يلتقي أركان تيار <المستقبل> مع قياديين في حزب الله على التأكيد بأن الحوار القائم بين التيار والحزب سيستمر مهما كانت الظروف السياسية أو التطورات الأمنية، بدليل أن الاعتداء الإسرائيلي على الموكب القيادي لحزب الله في منطقة القنيطرة السورية وما رافقه من تداعيات لم يؤثر سلباً على الحوار القائم ولا دخل على <أجندة> النقاش لأن الاتفاق على إبقاء <تورط> حزب الله ــ كما يقول تيار <المستقبل> ــ في سوريا خارج مواضيع الحوار بعدما تمسك حزب الله بموقفه حيال <الدفاع عن المقاومة> من خلال محاربة الإرهابيين في سوريا ومنع تمددهم باتجاه لبنان.
ولعل ما يجعل استمرار الحوار بين الطرفين واقعاً قائماً بعيداً عن أسباب الخلاف أو التعثر هو قناعة لديهما بأن هذا الحوار إنما يعود بالفائدة على الطرفين وهو بات <حاجة> لكل منهما. فالحزب يعتبر أن النقاش السياسي مع <المستقبل> لا ينفّس الاحتقان فحسب، بل يفتح الآفاق على تلاقٍ في أكثر من موضوع وقضية ما يخفف العبء عن الحزب ويمكنه من الاستمرار في مواجهة الإرهابيين والدفاع عن النظام السوري القائم، إضافة إلى التزام الحزب بقضايا أخرى تجعله مرتاحاً لأن <ظهره> لم يعد مكشوفاً كما في السابق.
أما تيار <المستقبل> فهو يُقبل على الحوار رغم كل ما حصل وما يمكن أن يحصل، من زاوية تتجاوز مسألة <تنفيس الاحتقان> على أهميتها، إلى ضرورة استمرار النقاش لأنه يسجل بذلك نقاطاً لمصلحته يمكن أن يستثمرها تباعاً في تحقيق المزيد من المكاسب الداخلية. ولا يخفي <المستقبليون> قناعتهم بأن وقوع حزب الله بين ضغط العمل العسكري من جهة، وتنامي خطر التنظيمات الإرهابية والأصولية ضده، ثم الدخول الإسرائيلي على الخط من خلال اعتداء القنيطرة، سيجله مستعداً للتجاوب مع أي خطوة تقرّبه من الطرف السني في البلاد مما يؤدي عملياً إلى <إراحة> المناخ الداخلي من جهة، والحصول على <مكتسبات> محددة لن يتنازل عنها حزب الله لو لم يكن في وضع مأزوم ــ حسب تعبير <المستقبليين> ــ حيال ما يجري في سوريا من مواجهات، وصولاً إلى الحدود اللبنانية ــ السورية حيث المعابر غير الشرعية. وقد تشاور الرئيس نبيه بري سريعاً مع الرئيس سعد الحريري في مسار الحوار خلال وجودهما في الرياض للتعزية بوفاة الملك عبدالله عشية الجلسة الرابعة التي عقدت في عين التينة وتم خلالها التركيز على أن الخطر الإرهابي يدفع بطرفي الحوار إلى العمل معاً لمواجهته لأنه إذا ما حقق أي تقدم في اتجاه الساحة اللبنانية <لن يرحم> أحداً من المؤمنين بالاعتدال والموضوعية. وهنا يتساوى <المستقبل> مع حزب الله في أن يصبحا الهدف الأبرز للإرهابيين انتقاماً للمواقف غير المؤيدة للمنظمات الإرهابية التي صدرت عنهما في أوقات متفاوتة. وفي رأي المصادر المتابعة أنه بعد الاعتداء الإسرائيلي في القنيطرة، بدا أن انشغال حزب الله بالجبهات السورية سيكون أكبر ما سيمكن <المستقبل> من <استثمار> الحوار وجعله أكثر <إنتاجية> فيما لو كان الحزب <مرتاحاً لوضعه> وقادراً على إدارة الحوار لمصلحته...
