تفاصيل الخبر

هل يسمي الحريري "المنسحب" بديلاً له أم تعّوم حكومة دياب... ولو موقتاً؟!

26/08/2020
هل يسمي الحريري "المنسحب" بديلاً له أم تعّوم حكومة دياب... ولو موقتاً؟!

هل يسمي الحريري "المنسحب" بديلاً له أم تعّوم حكومة دياب... ولو موقتاً؟!

[caption id="attachment_80632" align="alignleft" width="378"] الرئیسان نبیھ بري وسعد الحریري..لبن العصفور لم ینفع مع الثاني لیكون رئیس الحكومة المكلف[/caption]

 إعلان الرئيس سعد الحريري بعد ظهر الثلاثاء الماضي إنسحابه من الترشيح لرئاسة الحكومة وطلب من الجميع سحب اسمه من التداول، خلط الأوراق الحكومية من جديد ليزيد الامور تعقيداً في عملية التكليف لتشكيل الحكومة العتيدة وأورد تبريرات مماثلة لتلك التي كان أعلنها المرة الماضية قبل أن يستقر الرأي على الرئيس حسان دياب. حسم الرئيس الحريري موقفه من السباق الحكومي لكنه أطلق العنان لجملة اجتهادات حول الاسباب التي دفعته الى الخروج من الساحة في وقت كانت الانظار متجهة اليه ليقبل التكليف بتشكيل الحكومة بناء على رغبة ملحة من صديقه الرئيس نبيه بري الذي وضع كل ثقله السياسي لعودة حليفه الى السرايا من جديد في تركيبة حكومية هي الرابعة في عهد الرئيس العماد ميشال عون الذي شارك الحريري في الحكومتين الاولى والثانية من عهده.....

 وقد أحدثت "استقالة" الحريري من الترشيح للحكومة العتيدة ضجة في الاوساط السياسية لاسيما وأنها أتت في وقت كانت فيه الدوائر الرئاسية على وشك تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي لو تمت لكانت أتت بالحريري رئيساً مكلفاً من خلال أصوات الكتلة النيابية للرئيس بري وكتلة حزب الله وتيار "المردة"، اضافة الى بعض المستقلين وكتلة "المستقبل". صحيح أن الاصوات التي كان سينالها الحريري لن تتجاوز الـــ 64 صوتاً - وهو رقم ضئيل قياساً الى الارقام التي نالها في حكومتين سابقتين- لكن ايضاً أن عودته الى السرايا ستعني في السياسة تبدلاً جذرياً في الأداء والممارسة للمرحلة المقبلة خصوصاً أن الحريري كان وضع شروطاً للعودة ابرزها تأليف حكومة واسعة الصلاحيات قادرة على التفاهم الداخلي والخارجي للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي ومن الدول المانحة وعلى رأسها دول الخليج، وحكومة لديها القدرة على أخذ الخيارات السياسية والاقتصادية اللازمة للانقاذ من خلال التنسيق مع المجتمع الدولي وبالتالي نيل الثقة محلياً وخارجياً، كذلك كان يريد حكومة لا تشارك فيها "شخصيات استفزازيـة" ولا أحزاب، بل تتألف من وزراء "مستقلين" وتكون مهمتها الشروع بالاصلاح السياسي بموازاة الاصلاح المالي والاقتصادي....

 

جنبلاط أقنع الحريري

 والواقع أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب والوزير السابق وليد جنبلاط "نجح" في دفع الحريري الى الاستنكاف عن الترشح وذلك خلال الزيارة التي قام بها الى الحريري قبل 24 ساعة من إعلان موقفه. وتقول المعلومات المتوافرة إن جنبلاط قال لحليفه السابق أن لا مشكلة شخصية بينهما لكن – اي جنبلاط - لا يؤيد عودته الى السرايا لأنه لن يتمكن من العمل كما يريد وسيبقى مكبلاً خصوصاً أن الرئيس عون لا يريد عودة الحريري، وإذا حصلت هذه العودة فإن رئيس الجمهورية- حسب جنبلاط- لن يترك مناسبة الا ويعمل على "تفشيل" الحريري. أكثر من ذلك، تضيف المعلومات قال جنبلاط للحريري إن عودته الى السرايا سوف "تعوّم" عون، ولا مصلحة في ذلك والافضل له أن يبقى خارج الحكم. كلام الزعيم الدرزي معطوفاً على مواقف لقياديين في "المستقبل" يعارضون عودة رئيسهم الى السرايا، تركت اثراً لدى الحـريري الذي كان من الاصل "حذراً" من العودة، فكــــان قرار الاستنكاف الذي أعلنـــه زعيم "التيار الازرق" بعدما القى اللوم على رئيس الجمهورية وعلى رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل من دون أن يسميه.

