تفاصيل الخبر

حركة الأسواق في الأعياد بلا بركة!

21/12/2018
حركة الأسواق في الأعياد بلا بركة!

حركة الأسواق في الأعياد بلا بركة!

بقلم طوني بشارة

كل ما في الشوارع يشي بأن لبنان دخل فعلاً شهر الأعياد (الميلاد ورأس السنة)، فالزينة تملأ الطرقات وفي مختلف المناطق اللبنانية، كذلك المولات والمحال التجارية تغصّ بروادها وعلى واجهاتها تنزيلات كبيرة تصل لحد الـ 70 بالمئة وذلك في غالبية المحال التجارية... أضواء السيارات المتوقفة في صفوف مرصوصة كل مساء ولاسيما في العاصمة بيروت تجعل من حركة السير شبه متوقفة عند مداخل العاصمة، فالمظهر العام في الخارج يوحي بأنَّ حالة البيع والشراء تضرب أرقاماً قياسية، كما ان الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والبلديات لم توفر جهدا لإضفاء أجواء من الفرح والبهجة في شهر الأعياد باعتبار ان ذلك يساهم في خلق حركة تجارية وسياحية، فزينة الأعياد وإضاءة أشجار الميلاد عمت القرى والبلدات، والأضواء الميلادية لفت الشوارع والطرق والساحات العامة، بالإضافة إلى إقامة مغارات الميلاد أمام الكنائس وفي الباحات الخارجية وعند مداخل القرى والبلدات...

هذا في أجواء الميلاد ومظاهر الأعياد، أما في ما يتعلق بحركة الأسواق فلا تزال خجولة والموسم لم يحرك العجلة الاقتصادية بالشكل المطلوب حتى الآن، فالتنزيلات تستقبل الزبائن على واجهات المحال بنسب متفاوتة لقناعة لدى أصحابها أن هذه الخطوة قد تساعد في تشجيع المواطنين على الشراء، واللافت ان محال الألبسة والأحذية، خصوصا المخصص منها للأولاد، لجأت الى تخفيض الأسعار بنسبة تجاوزت الـ60 بالمئة لجذب المستهلكين.

 

حركة بلا بركة!

زحمة السير الدائمة في الشارع لا تعكس واقع تجّاره، ولا تعوّضهم خسارة عام تلو آخر، فبين انعدام القدرة الشرائية لدى فئات كبيرة من اللبنانيين الذين باتوا يتجاهلون الكماليات في رحلة بحثهم عن الأساسيات، وبين غياب السيّاح للأسباب السياسية التي شهدتها وتشهدها الساحة اللبنانية، انعدمت حركة الأسواق والوضع على حاله، وكما يقال: <الحركة بركة>، زحمة سير، <عجقة> ناس في المجمعات التجارية وعلى الطرق، زينة الميلاد في الشوارع وعلى الابنية وداخل المنازل، كلها علامات تدل الى ايجابية في الشكل، مفادها ان الاسواق ليست فارغة، وان الحياة لم تغادر لبنان، ولكن ما يبدو في المضمون ان لا <بركة> يتمناها اصحاب المؤسسات التجارية على صعيد <الربح> علما ان أصحاب المؤسسات قد استعدوا بما تيسّر لموسم عيد الميلاد ورأس السنة لتعويض ما يمكن تعويضه من الخسائر، الا ان الحركة التجارية بقيت كما هي «معدومة» لا بل دخلت «في الإنعاش»، والمحلات شبه فارغة باستثناء بعض المارّة والمتبضعين، لتستمر معاناة الاسواق اللبنانية، فكل شيء بقيَ على حاله هذا العام من حيث تأزم الأوضاع السياسية وحتى القدرة الشرائية للعائلات التي هي في تراجع منذ سنوات بسبب الوضع الاقتصادي الذي يشهد تأزماً مستمراً، ومن كان في الماضي يشتري الهدايا بقيمة 300 دولار اميركي بات اليوم

يشتريها بقيمة 100 دولار أميركي، وهذا الأمر يتحدث عنه باسهاب اصحاب المحال التجارية، وخصوصاً تلك التي تبيع الالعاب وهي المتضرر الاول من تراجع القدرة الشرائية في موسم الأعياد.

 

حركــــة فــــي <المـــــولات>...

