أحداث عرسال سلّطت الضوء على المنظمات الإرهابية العابرة للحدود وإمكانية أن يتحول لبنان الى ساحة لها على غرار ما يجري في سوريا والعراق خاصة وأن تنظيم <داعش> أو حتى تنظيم <النصرة> لا يعترفان بالحدود الفاصلة بين الدول ويعتبران أن ساحة الصراع تشمل كل دول المنطقة في المشرق العربي التي تدخل في إطار ما يسمى <دولة العراق والشام>.. فما الهدف من فتح جبهة عرسال في هذا الوقت بالذات، وكيف السبيل للقضاء على هذه التنظيمات التي احتلت بلدة عرسال وجعلت من أهلها دروعاً بشرية في وجه الجيش اللبناني؟!
<الأفكار> استضافت في مكاتبها الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر وحاورته حول ما جرى في عرسال ونظرته الى تطور الأمور العسكرية وكيفية إقفال هذا الجرح النازف في خاصرة الوطن بدءاً من السؤال:
ــ من وجهة نظر عسكرية،ما الذي يجري في عرسال وكيف تقيّم خطورة الأحداث فيها؟
- قبل البدء بما يجري في عرسال منذ أيام، أقول إنني خلال شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو الماضيين شعرت بأن الخطر الإرهابي سيتفاقم على لبنان لأنني اعتبرت أن موجة الإرهاب التي حدثت في البداية والتي جاءت في مجال الرد على تدخل حزب الله في سوريا وعلى السياسة الإيرانية تجاه المنطقة ستتجدد وشعرت أن هناك تحركات معينة لإقامة بعض البؤر وتنظيم بعض الخلايا من جديد، بعدما كانت الأجهزة الأمنية قد ضيّقت الخناق عليها وضبطت معظم الخلايا الإرهابية التي كانت موجودة وخصوصاً الخلايا التي كانت متصلة بـ<جبهة النصرة> في سوريا وبـ<كتائب عبد الله عزام> في مخيم عين الحلوة والتي تحوّلت الى امتداد هيكلي لـ<جبهة النصرة> عندما كان قائدها ماجد الماجد الذي سمي أميراً لـ<النصرة> في لبنان، ولذلك فمع تقييمي الذاتي من أن الثورة السورية التي دعيتها في كتابي <البركان السوري> بأنها ستستمر ومرشحة للاستمرار لعشر سنوات بعد فشل محادثات <جنيف> السورية، فكل هذا جعلني أعتبر أن هناك محاولات لجعل لبنان جزءاً من مسرح العمليات السورية بكل ديناميكيته وتناقضاته.
وأضاف:
- لذلك قررت أن أكتب هذه الدراسة وأن أنشرها في مجلة <الدفاع الوطني>، وبالفعل كتبتها في 25 صفحة وهي دراسة موثقة بالكامل. فالواقع انني في الصفحة السادسة من هذه الدراسة تعرضت لمصادر الإرهاب وماهيته في لبنان، وقلت إن ما يمكن أن يعزز الإرهاب في لبنان هو هذا الكمّ الكبير والمتنامي من أعداد اللاجئين السوريين في لبنان الذين ينتشرون بشكل عشوائي في كل الأراضي اللبنانيـة، حـيث قلت إن هؤلاء معرضون للاختراق من قبل جهات متطرفة أو تكفيرية مثل <النصرة> و<داعش> أو من قبل النظام السوري، في رد فعل لاختراقهم من التنظيمات التكفيرية. وقلت إن لبنان معرّض لهذين النوعين من الإرهاب، وبالتالي مشكلة اللاجئين هي الخطر الأكبر، بدليل ما حدث في عرسال. وقلت إن <كتائب عبد الله عزام> تضم أكثر من مئة عضو ومؤيد وهي مضبوطة في بؤرة في بعض أحياء عين الحلوة، لكن العكس بالنسبة للاجئين بحيث ان الأحداث عندما جرت في عرسال استرجعت ما كتبته وكأنني بالنص يصف ما حدث فعلاً، خاصة وان ما حدث كنت أنتظره ولم يفاجئني أبداً، وكنت أعتقد أن عمليات حزب الله في سوريا وإضافته لقاعدة لوجستية وقاعدة نيران لعمليات عسكرية في الداخل السوري والتي تنطلق من البقاع الشمالي، قد تكون بمنزلة قطعة من المغناطيس لجذب جماعات إرهابية للالتفاف على مناطق حزب الله عبر هذه الثغرة التي فتحت في عرسال وجرودها، خاصة بعد المعركة التي خاضها حزب الله بضراوة في جبال القلمون كامتداد طبيعي لمنطقة عرسال. وبالتالي عندما قال حزب الله انه ذهب الى سوريا لمنع المتطرفين من دخول لبنان لم يكن صحيحاً، بل شكّل هذا التدخل نوعاً من المغناطيس الجاذب لعمليات ثأرية ضد حزب الله وضد اللبنانيين وللتغلغل داخل لبنان.
