سارت الأمور على ما يرام ولم يحدث أي تطور سلبي، وانعقد اللقاء الحواري بين حزب الله وتيار <المستقبل> قبل أيام من انتهاء 2014، وكان لقاءً تمهيدياً للعودة، جمع ممثلي الطرفين برعاية وحضور الرئيس نبيه بري ومعاونه السياسي الوزير علي حسن خليل، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، على أن تتوالى اللقاءات <الجدية> مع حلول السنة المقبلة وفق آلية يتم الاتفاق عليها في اللقاء التمهيدي. ومن الواضح أن اتصالات الأيام الماضية ساهمت في تذليل العقبات أمام بدء الحوار الذي يلتقي الطرفان على أهميته من جهة، وتمسك كل منهما به، وهذا ما ظهر جلياً في كل ما قيل في اللقاء الأول الذي كان منتظراً.
وكانت التحضيرات لبدء الحوار قد مرت في حالات صعود وهبوط، كان خلالها الرئيس نبيه بري <الرافعة> التي أبقت الرغبة في التلاقي قائمة، يؤازره <من بعيد> رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. وقد ساهمت كل هذه المداخلات في الاتفاق على عناوين جدول أعمال الحوار وأبرزها تخفيف الاحتقان الحاصل بين قاعدتي الطرفين، و<تجفيف> منابع الحملات الإعلامية التي تراجعت نسبياً منذ أن وضع مشروع الحوار على السكة، والعمل على مواجهة الإرهاب سياسياً ودينياً وثقافياً وإعلامياً (وهو الموضوع الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً خلال التحضير)، والعمل على إيجاد تصوّر لتعاونٍ أمني وتنسيقي بين الحزب و<المستقبل> لرفع الغطاء عن المتورطين في هذا الملف والقبض عليهم، وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية في إنجاز المهمات المطلوبة منها وفي المقدمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إضافة الى تفعيل عمل مجلس النواب انطلاقاً من شعار <تشريع الضرورة>. وتوافق الطرفان - عبر الوسطاء - على إضافة بند يتناول <تحرير> مجلس الوزراء من قيد العراقيل التي نتجت عن اعتماد صيغة التواقيع الـ24 على المراسيم وتجاوز الدستور في هذا السياق. وقالت مصادر معنية بالحوار بين <التيار الأزرق> وحزب الله ان هذا البند وُضع بعد <اقتناع> الطرفين بأن ما يجري داخل مجلس الوزراء من مواضيع خلافية عطل عملياً قدرة مجلس الوزراء على ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في بت الكثير من المواضيع العالقة (والنموذج ما يتصل بالملف النفطي وغيره)، وأتت الإضافة تجاوباً مع رغبة أبداها وزراء <المستقبل> في الحكومة وعدد من الوزراء الحلفاء الذين رأوا ضرورة <التفاهم> على الحد الأدنى في مجلس الوزراء لتمرير المشاريع والاقتراحات الخاصة بوزاراتهم وضمان عدم اعتراض وزراء 8 آذار، ولاسيما وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله عليها.
مظلة إقليمية ودعم دولي
ومع زوال <العوائق> أمام اللقاء الثنائي برعاية أولية من الرئيس نبيه بري على اثر الزيارة التي قام بها وفد <المستقبل> برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة الى الرياض، تبين ان القرار بالحوار <واجب التنفيذ> وتتوافر له المظلة السعودية التي تسبغ عليه أهمية تتجاوز الإطار اللبناني ليشكل حواراً غير مباشر بين الرياض وطهران يوضع خارج الخلافات الأخرى بين البلدين، في محاولة للوصول الى تفاهمات تقتصر على الساحة اللبنانية. وقد بدا من جولة الموفدين الفرنسي والروسي والأممي الذين زاروا بيروت تباعاً في الأسبوعين الماضيين ان الدعم الدولي لحوار <المستقبل> - حزب الله مؤمّن بنسبة عالية لاسيما من الديبلوماسية الفرنسية التي اوكلت الى السفير <جان فرانسوا جيرو> مهمة نقل هذا التأييد خلال جولاته المكوكية بين طهران والرياض وبيروت، وبالتالي <تشجيع> الأطراف على خوض غماره. وفي هذا السياق، يقول مصدر ديبلوماسي أوروبي إن باريس وغيرها من الدول التي تتابع الملف اللبناني، تعتقد ان حصول حوار بين <المستقبل> وحزب الله من شأنه ان يريح الساحة اللبنانية الداخلية من الكثير من التشنجات ويمنع حصول مضاعفات أمنية لأي خلاف سياسي، وبالتالي فإن مثل هذه المناخات الإيجابية يمكن أن توفر، استطراداً، إطاراً <مسهلاً> للبحث في الملف الرئاسي عندما تلتقي القوى الخارجية الفاعلة على ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق، ما يجعل حوار <المستقبل> - حزب الله الفرصة المتاحة محلياً لـ<تغطية> أي اتفاق خارجي على هوية الرئيس العتيد.
