إذا كانت الأحداث الدامية التي وقعت في محلة قبرشمون في منطقة عاليه، الأسبوع الماضي، تركت ندوباً كبيرة في الجسم العائلي الواحد في المنطقة، أي في مجتمع بني معروف من أبناء طائفة الموحدين الدروز، لاسيما بعد مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، فإن ما هو أبعد من الاضطراب الأمني الذي شهدته منطقة عاليه ساحلاً وجبلاً وما رافقه من قطع للطرق وتوتر تضاعفت حدته لحصول الحادث يوم الأحد، وهو يوم عطلة، كان بروز مادة خلافية جديدة تضاف الى سلسلة المواد الخلافية بين المكونات السياسية اللبنانية، تمثلت بطرح شعار لا ميثاقية المجلس الأعلى للدفاع، وذلك للمرة الأولى منذ إنشاء هذا المجلس المنصوص عنه في المادة السابعة من قانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 102 الصادر في 16 أيلول (سبتمبر) 1982. صحيح ان الميثاقية متوافرة في تركيبة مجلس النواب، وفي كل تشكيلة حكومية، وكذلك التوازن الطائفي متوافر في المواقع القيادية في ادارات الدولة ومؤسساتها، وفي القضاء، والمجالس المشكلة مناصفة بين مجلس النواب والحكومة، مثل المجلس الدستوري، والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وغيرها من مجالس الادارة لمؤسسات عامة وادارات، إلا ان الصحيح أيضاً ان مسألة <ميثاقية> المجلس الأعلى للدفاع أثيرت للمرة الأولى ما طرح علامات استفهام كثيرة عن غاية الوزير السابق النائب مروان حمادة من طرح هذه المسألة، ثم تبنيها من قبل المجلس المذهبي الدرزي حتى باتت <معزوفة> يرددها بعض الوزراء والنواب الدروز، وشخصيات سياسية وأكاديمية...
رئيس الأركان ليس عضواً!
وتعود أسباب إثارة هذه المسألة الحساسة في التركيبة اللبنانية، الى ان المجلس الأعلى للدفاع واجه أحداث قبرشمون وما تلاها من ردود فعل وممارسات سلبية بحزم وقوة، من خلال الطلب الى القادة الأمنيين الذين دعوا الى اجتماع، اتخاذ اجراءات وتدابير حاسمة لمنع تفاقم الوضع الأمني في الجبل، وتوقيف مطلقي النار على موكب الوزير الغريب ما أدى الى مقتل مرافقيه، إضافة الى قطع الطرق وحصول ظهور مسلح كثيف وتّر الجبل وكاد أن يفجر الوضع المحتقن في المنطقة. وهذا الموقف الذي اعتبره الحزب التقدمي الاشتراكي قريباً من الوزير الغريب والحزب الديموقراطي اللبناني الذي ينتمي إليه، دفع بالوزراء والنواب الدروز المنتمين الى الحزب التقدمي الاشتراكي <اللقاء الديموقراطي> الى إثارة مسألة غياب رئيس الأركان العامة في الجيش اللواء أمين العرم (وهو درزي) عن اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، معتبرين ان هذا الغياب جعل المجلس خالياً من التمثيل الدرزي، على رغم ان دروز الجبل كانوا معنيين بما حصل في قبرشمون والمواجهة وقعت بين طرفين درزيين. وذهب بعض المعترضين الى حد الحديث عن <إقصاء متعمد> وغيره من التوصيفات التي حركت الغرائز الطائفية والمذهبية على نحو واسع، ما جعل بعض المراقبين يبدي أسفه بأن كل ما يقال عن مقاربة <وطنية> لعلاقات المؤسسات الرسمية في ما بينها ليس سوى هراء، وان الحقيقة المرة هي ان الخلافات الطائفية والمذهبية تزداد يوماً بعد يوم، والمواقــــف المتشنجة لأسباب طائفية في اضطراد دائم، الأمر الذي يدل على ان صيغة <العيش المشترك> بين اللبنانيين باتت تحتاج الى <ترميم>، لا بل إعادة نظر كاملة فيها بالتشاور والتعاون مع مكونات المجتمع اللبناني كافة.
<كلام مستغرب وتحريضي>!