ــ النائب وليد جنبلاط قال عكس ذلك، وأكد أن <داعش> سيأتي الى لبنان سواء تدخّل حزب الله أم لا، ولم يربط بين تدخّل حزب الله في حرب سوريا وبين تحرّك <داعش> و<النصرة> في لبنان. فماذا تقول في ذلك؟
- مع احترامي لصديقي النائب وليد جنبلاط، فهو يتكلم في السياسة وليس في الأمن عندما يقول ذلك، علماً أنني لا أقول ان عملية عرسال واحتلالها قد جاءت فقط لهذا السبب، خاصة في توقيتها الآن، وفي معركتها التي كانت مفاجئة لنا جميعاً وتجاوزت عمليات التسلل الى الاندفاع بهذه القوة وانضمام ما يقارب من 1200 من النازحين السوريين الى المقاتلين لإشاعة أجواء من الفوضى في عرسال في البلدة والتعرّض لمراكز الجيش وفرض الإرهاب على الأهالي، وبالتالي أعتبر أن مسألة توقيف عماد جمعة قد تكون عود الثقاب الذي أشعل المعركة. لكن لا بد من التأكيد أن هناك عملية تحضير مسبقة، وأعتقد أن من احد أهداف هذه العملية ليس فقط التدخّل ضد مراكز الجيش التي كانت تقفل الطرقات في وجه أي تحرّك تقوم به هذه الجماعات، وأطرح هنا علامة استفهام وليس لديّ جواب واضح حول المسألة، لكن أقول أيضاً انه كان لا بد من الاصطدام بالجيش لأنه يسد كل المنافذ التي يمكن أن تستعمل كمحاور أساسية للوصول الى عرسال، وأعتقد أنه من الأسباب الأساسية الداعية للدخول بهذه القوة محاولة فتح خط تماس مع بعض القرى التي تعتبر بيئة حاضنة لحزب الله في البقاع الشمالي، ومن ثم محاولة تطويق القاعدة الأساسية التي يستعملها حزب الله لعملياته في سوريا والموجودة في هذه القرى المتاخمة لمنطقة القلمون ولمنطقة ريف حمص والقصير وغيرها.
وتابع يقول:
- لا شك أن <داعش> عندما تقوم بإلغاء الحدود السورية - العراقية وتوحد مسرح العمليات من الشمال الشرقي السوري والشمال الغربي العراقي وإعلان دولة الخلافة، من المنتظر أن تقوم بعض الجماعات الإسلامية وعلى رأسها <جبهة النصرة> بمحاولة تقليد هذا الإنجاز الذي خطط له أبو بكر البغدادي هناك في شمال وشرق لبنان، وإلغاء الحدود بين قسم من لبنان وقسم من سوريا تمهيداً للسيطرة على هذه المنطقة وجعلها منطقة عمليات موحدة. فهناك محاولة لإلغاء الحدود القائمة ما بين لبنان وسوريا من خلال هذا التدخل الكثيف من قبل المنظمات المتطرّفة، لكن أيضاً أستدرك لأقول إن تدخل حزب الله في سوريا وإعطاء كل الحرية لنفسه خارج إطار أي إذن من الدولة اللبنانية للتدخل بكثافة في هذه الحرب، كانت هناك أيضاً محاولة من قبله لإلغاء الحدود بين البلدين، وبالتالي هذه الحدود ألغيت في مناسبتين.
