائب قانون الستين، الاختيار، وكلّف معاونيه الأذكياء الإتيان بالأكفاء من غير الحزبيين لدى كل الطوائف لتسليمهم زمام الإدارة والمديريات العامة.

هؤلاء استطاعوا أن يترجموا له مشروعه الرامي الى بناء لبنان على قواعد صلبة، كذلك جديته وإيمانه والتزامه المطلق ببناء دولة عادلة قوية يثق بها جميع اللبنانيين، فلا يعودون منتمين الى طوائفهم أ كثر مما ينتمون الى وطنهم.

يقول الوزير الراحل فؤاد بطرس في كتابه <المذكرات> انه سمع من الرئيس شهاب كلاماً لن ينساه مفاده:

«عندما كنت قائداً للجيش مكثت سنوات عديدة على الشرفة أراقب كل ما يجري، لقد اطلعت على أمور كثيرة ولم يخف عليّ شيء. وأعرف الكثير عن اللعبة السياسية، ويمكنني تقييم رجال السياسة جميعاً لأنني راقبهتم وعرفتهم جيداً. وما رأيته أزعجني وزرع فيّ خوفاً كبيراً على مصير هذا البلد ومستقبله. سأقول لك أمراً: نحن لم نتمكن بعد من بناء وطن بمعنى أمة، يجب أن نسعى الى إنشاء دولة سليمة، حتى إذا تمكنّا من ضم اللبنانيين إليها، يصبح ممكناً أن نرتقي الى وطن. أريد منكم أن تساعدوني لإقامة دولة بالمعنى الصحيح>.

نستطيع أن نستنتج من هذا الكلام، أن الناس يمكن أن تنتفض وتحسن اختيار ممثليها حتى مع قانون الستين السيئ أو الحسن الذكر، وتنتفض معها الإدارة التي أفسدها السياسيون، وينتفي معها ما قاله يوماً المطران ايلاريون كبوجي رحمه الله عن لبنان:

«إن لبنان فرعان وليس مجموعة طوائف: الأول رجال لا مكان لهم إلا في الهجرة، والفرع الثاني مجموعات هاجمة على الأماكن والكراسي والمقاعد مثل فيل مجنون في مخزن الخزف>.