 وتورد مصادر مطلعة أسباباً عدة وراء قرار الحريري لعل أبرزها معرفته بثقل المرحلة المقبلة بعدما استعرت الازمة وصار الخروج منها أمراً صعباً أن لم يكن مستحيلاً، فالوضع الاقتصادي والمالي والنقدي متفلت من دون رقيب او حسيب، والواقع السياسي متأزم تزيده تعقيداً تداخلات خارجية واقليمية ودولية، الامر الذي يجعل من المستغرب أن "يحشر" الحريري نفسه في هذه الدوامـــة المقلقة التي لا يعلم احداً الى أين ستصل في تأزمها. وثمة حقيقة قائمة وإن تجاهلها البعض خلاصتها أن "لا حماسة" لدى المملكة العربية السعودية في رؤية "ولدها سعد" يعود الى السرايا للمرة الثالثة في حكومة تضم وزيراً او اكثر من حزب الله كما حصل في الحكومتين السابقتين. والتأثير السعودي في هذا المجال مباشر بحكم العرف القائم الذي يربط سنة لبنان عموماً وسنة بيروت خصوصاً، بالحضور السعودي. والواقع أن الحريري لم يلمس تأييداً سعودياً واضحاً وافتقد اي اشارة ايجابية في هذا المجال لأسباب وحده الحريري يعرفها لأنها تدخل في صلب أسرار علاقته مع السعوديين. وثمة مشكلة اخرى قد تكون من الأسباب التي دفعت الحريري الى الاستنكاف، تتعلق بالدور الاميركي في لبنان الذي أحدث نفوذاً لم يصب في مصلحة الحريري لأن الادارة الاميركية المنهمكة بانتخاباتها الرئاسية تصب همها بالحصول على رضى الكيان الصهيوني قبل لبنان لأنه المؤثر في الانتخابات الرئاسية من خلال اللوبي اليهودي، فضلاً عن أن الحريري ليس قادراً على تحقيق رغبات اميركا في بلاد الارز، واول هذه الرغبات عزل حزب الله وتحقيق مكاسب معينة لاسرائيل... وكل ذلك أدى الى "فتور" في الموقف الاميركي تجاه الحريري، وقد يكون هذا الفتور أحد اسباب غياب الحماسة السعودية في ترؤس الحريري الحكومة العتيدة.

بري الخاسر الأكبر

 ويتحدث مطلعون في معرض تعداد أسباب "تنحي" الحريري أن "الشارع" الذي قاد "ثورة 17 تشرين" ومعظم نخبه، ترفض عودته الى السراي. أكثر من ذلك، فإن حلفاءه الرئيسيين مثل "القوات اللبنانية" والاشتراكيين والكتائب وغيرهم، أعلنوا صراحة أنهم لا يؤيدون تكليفه. ولم يعد سراً أن رئيس الجمهورية "والتيار الوطني الحر" لا يرغبان به. وحده الثنائي الشيعي وبعض حلفائه متمسكون بالحريري من زوايا مرتبطة بالواقع اللبناني. فالرجل في نظرهم يمثل الحصان الأقوى والأكثر تمثيلاً في طائفته، ومن زاوية أخرى فقد كان الحريري شريكاً في ما وصل اليه لبنان، ومن واجبه أن يتحمل مسؤولية الانقاذ مع الآخرين. وقد كان الرئيس نبيه بري واضحاً أكثر من مرة في تقدير هذه الزوايا. إضافة الى أن المحيطين  ببري أنفسهم لا يفوتهم أن يذكروا أن الامر ليس جديداً اطلاقاً في قاموس التداول السياسي عند رئيس السلطة التشريعية، فالكل يذكر الجهد الاستثنائي الذي بذله بري لاقناع الحريري بالعودة الى تأليف الحكومة التي اعلن هو (اي الحريري) استقالتها بعد ايام عشرة على انطلاق الحــــراك الشعبي في الشارع في 17 تشرين الاول المنصرم، لدرجة أنه ( بري) قد اطلق صرخة استياء على مضي الحريري في الممانعة والدلال. عندما ادلى بتصريح قال فيه: "شو منعمل مستعدين نجبله لبن العصفور ليقبل، ومش عم يقبل".

