تفاصيل الخبر

”حركة 6 أيار“: مسرحية غنائية تجد الحـل للإعـلام في لبــنان!

08/12/2017
”حركة 6 أيار“: مسرحية غنائية  تجد الحـل للإعـلام في لبــنان!

”حركة 6 أيار“: مسرحية غنائية تجد الحـل للإعـلام في لبــنان!

 

بقلم عبير انطون

صورة-يوسف-الخال---1

قبل ان تدخل قاعة قصر المؤتمرات في الضبية وتأخذ مكانك في الصالة الفسيحة والمسرح الرحب، يسبقك ايضاح فريد وماهر الصباغ من خلال الكتيّب الذي يوزع حول مسرحيتهما ان العمل لا يمت الى احداث 7 أيار 2008 بصلة. هذه الأحداث ربط بينها وبين <حركة 6 ايار> عنوان المسرحية الكثير من <المتحاذقين>، وبينهم بحسب الكتيب من طرح السؤال على الشقيقين، ابني منطقة ضهور الشوير، اللذين يخوضان اليوم مسرحيتهما الرابعة. ويؤكد كل من فريد وماهر ان <حركة 6 أيار> لا تعود الى ماضي لبنان ولا هي مستوحاة من اي شخصيات واحداث حالية فيه، انما تضع نفسها في قلب مستقبله حركة <تغييرية>، تبحث دور الاعلام وتظهر انه، في حال بقي على ما هو عليه، مأجورا في غالبيته (بالنسبة الى الأخوين الفنانين) فان الوطن والشعب في خطر.

فكيف السبيل الى مواجهة هذا الخطر؟ ما الذي ينشده الاخوان الصباغ من خلال مسرحيتهما الجديدة؟ وما دور يوسف الخال فيها؟

 منذ العام 2006، ومع مسرحية <شي غيفارا> التي لعب بطولتها يومئذٍ عمار شلق وكارمن لبس وبيار بو داغر ونبيل ابو مراد بمشاركة موسيقيين كوبيين ولبنانيين وعرفت اصداء عالمية تمثلت بمجيء فريق من المخرجين من نيويورك لاختيار المسرحية لتمثيل الشرق الاوسط في الفيلم العالمي <personal che> كانت الانطلاقة الكبرى للاخوين الصباغ بعد تجارب عديدة. نجاح العمل الاول، دفعهما بعد خمسة اعوام الى تقديم عملهما الثاني <منذ ايام فخر الدين> الذي تميز بعرضه الحي بالكامل من بطولة عاصي الحلاني وانطوان كرباج وكارمن لبس وكارين رميا وقد افتتحت بها <مهرجانات بعلبك الدولية للعام 2011>. ولم تطل الفترة، حتى اطل الاخوان فريد وماهر بـ<الطائفة 19> مريدين لها خلق حالة شعبية وطنية وبداية مشروع جدي لالغاء الطائفية من انظمة الدولة، ذلك انهما يعتبران مسرحهما مساحة <لتحويل فكر المشاهد وحضه على التفكير بمشاكله واقتراح حلول واقعية للازمات السياسية والاجتماعية التي تواجهنا>.

اليوم يقدم المؤلفان الموسيقيان والكاتبان والمخرجان اللذان درسا البيانو والتأليف الموسيقي الاوركسترالي، مسرحيتهما الجديدة <حركة 6 ايار>، والاعلام هو الاساس.

اعلام وكثير من الأمور الأخرى...

صورة-بياريت-القطريب-بين-طوني-مهنا-وكارين-رميا-4  

الاعلام اذاً هو جوهر المسرحية - القضية التي حولها تدور احداث المسرحية الغنائية الطويلة بعض الشيء مع تكرار للفكرة الرئيسية وتفصيلها غير مرة، وفيها ان الاعلام سيف ذو حدين، ووجه العملة السيئ منه، كما في لبنان، فانه كذلك في مختلف بلدان العالم من بنغلادش الى مصر وسوريا، نراه يسيء للبلد والمواطنين بشائعاته وسمومه حتى انه وصل الى لقمة عيشهم، وبسبب هذا الاعلام نرى العمال من السوري الى المصري والبنغلادشي هرعوا جميعاً الى لبنان.

