لم تنتج الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية التي جرت يوم الاربعاء الماضي وتحمل الرقم 27 رئيساً جديداً للبلاد التي تعاني الفراغ منذ 447 يوماً بالتمام والكمال بسبب فقدان النصاب الدستوري وهو 86 نائباً، فيما الأزمة الحكومية على خلفية التعيينات الأمنية الى مزيد من التصعيد والتيار الوطني الحر نزل مجدداً الى الشارع للإحتجاج على قرار التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان ورئيس المجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات. فما الذي ستحمله الأيام المقبلة، وهل تصل الأمور الى حد استقالة الحكومة أو على الاقل اعتكاف رئيسها تمام سلام أو استقالة وزيري التيار جبران باسيل والياس بو صعب وصولاً بالتصعيد الى حد استقالة نواب التيار؟
<الأفكار> التقت عضو تكتل التغيير والاصلاح عباس هاشم داخل مكتبه في مجلس النواب وحاورته على هذا الخط، بالإضافة الى شؤون الوضع الداخلي والحملة غير المسبوقة للعماد ميشال عون على العماد قهوجي بدءاً من السؤال:
ــ الجلسة رقم 27 لانتخاب الرئيس التي جرت يوم الاربعاء الماضي فشلت في إنتاج رئيس وتوجه الاتهامات للتيار الوطني الحر بالتعطيل. بمَ ترد؟
- من يتهم هو المتهم، والدفاع أفضل وسيلة للهجوم نظرية سقطت مع سقوط المنظومة الاشتراكية، وهؤلاء لا يواكبون العصر وكل الكائنات الحية التي لا تتأقلم مع الظروف والمتغيرات تصبح آيلة للانقراض.. فهذه الجماعات لا تزال تفكر بعقلية التسلط والاحادية والاستئثار التي عاشوها بفضل الوصايات خاصة وانهم كانوا يستمدون قوتهم من الاتكال على الخارج وليس على بيئتهم وأهلهم وناسهم، وبالتالي آن الأوان لإعطاء هؤلاء دوراً يتلائم مع حجمهم الحقيقي وليس بالدعم الآتي من الخارج أو من خلال التعليمات الآتية من هناك لهم. فالتيار الوطني الحر وحلفاؤه لهم شرف التعطيل للاستفراد والإلغاء والاستئثار والتهميش، لكن من يدعي انه حريص على استمرار حركة تسلطه فأقل ما يقال فيه انه المقتنص والسارق والقابض بالوكالة على زعامة غيبت وعاش هو بوكالته عنها مرحلة ما، وعليه ان يعي ان الاصيل عاد ولا يمكن للوكيل ان يكون له اي دور في ظل عودة الاصيل.
انفراجات تواكب تحولات المنطقة
ــ يعني لا رئيس في القريب المنظور والأمور مرشحة لمزيد من التصعيد والتعطيل؟
- هانت، وصرنا قاب قوسين أو ادنى من الانفراجات الكبرى، خاصة وان التحولات الكبرى في المنطقة ستعطي مساحة لإعادة تشكيل الدول بما يتلائم مع إرادة ابنائها وليس انطلاقاً من وصايات الداخل والخارج وبالتالي كل واحد يأخذ حجمه ودوره.
ــ البعض كان يتهمكم بربط الاستحقاق الرئاسي بتوقيع الاتفاق النووي الايراني، ووقع الاتفاق وجاء وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف الى بيروت والأزمة تراوح مكانها. فأين مدخل الحل؟
- أولاً لم نتكل على أي ملف اقليمي أو دولي خلافاً لهؤلاء الذين يدعون ذلك، بل اتكلنا على ناسنا وأهلنا وشعبنا وثقتهم بنا. وثانياً فمن يعش الحرية هو الحر ومن تفرض عليه الحرية هو العبد وهناك فارق بين الاثنين. ويقول المثل <ذاب الثلج وبان المرج>، وبالتالي سنرى في المرحلة المقبلة ماذا سيحصل. وأنا أبشر اللبنانيين بأننا مقبلون على خير. يقال ربّ ضارة نافعة، وبالتالي فهذه الطغمة التي حكمت لبنان منذ العام 1992 رأينا نتائج أعمالها في الأيام الماضية سواء على مستوى ارتفاع الدين العام أو على مستوى تكدس النفايات أو على مستوى انقطاع الكهرباء وعلى كل المستويات الأخرى، حيث تبين كيف ان السلطة هي السبيل الامثل لجني الثروات وكيف ارتكب هؤلاء كل المعاصي بحق الشعب المسكين.
