بقلم صبحي منذر ياغي
<فقدنا الأرض ولكن بقيت الأنظمة..>، هذه العبارة شاعت بعد حصول حرب الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، والتي سميت بـ<حرب النكسة>، إلا ان خسارة العرب في هذه الحرب الاسرائيلية الخاطفة أحدثت تحولات جذرية على مستوى الحركات التحررية العربية وأبرزها انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني بعدما قلب شعار<الوحدة طريق فلسطين> ليصبح <فلسطين طريق الوحدة>..
التسمية الابرز لهذه الحرب كانت <حرب الأيام الستة>، وهي التي نشبت بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن بين 5 حزيران/ يونيو و10 حزيران/ يونيو 1967 بعد إقفال مضائق <تيران>، وأفضت لاحتلال إسرائيل كل من سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وبنظر المحللين الاستراتيجيين ان هذه الحرب هي الثالثة ضمن الصراع العربي الإسرائيلي.
هذه الحرب اعتبرها الباحث العراقي حامد الحمداني كارثة مفزعة لم يشهد مثلها العالم العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 والتي انتهت بهزيمة كبرى للأنظمة العربية، واحتلال القوات الإسرائيلية لمناطق شاسعة من الأراضي المصرية والسورية والفلسطينية، وكان تأثيرها النفسي على العالم العربي أشد وطأة وأقسى، وشكلت صدمة كبرى في نفس كل مواطن عربي، وإحساس بالضعف والخذلان تجاه قوة إسرائيل المدعومة أميركياً بكل وسائل القوة، وبات قادة الكيان الإسرائيلي مزهوين بنصرهم وبجيشهم الذي لا يقهر، كما كانوا يدعون.
المعلقون السياسيون حمّلوا مسؤولية تلك الكارثة للحكام العرب والتي ما زال العالم العربي يعاني من نتائجها الكارثية، فما زالت هضبة الجولان السورية وكامل الضفة الغربية محتلة، وما زال الشعب الفلسطيني يعاني من جور الاحتلال ويقدم الضحايا تلو الأخرى من أجل الحرية، وما زال الوضع في منطقة الشرق الأوسط يشكل برميل بارود ويهدد بالانفجار في كل حين، وما زال حكام إسرائيل يمارسون سياستهم العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وما زالت الولايات المتحدة تقف بكل قوتها وجبروتها إلى جانب حكام إسرائيل.
الاجواء التي سبقت الحرب
في شهر أيار/ مايو من عام 1967، بلغت أوضاع المنطقة العربية غاية التعقيد، بعد أن تصاعدت لهجة التهديد والتهديد المضاد بين إسرائيل من جهة، ومصر وسوريا من جهة أخرى، بعد إقدام إسرائيل على تحويل مجرى نهر الأردن، مما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى اتخاذ إجراءات مضادة تمثلت بغلق خليج <العقبة> بوجه الملاحة الإسرائيلية. وعلى اثر ذلك، تصاعد الصراع بين الدول العربية وإسرائيل وبوجه خاص بين الرئيس عبد الناصر وقادة إسرائيل، حيث وصل الأمر بعبد الناصر إلى الطلب من قوات الطوارئ الدولية المرابطة بين القوات المصرية والإسرائيلية أن تنسحب من المنطقة. لقد كان واضحاً في ذلك الوقت أن الصراع يوشك أن ينفجر في أي لحظة وأن الحرب بين العرب وإسرائيل قد أصبحت أمراً لا مفر منه. وفي ظل تلك الظروف البالغة الخطورة والتي كانت تنذر بنشوب الحرب في أية لحظة، أجرى عبد الناصر بشكل مستعجل تنسيقاً مع سوريا والأردن لمواجهة التحديات العسكرية الإسرائيلية.
وسارع مجلس الأمن من جانبه إلى عقد جلسة خاصة لبحث الأوضاع المتفجرة بين العرب وإسرائيل، حيث أصدر في ختام اجتماعه بياناً دعا فيه الأطراف المعنية بالصراع إلى التزام جانب الهدوء، وعدم تأزيم الموقف، فقد كان الوضع يوشك على الانفجار لاسيما وأن إسرائيل كانت قد أعلنت التعبئة العامة لقواتها المسلحة وكانت استعداداتها الحربية تجري على قدم وساق. وفي الوقت نفسه، بعث الرئيس الأميركي <ليندون جونسون> برسالة إلى عبد الناصر يطلب منه ضبط النفس، محذراً إياه من مغبة شن الحرب على إسرائيل، ومهدداً إياه بعواقب وخيمة!