اللجوء الخطير
ــ هل كان يفترض بالجيش أن يغلق الحدود منذ زمن بعيد؟
- منذ فترة طويلة وعندما كتبت هذه الدراسة، أعطيت كل المسؤولين نسخة عنها، لأنني كنت أشعر أنني أصيب الهدف، ومنهم وزير الداخلية نهاد المشنوق وأنا أحترمه وأعتبر أن لديه شخصيته القوية والنفس الأمني، وقد زرته وقدمت له الدراسة وقلت له إن لبنان معرّض لمخاطر متنامية بسبب طول الأزمة السورية وتعقيداتها المتزايدة، خاصة الأزمة الكبيرة التي نعيشها في موضوع اللاجئين السوريين الذين قد يصل عددهم عام 2016 الى أربعة ملايين حسب (UN D.P) والبنك الدولي وقلت بضرورة استباق المخاطر وطالبته بتطويع عشرين ألف عسكري إضافي للجيش اللبناني وكررت هذا الطلب أمام وسائل الإعلام، وبالفعل طالب الوزير المشنوق بتطويع 10 آلاف جندي.
وتابع يقول:
- ومن هنا، فهناك خطر داهم لا بد من مواجهته خاصة في عاملي الزمن والمساحة حيث ان الأزمة في سوريا قد تستمر على الأقل لعشر سنوات إضافية، إضافة الى مشكلة اللاجئين والإرهاب والتكفيريين والأزمة التي تهز الكيانات في المنطقة. وهنا أذكر بأنني أول من تنبّأ بتغيير الحدود في المنطقة ولبنان لن يكون بعيداً عن ذلك. وفي تقديري أن ما حصل في عرسال محاولة واضحة لإلغاء الحدود، خاصة وان الجماعات التكفيرية لديها مخططات خاصة بها ولا يمكن رصدها لا بالقواعد السياسية ولا بالعلم العسكري، وهي مخططات مبنية على إيديولوجيات معينة.
ــ مدير الـ<سي أي اي> السابق <جيمس وولسي> قال عام 2006 ان أميركا ستخترع للشعوب العربية إسلاماً يناسبها ويعمد الغرب بعدها الى تقسيم المنطقة والدخول إليها دخول الفاتحين. فهل يلتقي المشروع الإرهابي مع المشروع التقسيمي الغربي للمنطقة؟
- لسنا بحاجة الى مدير الـ<سي اي اي> لكي <ينظّر علينا>. فالعطل لدينا وكفانا ترداداً لشعار <حرب الآخرين على لبنان>. فأي حرب هذه وكلنا حاربنا ضد بعضنا البعض. ولذلك أنا لا أؤمن بكل نظريات المؤامرة، والمشكلة لدينا هي الجهل ووجود أنظمة استبدادية جائرة لم تعمل لصالح شعوبها، ولذلك ولدت هذه الحركات الإسلامية وهذه التيارات المتطرفة وهذه العقول المريضة مع هذا الظلم القائم.
كرامة وسيادة لبنان أولاً
ــ كيف الخروج من أزمة عرسال وما الذي يجب أن يفعله الجيش عسكرياً؟
- لا بد من الأخذ في الاعتبار أولاً سلامة بلدة عزيزة على لبنان وعلى كل اللبنانيين، خاصة وأن أولاد عرسال منذ عقود كانوا من أفضل العسكريين في الجيش اللبناني. وانا أقدر كل عائلات عرسال، وثانياً فهذه البلدة تضم رجال أشداء وهي موجودة على حدود عمليات في سوريا ومن خلفيتها توجد بيئة داعمة لحزب الله في ظل انقسام شيعي ــ سني خاصة وان موقف أهالي عرسال كان معادياً للنظام السوري عكس الموقف في الجانب الآخر المؤيد للنظام، ما أثار هذه الحساسية بين أبناء المنطقة الواحدة، الأمر الذي يتطلب عناية خاصة لإنقاذ عرسال من براثن هؤلاء المسلحين الذين احتلوها. وهنا يقول الدكتور أديب الحجيري انه عندما خرج من عرسال كان المسلحون يمنعون الأهالي من الخروج، حتى كانوا يقتلون بعض الذين لم يمتثلوا لأوامرهم ولم يعلنوا ولاءهم لهم، وكان للدكتور أديب لوم على بعض أبناء عرسال الذين ساروا مع المسلحين وهم من المطلوبين للعدالة اللبنانية وهم أقلية كما قال.