ــ العماد ميشال عون يطعن بشرعية المجلس ويقول ان لا انتخابات رئاسية قبل إجراء الانتخابات النيابية.. ألا يعني ذلك ان الأزمة مستمرة وتهدد لبنان بالفراغ الشامل؟
- المادة 74 من الدستور تقول: <اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الناخبة دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية>. فالاولوية هي للانتخابات النيابية في هذه الحالة..
مخارج للأزمة
ــ صحيح لكن المجلس غير منحل...
ــ المجلس ممدد له لمرتين وهو غير شرعي، والشعب أعطى وكالة للنواب لمدة أربع سنوات وانتهت هذه الوكالة وكان لا بد من الاحتكام للشعب، خاصة وان إفرازات اعمال المتسلطين واستفرادهم ظاهرة للعيان وهم خائفون من نسبة نمو الوعي عند الشعب ولذلك رفضوا إجراء انتخابات نيابية في مواعيدها الدستورية تجدد النخب وتعيد الاعتبار للشراكة الحقيقية. كما رفضوا أي شراكة مع الآخر لا بل يقبلون الآخر الذي يكون تابعاً لهم.
ــ هذا طرح تعقيدي ولن يقبل به الآخرون. ألا يعني ذلك تمديداً إضافياً للأزمة؟
- المخرج سهل خاصة وان العماد عون طرح عدة مخارج لأنه رجل عظيم لا يؤمن بالسقوط وبالمراوحة ويجد دائماً فجوات وحلولاً تتلائم مع الدستور والقوانين، وهو سبق ان طالب بتعديل الدستور لمرة واحدة طالما يعدل دائماً بغية انتخاب الرئيس من الشعب، لكن ردوا عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور، وعاد وطرح الحل بإجراء استفتاء والرضوخ لإرادة الشعب بحيث تشكل هذه الإرادة إعادة إنتاج مجلس نيابي يذهب النواب للاقتراع لمن ينال اعلى الارقام، أو إجراء الانتخابات النيابية وبعدها الرئاسية لأن الشعب حسب مقدمة الدستور هو مصدر السلطات، أو الذهاب الى تسوية بحيت ينتخب المجلس الحالي الاكثر تمثيلاً لبيئته كمرحلة انتقالية. واذا قال البعض ان العماد عون لم يعد الاقوى في بيئته فهو يرد بالاحتكام الى الناس من خلال الاستفتاء أو الانتخابات سواء من الشعب أو غيرها.
ــ يقال ان الاربعة الموارنة الكبار مرفوضون لأن كل واحد منهم طرف لا يقبل به الطرف الآخر وبالتالي لا بد من التوافق على شخص حيادي مقبول من الجميع. فماذا تقول؟
- هذا الكلام ليس مقبولاً من الاكثر تطرفاً في القيادات والمراكز العليا. فنجيب ميقاتي كبديل عن سعد الدين الحريري في رئاسة الحكومة ووجه برفض وتظاهرات وقيل ان السنة همشوا، وبالتالي لا يحق للأكثر تطرفاً ان يتحدث بهذه اللغة، ولا يجوز ان يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد، وما يرضاه هؤلاء لأنفسهم يجب ان يتمنوه لغيرهم. فنحن احترمنا إرادة المكون الشيعي واحترمنا إرادة المكوّن السني وكذلك إرادة المكون الدرزي، فلماذا لا تحترم إرادة المكون المسيحي لا بل يعكفون على تهميشه وإقصائه؟!
ــ لو اتفق القادة المسيحيون لما أقصاهم أحد لكن حروب الإلغاء بينهم هي السبب. اليس كذلك؟
- هل الآخرون متفقون؟ فالعماد عون عام 2005 كان يشكل اجماعاً مسيحياً، فلماذا تمّ اقصائه وكان الحلف الرباعي ضده؟ فنحن أمام مشكلة أساسية وهي ان البعض تعود من زمن الوصاية على إقصاء الآخر لاسيما المسيحي.
ــ هل صحيح ان الرئيس الحريري كان متجاوباً مع العماد عون واتفق معه على تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش مقابل العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن وان لا مشكلة في وصول عون الى الرئاسة اذا تحول الى مرشح توافقي لكن كانت هناك كلمة سر اقليمية بالرفض وصولاً الى كسر العماد عون؟
- ليست لدي فكرة عن كلمة السر الإقليمية لكنني على يقين بأن الحريري ولمرات ثلاث ينجز اتفاقات مع العماد عون ولم يستطع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وآخر لقاء كان في 18 شباط/ فبراير الماضي يوم قدم الحريري له كعكة الميلاد وهو من طرح تعيين العميد روكز قائداً للجيش مقابل ان يتعهد العماد عون بتسويق العماد عثمان مديراً لقوى الأمن، وبالتالي فالطرح جاء من الحريري وليس من العماد عون.
