افتتحت القمة العربية العادية دورتها السادسة والعشرين في مدينة شرم الشيخ المصرية يومي 28 و29 من الشهر الجاري، وهي القمة الأولى التي تعقد في مصر بعد ثورتي كانون الثاني/ يناير و20 حزيران/ يونيو وبالتزامن مع مرور 70 عاماً على تأسيس الجامعة العربية وبدء العمل العربي المشترك وسط انقسام حاد بين الدول العربية وبروز خطر الإرهاب الذي يهدد الجميع، ورفض العدو الصهيوني لحل الدولتين. فهل تستطيع الجامعة ولو بالحد الأدنى مواجهة التحديات، أم ان الانقسام سيبقى سيد الموقف، وكل القمم لن تنفع في جمع شمل العرب؟!
<الأفكار> التقت رئيس المنتدى القومي العربي الدكتور محمد المجذوب وحاورته على هذا الخط قبيل انعقاد القمة وتطرقت معه الى شؤون وشجون الوضع العربي والحلول للمشاكل المستعصية بدءاً من السؤال:
ــ غداً تفتتح القمة العربية أعمالها في شرم الشيخ بالتزامن مع الذكرى السبعين لولادتها. فماذا تأمل منها في ظل الانقسامات العربية وتنامي ظاهرة الإرهاب؟
- نشأت الجامعة العربية عام 1945 وكان أهم ما فيها مجلس الجامعة المكوّن من الأعضاء، بعدما سبق أن بدأت بعدد محدود ليصل الى 23 مع فلسطين، والغرض الرئيسي كان التعاون بين الدول العربية والمحافظة على الأمن العربي خصوصاً القضية التي واجهت الجامعة في البداية وهي إنشاء دولة الكيان الصهيوني والحروب التي نشأت منذ العام 1945 حتى اليوم، وبالتالي فالهدف كان الوصول الى صيغة تجمع بين الدول العربية، وقد طرحت أثناء الاجتماعات عدة اقتراحات منها الاتحاد العربي أو الوحدة العربية إلخ. المهم ان يتم التنسيق بين الدول العربية لكن تم التوافق في النهاية على إنشاء الجامعة على أن تنضم الدول العربية المستقلة وأن تسعى لاستقلال الدول غير المستقلة والخاضعة آنذاك للاستعمار، وتطورت الجامعة وأصبحت تضم تكتلات، وهي أنشئت لتجمع بين العرب وتستطيع أن تواجه الأخطار التي تهددهم، خصوصاً الخطر الصهيوني، لكنها مع الأسف، فشلت في تأمين التعاون بين الدول العربية وهو اليوم ليس على ما يرام نتيجة الانقسامات والخصومات ووصل الأمر الى الحروب والمؤامرات بين الأجهزة العربية ضد بعضها البعض ما يهدد المصير العربي المرتبط بمستوى التعاون الذي من الممكن أن يصل الى وحدة أو اتحاد بين العرب خاصة وان التأثير العربي مهم في العالم لأن العرب يملكون ثروة نفطية كبيرة وعددهم يتجاوز 300 مليون نسخة، ناهيك عن الموقع الاستراتيجي الذي يفصل بين الشرق والغرب، بالإضافة الى وجود عباقرة ونوابغ عرب برزوا عندما كانوا في الخارج، وبالتالي كل هذه المقومات تنفع العرب وتخدمهم إذا كان هناك اتحاد أو وحدة، ولكن المؤسف ان العرب منقسمون ولا يواجهون بوحدة الموقف المؤامرة الكبرى ضدهم والتي تهدف الى تقسيم المقسم بين دولهم مع خلق المشاكل الداخلية والخلافات بين الدول العربية التي تلهيهم عن التفكير في المستقبل أو الحديث عن الوحدة أو الاتحاد، وبالتالي فالخراب الذي حصل في السنوات الاخيرة، لاسيما في مشرقنا العربي يحتاج الى سنوات لإعادة البناء المادي فيما البناء المعنوي والفكري والإنساني يحتاج لأجيال، لذلك فالدول العربية على المحك إما المزيد من الضعف والانقسام، وبالتالي فقدان القوة والهيمنة، وإما ترتيب الأمور ولو بالحد الادنى لمواجهة الأخطار التي تهددها.