 ويضيف زوار عين التينة أن المسألة عند بري قناعة متأصلة وليست مسألة عابرة، فالأجدر بالرئاسة الثالثة امس واليوم وغداً الرئيس الحريري وليس سواه. وثمة عامل مستجد بالنسبة لهؤلاء متجدد قديم، يستدعي أن يعاد من أجله وهو أن يتم الحفاظ على الرئيس الحريري وأن يعاد الى الرئاسة الثالثة، فضلاً عن أن يمنع المتربصين له أن "يحاصرونه"، وهو أن يكافأ على دوره في تهدئة الموقف ومنع أي حادث أمني كان يفترض البعض حصوله، اثر صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مما فوت على البعض رهاناتهم السوداوية وسيناريوهاتهم الكارثية التي شاعت قبل أيام من صدور الحكم. ويضيف هؤلاء أن هذا الموقف المحسوب للحريري وقبله وما تداعى عن انفجار المرفأ في 4 آب الحالي، وقبلهما التردي الاقتصادي المالي، كلها عوامل ملحة تستدعي "هبة وطنية" واسعة النطاق ليشارك فيها الجميع تحت عنوان "الانقاذ والاصلاح" من باب أولى أن يكون زعيم أكبر تكتل لبناني سني، هو في مقدم هؤلاء المدعوين وفي مقدم الذين يتعين اعطاؤهم فرصة متجددة لأداء دور ريادي في تجربة سياسية جديدة مشتركة، تبعد عن البلاد أشباح أخطار موجودة وكامنة.

 من هنا بدا الرئيس بري أكثر الخاسرين في انكفاء الحريري، وهو الذي كان يراهن عليه ويسعى الى دعم عودته الى السرايا بكل الوسائل المتاحة، الى درجة أنه سعى الى اقنـــاع رئيس "التيار الوطني الحر" النائب باسيل بالقبول بالحريري واعادة الحياة الى مجاريها بين الرجلين، لكن باسيل ابتعد مسافات كبيرة عن الحريري الى درجة أنه اعلن أن "التيار" غير معني بالحكومة الجديدة والأرجح ألا يتمثل فيها لاسيما وأن باسيل لن يكون وزيراً في اي حكومة جديدة. لكن خسارة بري ليست "آخر الدنيا" لأن "ابو مصطفى" يعرف كيف يحّول الخسارة ربحاً، ويعيد تصحيح الرماية كما سيفعل في الكلمة التي سيلقيها لمناسبة ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر ورفيقيه.

  حيال هذا الواقع المستجد، نشط البحث عن بديل للرئيس الحريري يمكن التفاهم عليه بين مختلف الجهات ويتم "تمريره" في الاستشارات التي سيجريها الرئيس عون بعدما يتأكد بأن بديل الحريري جاهز والارجح أن يكون من اختيار الحريري نفسه بالتفاهم مع الافرقاء الاساسيين في تشكيل الحكومة. وفيما ارتفعت أصوات تنادي مجدداً بالسفير نواف سلام، ذكّرت مصادر متابعة أن اسم سلام لا يلقى تأييد "الثنائي الشيعي"، الأمر الذي يفرض البحث عن شخصية سنية أخرى لتكليفها تشكيل الحكومة قبل مجيء الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" مجدداً الى بيروت في الأول من ايلول (سبتمبر) المقبل للمشاركة في ذكرى إعلان "دولة لبنان الكبير" من قصر الصنوبر في بيروت. فهل سيجد "ماكرون" في عداد مستقبليه رئيساً لحكومة تصريف الأعمال حسان دياب ورئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة، أم أن الرئيس دياب سيبقى وحيداً في الميدان بعدما تكون حكومته على طريق "التعويم"؟!.