أمن البقاع الشمالي واللافتات
وكانت الجولة الثالثة من الحوار بين حزب الله و<المستقبل> قد أعطت جرعة إضافية على طريق الوصول إلى ترجمة عملية للنقاش الدائر بين الطرفين، بعدما التقى المتحاورون على الإشادة بالعملية الأمنية في رومية واعتقال الجيش لإرهابيين وانتحاريين، كما التقوا على ضرورة العمل لتعزيز السلم الأهلي في البلاد إلى حين الوصول إلى الملف الأصعب وهو الملف الرئاسي. وفي هذا السياق، أكدت مصادر متابعة للحوار لـ<الأفكار> أن التوافق كان تاماً خلال الجولة الثالثة على أمور عدة أبرزها الآتي:
ــ استكمال تنفيذ الخطة الأمنية في البقاع الشمالي والتزام جميع الأطراف المعنيين تسهيل تنفيذها من خلال رفع الغطاء عن مخالفي القوانين والمطلوبين، وعدم وضع خطوط حمراء أمام انتشار القوات الأمنية في المناطق التي يختبئ فيها المطلوبون والمخلّون بالأمن.
ــ الاتفاق على إزالة الصور واللافتات والرايات المنتشرة في بيروت وطرابلس وصيدا وحول المكاتب الحزبية، ورفع كل المظاهر التي من شأنها أن تحدث <استفزازاً> أو تثير حساسيات. وقد تجاوب ممثلو حزب الله و<أمل> في الجلسة الحوارية برفع ما يمكن أن يشكل إزعاجاً لمناصري تيار <المستقبل> على أن يتم ذلك بعد استكمال النقاش في الجلسة الرابعة في 26 كانون الثاني/يناير. وأشارت المصادر المتابعة إلى أن <الموافقة المبدئية> على إزالة الصور والشعارات ستصبح نهائية حتماً بعد التواصل مع قاعدتي <الحزب> و<التيار> منعاً لأي ردود فعل قد تنتج عن التباسات في التنفيذ.
ــ توافق الطرفان على أن تواكب المناسبات الاستثنائية التي يحييها حزب الله و<المستقبل> حملات إعلامية مؤقتة تتضمن نشر أعلام ورايات وشعارات، على أن ترفع فور انتهاء المناسبة بحيث تكون تدابير موقتة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير المقبل، والمناسبات الدينية التي يحييها حزب الله في احتفالات شعبية. وفي ما عدا ذلك، فإن كل المظاهر الأخرى سيتم رفعها تدريجياً.
وفي وقت غاب فيه الموضوع الرئاسي عن النقاش في الجولة الثالثة، كما حصل في الجولتين الأولى والثانية، تجدد حول وضع <سرايا المقاومة> المدعومة من <الحزب> في ضوء الملاحظات التي أعاد ممثلو <المستقبل> الإشارة إليها في معرض الحديث عن مخالفة القوانين واستخدام السلاح في صراعات داخلية تسبب الأذى للمواطنين وتزيد من الاحتقان السياسي والمذهبي. وتشير المصادر إلى أن النقاش حول أوضاع <سرايا المقاومة> لم يصل إلى نتيجة عملية بعد، في وقت أبدى خلاله ممثلو حزب الله استعدادهم لتسليم أي مطلوب ينتمي إلى <السرايا> أخلّ بالأمن أو تسبّب بإشكالات أمنية أو مذهبية، وارتكب ممارسات مسيئة، وأبقي هذا الشق من النقاش معلقاً ليستكمل لاحقاً.
موقف نصرالله من البحرين
خارج الحوار
ولم يتطرق المتحاورون إلى مضمون التصريحات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول الوضع في البحرين والتي تسببت بردود فعل خليجية سلبية رافقتها مخاوف من إجراءات يمكن أن تتخذها دول خليجية في حق اللبنانيين العاملين فيها دفعت برئيس الحكومة تمام سلام إلى الإعلان رسمياً عن أن مواقف السيد نصرالله لا تعبّر عن رأي الحكومة اللبنانية، مؤكداً الحرص على العلاقات الأخوية بين لبنان والبحرين.