واستكمل قائلاً:
وتابع يقول:- هذا الواقع يجب إنهاؤه، لكن السؤال: كيف؟! فبعد سقوط هذا العدد الكبير من شهداء الجيش اللبناني ومن الجرحى والمخطوفين والمفقودين، لا بد من الأخذ بالاعتبار كرامة الجيش ومسألة السيادة الوطنية، فكل ذلك يفرض دعم دخول الجيش في مفاوضات مع هؤلاء المسلحين من أجل إخلاء عرسال، لا بل يجب أن تخلى عرسال بجهد أمني عسكري معين تقوم به القوى المسلحة، والعملية كان لا بد من تقسيمها الى شقين: الشق الأول، استعادة المراكز التي خسرها الجيش عند الصدمة الكبيرة عند بدء هجوم المجموعات الكبيرة للمسلحين، وهذا أمر نجح فيه الجيش بدرجة 80 و90 بالمئة، وعمد الى تطويق عرسال وتضييق الطوق على المسلحين داخلها بعدما استعاد عدة مراكز داخل البلدة وأحيائها، والشق الثاني هو تطهير عرسال من المسلحين، وهذا موضوع دقيق وكبير ومعقد وقاسٍ وصعب، خاصة إذا ما أخليت البلدة من الأهالي لأنه عندها سيكون على الجيش القيام بعمليات اقتحام متقاربة، يعني رجل لرجل لأنه لا يستطيع الجيش أن يستعمل تفوقه الناري داخل البلدة، وإلا سيصيب العدد الأكبر من الأهالي ويعرّض حياتهم وممتلكاتهم للخطر، وإذا خرج العدد الأكبر من الأهالي تسهل عمليات الجيش، ومن الممكن أن يعمد الى فتح ثغرات في الداخل تسمح للمغاوير والقوات الخاصة بالتغلغل في الأحياء المدنية لاصطياد المسلحين، وأن يقوم برمايات مباشرة ودقيقة كنيران الدبابات والصواريخ الموجهة بالطوافات، لكن هذا يتطلب أن يخرج ثلثا الأهالي على الأقل من البلدة، لكن إذا بقي الأهالي، فالجيش سيقاتل باللحم والدم، حفاظاً على حياة الأهالي.
- وهنا نحن لسنا اسرائيل في غزة ولسنا الجيش السوري في حلب أو في المليحة، بل نحن جيش لبناني لا يقاتل أهله، خاصة وأن الأكثرية المطلقة من الأهالي هم ضد المسلحين ويرحّبون بدخول الجيش، لكنهم في الوقت ذاته يناشدون الجيش بأن يكون حريصاً على أرواحهم وممتلكاتهم خلال العملية العسكرية، وهذا هو الهمّ الكبير الذي ستقرره القيادة السياسية. وأن لا أحد يحسد الرئيس تمام سلام في تحمله للمسؤولية بهذه الشجاعة كما رأيناه خلال جلسة مجلس الوزراء، وأيضاً فالقيادة العسكرية يجب أن تشعر بثقل هذه المسؤولية، تماماً كما تشعر بالقدر نفسه بضرورة استعادة السيادة والكرامة الوطنية والانتقام لأرواح شهداء الجيش.
ــ كم ستطول المعركة؟
- إذا انسحب السكان، من الممكن أن تكون العملية سريعة ويشعر المسلحون أن هناك قراراً قوياً فيهربوا من أمام الجيش نحو الجرود، من الممكن آنذاك أن تنتهي المعركة خلال أسبوعين، لكن إذا خاض الجيش المعركة باللحم والدم، وبالقتال المتقارب، من الممكن أن تكون العملية بطيئة وتستمر لأسابيع، خاصة وأننا لا بد أن نتحدث هنا عن الأثمان التي من المؤكد سيدفعها الجيش في مثل هذه المعركة القائمة على القتال المتقارب، لأن الجيش يحارب ضد أناس مقاتلين أشداء وشرسين سبق أن قاتلوا في العراق وسوريا وأفغانستان واكتسبوا تجربتهم الميدانية والقتالية، وهذا لا بد من أخذه بعين الاعتبار، حتى يمكن القول الى أي مدى يمكن تسريع العملية أو بأي طريقة يمكن خوض هذه المعركة.