تفاصيل الخبر

هواجس "جنبلاطية".. من البيت الدرزي إلى أمن البلاد

08/07/2020
هواجس "جنبلاطية".. من البيت الدرزي إلى أمن البلاد

هواجس "جنبلاطية".. من البيت الدرزي إلى أمن البلاد

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_79325" align="alignleft" width="354"] الرئيس بشار الأسد والنائب طلال ارسلان ..أبرز مخاوف جنبلاط[/caption]

بعد حادثتَي الشويفات التي سقط فيها علاء أبو فرج، والبساتين - قبرشمون التي ما زالت ذيولها حاضرة حتّى الآن في نفوس أهل الجبل، كان لا بدّ من إيجاد حلّ ولو مرحلي من أجل تخفيف الإحتقان داخل البيت الدرزي خصوصاً بعد إخفاق مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون في إصلاح ذات البين بين أنصار كل من الحزب "التقدمي الإشتراكي" والحزب "الديمقراطي اللبناني". على خط هذا التخوّف من استغلال البعض للخلاف القائم داخل البيت الواحد، أتت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي يبدو أنها نجحت الى حد ما، في تهدئة الشارع وإخماد نيران الخلافات بين جناحي الجبل الجنبلاطي واليزبكي. نجاح الأستاذ.. هل يدوم؟

 اللقاء الذي جمع زعيم الجبل وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان برعاية الرئيس برّي منذ فترة غير طويلة في عين التينة كانت له تداعيات إيجابية على الجبل ككل وعلى منطقة الشويفات تحديداً وهي التي تُعتبر أرض صراع مُلتهبة بين الخصمين اللدودين "الجنبلاطيين" و"اليزبكيين"، وقد نجح "الأستاذ"  بحنكته وتدويره للزوايا، بتهدئة النفوس وتأجيل التأجيج الذي كان مُرتقباً حصوله بين ليلة وأخرى. أمّا السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الملف: هل نجح برّي في إبعاد نار

[caption id="attachment_79327" align="alignleft" width="422"] أمن الجبل أولوية[/caption]

الفتنة عن البيت الدرزي، أم أن مسعاه ينصب فقط في تهدئة المرحلة الحالية؟

 المؤكد أن لا أرضية ثابتة بين جنبلاط وأرسلان يُمكن الوقوف عليها أو مُعاهدة يُمكن الوثوق بمقرّراتها بشكل نهائي، وهذا ما يدل عليه الصراع التاريخي الذي يستحكم بالبيتين منذ ما بعد خروجهما منتصرين من معركة "عين دارة" في عام1711  . ولذلك يرى البعض أنه لا يُمكن تحميل لقاء عين التينة أكثر مما يحتمل خصوصاً وأن الإتفاق الذي حصل بحسب مصادر خاصّة، ارتكز على أهميّة التهدئة المرحليّة من دون الدخول في تفاصيل إضافيّة مثل تسليم المتهم بقتل علاء أبو فرج والذي يتهم "الإشتراكي" أرسلان شخصيّاً بتهريبه إلى سوريا وبعدم وجود نيّة لديه بتسليمه إلى القضاء اللبناني.

 وتعتبر المصادر أن خطوة تسليم قاتل أبو فرج لو تمّت، لكانت كفيلة بحل جزء كبير من الأزمة وهذا ما كان اتفق عليه منذ عام تقريباً عندما وافق "الإشتراكي" تسليم رئيس الجمهورية إسقاط الحق الشخصي عن المتهم الرئيسي أمين السوقي، على أن يسلم الإسقاط إلى القضاء المختص فور تسليم الاخير.

حرص جنبلاطي على أمن الجبل

 في السياق، تؤكد مصادر مقرّبة من "الإشتراكي" أن موافقة جنبلاط على لقائه بإرسلان على الرغم من تنصّل الأخير للعديد من الوعود التي سبق وأطلقها في سبيل حل مسألة الخلافات داخل البيت الواحد وتهدئة الشارع في الجبل، جاءت بناءً على أمرين: الأوّل حرصه على عدم رهان البعض على عودة إشعال الفتنة في الجبل وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسيّة. أمّا الأمر الثاني، فينطلق من الصداقة القديمة والعميقة التي تجمعه برئيس المجلس، بالإضافة إلى الحلف المُعمّد بالدم، ولذلك جاءت موافقته من باب دعم المبادرة والتأكيد على دور بري الكبير رغم كل ما يتعرّض له خصوصاً من الذين لا يزالون مرتهنين للخارج، وقد رأينا بالأمس القريب دور "الإستزلام" الذي أدّوه خلال تظاهرات السويداء.

[caption id="attachment_79328" align="alignleft" width="375"] رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.. قرءاة في البعيد[/caption]

 الشيء المؤكد والثابت أن لدى الطائفة الدرزيّة في لبنان حسابات خاصّة وخصوصيّة تكاد تصل إلى حد الإنغلاق، فالجميع يخضع عند اشتداد الأزمات لما يصدر عن مجالس المشايخ مُجتمعين خصوصاً في زمن السلم الأهلي حيث يُرجّح صوت العقل على صوت البندقيّة. لكن أصعب ما تواجهه هذه الطائفة اليوم، أن جناحيها "الجنبلاطي" و"اليزبكي"  متباعدان عن بعضهما البعض، ولكل واحد منهما خيار اقليمي معاد للآخر وتحالفات محلية متنافرة ومسؤولة عن الوضع الذي آلت اليه.