لقاءات الرياض التمهيدية
وفي هذا السياق، تشير المعلومات المتوافرة عن لقاءات الرياض التمهيدية، انه في ما خص الملف الرئاسي، كان الرأي متفقاً بين أعضاء الوفد الذي رافق الرئيس فؤاد السنيورة من جهة والرئيس الحريري من جهة ثانية على أن البحث فيه يندرج في إطار التشاور في العناوين والمبادئ والضرورات، ثم العبور الى مسألة الاسم أو الاسماء، غير أن لا بت بالموضوع قبل أن يعود الطرفان الى حلفائهما.. هذا إذا توافق المتحاورون على تصور معين.. من هنا برز توجه لدى النقاش في الرياض يقضي بضرورة عدم البت في أي من المواضيع الدقيقة من دون التشاور مع الحلفاء، ما أدى الى الاتفاق على تسمية عضو أو أكثر من الحاضرين لتأمين التواصل مع الحلفاء ووضعهم أولاً بأول في تفاصيل الحوار ومجرياته، حتى إذا ما تم التوصل الى اتفاقات محددة تكون الأرضية مهيأة لتجاوب الحلفاء وتعاونهم وعدم وضع العصي في دواليب الحلول المطروحة. وفي المعلومات أيضاً أن الرئيس سعد الحريري حرص على إبلاغ الوفد <المستقبلي> الذي زاره في الرياض ضرورة مواجهة الحملات التي تتحدث عن <تباين> في وجهات النظر داخل <التيار الأزرق> في ما خص الحوار مع حزب الله والتأكيد على <وحدة الموقف>، لاسيما وان استمرار التسريبات عن خلافات و<أجنحة> تسيء الى موقف <المستقبل> من جهة، والى العلاقة مع الأطراف الآخرين من جهة ثانية. وقال الحريري في هذا السياق: <كنت أول من دعوت الى الحوار، وبالتالي لا يجوز أن أقفل الباب في وجه أي شكل من أشكاله حتى ولو كان الشريك الآخر في الحوار على اختلاف معه.. لقد قلنا كلمتنا في الحوار وعلينا أن نستمر مهما كانت النتائج، بهدف تحقيق أول إنجاز حواري وهو تنفيس الاحتقان السني - الشيعي، على أن يكون البند التالي مباشرة موضوع الاستحقاق الرئاسي، لأن ثمة ضرورة لتنفيس الاحتقان كأساس لتدعيم التهدئة وحماية السلم الأهلي، على أن يعني ذلك عدم المطالبة بتحقيق التوازن في تطبيق الخطة الأمنية بين طرابلس التي استعادت استقرارها، وبين البقاع الشمالي بعدما تبين أن الخطة المعدة له ما زالت متعثرة>.
وطالب بعض الحاضرين في الرياض أن يكون موضوع <سرايا المقاومة> على بساط البحث أيضاً، بعد تكاثر الأجواء الأمنية التي اشتركت فيها <السرايا>، ولاسيما في صيدا والجنوب، وتقرر أن يبقى هذا الموضوع مطروحاً <في الذهن> على أن يتحول بنداً موجوداً على الجدول إذا ما كانت مناخات الحوار ومضمونه تشجع على ذلك.
وفي الوقت الذي أشارت فيه مصادر متابعة الى عدم جواز بناء <أوهام كبيرة> من الحوار الموعود، وأن هذا الانطباع يُلمس لدى حزب الله و<المستقبل> على حد سواء، نقل عن العاملين على خط الوساطة بين الطرفين ان العناوين الخلافية الكبيرة أصبحت مع الوقت أقل حدة مما كانت عليه من قبل، لاسيما في ما خص تدخل حزب الله في سوريا في ضوء ممارسات تنظيم <داعش>، وقضية السلاح الذي سلّم الجميع بما في ذلك الخارج بأن أوان الحديث عنه لم يحن بعد في ظل ما يجري في الجنوب من اعتداءات اسرائيلية بين حين وآخر.
حزب الله: الشكل والمضمون
أما على خط حزب الله، فقد بدا ان لدى قيادة الحزب رغبة واضحة في عدم التجاوب مع القول ان الحوار الموعود هو <شكل بلا مضمون> وانه لن يتعدى إطار الصورة، بدليل أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم جزم ان الحوار <مطلوب شكلاً ومضموناً، وعندما ينطلق بحده الأدنى، فإنه يفتح الباب للحلول>، مكرراً التذكير بأن الحوار <هو الطريق الوحيد المتاح لمعالجة أوضاعنا>.
ويلتقي مسؤولون في حزب الله مع مسؤولين في <المستقبل> على القول ان الحوار في ما بينهما هو <عملية تحدٍ> كبيرة لمحيطهما ولمرجعيتهما الإقليمية لأنهما يلتقيان حول طاولة واحدة في ظرف سياسي ارتفع فيه منسوب الخلاف بين طهران والرياض الى ذروته. من هنا يعطي المسؤولون في الطرفين أهمية للحوار الموعود لتبديد المناخات السلبية العامة، وللتأكيد على خصوصية الوضع في لبنان في ظل الخلاف الإقليمي الحاد.