لا تعويل على القمة
ــ وما سينتج عن قمة شرم الشيخ وسط الانقسامات والخلافات والخصومات؟
- المؤتمر يجتمع عادة كل سنة ويتداول القضايا والمشاكل العربية، ومؤتمر شرم الشيخ لن ينتج الكثير لأنه في الواقع الحاضر من الصعب جداً أن يخرج بموقف موحد من القضايا المطروحة خاصة وان الانقسامات تعصف بالجامعة وبالأعضاء، وطبعاً فالمؤامرة الخارجية مستمرة، خاصة من قبل الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وهي لا تريد الخير للعرب وتسعى لتقسيم المنطقة، وهي المستفيد من ذلك وكل همها البترول، ناهيك عن مصلحة العدو الإسرائيلي الذي يريد تفتيت المنطقة وتقسيمها وإشعال الحرائق فيها خدمة لهيمنته وسيطرته على المنطقة وتهويده لفلسطين كلها ومنع قيام الدولة الفلسطينية وإعلان يهودية الكيان كمشروع قائم، وبالتالي لا أعتقد أن القمة ستخرج بقرارات حاسمة لحل المشاكل، والمؤسف أن معظم الزعماء العرب ليسوا على المستوى المطلوب لجهة التفاهم والتعاون فيما بينهم، لا بل هناك أنظمة تتآمر على أنظمة أخرى... فكيف سينتج المؤتمر حلولاً؟! فإذا استطاع العرب إزالة الخصومات والخلافات فهذا أمر جيد لكن أستبعد ذلك وكل المؤشرات لا تدل على تجاوز العرب لخلافاتهم وخصوماتهم.
لا مصالحة بين العرب
ــ هل تجري مصالحات على هامش القمة؟
- كمواطن عربي أتمنى ذلك، لكنني لا أرى في الأفق اي مؤشرات بهذا الخصوص.
ــ وحول ما سيتفقون إذاً، وهل الإرهاب سيجمعهم؟
- من الممكن أن يتفقوا حول مكافحة الإرهاب لأنه خطر على كل الدول العربية، لا بل هو خطر شامل وعام يطال الجميع إنما كيفية معالجة الإرهاب قاصرة مع عدم وجود مخطط حتى الآن. ويبدو ان بعض الأنظمة متعاونة مع بعض المجموعات التكفيرية، وبالتالي من الصعب جداً توحيد الموقف العربي حول كل القضايا المطروحة. ونحن اليوم نحتاج الى ثورة فكرية أخلاقية تغير الواقع المأساوي القائم، خاصة واننا نفتقد الزعامات العربية المطلوبة للمرحلة تلك التي عرفناها مثل جمال عبد الناصر، ولذلك فالانقسام سيبقى سيد الموقف.
ــ بعد فوز اليمين الإسرائيلي وعلى رأسه <بنيامين نتنياهو> في الانتخابات الاسرائيلية وإعلانه رفض حل الدولتين، فهل ينعي العرب في قمتهم مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز؟
- لا أرى خيراً من القمة وإسرائيل عدو تاريخي للعرب، ولا تتوقف عن عدوانها إلا بالقوة التي تكمن في المقاومة التي سبق وخبرناها في لبنان وغزة، لكن المؤسف أن بعض العرب يقيمون علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل رغم العدوان الاسرائيلي وسعيه لتفتيت المنطقة وإشعال الحروب فيها مدعوماً من قوى غربية، رغم ان الوضع الحالي يتطلب في الحد الأدنى التضامن العربي للوقوف في وجه الأطماع الرئيسية لاسيما تلك التي تسمى دول الطوق وتواجه اسرائيل.
ــ هل يستطيع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يجري مصالحات بين العرب ويكون قطب الرحى بينهم؟
- آمل ذلك، وهو حتى الآن يعمل ويقوم بمبادرات خيرية، لكن هل من المنتظر أن يتجاوب العرب وقد بلغت خلافاتهم حداً لا يطاق؟ ففي الوضع الحاضر لا أتصور أن السيسي سيتمكن من حصر الخلافات وتضييقها وإجراء مصالحات بين العرب، لاسيما واننا نفتقد القيادات على المستوى المطلوب، ويبدو أن كل الخارج يعمل ضد مصالح العرب. والمؤامرة متشعبة والحروب الداخلية عبر المنظمات التكفيرية أكلت الأخضر واليابس، ومن المتوقع أن تتطور الأوضاع سلباً لتصل الى المغرب العربي الهادئ نوعاً ما غير ليبيا.
وختم قائلاً:
- العرب يحتاجون اليوم الى الحد الأدنى من تضامنهم لمواجهة الأخطار علماً انني أراهن في المستقبل على حركة ثورية عربية تعيد الأمور الى نصابها وتحدد مكامن الخطر وتعمل على مواجهته بكل الأساليب.