يظن العابرون بين بلدات وقرى البقاع الشمالي وكأنهم في ثكنات عسكرية تتحضر عناصرها وتتهيأ لساعة الصفر. كل الاجواء توحي بأن الحرب قائمة لا محالة بين حزب الله و<داعش> الذي وبحسب الاهالي قد اصبح على <الابواب>. وما يراه زائر هذه المناطق من استعدادات عسكرية ولوجستية وما يرافقها من تدريبات لـ<الشباب> على استعمال كافة الاسلحة ستسرح في مخيلته أفكار عن حرب قد تدوم لسنوات مقبلة وسيكون الابرياء وقوداً لنار سوف تأتي على البشر والحجر.
<داعش> على الابواب
أهالي البقاع الشمالي هم بأغلبيتهم الساحقة من الطائفة الشيعية يتعايشون منذ مئات السنين مع جيرانهم السنة الموزعين على عدد من القرى والبلدات المجاورة وبشكل خاص في بلدة عرسال. لكن هذه الالفة تحوّلت اليوم الى ما يُشبه العداوة والسبب هو الثورة السورية وما احدثته من شرخ بين ما كان يُسمى المجتمع الواحد حيث توزّعت الناس بين مؤيد للنظام وبين معارض فكان لعرسال النصيب الاكبر من التهم وكأنها اصبحت بؤرة للإرهاب بعدما شكلت جرودها خلال الاشهر الماضية ملاذاً آمناً لبعض فلول الجماعات المسلحة بعد معارك عنيفة كانت خاضتها ضد حزب الله والجيش السوري الامر الذي بدأ ينعكس بشكل سلبي على البلدة وناسها بعدما اصبحت بحسب محيطها وتحديداً الحزب وجمهوره نقطة استراتيجية منها تنطلق العمليات الارهابية التي يشنها <التكفيريين> او استخدامها كمنصة لإطلاق الصواريخ ضد فئة محددة من اللبنانيين.
هكذا تجددت المعارك في جرود عرسال
حتى منتصف ليل الاحد ما قبل الماضي كانت كل الامور تسير بشكل طبيعي بالنسبة لأهالي البقاع الشمالي اذ لم يكن من شيء يوحي بتعكير الاجواء، لكن ما هي الا لحظات حتى سمع اهالي المناطق المتاخمة للقلمون أصوات القذائف الصاروخية التي امتدت لفترة زادت عن ست ساعات بشكل متواصل لتسفر المعركة عن عشرات القتلى ومئات الجرحى بين الطرفين، وهنا تؤكد المعلومات ان المعركة وقعت في تلال الجبة بين بلدتي <عسال الورد> و<رنكوس> بعدما قام حوالى ألف مسلح بهجوم واسع في المنطقة وقد رفعت اعلام <داعش> لأول مرة في معركة من معارك القلمون. وقد تسلل هؤلاء المسلحون من الوديان النائية في القلمون وبدا انهم مجموعة خبيرة بشؤون القتال حيث كانوا يقومون بهجوم انتحاري بهدف السيطرة على المنطقة بشكل منظم وهادف، وقد اعترف حزب الله لاحقاً بسقوط ثمانية عناصر هم من قوات النخبة لديه وعدد من الجرحى قبل ان ينسحب المسلحين الى بطون الوديان من دون ان يرصدهم سلاح الجو التابع للجيش النظامي السوري.
