تفاصيل الخبر

حرب من فوق الطاولة بين "حزب الله" وإسرائيل

03/06/2020
حرب من فوق الطاولة بين "حزب الله" وإسرائيل

حرب من فوق الطاولة بين "حزب الله" وإسرائيل

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_78551" align="alignleft" width="378"] اسرائيل تنصح بعدم تكرار مغامرة تموز 2006[/caption]

 في الذكرى العشرين للإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان التي مرّت في الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، "غابي اشكنازي"، بمناسبة مرور 20 عاماً على ذاك الانسحاب: "إن المواجهة مع لبنان لم تنته بعد"، الأمر الذي فتح باب الإحتمالات على مصرعيه، خصوصاً وأن هذا الكلام، كان سبقه موقف للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أعلن فيه أن "المقاومة تمهد كل الأرضية لليوم الذي سيأتي حتماً ونصلي جميعاً في القدس".

الأحداث المترابطة

 لا يُمكن فصل الأحداث في المنطقة عن حالة الحذر والترقّب التي تشهدها الحدود اللبنانيّة ـ الإسرائيليّة منذ فترة طويلة. فعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي يفرض نفسه عند النقطة الحدودية التي تفصل بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، إلّا أن الأجواء لا تبدو مُريحة ولا مُطمئنة خصوصاً في ظل التصعيد الكلامي الذي تُرافقه خروقات استفزازية في البحر والبر والجو، من هنا يبدو أن الطرفين مقتنعان بشكل كبير، أن الحرب وإن كانت مؤجلة اليوم، إلا أنها ستحصل عاجلاً أم آجلاً وذلك لأسباب عديدة، أبرزها، أن إسرائيل لن تسمح بتنامي قوّة "الحزب" الصاروخيّة وتهديد كيانها وبالتالي تُريد تجنيب نفسها الوصول إلى لعبة التوازن على غرار العام 1996، يومها مثل "الكاتيوشا" حالة ردع لأي عدوان.

 اليوم يُمثل كلام "اشكينازي" تهديداً واضحاً للإستقرار الذي يعيشه لبنان منذ سنوات طويلة، ولو بالشكل، فرئيس الأركان الأسبق والقائد السابق للقيادة الشمالية الذي يتربّع اليوم على رأس سياسة بلاده الخارجيّة يُعلن على الملأ أنه ترك أفضل قادته وأصدقائه على أرض لبنان. ويُضيف: لقد مرت 20 سنة منذ تلك الليلة. خلالها أغلقنا البوابة أخيراً، مع وجود جميع جنود الجيش الإسرائيلي على أرض دولة إسرائيل. كانت ليلة صاخبة، وصباحاً هادئاً. فجأة تصغي للصمت. لأول مرة يمكنك سماع زقزقة العصافير على طول الحدود.

 ويقول: خرجنا، لكن لبنان ليس وراءنا. قد يكون الصمت مضللاً. حتى اليوم، خلف الحرش والوادي، هناك كراهية خفية وإرادة عنيدة لإيذائنا. وما كان يثير انزعاج حزب الله سابقاً، وكذلك اليوم، أن الجيش الإسرائيلي مستعد لتنفيذ كل مهمة. وأردف: لقد اجتزنا الحدود مرّات لا تعد ولا تحصى. وعدنا مرات عديدة ضمن أسطر مفقودة. ولكن عندما نظرنا جنوباً، إلى أضواء كريات شمونا، ومسغاف، وكفار يوفيل، شعرنا أن جميع شعب إسرائيل خلفنا. كنا على مستوى المهمة. حماية التجمعات الشمالية.

بين كلام نصر الله و"رياح" اسرائيل

[caption id="attachment_78553" align="alignleft" width="313"] السيد حسن نصر الله...سيأتي يوم نصلي في القدس جميعاً[/caption]