وعلمت <الأفكار> في هذا الإطار أن اتفاقاً ضمنياً تم التوصل إليه بعدم إثارة تداعيات مواقف السيد نصرالله من البحرين في الجلسة الحوارية حفاظاً على الانسياب الإيجابي للحوار القائم بين الطرفين لاسيما وأن لقيادات <المستقبل> مواقف واضحة في رفض التعرض للدول الخليجية وأنظمتها وهذا ما حصل بالفعل من خلال تصريحات صدرت عن قيادات في <المستقبل> دانت التعرض للبحرين ملكاً وحكومة وشعباً، من دون أن يؤثر ذلك على الحوار بين <الحزب> و<التيار الأزرق>. وأكدت المصادر المتابعة على وجود رغبة أكيدة بعدم تسهيل الحوار أو <فتح أبواب مغلقة> تتسرب منها رياح قد تؤدي إلى تعطيل الحوار في أي لحظة.
وفيما أنجز الطرفان الجولة الرابعة في <أجواء مشجعة> في موضوع إزالة المظاهر الاستفزازية والصور واللافتات، لا تعلق مصادر <المستقبل> على ما يصدر من تشكيك بفائدة الحوار طالما أن الملف الرئاسي هو موضع خلاف، وتقول في هذا السياق إن المعطيات الأمنية المتوافرة لاسيما لدى عضو الوفد <المستقبلي> الوزير نهاد المشنوق والتي عرضها على المتحاورين وغيرهم من المسؤولين والسياسيين دفعت في اتجاه تذليل العقبات أمام الحوار لأنه سيكون وسيلة من وسائل التصدي للإرهاب وليس مجرد لقاء أسبوعي في عين التينة، لأن الأعمال الإرهابية التي حصلت والتي يخشى من تكرارها في الآتي من الأيام لن تستهدف فريقاً لبنانياً واحداً، بل جميع اللبنانيين بهدف إشعال الفتنة والاقتتال، والحوار القائم يساعد على جعل المواجهة واحدة أو منسقة على الأقل ويعطل إمكانية الاستثمار السلبي كما كان يحصل في السابق. وتضيف أنه لولا وجود نقاط تتباين وجهات النظر حيالها لما حصل الحوار الذي سيشهد <طلوع ونزول> للوصول في النهاية إلى توافق يحسّن شروط التماسك الداخلي ويوحّد المواجهة مع الإرهاب. وتأمل المصادر في أن يتم التوصل إلى تفاهمات عملية حول بعض القضايا العالقة بحيث تكون احتفالات 14 شباط/فبراير المقبل مناسبة لإبراز <إيجابيات> تمهد للاتفاق على معالجة <السلبيات> التي لا تزال تحيط بالعلاقة بين الطرفين.
الحريري مدعو للعودة
وتراهن المصادر المتابعة على ما صدر عن السيد نصرالله من <تفاؤل كبير> بالحوار الجاري مع <المستقبل>، ومن دعوة للرئيس الحريري بالعودة إلى لبنان <لأنه من الطبيعي أن يكون في بلده>، على أساس أنهما يكملان الجرعات الإيجابية التي أكثر الرئيس نبيه بري في إطلاقها بعدما باتت حركة <أمل> شريكة كاملة في الحوار الثنائي بين <المستقبل> وحزب الله بفعل وجود المعاون السياسي لبري الوزير علي حسن خليل في كل الجلسات الحوارية واشتراكه في النقاش وليس فقط الاكتفاء بالمتابعة والتدخل عند الحاجة.
وآخر ما قاله الرئيس بري كان بعد جلسة يوم الجمعة الماضي إذ أفاض في إبراز إيجابيات الحوار الذي سوف يستمر ما دامت الأزمة قائمة في لبنان مع السعي الدائم إلى إجراء الانتخابات الرئاسية من دون الخوض في اسم الرئيس المقبل. ويرى الرئيس بري أن الحوار يهيئ <الأرض الخصبة> في انتظار ما يمكن أن يأتي من الخارج <لتعزز بذوره في الأرض عندنا وعلينا أن نكون جاهزين لهذا التطور وللاستفادة منه>.