وفي ظل تلك الظروف البالغة الخطورة، طلب الاتحاد السوفياتي من الرئيس عبد الناصر ألا تبدأ مصر الحرب، ولكن ينبغي اتخاذ أقصى ما يمكن من إجراءات الحذر واليقظة، والاستعداد التام للرد على أي هجوم إسرائيلي مفاجئ . لكن قيادة الجيش المصري التي كان على رأسها المشير عبد الحكيم عامر لم تكن تعي خطورة الوضع وضرورة الاستعداد التام وجعل القوات المسلحة المصرية في أقصى درجات التأهب في كل لحظة، وخاصة القوة الجوية التي تشكّل الغطاء الجوي الحيوي للقوات المصرية في صحراء سيناء المكشوفة.
وانطلقت الطائرات..
وفي صباح يوم 5 حزيران/ يونيو، فاجأت الطائرات الإسرائيلية المطارات العسكرية المصرية بهجوم واسع النطاق على المطارات العسكرية - المصرية كافة، ودمرت معظم مدرجاتها والطائرات الحربية الجاثمة عليها في الساعات الأولى من ذلك اليوم، مما أفقد القوات المصرية غطاءها الجوي في صحراء سيناء المكشوفة وجعلها تحت رحمة القصف الجوي الإسرائيلي المتواصل بكل ما أوتيت من قوة منزلة الخسائر الفادحة بها وممهدة الطريق أمام قواتها المدرعة للاندفاع نحو قناة السويس، حيث تمت لها السيطرة على كامل صحراء سيناء خلال خمسة أيام.
الهجوم الاسرائيلي المباغت على الدول العربية اعتبره الباحث محمد زهر الدين في حديث مع <الافكار> خطة اسرائيلية جرى وضعها منذ انتهاء حرب 1948 لإكمال اسرائيل سيطرتها على كامل التراب الفلسطيني، وتحقيق أطماعها التوسعية في المنطقة العربية، هي التي تعمل تحت شعار <أرضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل>.
وأضاف زهر الدين: <سبقت حرب الخامس من حزيران/ يونيو عدة تطورات أمنية داخلية في اسرائيل، إذ بدأت العمليات العسكرية الفلسطينية تهدد الأمن الاسرائيلي خصوصاً بعد انطلاقة الثورة في 1/1/1965. وفي يوم 14 ايار/ مايو 1967، زار رئيس أركان الجيش المصري اللواء محمد فوزي دمشق للتنسيق بين البلدين، وأعلنت الحكومة المصرية نقل حشود عسكرية وآليات نحو الشرق وانعقاد مجلس حرب كبير في القاهرة داخل مقر القيادة العامة للجيش المصري>.
الديبلوماسي المصري السابق في لبنان (م . عيسى)، وخلال دردشة مع <الافكار> اعتبر انه عندما أشيع عن حشود عسكرية قرب الحدود الشمالية لإسرائيل بعث رئيس حكومة اسرائيل <ليفي أشكول> برقية إلى وزير الخارجية الروسية <ألكسي كوسيغين> نافياً هذه الاخبار، في حين أبلغ مندوب المخابرات الروسية في مصر مدير المخابرات العامة المصرية بوجود 11 لواء من الجيش الإسرائيلي على الجبهة السورية، وهذا ما أكده الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل.
المشهد الحربي ..
