بقلم خالد عوض
زيارة وزير الخارجية الاميركي <مايك بومبيو> للشرق الأوسط حملت عدة عناوين، تصب كلها في هدف وحيد وهو تمهيد خروج الولايات المتحدة عسكريا من سوريا، فالكلام الأميركي عن قوة عسكرية عربية أو <ناتو> عربي ثم الإعلان عن مؤتمر دولي حول إيران في بولندا في شباط (فبراير) المقبل، وأخيرا التأكيد على ضرورة خروج إيران من سوريا وإلتزام الولايات المتحدة بذلك، كلها إشارات تدل أن الولايات المتحدة تريد قوات عربية عسكرية في سوريا لتغطي انسحابها من هناك... ولكن الضغط الأميركي المتصاعد ضد إيران يشير إلى أن هكذا قوة ستكون أساسا لمواجهة إيران عسكريا.
المنطقة التركية... غير الآمنة!
ملفت جدا كلام الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> أنه سيدمر إقتصاد تركيا إن هي تعرضت للأكراد. لم يسبق لأي رئيس أميركي أو أي دولة أخرى أن هدد بهذه الطريقة. هل يمكن فعلا للولايات المتحدة أن تسحق الإقتصاد التركي كما يدعي <ترامب>؟ مجريات الأحداث في الصيف الماضي أكدت ذلك بكل وضوح، فعندما لوّح الرئيس الأميركي بعقوبات اقتصادية على تركيا إن هي لم تخل سبيل القس الأميركي <أندرو جاكسون> هبطت الليرة التركية ٤ بالمئة على الفور، وعندما فرضت الولايات المتحدة بعد ذلك بقليل عقوبات على وزيرين تركيين تراجعت الليرة عشرة بالمئة أخرى، ثم فرض <ترامب> رسوما جمركية على الحديد والألمنيوم التركي فانهارت الليرة أكثر من ١٨ بالمئة في يوم واحد. الولايات المتحدة شريك تجاري مهم لتركيا فهي رابع أكبر مستورد منها وخامس أكبر مصدر لها، ولذلك كلام <ترامب> ليس تهديدا هوائيا. بعد هذا الوعيد تفاهم الرئيس الأميركي مع نظيره التركي على إقامة منطقة آمنة داخل سوريا وأكد <ترامب> ممانعته لتعرض تركيا لأي عمل إرهابي من قبل الأكراد، وهذا يعني طوي مسألة العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا. حدود المنطقة الآمنة وكيفية <تأمينها> وقبول النظام السوري ومن خلفه روسيا بها كلها مسائل شائكة ولذلك لن يكون تطبيق تفاهم <ترامب-اردوغان> سهلا، وليس مستبعدا أن تدخل الشياطين الروسية والإيرانية والكردية في التفاصيل لجعل هذه المنطقة وحولا متحركة للأتراك.
<بولتون> و<بومبيو>... و<البعبع> الإيراني!
من الغريب حقا أن تشهد السياسات الأميركية الخارجية تحولات بهذا الشكل - وليس الكلام هنا عن التناقض بين سياسة <ترامب> وسياسة سلفه <اوباما> الذي عبّر عنه بكل وضوح وزير الخارجية الأميركي خلال محاضرته في الجامعة الأميركية في القاهرة منذ أسبوع - بل المقصود هو التذبذب في المواقف والتصاريح التي تربك الحلفاء قبل الخصوم. مرة نسمع عن قرف أميركي من كل الشرق الأوسط وضرورة الخروج بسرعة من وحوله المكلفة ثم يطل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض <جون بولتون> بطلب إلى البنتاغون لدراسة الخيار العسكري ضد إيران مع كل ما يعني ذلك من إنغماس أميركي في المنطقة. هناك دلائل كثيرة على إمكانية وجود مفاوضات أميركية إيرانية غير مباشرة. وكأي مفاوضات، ستمر بطلعات ونزلات. يبدو أنها تمر حاليا بإحدى مراحل تعثرها الذي يظهر في لبنان والعراق واليمن، والذي قد يكون أيأس الأميركيين من إمكانية نجاح أي مفاوضات غير مباشرة وجعلهم يحشدون العداء لإيران جهارا، حتى أنهم ذهبوا حاليا أبعد من كل خصوم إيران في المنطقة وبشكل غير مفهوم.
الموازنة الإيرانية دليل ضعف أو واقعية؟!
على عكس العام الماضي لم يحصل أي جدل داخلي في طهران هذه السنة بخصوص موازنة ٢٠١٩ -٢٠٢٠ رغم أن الموازنة المطروحة تقدر بحوالى ٤٨ مليار دولار أي أقل من نصف سابقتها. الكل تقبل واقع العقوبات وسياسة شد الحزام. إيران لم تعد في وضع يسمح لها بالإستمرار في الإنفاق العسكري المفتوح أو في الإنفاق الخارجي، ولا شك أن الميليشيات الداعمة لها في المنطقة ستعاني ماليا في ٢٠١٩. كما أن إيران ليست في وضع يسمح لها بالدخول في حرب كبيرة لأنها حتى لو انتصرت فيها عسكريا فإنها ستقضي بها على ما تبقى من اقتصادها ولن يتحمل نظامها ما يمكن أن يحصل داخليا بعد أي حرب. في الوقت نفسه لن تجد إيران عند الصين وروسيا الدعم الإقتصادي والمالي الكافي، اذ ان الأولى بدأت تشعر بتأثير الحرب التجارية على اقتصادها والثانية تدير اقتصادها بين ألغام العقوبات... رغم كل ذلك لا زالت الإستراتيجية الإيرانية ثابتة من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا وصولا إلى اليمن.
المشكلة بين الولايات المتحدة وإيران ليست في لبنان ولا في العراق ولا حتى في اليمن. الخلاف هو في سوريا. الأميركيون (والإسرائيليون بالطبع) لا يريدون إيران في سوريا وهم يعلمون أن انسحابهم من الأراضي السورية سيترك فراغا كبيرا يعرف الإيرانيون والروس جيدا كيف يملأوه، لذلك يسعون إلى <إنزال> قوة عسكرية بديلة في الغرب تماما كما هم الأكراد في الشرق. الهدف المعلن هو طبعا الحرب على ما تبقى من <داعش> التي يمكن أن نشهد لها صولات جديدة لتعزيز نظرية ضرورة محاربتها، ولكن الهدف الأبعد هو إجهاض الوجود الإيراني في سوريا... فهل ينجر العرب إلى ذلك أم تسبقهم إيران وتأتي إلى طاولة المفاوضات <الترامبية> لتحصل على هدايا إقتصادية أميركية بالجملة؟