تفاصيل الخبر

هل يصوت البرلمان اللبناني على قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه؟

18/11/2020
هل يصوت البرلمان اللبناني على قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه؟

هل يصوت البرلمان اللبناني على قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه؟

بقلم عبير انطون

[caption id="attachment_83072" align="alignleft" width="335"] الوزيرة السابقة النائبة عناية عز الدين : القانون يسمح بالمحاسبة والإقتصاص ويفتح باب إعادة التأهيل.[/caption]

  بهمّة من الوزيرة السابقة عناية عزّ الدين التي عملت عليه منذ سنتين، تم الترحيب بخطوة إقرار لجنة الادارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه والذي اعتبره عدوان "من أكثر القوانين تطوراً في حماية الأمن الاجتماعي"، على أمل أن يوضع هذا الاقتراح على جدول أعمال الهيئة العامة في سبيل إقراره، وبالتالي تجريم فعل التحرش الجنسي ومعاقبة مرتكبيه وتأمين الحماية والتأهيل لضحاياه. وقد أتى هذا الاقتراح جامعاً ودامجاً لنصوص تشريعية سبق أن أعدّتها كلّ من النائبة ​عناية عز الدين​ والهيئة الوطنية لشؤون المرأة و​وزارة العدل​ "بحسب بيان هيئة شؤون المرأة اللبنانية" التي اعلنت انها قدّمت في آذار(مارس) الماضي إلى رئيس لجنة الإدارة والعدل ​جورج عدوان​، نصّاً جامعاً لمقترحات قوانين معروضة على اللجان البرلمانية المختصة، وضمّنت اقتراحها هذا، تحديداً دقيقاً لأوجه التحرش الجنسي، وطالبت فيه بإضافة مواد على ​قانون العمل​ لضمان بيئة عمل سليمة وتوفير آليات لمكافحة ومعاقبة المرتكبين. كما اقترحت الهيئة الوطنية توحيد الصناديق بصندوق واحد مخصص لمساعدة ضحايا ​العنف الجنسي​ والعنف المبني على النوع الاجتماعي.

 فما هي أهمية إقرار القانون ومفاعيله؟ هل سيشكل رادعاً لمن يعانون (او يعانين منه)، وبينهم بعض الرجال والأطفال والكثير الكثير من النساء، خاصة وأن  نسبة التحرش الجنسي بلغت  زيادة  104.25 في المئة عما كانت عليه في تموز (يوليو) وآب (اغسطس) من العام الماضي بحسب شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي؟ وماذا عن التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يتزايد مع فترات الحجر بسبب جائحة "كورونا"؟ وهل سيصوّت البرلمان اللبناني عليه في جلسته التشريعية المقبلة، أم سيطاح به بحسب ما يخشى البعض،علماً بأن التحرّش يعدّ جريمة بحسب الاتفاقيات الدولية؟

  

[caption id="attachment_83070" align="alignleft" width="375"] الممثلة المصرية غادة عبد الرازق تعرضت للتحرش وتناولت الموضوع في مسلسل الخانكة[/caption]

في تعريفه، "يعتبر التحرّش الجنسي أيّ سلوك سيّئ مُتكرّر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحيّة، ذات مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحيّة في أي مكانٍ وُجِدَت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، وبأي وسيلة تمّ التحرّش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية". كما "يُعتبَر أيضاً تحرّشاً جنسياً كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرّر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري، يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير .

هذا في التعريف، اما الأسباب فتتعدد، وأبرزها يمكن ان يلخص بالأسباب الاجتماعية، ومنها ما يتعلق بالاستبداد السياسي بصفة أساسيّة، والذي يبدأ في الوصول تدريجياً إلى طبقات هذه الدولة كافة، ليمارس مَن هم أعلى سلطة التحرش اللفظي أو الجنسي أو حتى الاغتصاب - بكافة أشكاله - على مَن هم أقل او أضعف منه.

 كذلك، يمكن ان يزداد التحرش الجنسي في المناطق التي يكون من الطبيعي أو العادي أن ترفض الآخرين (رفض الاختلافات الدينية، السياسية، الجنسية، العرقية، أنماط حياة مُعينة)، فضلاً طبعاً عن تربية الذكور على أنهم سيصبحون رجالاً بدرجة تحكمهم في المرأة، وفي المجتمع من حولهم، ونرى أن عادات الكثير من المجتمعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُغذي هذه المفاهيم، ويمكن ان تساهم في ذلك ايضاً الاغاني والكتب والمنشورات والافلام والمسلسلات التي تُمجد دور الرجل وسطوته وتجاربه العديدة مع النساء وإخضاعهن لنزواته فيعتقد بأنه مميز جينياً، او اجتماعياً عن النساء.

من ناحية أخرى، فإن تربية النساء على أنهن مخلوقات لخدمة الرجل ورؤيتهن لأنفسهن على أنهن أضعف وأقل منزلة منه، يجعل بعضهن تغض النظر عن الكثير من الإساءات الجنسية واللفظية، وتستصعب الإبلاغ عن حوادث التحرش او حتى الاغتصاب التي تتعرض له.