 من هنا وجب القول، إنه بقدر ما يعلم أرسلان أن خصمه داخل الطائفة (جنبلاط) ليس باللقمة السائغة والتي لا يُمكن هضمها بسهولة، كذلك بالنسبة إلى جنبلاط العالِم بأن اللقاء تحت جناح برّي لن يؤمّن إستمرارية التهدئة لسبب وحيد هو ان قرار إرسلان خارجي وتحديداً بيد النظام السوري، لكنه أراد تفويت الفرصة على بعض المراهنين لجهة شقّ صف البيت الدرزي، إن من خلال إحداث فتن مُتنقّلة في مناطق الجبل، أو من خلال محاولات تهميش جنبلاط سياسيّاً عبر "الثنائيّات"  أو "الثلاثيّات"، وآخرها مسألة التعيينات.

هواجس جنبلاط بين الخارج وحصار الداخل

 تتكاثر هواجس جنبلاط وتتشعّب همومه في مرحلة أقل ما يُقال فيها إنها حرجة ومُبهمة. حرجة بالنسبة إلى الأحداث السياسية التي تطرأ بشكل يومي على صعيد المنطقة والتي ينتظر فيها لبنان ما ستؤول اليه ليُحدد مكانه وموقعه من الذي يحصل، ومُبهمة كون الأمور بالنسبة اليه سائرة نحو المجهول ومن غير المعروف إلى أين يُمكن أن تصل.

 ولا يغيب عن "البيك" الهمّ الدرزي داخل فلسطين المُحتلّة ومحاولاته الدائمة والمتكرّرة لتحديد موقع وموقف أبناء جلدته من قضيّة الصراع العربي ـ الإسرائيلي وسط محاربة البعض له في هذا الداخل ومنع ترجمة مواقفه لدى شريحة واسعة من أبناء الطائفة الدرزية وأبرزها دعواته لهم بأن يكونوا عرباً قبل أي شيء آخر بالإضافة إلى حثّهم الدائم على رفض التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي أقله في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وأن لا يتشبهوا بالفرنسيين الذين تعاونوا مع ألمانيا النازية إبان احتلالها لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.

 مصادر "المختارة" تؤكد أن جنبلاط يتطلع أوّلاً إلى مصلحة الجبل وأبنائه، وحمايته من محاولات النظام السوري الدؤوبة لإشعال نار الفتنة التي يتنقّل بها من منطقة إلى أخرى، تارة في الجاهلية وطوراً في الشويفات، ومرّات عدة داخل قرى وأحياء متشعّبة الإنتماء السياسي. ومن هنا يُمكن قراءة كل هذه الأحداث بما فيها حادثة قبرشمون، أوّلاً أنها ليست عابرة وبالطبع لن تكون الأخيرة، ثانياً بأنها واحدة من مجموعة محاولات لمحاصرة "البيك" المعارض الأشد للنظام السوري بأياد لبنانية، وذلك من أجل تطويعه، وإلا فإن ما ينقص الفتنة هو فقط فتح الباب أمامها.

تحذيرات مُسبقة والنظرة الى إيران وأميركا

[caption id="attachment_79326" align="alignleft" width="324"] الرئيس نبيه بري... إلا جنبلاط[/caption]

 اللافت أن جنبلاط سبق أن عبّر عن هذه المحاولات وتحديداً الداخليّة منها، بقوله إن "حكومة اللون الواحد تُقدم على مصادرة أموال الناس وتصنيفهم ومحاكمتهم وفق معايير غير  قانونية وغير دستورية وذلك وفق خط سياسي هدفه إلغاء أي اعتراض وصولاً إلى محاولة تطويع طائفي ومذهبي للإطاحة بالطائف والسيطرة المطلقة على مقدرات البلد لضرب ما تبقى من سيادة أصلاً وهمية وشكلية".

مصادر "المختارة" تعود لتؤكد أنه على الرغم من تشعّب مخاوف جنبلاط وتعددها خصوصاً وأننا نعيش في عالم قلق ومُقلق، تنطلق من حرصه على وحدة الصف العربي في هذا العالم المُنقسم، امتداداً إلى الساحة الداخلية وذلك في ظل عدم وضوح في الرؤية خصوصاً في ظل ما يجري بين الأميركي والإيراني. ولذلك تبقى نصيحته للكل بالنأي عن كل ما يُمكن أن يرتد سلباً علينا كلبنانيين، وأن نخرج من لعبة المحاور التي من شأنها أن تضعنا في عين العاصفة.

لا تنتظروا الخارج

 بالنسبة إلى جنبلاط تحديداً، تنقل المصادر نفسها عنه أنه لا يُقدّم همه الدرزي على الهمّ الوطني، وفي كل ما حصل وما يحصل يُحاول قدر الإمكان دعم صمود الجميع بالوتيرة نفسها وفي كل المناطق إنطلاقاً من معرفته المُسبقة أن السفينة ستُغرق الجميع، ولا يُمكن لطائفة أو حزب أو أي جماعة أن تنجو بنفسها، وخير مثال ما يحصل اليوم حيث شبح الجوع يُخيّم على الجميع من دون إستثناء.

 لقد سبق لجنبلاط أن وجّه مجموعة نصائح بعضها خارجي وبعضها الآخر داخلي، وعلى سبيل المثال لا الحصر نصيحة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ما يتعلّق بالحرب في اليمن، وكذالك الأمر نصيحة للرئيس سعد الحريري يحثه فيها على عدم المشاركة في أي حكومة مُقبلة وذلك إثر استقالة الأخير من الحكومة السابقة. واليوم ترى مصادر "المختارة" أنه اذا كان من نصيحة يُمكن أن يُقدمها "البيك" فهي حتماً ستكون للبنانيين، لا تنتظروا حلول الخارج.