 بين تأكيد السيد حسن نصرالله في كلامه الأخير أن المقاومة تمهد كل الأرضية لليوم الذي سيأتي حتماً ونصلي جميعاً في القدس، وإعلان إسرائيل مؤّخراً عن خطة "رياح السماء" لتعزيز الجاهزية في المنطقة الشمالية على جبهتي سوريا ولبنان لمواجهة سيناريوهات من التصعيد أو نشوب حرب، تبدو الأمور بين ذاهبة في المُقبل من الأيّام نحو تصعيد مُحتمل، يُنذر بمناوشات عند الحدود وسط مخاوف من احتمال تحوّلها إلى مواجهات تُشبه في مضمونها ونتائجها، حرب تموز 2006. لا تبدو أجواء الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة اليوم ضبابيّة، إذ ثمّة رياح ربيعيّة ساخنة، تهبّ على الجنوبيين بين الحين والآخر، معطوفة على تصريحات العديد من المسؤولين الإسرائيليين تتعلّق بتهديدات متفاوتة لها علاقة بإحتمال إنقلاب مشهد "التهدئة" الحالي بين إسرائيل و"حزب الله"، إلى حرب مُفاجئة تقوم بها إسرائيل، مركونة على الكثير من الأسباب التي تعتبرها أكثر من ضرورية لخوضها. ولعل أبرز الأسباب أو المُسبّبات هذه، استمرار حزب الله بالتسلّح والاستعداد لأي "حماقة" يُمكن أن يرتكبها عدوّه.

 يوجد اليوم خارطة وحيدة للجنوب وأهله، تقوم على مبدأ وحيد يقول "من يُرد أن يقتلعني من أرضي أو يُدمّر منزلي ورزقي، سأقتلع قلبه من مكانه". كما وفي الوقت عينه، يرنو الجنوبيون إلى أمر عقلاني، هذا في حال وجد العقل من أساسه لدى الإسرائيليين، وهو تجنّب أي حرب في الوقت الراهن خصوصاً وأن الجميع يؤكّد بأن أي حرب مُحتملة، لن تكون في مصلحة أحد. لكن في الوقت نفسه، لا يُمكن الركون إلى النيات فقط خصوصاً وأن التجارب الماضية مع إسرائيل، لا تُبشّر بالخير، والحال نفسه بالنسبة إلى الحاضر، حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يُغير الإسرائيليون على هدف لـ"حزب الله"، وتحديداً في الداخل السوري.

[caption id="attachment_78552" align="alignleft" width="386"] الخوف في مزارع شبعا المحتلة[/caption]

لعبة التقارير الإسرائيلية.. تحذير أم تخدير؟

 على الضفّة نفسها، لا تزال التقارير التي تصدرها المؤسّسات الأمنيّة في إسرائيل تشير إلى أن "حزب الله" لا يزال يشكل أكبر تهديد للدولة العبريّة، تَليه إيران ثم حركة "حماس". لكن في المقابل، تعتبر قيادة "حزب الله" أن كل هذه التقارير والرسائل "الفوقية" التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي بالإضافة الى التهديدات المتواصلة سواء لجهة الخروقات في الجنوب أو الاستهدافات المتكررة لعناصرها في سوريا، ما هي سوى مُحاولات استفزازية تدخل في إطار الحرب النفسية، ذلك على الرغم من تصاريح جنرالات إسرائيل المُستمرة، حول التحضير لحرب ثالثة.

حزب الله.. رصد وتحليل وحزم

[caption id="attachment_78554" align="alignleft" width="383"] قوة حزب الله الصاروخية[/caption]

 مصادرٌ مطلعة على شؤون "حزب الله" والإستعدادات التي يُجريها على الدوام، وخصوصاً تلك المتعلقة بإسرائيل تؤكد أن "حزب الله" يأخذ على محمل الجدّ كل ما يصدر عن الداخل الإسرائيلي، وتحديداً الدراسات التي تصدرها المؤسّسات الأمنية وبالتالي هو يتعاطى معها بجدية كاملة ليبني على الشيء مُقتضاه. كما أن لـ"الحزب" وحدات أو مؤسّسات خاصة، تُتابع الشأن الإسرائيلي بشكل مُفصل من النواحي كافة. وتُضيف المصادر أنه من عادة "الحزب" أنه يقوم بتقدير المواقف التي تصدر بحيث يجمع بين التحليل وقراءة المناخ السياسي، بالإضافة إلى متابعته عن كثب للمعطيات الداخلية وحركة المناقلات على الأرض، ومن بعدها يذهب الى تقييم موقفه لبناء خلاصة حول نسبة وقوع أي حرب يُحكى عنها. فعلى سبيل المثال، كل توقعات "الحزب" خلال الأعوام القليلة الماضية، صبّت باتجاه عدم وقوع حرب، وهذا ما حصل بالفعل.

