تفاصيل الخبر

هـل يــرد لبـنان عـلى الضغــوط لتوطيــن الفلسطـينـيـيــن بـالمطالبــة بتوزيعهــم علـى الــدول العربيــة القــادرة؟!

14/06/2019
هـل يــرد لبـنان عـلى الضغــوط لتوطيــن الفلسطـينـيـيــن  بـالمطالبــة بتوزيعهــم علـى الــدول العربيــة القــادرة؟!

هـل يــرد لبـنان عـلى الضغــوط لتوطيــن الفلسطـينـيـيــن بـالمطالبــة بتوزيعهــم علـى الــدول العربيــة القــادرة؟!

وسط الاستحقاقات الكثيرة التي يواجهها لبنان هذه الفترة، من موضوع موازنة العام 2019، الى ملف النازحين السوريين و<النضال> المستمر لإعادتهم الى بلدهم، قفز من جديد الى الواجهة موضوع توطين الفلسطينيين، لاسيما بعد الدعوة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى حوار وطني حول هذا الملف الحساس الذي يرفضه لبنان انطلاقاً من مقدمة الدستور، والتزامات الحكومات المتعاقبة والبيانات الوزارية، ناهيك عن مواقف القيادات اللبنانية التي قلما تُجمع على مسألة ما مثل اجماعها على رفض التوطين.

إلا ان تحذير السيد نصر الله في اطلالته الإعلامية الأخيرة، ليس الأول من نوعه من قيادي لبناني على مستوى الأمين العام لحزب الله، إذ سبق لقيادات لبنانية أن <رفعت الصوت> عالياً محذرة من مغبة توطين الفلسطينيين و<الثمن> الذي يمكن أن <يتقاضاه> لبنان لقاء القبول به. وثمة من ذهب بعيداً الى حد القول بان <الحصار> الاقتصادي غير المباشر الذي يعاني منه لبنان، معطوفاً على <الحصار> المالي الذي يستهدف المصارف اللبنانية، هدفه <تركيع> لبنان وإجباره على القبول بتوطين الفلسطينيين فيه. من هنا بدا ان ثمة مستجدات دفعت بالسيد نصر الله الى إثارة موضوع التوطين، ولاقته بعد ذلك قيادات لبنانية أضاءت مجدداً على مخاطر التوطين وانعكاساته على الوضع الديموغرافي في البلاد.

مطلعون على موقف الأمين العام لحزب الله، ومواقف سياسيين آخرين، اعتبروا ان كل ما قيل حول التوطين خلال الأسبوعين الماضيين جاء بمثابة تحذير واضح عن خطر سوف يدهم لبنان بالتزامن مع تطورات سياسية واقتصادية داخلية، وتبدل اقليمي بالغ التعقيد يكثر فيه الحديث عن <صفقة القرن> وما تستتبعه من تجاهل للقضية الفلسطينية والنضال العربي ــ واللبناني خصوصاً ــ لضمان حق العودة الذي يطرح البعض الاستعاضة عنه بمبالغ مالية يتم <إغراء> الدول المستضيفة للاجئين الفلسطينيين بها، ولاسيما لبنان <المزنوق> مالياً، والمملكة الأردنية القلقة على واقعها السياسي الراهن... ويرى هؤلاء ان خطر التوطين قائم في لبنان بصرف النظر عن <صفقة القرن> ومدى نجاح تحقيقها في ظل الاعتراضات التي عبّرت عنها قمة مكة الأخيرة بإجماع عربي قل نظيره، ذلك ان لبنان يعيش هاجس التوطين منذ ما قبل رواج الحديث عن <صفقة القرن> نظراً للبقاء الدائم للفلسطينيين على أرضه منذ 71 عاماً، مع ما رافق تلك الإقامة من تطورات وحروب وصفقات. وما يعزز هذه المخاوف وجود أطراف داخلية تتحدث عن رفضها للتوطين في حين تعمل مباشرة أو مداورة على حصوله على خلفية التعويضات التي سوف ينالها لبنان في مقابل بقاء نحو نصف مليون فلسطيني تتفاوت تواريخ لجوئهم بين لجوء قديم وآخر حديث.