 بغير تكرار الفكرة في اكثر من صيغة كان يمكن الاستغناء عنها، اكثر من ومضة حلوة في المسرحية التي لو تم تشذيبها اكثر، لكانت تحفة في مسيرة الاخوين، اللذين يغامران بإنتاج كبير وبلمعات مضيئة في افكار سباقة، بينها مثلاً ان يبث برنامج يستضيف شخصية على الهواء مباشرة، وينقل مباشرة قي الشوارع العامة وطرقاتها، فيستفتى المشاهدون للتو، وذلك بأن يتحولوا من المحطة الى اخرى ان كانوا يخالفون الضيف الرأي وبذلك تستطلع الاراء وتحصد نسب الموافقة من عدمها في اللحظة ذاتها.

 الى الاعلام حضرت اكثر من فكرة: الخيانة من الزوج والصديق وصولا الى خيانة القضية والشهداء، مفهوم المواطنة، الطائفية، النظام المدني، لبنان الرسالة، انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، الاعلام الرسمي والاعلام الخاص، <تلفزيون لبنان>، <الاذاعة اللبنانية>، الاستفتاء الشعبي ونسبه، الرأي العام المستسلم للاعلام وصوره وشائعاته، وسائل التواصل الاجتماعي، الجيش، العمال الاجانب، المخيمات، اللاجئون، اطفال الشوارع، الفتيات الرومانيات، العنف ضد المرأة واثره على الحياة المستقبلية للابنة، الاصرار الانثوي والاصرار على المتابعة مهما بلغت الصعاب، الحب القديم، الشغف بالتمثيل وصعوباته، الخشبة وتقليد الشخصيات، دور التلفزيون في ضمور المسرح، الزحف وراء المال، الارتهان للخارج والعواصم الكبرى، ربط المصير اللبناني بالمصير السوري والدعوة للحفاظ على البلد الاول ليبقى الثاني... كل ذلك دخل المسرحية المحبوكة تحت عنوان <6 ايار>، ذكرى الشهداء، اليوم الذي الغته الدولة من اعيادها الرسمية وأراد الاخوان ماهر وفريد بعثه عبر مسرحهما، وارادا جعله حركة شعبية تحت راية التمثال المعروف في ساحة الشهداء في بيروت.

 <حركة 6 ايار> ارادها فريد وماهر تكملة لمسيرة <الطائفة 19> المسرحية السابقة التي من خلالها، ومعهما النجم يوسف الخال، املا ان تشكل الطائفة الجديدة في لبنان، بحيث ان من ينتمي اليها يؤمن بالعلمانية نظاماً وحيداً في بلد سيبقى يدور في حلقة مفرغة إن هو استمر في استخدام الطائفية وقوداً يضمن لاصحاب النفوذ البقاء في كراسيهم. كان الاخوان الصباغ يتمنيان انتساب عدد اكبر بكثير من المواطنين والشباب اللبناني اليها، ولكن، يبدو ان حماسهم لم يقابل بمثله، وهم يبررون السبب في عملهم الجديد اذ يطلقون على لسان بطلتهم <كارمينا>: ان المسؤولين في لبنان لن يسمحوا لهذه الطائفة ان تنمو وتكبر لانها تعارض مصالحهم.

و<الطائفة 19> عزيزة جدا على قلب الاخوين اللذين عملا في منطقتهما ومع اهالي ضهور الشوير وعين السنديانة على إنجاز عملية توحيد عيد الفصح المجيد بين مختلف الطوائف الشرقية والغربية ما ادى الى وضع اسس بناء اول كنيسة لا تنتمي الى اي طائفة لتوحيد الكنيسة، وهما يؤمنان بأنه كلما زاد الايمان قلّت الطائفية. من هنا فإن الاخوين لن يستكينا وسيبقيان يحاولان ويشدّان الهمم.