 وتُشير إلى أنه من زاوية أخرى، ثمّة عمل وجهد إسرائيلي متواصل للحصول على أي معلومة تتعلق بـ"حزب الله"، إما جواً من خلال مُسيّراته أو براً من خلال عملائه. كما أن هناك مناخاً في الداخل الاسرائيلي، قائماً على أن لا يكون "الحزب" مرتاحاً خاصة عندما يتماهي هذا المناخ مع مُعطىً إقليمي ما على غرار ثورة "17 تشرين" التي رأى فيها الإسرائيلي فرصة لتقليب الرأي اللبناني على "حزب الله"، قبل أن يتبيّن أنه واهم. وتختم المصادر بالقول: أحياناً تكون الدراسات أو البيانات الإسرائيلية، صادرة عن صحف وتحليلات شخصيّة بمعنى أنها لا تكون في صلب القرار الإسرائيلي، وهذا الأمر يندرج ضمن حسابات داخليّة مبنية على مصالح شخصية وحزبية، لكن في المقابل يتعامل "حزب الله" على الدوام وكأن الحرب قائمة اليوم وهناك تعليمات واضحة للمقاومة، بالبقاء في اقصى حدود الجهوزية، لأننا أمام عدو لا يؤتمن له.

خطوة إسرائيلية غير مسبوقة

[caption id="attachment_78555" align="alignleft" width="375"] وزير خارجية العدو غابي أشكينازي...المواجهة مع لبنان لم تنته بعد[/caption]

 من جهته، نظم الجيش الإسرائيلي الاسبوع المنصرم، جولة لفرق من الصحافة الإسرائيلية والأجنبية في مزارع شبعا المحتلة الواقعة على الحدود اللبنانية مع الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل. وتعد هذه الخطوة غير مسبوقة منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان تحت جنح الظلام في 24 أيّار عام 2000، خصوصاً وأن مزارع شبعا تُعتبر أكثر المناطق حساسية على الصعيد الأمني فهي معلنة من قبل إسرائيل كمنطقة عسكرية مغلقة وتحيطها بتدابير أمنية مشددة وصارمة جداً.

 مصادر مطلعة على الشؤون الإسرائيلية تؤكد لـ"الأفكار" أن الخطوة هذه موجهة إلى الداخل الإسرائيلي وتحديداً الى الشعب الذي لا ينفك يُعبر في كل مرة عن تخوفه من احتمال دخول عناصر من "حزب الله" الى المستعمرات الإسرائيلية وتنفيذ عمليات خطف. والجميع لاحظ مدى الإرباك الإسرائيلي الحاصل في هذه النقطة تحديداً، وقد رأينا كيف استنفرت الأجهزة الإسرائيلية والجيش منذ أيّام قليلة، بعد اكتشاف فُتحة في السياج الحدودي. وقد برّرت إسرائيل هذا العمل بأنه محاولة من "الحزب" لتنفيذ عمليات على السياج الأمني، كرد على هجمات في سوريا، تستهدف بين الحين والآخر مواقع إيرانية ومستودعات أسلحة وصواريخ معدة للوصول إلى "حزب الله".

قائد "حيرام": عازمون على حسم الحرب لصالحنا

من جهته يقول المقدم "إيال بزيني" نائب قائد وحدة "حيرام" العاملة في القطاع الشرقي للحدود إنه لا يستبعد أن تكون مزارع شبعا هدفاً لحزب الله للرد على ما ينسب لإسرائيل من هجمات في سوريا، ذلك أن حزب الله يعطي الشرعية لنفسه للرد على إسرائيل من هذه المنطقة، لأنه يعتبرها أرضاً محتلة غير أن إسرائيل مصممة على أن تمارس سيادتها في هذه المنطقة، وصد أي هجمات لحزب الله، على حد تعبيره.  ويُضيف: إن الجيش الإسرائيلي يعد نفسه لاحتمال اندلاع مواجهة جديدة مع حزب الله، وهذه الحرب ستكون مختلفة تماماً عن سابقاتها، ذلك أن الجيش الإسرائيلي عاقد العزم هذه المرة على حسمها لصالحه، والقضاء على حزب الله وإبعاده عن الحدود الدولية، على حد تعبيره.