مسح غير دقيق!

 

وفي هذا السياق، تستغرب مصادر متابعة ما كانت لجنة الحوار اللبناني ــ الفلسطيني التي يرأسها الوزير السابق حسن منيمنة قد أعلنته من أن عدد الفلسطينيين في لبنان لم يعد يتجاوز الـ180 ألفاً، لاسيما وان التدقيق أظهر ان المسح الذي أجري لصالح هذا التقرير لم يشمل سوى الفلسطينيين الموجودين في المخيمات وفي عدد من المنازل المجاورة وتم تجاهل وجود فلسطينيين مع عائلاتهم في أماكن سكنية مختلطة مع أماكن سكن لبنانيين، ما جعل المسح المشار إليه غير دقيق ولا يمكن الاعتداد به. وقد طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد اطلاعه على الملابسات التي رافقت اجراء المسح، عدم الاستناد إليه، لاسيما وان المعطيات التي لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية تشير الى ان العدد التقريبي يوازي 430 ألف فلسطيني، يضاف إليهم نحو 80 ألف فلسطيني نزحوا من المخيمات السورية خلال الأعوام الماضية، لاسيما مخيم اليرموك الذي كان مسرحاً لقتال ضار بين الجيش السوري وارهابيي <داعش> وغيره من التنظيمات التي انتشرت في سوريا منذ أحداث العام 2011.

ويرى المطلعون على موقف السيد نصر الله وغيره من القيادات المؤيدة لطرحه، ان اتفاق اللبنانيين على خطة عمل تنفيذية لمنع التوطين امكانية واردة، لاسيما وان عدد الفلسطينيين والسوريين المنتشرين في لبنان بات يشكل نصف عدد السكان الأصليين إذا لم يكن أكثر، وهذا الواقع ينذر بمخاطر كثيرة لا بد من تداركها سريعاً خوفاً من الأسوأ. وفي اعتقاد المطلعين ان ما يمكن أن يسهل الاتفاق على خطة تنفيذية لمواجهة توطين الفلسطينيين، وجود وحدة موقف لدى اللبنانيين سواء بالنسبة الى رفض التوطين، أو ضرورة عودة النازحين السوريين الى ديارهم، وبروز قناعة لدى الفلسطينيين أنفسهم ان ثمة محاذير عدة لتوطينهم في دول الشتات ومنها لبنان لأن ذلك سيفقدهم هويتهم ويزيد من ضياع وطنهم الأم. ولعل الترميم الذي حصل للعلاقات بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، وبين هذه الفصائل نفسها، ما سوف يساعد على توحيد الموقف الرافض للتوطين، والتقيد بما تقرر في القمة العربية في بيروت العام 2002 التي أقرت المبادرة العربية للسلام والتي التزمت حق العودة للفلسطينيين بعد إضافة فقرة على هذه المبادرة بإصرار من الرئيس اللبناني السابق العماد اميل لحود الذي لاحظ في حينه عدم وجود إشارة الى حق العودة، فعلق افتتاح الجلسة الختامية الى حين أضيفت فيه الفقرة المتعلقة بهذا الحق. ومنذ ذلك الحين ولبنان يتمسك في كل القمم العربية وفي المحافل الاقليمية والدولية بحقه في ادراج هذه الفقرة على كل القرارات ضمانة لبقائها حية وعدم تمكين أحد من تجاهلها، واستباقاً لأي ضغوط يمكن أن تمارسها جهات دولية على لبنان للقبول بالتوطين في مقابل <تصغير> الديون والدعم المالي والاقتصادي... وينادي أكثر من قيادي لبناني بان مقدمة الدستور التي تشير الى رفض التوطين لا يمكن تعديلها إلا بإجماع اللبنانيين من خلال استفتاء شعبي يُجرى لهذه الغاية، علماً ان لا مؤشرات تدل الى وجود رغبة لدى أي من المكونات اللبنانية بالتراجع عن مطلب رفض التوطين لأي سبب كان.

 

رسائل دولية: اقبلوا التوطين!