ويرسم محلل عسكري استراتيجي المشهد الحربي صبيحة الخامس من حزيران/ يونيو ويقول: يوم 5 حزيران/ يونيو الساعة 7:45 بالتوقيت المحلي، دوّت صفارات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل وأطلق سلاح الجو الإسرائيلي العملية العسكرية الجوية ضد المطارات المصرية بمعدل 12 طائرة لكل مركز جوي في مصر. وعلى الرغم من وجود بعض المطارات المزودة بملاجئ خاصة للطائرات قادرة على حماية الأسطول الجوي المصري من التدمير، فإن الملاجئ لم تستعمل وربما «المباغتة» التي قام بها الجيش الإسرائيلي هي السبب، فالطائرات الإسرائيلية حلّقت على علو منخفض لتفادي <الرادار> المصري فوق البحر الأبيض المتوسط قبل أن تتجه نحو الأراضي المصرية من فوق البحر الأحمر. وفي كل الأحوال كان من الممكن استعمال صواريخ (أرض - جو) المصريّة لإسقاط أكبر عدد من الطائرات الإسرائيلية وتقليص الخسائر، إلا أن البيروقراطية الإدارية حالت دون استعمال هذا السلاح الذي وصفه محمد حسنين هيكل بالفعّال، وسوى ذلك، فإن القائد العام للجيش المصري المشير عبد الحكيم عامر كان حينئذٍ على متن طائرة متجهة إلى سيناء ولم يعرف بالضربة الجوية الإسرائيلية إلا حين لم تجد طائرته مكاناً للهبوط في سيناء، بسبب تدمير جميع مدرجات المطارات، وهو ما دفعه للعودة إلى مطار القاهرة الدولي دون أن يتمكن من تحقيق غايته. الهجوم على مطارات ومهابط الطائرات المصرية أربك الجيش المصري بحيث عطل القدرة على استعمال 420 طائرة مقاتلة يتألف منها الأسطول الجوي المصري. أخذت الطائرات تقصف وتمشط المطارات العسكرية المصرية. وحده مطار <العريش> لم يستهدف، إذ ان الخطة الإسرائيلية كانت تقضي بتحويله إلى مطار عسكري للجيش الإسرائيلي بعد السيطرة على المدينة لتسهيل الاتصالات الجوية بين داخل البلاد وسيناء، وتم تدمير سلاح الجو المصري بأكمله.
غارات ضد سوريا والأردن والعراق
بعد ظهر ذلك اليوم، تم تنفيذ غارات جوية ضد إسرائيل من قبل الأردن وسوريا والعراق، ردت عليها إسرائيل بالمثل. وفي ختام اليوم الأول، كان الأردن قد خسر أكثر من ست طائرات نقل مدني، طائرتين عسكريتين ونحو 20 جندياً في هجوم شبيه على المطارات الأردنية. أما في سوريا، فإن حصيلة الغارات الإسرائيلية كانت خسارة 32 طائرة. كذلك فقد دمرت عشر طائرات جوية عراقية في مطار عسكري غرب العراق، وقُتل أيضاً 12 مواطناً في لبنان وذلك عقب سقوط طائرة إسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية. في حين خسر الإسرائيليون 26 طائرة فقط خلال اليومين الأولين من الحرب كما قتل 12 طياراً وجرح خمسة وأسر أربعة.
وفي الوقت نفسه، كان اللواء <أبراهام يوفي> ومعه اللواء <آرييل شارون> قد دخلا سيناء من الناحية الجنوبية، واستمرت المعارك ثلاثة أيام، إذ أبدى المصريون مقاومة شرسة و كان سلاح الجو الإسرائيلي يتدخل حاسماً المعركة لصالح القوات البرية الإسرائيلية، ودون أن يلقى مقاومة جوية، رغم سقوط قلب سيناء، وعبر <شارون> القسم الجنوبي من سيناء، مصحوباً بدعم جوي، فسيطر على سيناء الجنوبية وتوقف عند قناة السويس بعد أن سيطر على شرم الشيخ.
وبرأي الباحث العسكري الفلسطيني ابراهيم عثمان خلال حديث مع <الافكار> انه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن آلافاً من الجنود المصريين قُتلوا خلال انسحابهم من وسط سيناء نحو القناة، إذ اضطروا لقطع 200 كلم سيراً على الأقدام في بيئة صحراوية جافة، وهو ما أدى إلى قبول مجموعات من الجنود تسليم أنفسهم كأسرى للجيش الإسرائيلي، في حين نجت مجموعة قليلة جداً من جنود القوات المصرية التي كانت مرابطة في سيناء.