وها هما اليوم يطلقان <حركة 6 ايار> عبر مسرحهما الذي يعتبرانه <مسرح قضية> ويدعوان كل من يؤيد طرحهم الى تسجيل موقفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي المخصصة لـ<حركة 6 أيار>. فريد وماهر لا يكتفيان بطرح القضايا، بل يذهبان الى الحلول <الواقعية> كما يصران على توصيفها فلا يكون المسرح عرضاً للمشاكل فقط بل بابا الى الحلول ايضاً. انطلاقاً من ذلك، طرحا الحل لاعلام لبناني مستقل ينشد الحقيقة ويسعى خلفها وذلك عبر تأمين موارده من ضريبة على الاعلام يدفعها المواطن اللبناني، فضلاً عن انتخابات اعلامية على غرار الانتخابات النيابية تجري من قبل الشعب مباشرة فينتخب الشعب ممثليه من الاعلاميين الذي يحظون بثقته لنقل الحقائق فلا يقتلهم او يقضي على مصيرهم بشكل أو بآخر. ولعل الصورة بين الرشاش والكاميرا، واللبناني عالق بينهما في المسرحية، هي الافضل لما اراد الاخوان الصباغ بلوغه، فكلاهما سلاح قاتل وكلاهما يمكن ان يشكّل بالمقابل منصة دفاع عن شعب ووطن...

 

كارين... وحكم الشعب

كارين رميا او <كارمينا> في المسرحية هي البطلة المناضلة تلعب دور مقدمة برنامج <حكم الشعب> من <تلفزيون لبنان> التي تصل في نضالها الى وقت تبقى فيه وحدها مع الكاميرا، تتحدى الخيانة، وقطع الاعلام والبث عن الشعب، الامر الذي صورة-فريد-(على-اليمين)وماهر-الصباغ---3 فرضه <ساري> (فريد الصباغ) القائد العسكري الجديد.

 فـ<كارمينا> الصبية التي لا تستسلم، ترتجي وطنا وعدت امها الراحلة التي تتوجه اليها طوال المسرحية معاهدة اياها ووالدها <الروحي> (او غير الروحي) اذ تؤكد <هوي مش بيي الروحي، هوي بيي> فخامة الرئيس، انها ستبقى حاملة ميكروفونها وكاميرتها سيفا لبقاء الوطن، لبقاء الجمهورية، التي وجدوا لها رئيسا ولم يجدوها بعد. بأكثر من تسع اغان اطلق صوت كارين مشاعرها في اغنيات جميلة كتبها والفها الاخوان الصباغ وذكرتنا في احداها بأغنية السيدة فيروز في احدى اجمل اغنياتها تقول فيها: <بندر صوتي، حياتي وموتي لمجد لبنان> اذ تؤكد كارين في كلمات من الجو عينه مكتوبة للعمل <انها ستبقى تغني بلد الارز وتحمله راية حتى موتها>.

 يوسف... رئيس بلا صلاحيات

 

كارين وقفت الى جانب يوسف الخال الذي رفع المسرحية بأدائه، المسرح الذي يخشى ان يغيب عنه يوسف في غمرة التلفزيون الذي غرق في بحره كما يقول، ويؤكد انه لن يغني خارج اطار الخشبة.

 يوسف او فخامة الرئيس <جلال الشمالي> يتمنى لو ان صلاحياته اكبر في الرئاسة، لذلك ارتأى التخلي عن الرئاسة ليتجه صوب الاعلام حيث <الصلاحيات الحقيقية> برأيه. نراه يحن الى ايام الجيش الذي وصل منه الى الرئاسة وكان عقيداً مغواراً. مشهد اغتياله في المسرحية الذي حصل بعلمه اذ فضّل الاستشهاد على الخنوع، لم يكن الحوار فيه كافياً وكان يمكن ان يحمل زخماً أكبر وأكثر تأثيراً في نفس المشاهد لإيصال فكرة ان لبنان سيبقى ينهض من رماده مهما عصفت به الرياح.

 حضور يوسف شكّل رافعة كبرى، ولو فضّل الاخوان البقاء في الواجهة لعملهما وهما اشتركا فيه ايضاً تمثيلاً وغناء بدوري <بن> و<ساري> ابن العقيد فيصل الذي انضم الى لائحة شهداء 6 ايار وكان وجهاً من وجوه تمثال الشهداء الذي أتقن صنعه للمسرح الفنان جوليس سبريني.