رواية لم يتبنها حزب الله بعد
في اليوم التالي للمعركة بثت المعارضة السورية شريط <فيديو> على موقع <يوتيوب> لعناصر من حزب الله وهم يفرون من أرض المعركة في جبال القلمون، الأمر الذي احرج قيادة الحزب وجمهورها خصوصاً وأن هذا الاخير لم يتعوّد يوماً على مشهد كهذا بعدما عايش لسنوات طويلة زمن الانتصارات على العدو الاسرائيلي على ايدي هؤلاء الرجال الى حين انسحابه من جنوب لبنان. وهنا يروي احد المقربين من الحزب حول ما جرى في تلك الليلة <السوداء> فيقول: <كل المعطيات التي كان يمتلكها حزب الله كانت تؤشر الى ان أمراً ما سيحدث على هذه الجبهة التي أطلق عليها عناصر الحزب مؤخراً <جبهة الموت> فكانت التحضيرات العسكرية واللوجستية شبه منجزة وقيادته العسكرية في سوريا على أهبة الاستعداد للبدء بالمعركة عند ساعة الصفر أو اللحظة وهذا ما تبيّن من خلال الحشود العسكرية التي كانت تتدفق بشكل يومي عبر الحدود اللبنانية السورية الى الداخل السوري منذ اسبوعين تقريباً>.
ويتابع: <كان هناك أكثر من ثلاثين عنصراً قد تحضروا قبل يومين من المعركة داخل موقع متقدم جداً عن بقية العناصر وكانوا يرصدون تحركات <التكفيريين> أثناء النهار قبل ان يعودوا ويختفوا مع حلول الظلام، وعندما كانوا يطالبون قيادة الحزب بالسماح لهم البدء بالهجوم كانت تأتي التعليمات بالمنع. ليل الاحد الفائت فوجئ <الشباب> بأعداد هائلة من <التكفيريين> يتسللون الى موقعهم مع غزارة نيران، بعضهم كان يقود دراجات نارية رباعية السوق (ATV) كانوا بالمئات يمتلكون اسلحة متنوعة، قتل الكثير منهم لكنهم تفوقوا على عناصر الحزب من ناحية العدد، شاهدت بأم عيني احد عناصرهم يضع جثتين من عناصر الحزب على واجهة دراجته وينطلق بهم نحو جرود عرسال>.
قاسم: لو تأخرنا لأقيمت إمارة <داعش> في لبنان
بدوره رأى حزب الله وعلى لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم أن التكفيريين تغلغلوا في المنطقة وأصبحوا في موقع المؤثر والذي يعمل لمشروع متكامل في إقامة دولة <داعش> على امتداد عدة دول عربية منها العراق وسوريا ولبنان والأردن والكويت وبلدان أخرى، أما نحن فاستبقنا الجميع وقلنا حذار من الخطأ، وقد دافعنا في الوقت المناسب عن لبنان المقاوم، ولو تأخرنا ولم ندافع عن لبنان في هذا الوقت لأقيمت إمارة دولة داعش في لبنان، نعم أقول بكل ثقة: لقد عطلنا إمارة دولة <داعش> في لبنان، ولمن لا يرى فلينظر ما صنعته <داعش> في الموصل، هذا كان سيحصل في منطقة البقاع والشمال من الجهة السورية باتجاه لبنان وإعلان الإمارة الداعشية فيها>.
وتابع: <نحن سنستمر بكل كرامة وشرف، لأننا وجدنا النتائج العظيمة لحماية لبنان، ولو لم يحصل ما حصل في القصير والقلمون وهذا المحيط في الهرمل لكنا الآن نقاتل في داخل بيوتنا وفي داخل القرى اللبنانية وفي الأعماق وصولاً إلى بيروت>، كاشفاً عن معلومات ان التكفيريين يعدون العدة في جرود القلمون من أجل أن يدخلوا إلى عدد من القرى اللبنانية البقاعية وبأعداد كثيرة، لإحداث مجازر واعتقال أفراد وإيجاد حالة من الرعب، فاستبقنا هذا الأمر وقمنا بواجبنا ودفعنا هذا الخطر عن لبنان ومقاومته وجيشه وشعبه، بالتعاون مع القوى الأمنية والجيش اللبناني وكل الشرفاء الذين يقفون في الخندق الواحد في مواجهة هؤلاء الإرهابيين التكفيريين>.