... احتلال الضفة الغربية
بدأ الجيش الأردني في صباح 5 حزيران/ يونيو، مدعوماً من المدفعية العراقية، قصف مواقع في القدس الغربية. ومساء ذلك اليوم، عقد مجلس الوزراء الاسرائيلي جلسة وقرر بناءً على اقتراح <مناحيم بيغن> و<إيغال آلون> إعلان الحرب على الأردن واحتلال الضفة الغربية. ويوم 6 حزيران/ يونيو، سارعت وحدات من الجيش الإسرائيلي لدخول الضفة وهاجم الطيران الإسرائيلي مطارات الأردن ومراكز التزود بالوقود. ويوم 7 حزيران/ يونيو، هاجم لواء المشاة اللطرون واستولى عليها عند الفجر، ومنها تقدم نحو بيت حورون وثم إلى رام الله محاصراً إياها، والمناطق الجبلية شمال غرب القدس. وفي ختام اليوم، كان الجيش الإسرائيلي قد احتل رام الله وأوقف تقدم قوات أردنية آتية من أريحا لتعزيز الموقف على القدس. ودخلت وحدات من الجيش الاسرائيلي البلدة القديمة عبر بوابة الأسد واستولت على جبل الزيتون والمسجد الأقصى وحائط المبكى، وبيت لحم، ونابلس، وأريحا، ووصل الجيش الإسرائيلي إلى نهر الأردن وأغلق الجسور العشرة التي تربط بين الضفة الغربية والبلاد.
و.. .. الجولان
مساء 5 حزيران/ يونيو، دمرت الضربات الإسرائيلية ثلثي سلاح الجو السوري. وقد بدأ الهجوم الاسرائيلي في تمام الثالثة فجر 9 حزيران/ يونيو رغم أن سوريا قد أعلنت موافقتها على وقف إطلاق النار. يوم 10حزيران/ يونيو، أطبق الإسرائيليون على الهضبة وانسحبت القوات السورية قبل إتمام الانتشار تاركة أسلحتها في بعض المواقع ثم سقطت القنيطرة عاصمة الجولان. وقد ذكرت مجلة <التايم> ان إذاعة دمشق قد بثت خبر سقوط القنيطرة قبل ثلاث ساعات من حصوله، نقلاً عن بيان لوزير الدفاع السوري يومئذٍ حافظ الاسد، وصار هذا الامر وصمة عار يذكرها المعارضون دوماً متهمين الاسد بالوقوف وراء سقوط الجولان، ونيله رئاسة سوريا فيما بعد كجائزة ترضية لقاء ذلك.
ناصر يقدم استقالته
في التاسع من حزيران/ يونيو، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه عن رئاسة الجمهورية وتعيين زكريا محي الدين خلفاً له، إلا ان الشعب المصري ومعه الشعوب العربية نزلوا الى الشوارع بشكل هستيري رافضين استقالة القائد ومؤكدين على المضي معاً للتحرير.
يروي نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دريد ياغي لـ<الافكار> كيف ساد العالم العربي جو من الاحباط واليأس نتيجة الهزيمة، الا ان ذلك لم يمنع الجماهير من النزول الى الشوارع لتأكيد وقوفها مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان جريئاً ومخلصاً في تقديمه استقالته، وانتشرت التظاهرات في كل أنحاء الوطن العربي تهتف: <ناصر، ناصر>.
القرار 242 ...
نتيجة لهذه الحرب، تقدم وزير خارجية الاتحاد السوفياتي <أندريه غروميكو> يوم 12 حزيران/ يونيو بطلب دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت يوم 17 حزيران/يونيو واستمرت حتى 30 منه، وقدمت بريطانيا عبر مندوبها <اللورد كارادون> مشروع قرار إلى مجلس الأمن عُرِف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي اتخذ بإجماع الدول الخمس عشرة. وقد جاء القرار في خمس مواد نصّت على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وإنهاء جميع مظاهر الحرب وضمان حرية الملاحة البحرية وإنهاء مشكلة اللاجئين وضمان عدم انتهاك سيادة الدول واستقلالها والعمل على خلق مناطق منزوعة السلاح في الشرق الأوسط. ولم يتم تطبيق هذا القرار حتى اليوم.