وفيما كثف الاشتراكيون من حملاتهم على <لا ميثاقية> المجلس الأعلى للدفاع، اعتبرت مصادر رسمية معنية ان الكلام عن الـ<لا ميثاقية> كلام مستغرب وتحريضي في آن، لأن تشكيل المجلس الأعلى للدفاع كما ورد في قانون الدفاع، يتكون من رئيس الجمهورية رئيساً، ورئيس الحكومة نائباً للرئيس، وأعضاء حكميين هم وزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية والاقتصاد. ونصت الفقرة 2 من المادة نفسها انه يحق لرئيس الجمهورية ان يستدعي من يشاء الى الجلسة ممن تقضي طبيعة العمل حضورهم. وعليه، فقد وجه الرئيس عون دعوة الى وزير العدل القاضي البرت سرحان ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي لحضور اجتماع الاثنين الماضي، وطلب الحضور من القادة الأمنيين في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والمسؤولين في المخابرات في الجيش وقوى الأمن، وذلك نظراً لطبيعة المواضيع التي طرحت في الاجتماع الذي شارك فيه النائب العام التمييزي بالنيابة القاضي عماد قبلان نظراً لكونه باشر التحقيقات في الحوادث التي وقعت في قبرشمون وغيرها من قرى قضاء عاليه، ولفتت المصادر الى ان رئيس الأركان العامة في الجيش ليس عضواً في المجلس الأعلى للدفاع استناداً الى قانون انشاء المجلس، ولم يستدع لأن الجيش تمثل بقائده العماد جوزف عون، ومدير المخابرات العميد طوني منصور، وفي ما عدا هذين الرجلين، لم يشارك أي ضابط من الجيش أو من غيره من الأسلاك العسكرية في الاجتماع. وأشارت المصادر الى ان الحديث عن <قرارات من لون واحد> صدرت عن المجلس، هو قول مردود ومرفوض في آن لأن المجلس الأعلى يتخذ إما توصيات تُرفع الى مجلس الوزراء، إذا كانت طبيعتها تتطلب موافقة المجلس، أو انه ــ أي المجلس الأعلى للدفاع ــ يمكن أن يطلب الى القادة الأمنيين اتخاذ اجراءات تدخل في صلب مهامهم الأمنية ولا تحتاج الى موافقة مسبقة من مجلس الوزراء! وتؤكد المصادر في هذا المجال انه لم يحصل أن تجاوز المجلس الأعلى، لا في اجتماع الاثنين الماضي، ولا في غيره من الاجتماعات، الأنظمة والقوانين المرعية الاجراء، وكل ما قيل خلاف ذلك يندرج في إطار سياسي لا صلة له بالواقع القانوني الخاص بمهام المجلس الأعلى للدفاع ومسؤولياته. ودعت المصادر الوزارية المعنية الذين تناولوا الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع الى الكف عن تضليل الرأي العام والعزف على الأوتار الطائفية والمذهبية وافتعال مواضيع لا تأتلف مع دعوات التهدئة الصادرة عن معظم القيادات الرسمية والسياسية والروحية بهدف معالجة ما حصل في منطقة الشحار الغربي بما يحفظ الاستقرار الأمني ويمكن الأجهزة القضائية من القيام بدورها من دون ضغط أو استباق للتحقيقات.
وتجدر الإشارة الى ان المجلس العسكري الذي <يدير> عملياً المؤسسات التابعة لوزارة الدفاع، يضم ممثلين عن الموارنة (قائد الجيش ورئيس المجلس العسكري) والشيعة (المدير العام للادارة في وزارة الدفاع) والسنة (الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع) والدروز (رئيس الأركان العامة) والارثوذكس (المفتش العام) والكاثوليك (عضو متفرغ)، وتصفه بعض المصادر بـ<المجلس الملي> في إشارة الى تمثيل الطوائف فيه، في وقت يفترض بالمؤسسات المرتبطة بوزارة الدفاع أن تكون مؤسسات <وطنية>، كما هو حال الجيش المعروف بـ<المؤسسة الوطنية>. لذلك ترى المصادر الرسمية انه إذا كان انتقاد عدد من الوزراء والنواب الدروز حول <لا ميثاقية> المجلس الأعلى للدفاع في موضعه، فلماذا لم يعلن عن ذلك قبل جريمة قبرشمون لاسيما وان المجلس الأعلى للدفاع عقد أكثر من 10 اجتماعات منذ بداية عهد الرئيس عون؟ كذلك إذا كانت ملاحظة الاشتراكيين في محلها، فماذا عن تمثيل بقية الطوائف مثل الأرمن والسريان الكاثوليك والأرثوذكس والعلويين والأشوريين والكلدان والانجيليين والاسماعيليين الخ؟... وتضيف: ليس بهذا المنطق تبنى الأوطان وتُحمى المؤسسات الأمنية والعسكرية من امتداد <فيروس> الطائفية والمذهبية إليها... إلا إذا كان القرار <تسييس> كل شيء لتعطيل القدرة على الانتاج والفعالية!