آثار نفسية وجسدية ...

 

[caption id="attachment_83073" align="alignleft" width="234"] لا للتحرش الجنسي.[/caption]

لا يمكن الاستهانة بآثار التحرش ومنها ما قد يكون طويل الأمد، وله تأثير كبير على الصحة النفسيّة، بحيث تتراوح مظاهره ما بين الشعور بالغضب والاحساس بالضعف، الى الاكتئاب والقلق، وفقدان الحافز، حتى إنها تصل أحياناً الى التفكير بالانتحار. كذلك ، قد يكون له تأثيرات جسدية أيضاً تظهر من خلال اضطرابات النوم و الصداع والارهاق وفقدان الشهية، فضلاً عن الخجل من صورة الجسد ورفضه او حتى الرغبة في التخلص منه .

فهل يدرك الجميع لهذه المخاطر وانعكاساتها؟ وهل كان يجب القيام بحملات توعية أكبر تساهم من ناحيتها في الضغط لاقرار القانون في البرلمان اللبناني؟

 إذا ما تم التوقف عند التعليقات وردات الفعل عقب اعلان الوزيرة عز الدين وعدد من النواب بينهم مثلاً النائب فؤاد مخزومي تهنئة المجتمع اللبناني و​المرأة اللبنانية​ بإقرار اقتراح قانون تجريم ​التحرش الجنسي​ وتأهيل ضحاياه في ​لجنة الادارة والعدل، نجد ان البعض لا يأخذه بعد على محمل الجد، حتى إن الوزيرة السابقة عز الدين نفسها أثارت ما كانت تحصده من حملة تهكّم واسعة في فترة عملها على المشروع، وهو الأمر الذي كان أثاره ايضاً النائب السابق غسان مخيبر حين تقدم من جهته باقتراح قانون في هذا الاطار وقال: " في الفترات الأولى من النقاش، وجدتُ بأن الجو في المجلس كان جو تهكّم، وكان الحديث الغالب للبعض "إنو شو هالقوانين يللي عم تجيبوها"،  قبل ان يتخذ النقاش مساراً آخر مع تأييد مداخلات عدد من النواب لهذا الاقتراح وطلب دمجه مع القانون الذي كان تقدم به وزير شؤون المرأة السابق جان أوغاسبيان.

   الوزيرة عز الدين مضت قدماً، لأنه وبحسب تعبيرها "أن  أحد أهمّ العوامل التي تُثني النساء والأحداث وأي ضحية أو ناجٍ من التحرّش عن اتّخاذ المسار الرسمي والقانوني هو عدم وجوده أصلاً، بحجّة صعوبة تقديم دليل قاطع، وإلى ما هنالك من حجج واهية. اليوم، وبكلّ ثقة، أستطيع القول إنّ الطريق الذي طال انتظاره قد تعبّد وبات موجوداً".

  وقد عملت الوزيرة عز الدين، مع عدد من القانونيين على ايجاد قانون تشرح بأنه "تامّ ومنفصل عن قانون العقوبات، يجرّم التحرّش ويُنصِف الناجيات والناجين، ويتيح لهنّ ولهم قانونياً المحاسبة والإقتصاص، ومن ثم يفتح باب إعادة التأهيل من آثار وتبعات وقائع هذا الجرم الجنسي عليهنّ وعليهم، وعلى أجسادهنّ" .

تحت الضوء...

وإذا ما كان التحرش الجنسي بقي حتى الأمس القريب بين الـ"تابوهات" التي لا يعلن عنها الا نادراً، فإن وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في إذكاء نسب التحرش، ساهمت هي نفسها في جانب آخر في  فتح الباب ليخرج الموضوع الى العلن خاصة وان لا نص قانونياً يجرّم التحرش، والمتحرِّش يحميه القانون من التشهير!

ويذكر مثلاً في هذا السياق ما تعرضت له صبية لبنانية بعمر الثالثة والعشرين التي قررت المواجهة والكشف عما تعرضت له في احدى سيارات

[caption id="attachment_83071" align="alignleft" width="406"] النائب جورج عدوان من أكثر القوانين تطوراً في حماية الأمن الاجتماعي.[/caption]

الاجرة التي كانت من المفترض أن تقلها من منطقة الطيونة الى الأشرفية، فما كان منها الا ان صورت ما جرى ونشرت الفيديو حينها. وفي معرض شرحها عما حدث قالت: "لم أترجل من السيارة لانني اردت توثيق ما يجري، وللغاية استجمعت قواي، تمالكت نفسي وسجلت له مقطع فيديو وعندما توقف السير وقبل أن أصل الى المكان المقصود ترجلت من السيارة لكي اتمكن من تصوير لوحة السيارة".

 كذلك فقد كانت لمساهمة العديد من الفنانات العربيات واللبنانيات ايضاً في الحديث عما تعّرضن له، أثر فعال، وكذلك أيضاً بعض الاعلاميات اللواتي في  "حديث طازج" لهيئة الإذاعة البريطانية نشر قبل أيام قليلة روين ما يتعرضن له، ومن قبل بعض السياسيين أحياناً   إذ إن "أحدهم كان يجري لقاءاته بثوب الحمام، ويحاول أن يظهر أجزاء عارية من جسده".