عرسال الجريحة تسأل.. كيف نقاوم؟
عرسال المحاصرة من الجو والبر تأتيها رياح الحرب من الجهتين تحاول ان تقاوم رائحة البارود او ان تبقى على قيد الحياة وسط الموت الذي لا ينفك يحاصرها من كل جهة. تعيش على صدى أحداثها الداخلية المتسارعة والخطيرة، من إعدامات وعمليات خطف وسرقة. يقف أهلها في ساحات البلدة يعبرون عن خوفهم من الموت الزاحف اليهم يعولون على دولتهم ويستنجدون بجيشهم ويحذرون من مغبة ما قد تؤول إليه الأمور في البلدة وضمن نطاقها في ما لو بقيت الامور سائبة ومتفلتة الى هذا الحد. <نحن مع أهلنا النازحين من سوريا، فهم إخوة وأهل وجيران لنا، استقبلنا حوالى 120 ألف نازح في بيوتنا وقلوبنا كذلك استقبلنا الجرحى والقتلى كما أمرنا نبيّنا. نرفض بأن تتحول أرضنا الى ميدان تتغلغل فيه مجموعات مسلحة بذريعة الثورة وتشكل خطراً علينا وعلى الإخوة النازحين في البلدة، وتمارس تلك المجموعات عمليات نهب وترويع للأهالي هنا وهناك. فمن يرد الجهاد والنضال لأجل سوريا فليتوجه الى الجبهة المفتوحة في سوريا. وسط هذا القتل الذي يحاصرنا يتهمنا البعض بالوقوف وراء العمليات التي تحصل، لكن الم يسأل هؤلاء انفسهم كيف لنا ان نقاوم الطيران السوري الذي لم يترك بقعة من ارضنا وجرودنا إلا واستهدفها؟.
الحجيري لـحزب الله: خوضوا معارككم على الحدود
من جهته لفت رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، في حديث لـ<الافكار> إلى أن <الوضع في عرسال مضبوط أمنياً اقله حتى الآن، لكن بقاء حزب الله في سوريا يجعل الأمور في حال تأزم، هذا من جهة ومن جهة اخرى فأن مسلحي المعارضة في جرود عرسال ما زالوا منتشرين فيها، ولا نعرف شيئاً عن أعدادهم فهم خلف نقاط الجيش الذي يمنع عبور أيّ منهم باتجاه البلدة ومع هذا نحذّر من محاولة يقوم بها الحزب لنقل المعركة الى بلدتنا>، مذكراً انه كان توجه للحزب اكثر من مرة عبر مؤتمرات صحافية وعبر <وسطاء> بقوله <خوضوا معارككم على الحدود لكن لا تقتربوا من جرود عرسال لأنه ممنوع على اي كان الدخول الى جرود البلدة لانه بذلك يدخل الى شرفنا وعرضنا>.واذ اشار الحجيري الى ان <الجيش اللبناني موجود في البلدة وعلى اطرافها ونحن الى جانبه وفي الخندق ذاته لكن هناك من يحاول منذ اربع سنوات وضع عرسال في الواجهة لكنهم لن يستطيعوا فنحن على تواصل دائم مع ضباط الجيش الموجودين في البلدة والمسؤولين في الدولة>، شدد على ضرورة <تجنيب لبنان نيران المنطقة من خلال خروج حزب الله من سوريا>، معتبراً انه لحظة يُقرر حزب الله الخروج من سوريا سنطلب من النازحين الموجودين في عرسال العودة الى بلدهم. فلولا مشاركته في معارك سوريا لما نزح الينا اكثر من مليون سوري يُشكّلون خطراً على استقرار لبنان.