 وبعد ان كان الخال في القسم الاول الرئيس اللبناني الذي انتخبه الشعب، لعب في القسم الثاني بديل الرئيس <النسخة المطابقة> له شكلاً وصوتاً بدور <المسرحجي> الذي يحترف التقليد، والذي <تغنج> قبل ان يرتضي ان يلعب دور الرئيس البديل لإنهاء الازمة. في الفصل الثاني كان يوسف مميزاً بدور <روكز> الممثل الكوميدي الذي ذكرنا بأجواء <يوسف قليقل> للممثل فادي رعيدي، ونقل في اغنية حلوة معاناة الممثل ووجعه.

تفوق يوسف الخال في المساحة الكوميدية التي اعطيت له، ما جعل المشاهد يحبذ لو يراه في عمل كوميدي ذكي مكتوب بشكل جميل يناسب قدراته ومسيرته وهو يمكن ان يترك فيه بصمة بعدما تركها عن جدارة في الدراما اللبنانية والعربية. فيوسف الذي يصور حالياً مسلسل <هوا اصفر> في سوريا، سيطل رمضانياً هذا العام من خلال الدراما ايضاً الى جانب الممثلة سلاف فواخرجي.

 

تحيا بنغلاديش...

صورة-كارين-رميا-2 

الى يوسف ترفع القبعة في <حركة 6 أيار> ايضاً للممثل القدير طوني مهنا في دور العامل البنغلادشي الذي أتقن اداءه فاستحق التصفيق، كذلك كان جيداً اداء المقدمة والممثلة بياريت قطريب على المسرح في دور يشبه عملها في الحياة، فيما الممثلون الباقون تفاوتت مروحة ادائهم، وإن كانت بعض الجمل <قطعت نفسهم احيانا> ربما لطولها، أو ربما ايضاً لافتقادهم الى تقنيات الاداء وقد لا يكونون من محترفي المجال. اما المشهد الذي اطلت فيه الاعلامية هلا المر، وهي المستشارة الاعلامية للمسرحية فقد كان مقنعاً ومحترفاً على الرغم من قصره وسرعته...

برافو...

 بالنهاية، الجهد المبذول واضح ولو ان الاجواء السلبية طغت على تلك الايجابية. فالامل الذي يجب على العمل الفني ابقاؤه متقداً وخاصة في روح الشباب والمفترض ان يكونوا جمهور المسرحية الاول، لم يكن عالياً وكان ممكناً الرفع من نسبته، خاصة وان الاجواء في لبنان اليوم مريحة وتوحي بالطمأنينة اكثر مما سبق، وكانت المسرحية لتأخذ وقعاً اكبر لو انها جاءت في وقت الفراغ الرئاسي الذي امتد لسنتين، حيث كان <الاحباط> من الوضع الميؤوس جداً...

الموسيقى مميزة وجميلة جداً في الكثير منها وكذلك كلمات الأغنيات المشغولة بعناية. رشاقة النص كانت مطلوبة اكثر، وبعض الأغنيات التي <حشرت> لتلطيف الجو كالاغنية التي يؤديها الرئيس <جلال الشمالي> يوسف الخال لـ<كارمينا> متمنياً ان يراها عروساً، فإنها الى شاعريتها لم تكن في محلها تماماً. كذلك فإن الابتكار الذي لا يغيب عن بال الاخوين ولا يفتقدان اليه، كان يمكن ان يطال الازياء العسكرية والثورية التي اعتمداها فلا تذكرنا دوماً بهذا الزعيم العالمي او ذاك.

ويحسب للاخوين الصباغ ايضاً الانتاج الذي يقدم للمشاهد عملهما بإطار راق، ومحاولتهما الغوص في <المسرح التفاعلي> ما بينهما وبين الجمهور، وندعوهما الى تقديم العمل في مسارح خارج العاصمة، مع علمنا المسبق بالصعوبات اللوجستية والمكانية، لكن الخروج بها من منطقة الضبية الى مناطق اخرى... الى الاطراف اللبنانية المختلفة حيث ضرورة الاستماع والاستمتاع بعمل يسعى لأن يخرج عن الاطار المرسوم للمسرح التقليدي وأهدافه يبقى ضرورياً، وهناك <الباروميتر> او المقياس الحقيقي لمزاج الناس وتفاعلها وانخراطها في ما يدعوان اليه.