لم تصل الإيجابية التي قابل بها تيار <المستقبل> وحزب الله الدعوة الى حوار بينهما يرعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى مرحلة تجعل من الممكن تحديد موعد الجلسة الأولى التي كان من المـفترض أن تتـم قبل نهاية السنة، إلا أن <اعتبارات> غــير معلنة حتّمت تأجيلها من دون أن يعني ذلك استبعاد انعقادها، ولو على مستوى <تمهيدي> قبل الأعياد بحيث يبدأ النقاش الجدي بعد عطلة الميلاد ورأس السنة. ومع عودة مساعد الرئيس سعد الحريري وممثله في الحوار نادر الحريري الى بيروت من إجازة قصيرة نسبياً أمضاها في الولايات المتحدة الأميركية، عادت الحرارة الى خطوط التواصل بهدف تحديد الموعد المبدئي في وقت انتظر فيه الرئيس بري تسلّم الصيغة النهائية لجدول الأعمال الذي لا يزال يخضع للدرس والتشاور قبل إقراره بشكل كامل.
إلا أن تراجع الحماسة لانعقاد الحوار بين <الحزب الأصفر> و<التيار الأزرق> لم يأتِ من عدم، بل بفعل سلسلة تطورات تزامنت مع بعضها البعض وأدت الى تكوين <غمامة> في سماء التحضير للحوار والتي يُفترض أن تكون صافية كلياً. ومرد هذا التطور الى كون الملف الرئاسي، وهو الموضوع الأبرز، وقد أعطي الأولوية في جدول الأعمال، لم يحسم بعد لا سلباً ولا إيجاباً. فيما تبقى الإشارات كلها توحي وكأن البلاد أمام فترة انتظار رئاسي لا أفق واضحاً له بعد. وفي هذا السياق، تقول مصادر في <المستقبل> ان التيار <جس نبض> الحزب في ما خص الموقف من ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فأتى الجواب قاطعاً حاسماً بأن لا بديل لدى حزب الله عن العماد عون للأسباب المعلنة على تشعبها. وهذا الموقف أربك <المستقبليين> الذين شاؤوا من هذا الحوار أن يكون مقدمة لحل تسووي غالباً ما روّجوا له الى حد اقتراح مروحة أسماء محدودة لاختيار <المرشح الوفاقي> منها، وهذا الواقع المستجد <فرمل> الاندفاعة السريعة نحو الحوار، مع التسليم بضرورة استمرار التحضير له لأنه يؤمّن تهدئة بين السنّة والشيعة في الداخل، ويواكب الحوار الجاري في المنطقــــة بين ايــــــران وأميركا، وبين إيران والسعوديـــــة، وهـــــــو حوار يتقدم أميركياً، لكنه لا يزال يراوح مكانه سعودياً.
وترى المصادر نفسها أن التحضيرات التي تتم من خلال المساعد السياسي للرئيس نبيه بري وزير المال علي حسن خليل ونادر الحريري تتم في أجواء <إيجابية>، ما يدفع على الاعتقاد بأن التأخير في انطلاق الحوار لن يؤثر على <جوهر> الموضوع في حد ذاته مع التسليم بأن لا بديل في الوقت الحاضر عن الحوار المباشر، وهو ما عكسه بيان كتلة <المستقبل> بعد اجتماعها الأسبوعي بالإشارة الى <أهمية المباشرة في التواصل مع حزب الله من أجل التحاور بهدف فتح آفاق التوافق للخلاص من حالة الشغور الرئاسي>. وتتحدث المصادر عن أن تشديد <الكتلة الزرقاء> على موضوع <الشغور الرئاسي> كبند أول وأساسي تقابله رغبة من حزب الله بإدراج كل المسائل العالقة الأخرى بحيث يأتي التوافق على رزمة إجراءات وتدابير وخطوات كاملة وغير منقوصة تحقق ضمانات شاملة للآتي من الأيام.
بري يتدخل لإنقاذ الحوار
وإذا كان الرئيس بري، راعي الحوار الموعود، بدا مطمئناً الى الالتزامات التي قُطعت له حيال هذا الحوار وإلاّ لما كان خاض فيه، فإنه في المقابل يريد أن تنعقد أولى الجلسات بين الطرفين قبل نهاية السنة، <ولو من أجل الصورة>، حتى ينفذ كل طرف ما سبق أن وعد به الطرف الآخر والرئيس بري، ما يؤكد استطراداً عدم التراجع أو التنصل من الالتزامات، ما فرض على الرئيس بري التدخل أكثر من مرة لإنقاذ خيار التسوية.
في المقابل، تؤكد مصادر متابعة أن موضوع عدم الاتفاق على الشق المتعلق بالملف الرئاسي ليس السبب الوحيد في تراجع الحماسة للحوار، بل هناك المواقف المتشنجة التي برزت مؤخراً في ملف عرسال والعسكريين المخطوفين وما تفرع عنه من <مناوشات> سياسية مقرونة ببعض الأحداث الأمنية، لاسيما على الحدود اللبنانية - السورية. إلا أن <محركات> الرئيس بري التي أديرت مجدداً نجحت في التخفيف من حدة المواقف المتشنجة وأمكن تجاوز ما يدور من <مناوشات> أمنية وسياسية في شأن الوضع في عرسال وجرودها، وذلك خدمة للهدف الأبعد مدى، وهو تحصين الاستقرار ووأد الفتنة. ويقول سياسيون التقوا المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج علي حسن خليل أن تداعيات الوضع في عرسال لاسيما بعد إعدام أحد العسكريين الأسرى، وما تم رصده من مكالمات هاتفية بين المسلحين من جهة، ومسؤولين في <خلايا نائمة> في عدد من المناطق اللبنانية، من جهة أخرى، جعل خيار التريث - ولو لمرحلة قصيرة - يطغى على غيره من الخيارات. أما بالنسبة الى مشاركة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الاجتماع الافتتاحي، فإن معلومات السياسيين أنفسهم تشير الى أن جنبلاط لن يشارك في طاولة الحوار بل سيترك لـ<الثنائية الشيعية> أن تتولى مقاربة العلاقات الشيعية - السنية في أجواء هادئة لا لبس فيها.
ويعتبر قيادي بارز من 8 آذار أن سقف التوقعات المنتظرة من الحوار هو إراحة الأجواء المتشنجة، داعياً الى متابعة التطورات السياسية الإقليمية والى عكسها على الساحة الداخلية، لاسيما وان أي حوار لا بد أن يقود الى تسوية، وأي تسوية تحتاج الى رضا الطرفين، فمتى تحقق كل ذلك، فإن لبنان سيقبل على مرحلة جديدة من <الوقاية> من تداعيات الأحداث السورية والعراقية على حدٍ سواء.
وفي انتظار تحديد موعد بداية الحوار، أكد <العرّاب> الرئيس نبيه بري يوم الأحد الماضي أمام زواره أنه يخشى من تطورات تؤدي الى تعطيله أو تأخيره، وأضاف: <إذا كانوا المعنيين مش مستعجلين، ما رح كون أنا ملكي أكثر من الملك>!