بقلم خالد عوض
انتخابات الرئاسة الأميركية ليست على الأبواب ولكنها بالتأكيد ستبدأ بـ<إشغال> الولايات المتحدة في الداخل وتضييق المساحة التي يمكن للرئيس <باراك اوباما> أن يتحرك من خلالها حتى لا يُستثمر آداؤه أو أخطاؤه المحتملة في أي قرارات كبيرة من قبل الجمهوريين. فمع إعلان سيناتور <تكساس> الجمهوري المحافظ <تد كروز> عن أول ترشيح رسمي وتوقع كر السبحة في الشهر المقبل تكون الولايات المتحدة قد دخلت رسمياً في مرحلة الإنتخابات.
ولذلك من غير المتوقع أن تحصل مبادرات أميركية دولية جديدة خارج الثوابت الحالية للسياسة الخارجية في ما يخص الشرق الأوسط:
1 - استمرار الحرب على <داعش>.
2 - التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.
3 - ترتيب العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في ظل نسف رئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> حل الدولتين وإعادته المفاوضات مع الفلسطينيين ربع قرن إلى الوراء.
لا يعني ذلك أن الرئيس الاميركي كان <أبو الهمم> في المرحلة السابقة ولكن المنطقة ستترك أكثر لمصيرها في ما تبقى من ولايته إلا في حالة أحداث <كبرى>.
ترجمة ذلك أن الرئيس السوري بشار الأسد باقٍ مكانه أميركياً أي أن الأزمة السورية مستمرة. كما يعني ذلك أن تنامي نفوذ إيران في المنطقة سيستمر من دون لجام دولي، وبالتالي سنظل نشهد الميل إلى التطرف المذهبي الذي سيؤدي إلى منابت جديدة لأنواع متعددة من الإرهاب. إنه عصر الفوضى بكل أشكالها وعلينا التعايش معه لفترة غير بسيطة. ويعني هذا الأمر أن المنطقة ستشهد المزيد من الخسائر في الأرواح والاقتصاد ناهيك عن كلفة عدم النمو والتراجع إلى الوراء في كل القطاعات.
الملفت في الحروب الدائرة هو أرقام إعادة الإعمار التي سيحتاجها العالم العربي. هذه الأرقام تكاد لا تصدق وتفوق أي مبلغ إعادة إعمار احتاجته أي بقعة جغرافية في العالم على مر التاريخ حتى بعد الحروب العالمية.
الرئيس السيسي قال ان مصر بحاجة إلى 300 مليار دولار للتطوير مع العلم أن مصر لم تشهد أي حرب. التقديرات الآتية من العراق وسوريا وليبيا حيث الحروب لم تنتهِ بعد مخيفة: العراق بحاجة إلى 400 مليار دولار وسوريا إلى 200 مليار دولار وليبيا إلى 50 مليار دولار. هذه الأرقام التقريبية الآتية من حكومات هذه الدول ومن تقديرات البنك الدولي تشمل الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية والمشاريع الخاصة المختلفة لإعادة تأهيل المدن وهيكلة الاقتصاد. ناهيك عن الكلفة المطلوبة في تونس واليمن ودول أخرى التي وإن لم يطلها <الربيع العربي> مباشرة رزحت تحت سنوات من الحرمان كالسودان على سبيل المثال. لبنان نفسه بحاجة إلى أكثر من 5 مليار دولار لتطوير بنيته التحتية المنعدمة وتحقيق الحد الأدنى من الإنماء المتوازن.
باختصار، الإنسان في العالم العربي بحاجة إلى استثمارات تزيد عن ألف مليار دولار حتى يصبح له مستوى حياة شبيهاً بالدول المتطورة. هذا من دون كلفة الفساد. من سيدفع كل ذلك وأي جهة يمكن أن تدير إنفاقاً بهذا الحجم، وكم سيستغرق، إن حصل؟
هناك نظرتان للأمر: الأولى تشاؤمية عبّر عنها الوزير وليد جنبلاط في باريس اثر لقائه الرئيس الفرنسي منذ أسبوع إذ قال ان التقاتل في العالم العربي سيستمر لسنوات طويلة وأن لا حل في الأفق. ويوافق الكثيرون هذه الرؤية نظراً لما يحصل كل يوم ولجنوح المنطقة نحو مزيد من التدهور.
والثانية لا تناقض الأولى بل تنطلق منها لترسم صورة متفائلة للشرق الأوسط لأنه سيكون في المستقبل أهم قبلة استثمارية لكل العالم، مهما تأخر ذلك. المهم أن يأتي اليوم الذي تتوقف فيه الحروب، فتنصرف المجتمعات العربية إلى بناء نفسها بدل الهدم الذاتي الذي تمعن فيه.
لن يكون هناك حل سحري للمنطقة لا من الولايات المتحدة ولا من غيرها. ولكن أي حل سيأتي في المستقبل بما فيه التقسيمات الجغرافية المنبثقة عنه لا بد أن يأخذ في عين الاعتبار الاستراتيجية الأمثل لإعادة الإعمار وترجمتها السياسية. وعلى طريقة مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي نجح من خلاله الرئيس السيسي في استقطاب الاستثمارات إلى مصر، ليس من الضروري انتظار الحلول السياسية والعسكرية حتى يبدأ الاستثمار بل يمكن أن يكون المسار الاقتصادي والاستثماري هو الدافع الأقوى لوقف الحروب.