ــ نزلتم الى الشارع بسبب التعيينات الأمنية...
مقاطعاً قال: نحن لم ننزل بسبب التعيينات الأمنية بل بسبب تجاوز الدستور والقوانين وبسبب رهن مؤسسة أمنية لإرادة سياسية رغم انها محط إجماع اللبنانيين. فنحن نرضخ للدستور، والتمثيلية التي قام بها وزير الدفاع سمير مقبل من خلال طرح عشرات الاسماء من الموارنة والسنة والدروز لم تقابل بالرفض دون سبب بل قالوا له ان يقترح من يريد من الاسماء للتعيين كما هو نص القانون الذي يخوله طرح أسماء محددة وهم يوافقون على طرحه لكنه قال ان لا احد يقترحه.
ــ ألم يطلب وزراؤكم ووزراء حزب الله التأجيل على اعتبار ان هناك مبادرة لتسوية التعيينات يقوم بها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم واين اصبحت هذه المبادرة؟
- طلبوا ان يقترح ولما رفض وتم تأجيل التسريح تدخل اللواء ابراهيم وقام بمبادرته ويبدو انها لا تزال قائمة.
ــ يقال انها أجهضت في مهدها لأن تيار <المستقبل> يرفضها كونها تحدث تخمة في عدد العمداء اذا رفع سن التقاعد لمدة ثلاث سنوات وترهق الخزينة. فماذا تقول؟
- هذا كلام غير دقيق بل بالعكس تكون هناك لأول مرة إعادة هيكلة لمؤسسة الجيش التي تضع سقفاً لعدد العمداء ولحالات الترفع من درجة الى درجة بحيث تحدث وفراً مادياً، وبالتالي كل من يناقش هذا القانون لم يطلع عليه.
قيادة الجيش أسيرة قرار وزير الدفاع
ــ يقال ان قيادة الجيش ليست موافقة عليه. هل هذا صحيح؟
- من سأل اصلاً قيادة الجيش؟ لكن هل يقبل قائد الجيش الذي يعين بقرار من مجلس الوزراء مجتمعاً ان يتم التمديد له بقرار من الوزير؟
ــ وهل يجوز لكم شن حملة على قائد الجيش مع كل رمزيته رغم ان العماد عون كان قائداً للجيش؟
- لم تشن ضده حملة، فهذه الحملة هي ضد من يتجاوز القوانين لأسر قائد الجيش.
ــ لكن العماد عون سماه العماد قهوجي بالاسم؟ اليس كذلك؟
- هذه اتت في سياق كامل متكامل بعدما شرح وظيفة الجيش وقال انه جيش وطني وليس جيش النظام، وهنا جاء التحذير للعماد قهوجي ان الجيش وطني لحماية الحدود وليس جيش النظام لمواجهة المتظاهرين أو المعترضين على تجاوز القوانين. وهنا لا يجوز لقائد الجيش ان يكون اسيراً ورهينة عند وزير الدفاع بعدما اصبح كذلك بسبب التمديد له، بحيث ان اي قرار لوزير الدفاع ينهي خدماته، وهذا معناه ان قيمة الموقع وقعت في الاسر عند القبول بالتمديد.
الشارع والاستقالة
ــ وهل ستقتصرالأمور على الشارع أم يمكن لوزيري التيار ان يستقيلا وصولاً الى استقالة نوابه اذا لم يستجب الى طلبكم؟
- كل الأمور واردة والتصعيد مفتوح على كل الاحتمالات بما في ذلك استقالة الوزراء والنواب وأبعد ما تتوقع وصولاً الى العصيان المدني، وأرى ان الانتظار حالة مرضية واذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر، ونحن لا نبكي ملكاً اضعناه بل نسعى الى اعادة الروح الوطنية الحق. فنحن نسعى لتصويب المسار، والشارع سيعيد انتاج هذه السلطة بإرادة ابنائها خارج أي وصاية.
ــ ألستم وحدكم في الشارع دون الحلفاء؟
- من قال لك ذلك؟ فالرئيس نبيه بري سيكون معنا أيضاً وحزب الله وكل مكونات تكتل التغيير والإصلاح وحتى بعض القوى السياسية من الفريق الآخر، لاسيما بعض <المستقبل> لأن السيل بلغ الزبى والشعب يعاني الأمرين. ونحن نتظاهر لإعادة الاعتبار الى منطق الدولة. فلا عودة بعد اليوم لمنطق الاستئثار والتفرد الى ان نكون شركاء حقيقيين أو لا نكون، علماً ان رئيس كتلة <المستقبل> فؤاد السنيورة ارتكب الخطأ الكبير في عملية الإصرار على إلغاء وتهميش الوجود المسيحي الفاعل لإدارة هذا النظام من خلال تجاوز القوانين.