تفاصيل الخبر

حواران ونتيجة واحدة: دوران في «حلقة مفرغة» في انتظار «الترياق» من دول كبرى... غير مهتمة!

13/11/2015
حواران ونتيجة واحدة: دوران في «حلقة مفرغة»  في انتظار «الترياق» من دول كبرى... غير مهتمة!

حواران ونتيجة واحدة: دوران في «حلقة مفرغة» في انتظار «الترياق» من دول كبرى... غير مهتمة!

 

ميقاتي-سلامثمة قناعة بدأت تترسخ لدى الأوساط السياسية اللبنانية بوجود ارتباط مباشر ووثيق بين الحوار الموسع الذي يُعقد في مجلس النواب بدعوة من الرئيس نبيه بري، والحوار الثاني الذي يُعقد في عين التينة بين حزب الله وتيار <المستقبل> ويرعاه الرئيس بري الذي أوكل الى مساعده السياسي الوزير علي حسن خليل حضور جلساته. وعليه، فإن أي تقدّم يُسجّل في أحد الحوارين لا بُدّ أن ينعكس على الثاني، وأي خلاف في حوار ساحة النجمة سيؤدي الى خلاف في عين التينة، والعكس صحيح. ولعلّ القاسم المشترك الذي برز من خلال الحوارين - حتى الآن على الأقل - هو عدم وصول أي من الحوارين الى نتائج ملموسة، فأضحى استمرار الحوارين، هو النتيجة الوحيدة التي تحققت حتى الآن بين المتحاورين الـ16 في ساحة النجمة، والمتحاورين الاثنين في عين التينة، ولا مؤشرات تدلّ على أن تقدماً عملياً سيتحقق مع فارق أساسي وهو أن المشاركين في حوار مجلس النواب <يتنافسون> في توزيع محاضر الجولات الحوارية لإبراز <بطولات> كل من الموجودين حول الطاولة المستديرة - أو معظمهم على الأقل - فيما يلتزم المشاركون في حوار عين التينة مضمون البيان المقتضب الذي يصدر بعد كل جلسة والذي لا يحمل جديداً إذ ينطبق عليه توصيف <ما قلّ ولم يدلّ>!

إلا أن الثابت الوحيد أن حوار عين التينة صامد على رغم كل الهزات التي أصابته من مضمون خطب نارية وتعليقات وتسريبات من داخل الحدود اللبنانية ومن خارجها، وكذلك حوار ساحة النجمة وان دار في حلقة مفرغة وغاب عن بعض جلساته أقطاب الصف الأول ليحل مكانهم ممثلون من الصف الثاني، وذلك لأن أياً من المتحاورين هنا وهناك لا يتحمّل مسؤولية تعطيل أي من الحوارين لئلا يتحمّل بالتالي وزر ما قد يحصل من ردود فعل قد لا تبقى سياسية وإعلامية... لأن <النار تحت الرماد> كما يقول أحد المشاركين في حوار عين التينة، ويؤيده في ذلك أحد أقطاب ساحة النجمة... وعليه فإن الجلسات ستستمر من دون أن تترك أي أثر حقيقي في نفوس اللبنانيين الذين اعتادوا مثل هذا <الفولكلور>، اللهم <زحمة السير> التي تسبّبها الإجراءات الأمنية المشدّدة التي تُتّخذ في محيط مجلس النواب بدءاً من ساحة الشهداء حتى ساحة رياض الصلح، في كل مرة يجتمع شمل المتحاورين... المختلفين على كل شيء.

وتقول مصادر نيابية متابعة انه كما هو ممنوع على الحوار بين حزب الله وتيار <المستقبل> أن يتوقف ولو لم يُسفر عن أي مفاعيل إيجابية، كذلك ممنوع على الحوار في مجلس النواب بين رؤساء الكتل النيابية (ما عدا كتلة <القوات اللبنانية>) أن يتوقف هو الآخر، لأن ثمّة من يعتبر أن الحوار في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة هو حوار غير مباشر بين طهران والرياض، فيما يعتبر حوار ساحة النجمة حواراً محلياً له أبعاد إقليمية ودولية، هو بالأحرى <حوار المنتظرين> لأي تقدّم يتحقق من تفاهم <الأقوياء> الذي يتناول كل الساحات المضطربة في الجوار اللبناني وما بعد اللبناني، من دون أن يلامس - حتى الساعة - النار اللبنانية المتأججة تحت الرماد في انتظار من يطفئها... أو من يؤججها!

وإذا كان الرئيس نبيه بري - عرّاب الحوارين - يتحدث أمام زواره عن <إنجازات> حققها حوار عين التينة أخمدت فتنة وهي في المهد من دون أن تقضي عليها بعد نهائياً، فإن الواقع الملموس يدل ان هذا الحوار لم يحقق على المستوى السياسي أي إنجاز، بدليل أن التوتر السياسي بين الطرفين المتحاورين مستمر، لا بل يتصاعد من حين الى آخر من دون أن يعطل تلك الجلسات الليلية التي لا تزال بعيدة عن الإعلام إذ لم يسمح الرئيس بري بعد بتوزيع أي صورة للحوار الثنائي ومُنع الإعلاميون من الاقتراب الى مقر عين التينة، فيكتفي المراسلون بالوقوف في الشارع المقابل يشيرون الى ما يجري خلف أسوار قصر الرئاسة الثانية... وينظّرون. ووسط كل ما قيل وسيُقال في التصاريح والبيانات الأسبوعية لكتلتي <المستقبل> وحزب الله في ما يعتبره المراقبون امتداداً للصراع السعودي - الايراني المتعدد الوجوه والأسباب والحجج، فإن الجلسات الحوارية لن تتوقف في انتظار <اللحظة المناسبة> التي يصبح فيها الحوار السني - الشيعي بنسخته اللبنانية، معمماً على الرياض وطهران، وستصل <شظاياه الايجابية الى حوار ساحة النجمة الذي ينتظر هو الآخر <الترياق> من عاصمة <ولاية الفقيه> ومملكة خادم الحرمين الشريفين.. وفي الانتظار يحلّ المتحاورون في عين التينة عقدة أمنية من هنا، فـ<تفرّخ> عقدة أخرى من هناك، ولا يصل الامر الى تبديد الخلاف السياسي العميق بين الطرفين.