فهـــــــــل مــن شــــراء؟

 

جولة بسيطة على بعض المحال و<المولات> الكبيرة التي شكلت منذ فترة الوجهة الأساسية للكثيرين ولاسيما أبناء الطبقتين المتوسطة والغنية، تظهر أنَّ الأخيرة تشهد حركة لافتة إلا أنها في الواقع لا تعكس حجم حركة السير في الخارج، فغالبية الذين تمكنا من الحديث معهم رصدناهم يتنقلون بين محلات الألبسة والذهب والعطورات والأكسسوارات، يحدقون بواجهاتها يدخلون فيخرجون خاليي اليدين، تماماً كأنهم مراقبون أكثر من مشترين، وإن اقتربتَ تسألهم عن الوضع يجيبونك: <نتفرج فقط>، وإن كان هذا الواقع لا ينطبق على الجميع إذ إن هناك عدداً لا بأس به يخرج من المحال وبيده لا كيس واحداً إنما أكياس.

من محل الى آخر انتقلنا، وبداية التقينا بجمال حيدر صاحب مؤسسة حيدر لبيع الملبوسات الذي افادنا بأن الحركة للاسف مشلولة والوضع بات ميؤوسا منه، فالمبيعات في انخفاض مستمر، والبلد دخل مرحلة الغيبوبة، وبالرغم من التنزيلات والتخفيضات ترى الزبائن وللاسف يطالبون بتنزيل اضافي للسعر، ونحن كأصحاب مؤسسات تجارية نعمد الى التخفيض الاضافي بغية تصريف البضاعة علما اننا عمدنا الى تقليل عدد الموظفين للتمكن من الاستمرار في السوق.

نترك جمال والتخفيضات المستمرة لنلتقي بعلي المولى صاحب محلات بيبلوس لبيع الأحذية، وموقفه من الحركة لا يختلف ابدا عن موقف جمال ولكنه استرسل بالتوضيح مشيرا الى انه كباقي أصحاب المؤسسات عمد الى تقليص النفقات، وما ساعده على الاستمرار هو كون محله ملكاً وليس بالايجار مما يخفض نفقاته، فالحركة للأسف معدومة وبلدنا اشبه بالرجل المريض الذي ينتظر ساعة مماته.

وبدوره كريستيان عنطوري صاحب محلات عنطوري للحلويات أوضح بان المبيعات ضعيفة حتى تاريخه والحركة معدومة والاتي اعظم، وتابع قائلا: لقد يئسنا مما يجري حولنا من اقفال متواصل للمحال التجارية، وما ساعدنا كمحلات على الاستمرار هو كوننا نستثمر منذ 30 سنة بسعر تأجيري متدنٍ جدا، ولكن وبالرغم من ذلك عمدنا الى تقليل عدد الموظفين بغية تغطية النفقات وتأمين متطلباتنا الأساسية.

اما نور الدين اللقيس صاحب محلات اللقيس لبيع الاحذية منذ 50 سنة فأوضح لنا بأن ما نشهده اليوم من تراجع في الحركة لم نره اطلاقا طوال الفترات السابقة، فالوضع ميؤوس منه والمواطن يسعى دائما لشراء الاوفر للتمكن من تأمين كافة احتياجات العيد، فلبنان للأسف دخل مرحلة الموت الرحيم ولا شيء يخرجه من النفق المظلم حتى الأعياد.

ونلتقي فادي رومانوس مدير محلات رومانوس للالعاب الذي اطلعنا على حركة البيع هذا العام في موسم الميلاد قائلا: <محلاتنا تعتبر من اهم المحال في المنطقة على صعيد بيع الالعاب، وزبائننا معظمهم من الطبقة الوسطى والغنية، وحتى هؤلاء تراجعت قدرتهم الشرائية، والذي كان يشتري العاباً وهدايا بقيمة الف دولار، يشتري اليوم بقيمة 300 دولار اي بمعنى آخر تراجعت القدرة الشرائية حوالى 70 بالمئة>، واوضح رومانوس ان <معظم الزبائن يشكون من الغلاء الحاصل ولا احد مرتاحاً والاكثرية يشترون الهدية المناسبة فقط>، واشار الى ان مؤسسته تحسبت قبل موسم العيد لتراجع المبيعات هذا العام، ولم تستورد الالعاب بالكمية التي كانت تستوردها في الاعوام السابقة.

 

شكاوى جراء الوضع الاقتصادي الصعب!

فدى حنا موظفة في مؤسسة تجارية لبيع الألبسة، قالت لـ<الأفكار>: ان <العيد هذا العام جاء في وضع اقتصادي صعب على الجميع، مما ادى الى الاقتصاد في شراء الهدايا او الى تضييق دائرة الاشخاص المشمولين بها>، واوضحت حنا قائلة: في الاعوام السابقة كنا نشتري الهدايا لاولاد العم والخال الا ان هذا العام اقتصرت الهدايا على الدائرة العائلية المصغرة، وابقينا على اللقاء العائلي الكبير اي غداء العيد حيث تجتمع العائلة بكل افرادها، وفي اجابتها عن سؤال في شأن تأثر شراء مكونات

الغداء العائلي، قالت حنا <اللبناني عايش لياكل فلا شيء يمنعه عن الافراط في شراء ما لذّ وطاب>.