 وقد نشر التقرير عينه دراسة صدرت عن الجامعة الأميركية في بيروت العام 2015 بعنوان "مواجهة التمييز والتحرّش الجنسي المتفشي في الإعلام اللبناني" تذكر أنّ التحرّش يؤثّر في المستقبل المهني لنحو 82 في المئة من الصحافيات في لبنان. وفيما استطلعت الدراسة آراء أكثر من 250 صحافية، قالت 10 في المئة منهنّ إنهن فكّرن في الاستقالة من العمل بسبب التحرّش اللفظي أو الجسدي، أو بسبب التهديد الناتج عن رفض تقديم خدمات جنسية. وأظهر الاستطلاع أنّ نصف المشاركات فيه تعرّضن للتحرّش مرّة واحدة على الأقلّ خلال عملهنّ.

وما تتعرض له الاعلاميات او الفنانات ليس سوى نموذج لما تتعرض له كل النساء والفتيات والكثير من الاطفال والمراهقين والمراهقات، وفي كل المجالات.

غادة .."الخانكة"..

 يذكر انه بين اوائل الفنانات اللبنانيات التي اعلنت تعرضها لتحرش جنسي نذكر الممثلة القديرة كارمن لبس التي صرّحت عن ذلك في حلقة من برنامج "أجبته" الذي يقدمه جوزيف عيساوي، وأكدت أنها تعرضت للتحرش من قبل أحد أصدقاء والدها، وكانت في مرحلة الطفولة وقتها ولم تخبر والدها في حينها، ولكنها قررت أن تعلن عن الأمر لأهداف توعوية ومجتمعية.

 ومثلها، وبعيداً عن لبنان وبهدف كسر الصمت أيضاً اعلنت كل من ميساء مغربي ونيللي كريم وفيفي عبدو أمر التحرش بهن ايضاً واللائحة تطول. كذلك لم تسلم الممثلة المصرية منة شلبي من التحرش، بحيث تعرضت له من قبل شاب حاول تقبيلها بالقوة في الشارع العام، وقد وصلت القضية الى دعوى قضائية، ومثلها النجمة غادة عبد الرازق التي اعلنت عن حادثة التحرش بها، حتى إنها تناولت موضوع التحرش الجنسي في مسلسل "الخانكة" الذي يعرض لقصة معلمة تربية رياضية تسمى "أميرة" كانت تعيش حياتها بشكلٍ عاديّ وبسيط وتعمل في إحدى المدارس الراقية في مصر، إلى أن تنقلب حياتها رأساً على عقب وتصبح حياتها جحيماً بسبب تحرش طالب لديها في المدرسة، فتتحول هي إلى الجاني بدلاً من المجني عليه ويتمّ إدخالها إلى السجن ومن ثم مستشفى الامراض النفسية.

ليست النجمات العربيات وحدهن من أعلنّ تعرضهن للتحرش، والمجتمعات الغربية، ليست بعيدة عن تداعيات هذا السلوك أيضاً .

 العقاب آت..

في القانون المقترح يمكن أن يُحكم على المتحرّش بالسجن من شهر حتى سنة، وبغرامة تتراوح بين ثلاثة اضعاف وعشرة اضعاف الحدّ الادنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا كانت جريمة التحرّش حاصلة "في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل، أو إذا كان المتحرّش موظّفاً وِفقاً للتعريف المنصوص عليه في المادة 350 من قانون العقوبات، وتعسّف باستعمال السلطة التي يتمتّع بها بحكم المهام المكلَّف بها، أو بمعرض القيام بالوظيفة أو بسببها، تكون العقوبة بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 10 أضعاف إلى 20 ضعفاً الحدّ الادنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين". أما إذا وقع الجرم على "حدث أو على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو على من كان لا يستطيع المدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحّي الجسدي أو النفسي، أو إذا كان الجاني ممّن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المُجنى عليه، أو إذا ارتكب فعل التحرّش شخصان أو أكثر، أو إذا استخدم الجاني الضغط الشديد، النفسي أو المعنوي أو المادي في ارتكاب الجرم للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية، تكون العقوبة بالسجن من سنتين إلى 4 سنوات، وبغرامة تتراوح من 30 إلى 50 ضعفاً الحد الادنى الرسمي للأجور". وفي حال "التكرار أو المعاودة تُضاعف عقوبتا السجن والغرامة في حدّيهما الأدنى والأقصى في كلّ الحالات المذكورة، ويُحكَم بعقوبتي السجن والغرامة معاً".

 في المحصلة إن غياب السياسات الرادعة للتحرش، تزيد من نسب وقوعه. ولا يقتصر الأمر على الغياب فقط، فعدم تفعيل، وتطبيق تلك القوانين ستكون له النتيجة نفسها. كما أن التساهل من قبل الضحية وأسرتها والشهود والمجتمع يساعد على استمرار التحرش. من هنا، فإن تضافر كل هذه العوامل يمكن ان يؤدي الى النتيجة المرجوة.