تفاصيل الخبر

هل يستطيع ”داوود“ الإيراني هز ”جالوت“ الأميركي؟!

17/05/2019
هل يستطيع ”داوود“ الإيراني هز ”جالوت“ الأميركي؟!

هل يستطيع ”داوود“ الإيراني هز ”جالوت“ الأميركي؟!

 

بقلم خالد عوض

 

الرسائل العسكرية الإيرانية خلال الأيام الماضية متعددة الأوجه، فبعد التهديدات المباشرة إلى واشنطن ودول الخليج التي تناوب على إطلاقها مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني، وسموا فيها حاملات الطائرات الأميركية فرصا بدل تهديدات أي أهدافاً سهلة بالنسبة لهم، قامت جماعة الحوثيين بعدة غارات عبر طائرات من دون طيار أولا على سفن نفطية سعودية وإماراتية بالقرب من ميناء الفجيرة ثم على خطوط امداد النفط في عمق السعودية. ماذا تعني الردود الإيرانية غير المباشرة وكيف يمكن أن يتعاطى معها الأميركيون؟

إستراتيجية <داوود> و<جالوت>!

 

لم تعد إيران تتكلم فقط عن منظومة صواريخ باليستية أو دقيقة - هي تعلم أن اسطول طائراتها لن يستطيع الصمود عدة ساعات أمام الطائرات الأميركية نظرا لقدمه وفقدانه أساسيات تكنولوجيا الحروب الجوية التي تستفرد بها إلى حد كبير الولايات المتحدة - ولكنها طورت صواريخ أرض - جو وأرض - بحر يمكن أن تصيب أهدافا بدقة متناهية. وهي سبقت أن جربت بعض هذه الصواريخ في حرب تموز (يوليو) ٢٠٠٦ في لبنان عندما اصابت بارجة عسكرية إسرائيلية في البحر. ولكن ما اظهرته إيران منذ أيام هو تطور عسكري بارز الأهمية عبر استخدامها طائرات من دون طيار في عمليات تخريبية لم تتبناها مباشرة كما لم تتنصل منها كليا. هذه الطائرات التي يمكن أن يصل حجمها بتكنولوجيا اليوم إلى حجم الذبابة لا تنفع معها الرادارات الجوية ولا القبب الحديدية ولا صواريخ <الباتريوت>. صحيح أنها لا تؤثر إستراتيجيا في ميزان القوى ولكنها مؤذية ومزعجة ومن شبه المستحيل القضاء عليها، وبالإضافة إلى كل ذلك هي غير مكلفة ويمكن إرسال الآلاف منها إلى الأجواء الخليجية أو الإسرائيلية خلال ساعات. ومع سلاح كهذا يمكن لإيران أن تصيب مئات الأهداف في وقت قصير جدا. حتى لو لم يكن حجم الإصابة بالغاً بسبب صغر الحمولة العسكرية لتلك الطائرات ولكنها مؤذية ومعطلة ومن الصعب جدا تفاديها. يبدو أن إيران لديها مقلاع بل عدة مقالع <داوود> وهي مستعدة تماما لمواجهة التيه العسكري لـ<جالوت> الأميركي بأسلوب الرشاقة العسكرية في وجه الثقل الجوي والبحري. هذا ما أكدته أيضا ولو بشكل غير مباشر وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية الـ<سي. آي. إي>. التي نصحت إدارة <ترامب> بعدم التصعيد مع إيران، على الأرجح حتى تكتمل المعلومات لديها حول ما تمتلكه الأخيرة.

 

<ترامب> في أزمة؟

إحدى الصفات القليلة التي يتمتع بها الرئيس الأميركي هي الوضوح والشفافية. يسمون ذلك بالإنكليزية <ما تشاهده هو ما تحصل عليه> (WHAT YOU SEE IS WHAT YOU GET). ولكن في الأمور العسكرية وحتى الإقتصادية والتجارية تصبح هذه الإستراتيجية في كثير من الأحيان نقطة ضعف وليس نقطة قوة لأن اللعب بأوراق مكشوفة يؤدي إلى الخسارة. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ليس لديها إلا حاملات الطائرات وصواريخ <الباتريوت> وقاذفات <ب٥٢> التي حشدها <ترامب> منذ أيام إلى الخليج، بل ربما تمتلك معلومات استخباراتية وأسلحة متطورة جدا لا تعلن عنها بالضرورة مثل التي استخدمت في الحرب الضارية قرب مطار بغداد في العراق عام ٢٠٠٣ وقضت يومذاك على آلاف الضباط والجنود العراقيين من نخبة جيش الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ولكن الرسالة الإيرانية الأخيرة تؤكد أن إيران أيضا في جعبتها ما لا يتوقعه الأميركيون بل ما لا تنفع معه عظمة السلاح الأميركي الدفاعي والهجومي. كيف يمكن مثلا التصدي لطائرات من دون طيار لا تلقط حركتها أكثر الرادارات تطورا؟ وماذا تخبئ إيران من مفاجآت أخرى خاصة أنها تحضر منذ سنوات طويلة لإحتمال مواجهة في مياه الخليج؟

من يراقب الرئيس الأميركي منذ توليه الحكم يعرف أن بمقدوره التهديد والوعيد وتنفيذ معظم تهديداته ولكنه حتى اليوم لم يتمكن من الحسم. في الحرب التجارية مع الصين استخدم كل أوراقه ولكن الصينيين لم يرزحوا، فها هم يقابلون الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها <ترامب> على أكثر من ٣٠٠ مليار دولار أخرى من بضائعهم برسوم مضادة ستوجع أكثر من ستين مليار دولار من الصادرات الأميركية. في المسألة الكورية الشمالية لم يتمكن <ترامب> من تحقيق أكثر من بعض المشاهد المسرحية مع الرئيس الكوري الشمالي <كيم جونغ أون> خلال لقائهما الأول منذ سنة في سنغافورة وخلال نصف اللقاء الفاشل في العاصمة الفيتنامية <هانوي> منذ ثلاثة أشهر. <كيم> جرب  منذ إسبوعين صاروخا باليستيا متطورا مداه ٤٢٥ كلم ولا يمكن للدفاعات الأرضية اعتراضه، وبيّن أنه غير آبه بالتهديدات الأميركية، حتى أنه أعطى الولايات المتحدة مهلة لغاية نهاية العام لتغير استراتيجيتها الدبلوماسية مع بلده! وفي المسألة الإيرانية كرر <ترامب> أنه مستعد للتفاوض ولكن يبدو أن إيران من خلال عملياتها الأخيرة ليست في هذا الجو نهائيا أو على الأقل تريد منصة متوازية للتفاوض ولن تقبل بالتفاوض تحت التهديد والسلاح.

يبدو <ترامب> المعروف بقدرته على إتمام الصفقات مأزوما اليوم لأن اسلوبه المبني على التهديدات والعقوبات والرسوم لم يعط المتوخى منه، على الأقل حتى الآن. ربما بدأ يكتشف أنه لا يمكن تطبيق دروس المفاوضات العقارية على التعاملات الدولية. فإذا كان يريد توازنا تجاريا مع الصين وتخفيفا للخطر الكوري الشمالي وتسوية إقليمية مع إيران، فمن الواضح أن اسلوبه الحالي لم يحقق كثيرا في كل هذه الأمور.

السؤال لم يعد إن كان <ترامب> سيستخدم أسلوباً آخر بل متى وكيف؟