اللبوة تتحدث عن امير لـ<داعش> في عرسال
خمس دقائق هي مسافة السير بالسيارة من بلدة اللبوة الى عرسال ورغم قصر المسافة بين البلدتين الجارتين الى ان مسافة بعيدة باتت تتحكم بالعلاقة بين ابناء الارض الواحدة. <ابناء عرسال يتعاونون مع الكفار>. اتهام متكرر من ابناء اللبوة يرد عليه جيرانهم < نحن مسلمون وديننا يحتم علينا اغاثة المسلم ونصرته اينما كان فكيف اذا كان جريحاً او جائعاً>. وفي اللبوة من يؤكد لا بل يجزم بوجود تنظيم <داعش> في عرسال حتى ان هناك من تحدث عن امير لهذا التنظيم في البلدة يدعى < أبو حسن الفلسطيني> وتترافق هذه الاحاديث عن شكل الامير ذي الشعر الطويل واللحية الكثيفة المهملة. حاولنا الاتصال به على رقم زودنا به احد ابناء اللبوة لكنه كان خارج الخدمة ليعود ويزودنا برقم آخر ليدور الحديث على الشكل التي: السلام عليكم ابو حسن. اهلا وعليكم السلام، إذا كنتم من الصحافة فلا وقت لدي لاجراء اي حديث اليوم لكنني اعدكم بحديث مفصل في وقت لاحق>.
وفي معلومات خاصة أن الاكثرية الساحقة من ابناء عرسال هم في خصام كامل مع المدعو ابو حسن الفلسطيني، رغم تسلطه وجبروته فهو يمارس ابشع انواع القهر والذل بحق البلدة واهلها وحلى حد قول احد <العراسلة>: ضقنا ذرعاً بتصرفات هذا الرجل الذي أصبح أمير الدولة الإسلامية في القلمون بشكل رسمي وهو اخذ على عاتقه تطبيق الشريعة وإصدار الفتاوى بالشكل الذي يتناسب مع معتقده وهو متهم ايضاً بالإعدامات التي طاولت أشخاصاً من البلدة منهم مزارع رفض الركوع على الارض لمجموعة كانت رصدته وهو يقوم بزراعة ارضه وآخر جرى قتله داخل منزله بدمٍ بارد.
جرود عرسال
يمتد جرد عرسال على مساحات واسعة. جرد وعر، تملأه المغاور الطبيعية، وتميزه طبيعته الجغرافية الصعبة، كما تنتشر فيه بعض البساتين والمساحات الحرجية. بات هذا الجرد، بامتداده السوري (على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية بين لبنان وسورية) حصناً منيعاً لمقاتلي المعارضة السورية. معظم هؤلاء المقاتلين هم أبناء القلمون وريف حمص، فبعد أن انسحبوا من القصير إلى يبرود، هربوا باتجاه الجرد. بعد أسابيع على انتهاء معركة يبرود، نظّم هؤلاء أمورهم. داووا جرحاهم، واستعادوا نشاطهم، واكتشفوا نقاط القوة والضعف في الجرد. انتظروا حزب الله ليستقر، وبدأوا بتوجيه ضربات عسكرية له على طريقة حرب العصابات وهي الطريقة ذاتها التي استخدمها الحزب طوال ثلاثين عاماً في حربه ضد الاسرائيلي في جنوب لبنان.
الفليطي: نعيش بين نارين
بدوره أكد نائب رئيس بلدية عرسال احمد فليطي أن <البلدة تحتضن نحو مئة ألف لاجئ سوري لكنها لا تحضن أي مسلح لا في البلدة ولا في الجرود السورية وان المسلحين المعارضين الذين يقاتلهم حزب الله والقوات الحكومية السورية ينتشرون في جرود القلمون التي سمحت القوات الحكومية لهم باللجوء إليها حين شنت حملات واسعة عليهم في السابق، ولا يلجأون إلى أراضي عرسال بتاتاً. كما وانني لا ألوم أهل اللبوة على ما يعتقدون، بما أن ماكينة إعلامية منظمة تعمل على نشر هذه شائعات تردد على الدوام بوجود ارهابيين في عرسال وذلك على مدار الساعة، وبسرعة هائلة عبر تطبيق <الواتس آب>. واليوم تعيش عرسال كأنها في كوكب آخر يسقط أبناؤها جرحى وقتلى برصاص وقذائف سورية ولبنانية. رصاص مؤيد للنظام وآخر معارض له. يخاف <العراسلة> من مغادرة بلدتهم. لا يعرفون متى تُنصب لهم الحواجز أو تُطلق النار عليهم من جيرانهم>.