أما في ساحة النجمة، فالجولة العاشرة من الحوار الموسع <رُحّلت> الى الثلاثاء المقبل بعد جولة تاسعة دار النقاش فيها دورة كاملة على المواصفات التي يُفترض أن يتحلى بها رئيس الجمهورية العتيد، من دون أن يتم إسقاط هذه المواصفات على الجسم الرئاسي الذي يُفترض أن يدخل الى قصر بعبدا ويعيد الى جناحه الرئاسي الحياة التي غابت عنه منذ 25 أيار/ مايو 2014 حين غادره الرئيس السابق ميشال سليمان مشيعاً بمثل ما استُقبل به في 26 أيار/ مايو 2008 من حفاوة وتكريم!

حتى المواصفات الرئاسية التي طويت صفحتها على عدم اتفاق حاسم كادت أن تصبح مادة خلافية إضافية لولا أن الرئيس بري <قفز> عنها ليضع النفايات على الطاولة المستديرة... لكن حتى هذا الملف المليء بالمخاطر البيئية والصحية والنفسية لم يجد الطريق الى الحل، لا بل طُوي هو الآخر بعد أكثر من ثلاثة أشهر على تمدده من مدينة الى أخرى، ومن مطمر الى آخر، و<من مكبّ مذهبي> الى <مكبّ طائفي>... وهكذا بدا أن خلاصة الجولات الحوارية التسع لم تحمل أي تبديل في مواقف الفرقاء الذين تمسكوا بثوابتهم ومسلماتهم ورفع كل منهم شعار <لا أحد يستطيع إلزام الآخر على قبول صيغ حلول ناجعة ولا حتى في مقدوره إقناع هذا القيادي أو ذاك بتليين موقفه>. وعليه سيستمر <تدفق> الأفكار والآراء والتحليلات كما تدفقت سيول <الشتوة> الثانية وأغرقت الشوارع والأوتوسترادات بالمياه... والنفايات. حتى المواصفات التي تبارى كل قيادي في تقديمها، شفهياً أو مطبوعة على ورق (كما أراد الرئيس بري)، أتت مثالية وفضفاضة بحيث تصلح لأي بلد كان إلا لبنان. لكن ثمة من أقرّ مثل رئيس تيار <المردة> النائب سليمان فرنجية، ان حوار ساحة النجمة <عادل> بين المشاركين، <فلا غالب فيه ولا مغلوب> وفق المعادلة الشهيرة التي أضاف إليها المغفور له الرئيس صائب سلام (والد الرئيس تمام سلام) عبارته الشهيرة <لبنان واحد لا لبنانان>!

وبين فكرة من هنا وتوصيف من هناك، وتعليق من رئيس كتلة وردّ من آخر، مرّت ساعات الجولة التاسعة على خير وكان اتفاق الاقطاب المتحاورين... ألا يتفقوا على صيغة <النأي بالنفس> على رغم أن الرئيس نجيب ميقاتي تلا على مسامع رفاقه على الطاولة مقطعاً من البيان الوزاري لـ<حكومة المصلحة الوطنية> يؤكد التزام المشاركين فيها (وهم أنفسهم الى طاولة الحوار) بسياسة <النأي بالنفس> حيال الخلافات العربية التي أفرزت صدامات دموية ودماراً وتهجيراً فاقت كل الحدود. كذلك اختلف الحاضرون على سلّم الأولويات، فبعدما بدا أن ثمة قناعة بضرورة الانتقال الى بند آخر غير بند انتخاب رئيس الجمهورية، سرعان ما تبيّن أن الانتخاب الرئاسي يبقى أولوية حتى من حليف حزب الله و<التيار الوطني الحرّ> النائب سليمان فرنجية الذي قال ما حرفيته: <بالإذن من الاخوة في <التيار الوطني الحرّ> أرى أن الأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية وليس علينا أن ننتظر سنتين كي تحصل الانتخابات النيابية>، وتركت مداخلة فرنجية صدى على الطاولة، فاستحضر بعض المشاركين <سيناريو> مؤتمر الدوحة العام 2008 من دون تكرار نتيجته، فيما أشار آخرون الى <السلة الكاملة>، وطالب فريق من المتحاورين بـ<السلة> مع اولوية انتخاب الرئيس!

والى أن يلتقي متحاورو عين التينة خلف أسوار مقر الرئاسة الثانية، ويلتئم شمل رؤساء الكتل أو من يمثلهم في ساحة النجمة مع حضور متناقص للأقطاب، سيبقى عنوان كل من الحوارين الدوران في الحلقة المفرغة إياها التي تجعل نقاشاتهم... <حوار طرشان> في انتظار <الترياق> من عواصم دول القرار المنشغلة بما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان ومصر، متناسية عن قصد الانتفاضة المتجددة في فلسطين!