 

وعلى رغم القناعة الموجودة لدى اللبنانيين بمواجهة أي محاولة لفرض توطين الفلسطينيين على أرضهم، فإن ثمة معلومات وصلت الى مراجع سياسية وأخرى أمنية لبنانية، أشارت الى ان ثمة رسائل دولية وصلت الى بيروت وانطوت على <تعليمات> بضرورة تحضير الأجواء كي يصار الى <زرع> النواحي <الايجابية> للتوطين على قاعدة ان هؤلاء الفلسطينيين لن يغادروا لبنان ولن تتوافر لهم الظروف الملائمة للعودة الى أرضهم، والذين استطاعوا <تدبير أمورهم> والسفر الى دول عربية أو دولية لا تتجاوز نسبتهم الـ15 بالمئة من الفلسطينيين الموجودين في لبنان، وبالتالي لا يمكن احتساب هذا الرقم على انه يبدّل بالواقع شيئاً. وشجعت الرسائل المشار إليها ضرورة <تسليم> اللبنانيين بهذا الواقع والقبول به. وقد وصلت هذه المعلومات أيضاً الى مراجع فلسطينية سارعت الى اطلاع قيادات سياسية عليها بهدف العمل على إحباط المخطط القديم ــ الجديد الذي يتلازم مع الترويج لـ<صفقة القرن> التي يستسهل البعض امكانية تطبيقها فيما يستبعد البعض الآخر هذه الفرضية. لكن الأصوات التي تسوق لـ<الفوائد> التي تحققها <صفقة القرن> تسعى الى <تجميل> مفاعيل هذه الصفقة على لبنان والتعامل معها وكأنها باتت قدراً محتوماً لا مفرّ من قضائه. وهذا الواقع أدركه السيد نصر الله في اطلالاته الإعلامية الأخيرة وكشفه في مقدمة لتحرك واسع لمواجهته لأن التوطين ــ في رأي السيد نصر الله ــ من مكملات <صفقة القرن> ونتائجها المرتقبة، ولعل المعلومات التي أشارت الى <عدم قدرة> لبنان على مواجهة تداعيات <صفقة القرن> عليه لاسيما من خلال توطين الفلسطينيين على أرضه، هي التي دفعت الى <استنفار> سياسي بحثاً عن خطة تنفيذية للمواجهة لأن المواقف السياسية والإعلامية لم تعد كافية، ولا بد من الانتقال الى مرحلة الرفض العملي. وفي هذا السياق، كشفت مصادر أمنية لبنانية ان مسؤولاً أمنياً أوروبياً أبلغ زميلاً له في لبنان انه قد يكون من الأجدى للبنان القبول بتوطين الفلسطينيين لديه على ألا يتجاوز عدد هؤلاء الـ180 ألف شخص لأن ذلك سيرتد عليه بفوائد مالية تساعده في أزمته الاقتصادية الخانقة التي يعيشها! غير ان هذا المسؤول الأمني الأوروبي سمع كلاماً خلاصته ان لبنان لا يستطيع القبول بتوطين الفلسطينيين على أرضه انطلاقاً من النصوص الدستورية والقانونية التي ترعى الانتظام العام في البلاد، فضلاً عن وحدة الموقف اللبناني الرافض لهذه الفكرة رفضاً مطلقاً، ويتسلح في موقفه بوحدة اللبنانيين حيال هذه المسألة الذين قد يصل بهم الأمر الى المطالبة بتوزيع الفلسطينيين المقيمين على الأرض اللبنانية الى الدول العربية التي تملك مساحات يمكن احلال الفلسطينيين فيها ليواصلوا مسيرة <نضالهم> لإقرار حق العودة من الدول التي يلجأون إليها لاسيما تلك التي يمكنها أن تستضيفهم. وقد قال الرئيس عون بوضوح ان لبنان لم يعد قادراً على استيعاب هذه الأعداد الهائلة من الفلسطينيين لاسيما بعد تزايد أعداد النازحين السوريين، ويمكن ترجمة التضامن العربي بأن يصار الى اعتماد توزيع واقعي ومنطقي للفلسطينيين في الدول العربية القادرة!