وتابعت حنا بحكم وظيفتها شارحة حقيقة الاوضاع في السوق اليوم قائلة: هناك حركة بيع لكن ليس كما كان الوضع سابقاً، ومعظم الزبائن الذين اعتدنا عليهم في السنوات السابقة غابوا عنا هذا العام، والذي قصدنا لم يشتر بالقيمة نفسها التي كان

يشتري بها في الاعوام السابقة.

هذه حال عينة من المحال التجارية التي لها علاقة مباشرة بعيد الميلاد، فما هو موقف الأهالي؟

 كثير من العائلات بات يتأقلم مع الغلاء المعيشي الذي لم ترافقه زيادة على صعيد الرواتب، فباتت تقتصد في شراء الهدايا. جينا رزق ربة منزل وتنتمي الى عائلة (عائلة زوجها) مؤلفة من 20 طفلاً صغيراً (أعمارهم ما بين السنة والاثنتي عشرة سنة) وقد جرت العادة في هذه العائلة ان يشتري كل فرد فيها هدايا للآخرين، اي في ليلة عيد الميلاد تجمع حوالى 250 هدية امام شجرة العيد، وحتى في بعض الاوقات كان الفرد يحصل في هذه العائلة على هديتين من الشخص نفسه، وسألناها لكونها كانت تحمل أكياساً كثيرة، <الهدايا معك كثيرة>، فأتى الرد: <هناك العديد لم اشتر لهم حتى الان، الهدايا ستزداد ولكن على قد بساطك مد إجريك> وتابعت: <الأسعار لا تزال باهظة رغم أن العديد من المحال عمد الى تنزيلات كبيرة، ورغم ذلك فشهر كانون الأول (ديسمبر) يشعرني بضيقة مادية، وما يحزنني أكثر أنَّ القدرة الشرائية لديّ تتراجع عاماً تلو الآخر>، وتابعت قائلة: <الاسواق مليئة بالملابس الراقية لكن الجيوب فارغة والوضع اكثر من سيىء»،

مؤكدةً ان «بهجة العيد تقتلها المعيشة الصعبة وانعدام القدرة الشرائية».

بدوره بديع الأشقر (صاحب شركة الأشقر لتعهدات الحفر والبناء والترميم) اشار الى انه «يرغب بشراء الملابس والهدايا لكل افراد العائلة الا انه يبحث عن افضل الاسعار الممكنة لعدم توافر الماديات الكافية لمتطلّبات العيد وذلك بسبب تراجع العمل وبالتالي تراجع قيمة السيولة لديه»، مؤكدا أنّ زينة العيد ولوازمه رائعة دائماً وتُفرِح القلب الا ان الوضع الراهن يجعل تلك الزينة مصدر حزن بسبب الوضع الاقتصادي المأساوي، وأشار الى ان العادة التي واظبنا عليها في السنوات الماضية خلال العيد لم ولن تتغيّر، صحيح ان قيمتها المادية قد تراجعت بسبب الاوضاع الاقتصادية لكن قيمتها المعنوية لم تتغيّر لانها جزء من الرباط العائلي، وعن اجتماع العائلة على عشاء العيد، قال الاشقر: <مهما ارتفعت الاسعار ومهما انخفضت فهذه <الجمعة> هي اساس كل شيء، ولن تستطيع اية ظروف ان تسرق منا هذا الشعور السعيد>.

وننتقل بين القرى لنصل الى غلبون (وسط جبيل) ونلتقي برئيس البلدية ايلي جبرائيل ومختار القرية وليد رزق اللذين اعلمانا بأن البلدية وككل عام اعتادت في منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) على اضاءة الشجرة بحضور كافة الأهالي حيث يتم توزيع الهدايا مجانا من قبل البلدية على كافة أطفال القرية دون استثناء، ويتم ذلك في ظل جو تملؤه البهجة والسرور، واكد مختار القرية ان بهجة العيد لا تكتمل الا مع توزيع رمز العيــــد مــن حلويــــات عربيــــة وقمح مسلوق على كافة الحاضرين، وتمنى المختار ان يترافق فـــــرح الناس بــــولادة السيد المسيــــح مع ولادة حكومــــة قــــادرة علــــى إعــــــادة الحيـــــاة الى الأســواق والمؤسسات الاقتصادية والتجارية في ظل عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون.